تلك التى رحلت
صاحت الديكة, فأذن للفجر, قامت فصلت فسجدت فأطالت السجود.
راحة غريبة تملء كيانها ورضا تام ويقين لا يأتى إلا لمن له كرامة, ذلك الحلم الذى حل ضيفا عليها طيلة الليلة فكان رقيقا, عذبا, حلو المذاق, وتلك الآية التى كانت ترتعد فرائصها عند سماعها ولو صدفة فى مكان ما ,"كل نفس ذائقة الموت", لماذا تستطعم حلاوتها الآن, تشعر أنها تنزل بردا وسلاما على قلبها.
أيام مضت, كانت قد تغيرت تصرفاتها تماما, نظرت إلى الدنيا بمنظار أرحب, وعين بكاءة ونفس تواقة إلى الطاعة, فزهدت فى كل شئ وأعرضت, إلا عن استجداء العفو والمنة.
لم تعد من أولئك الساعين إلى الدنيا, المتكالبين على زخرفها, تغيرت معاملتها مع الأقارب والأحباب والمحيطين, تلك التى كانت منذ أيام فقط تسقط جحيمها وجم غضبها على كل معارض أو لوام أو مشفق أو ناصح سليم النية, عرفت ماهية الدنيا فقضت على روعنتها وسلكت ديدن الدين فأزدادت شوكتها.
ذاك الصباح خرجت, لم تنس أن تلقى نظرة مشتاقة على فراشها ودميتها التى سامرتها الليالى, وصورة أبيها المتوفى, قبلت يد أمها فى حنو, ومسحت على رأس أخيها اليتيم.
أغلقت باب الشقة, فشعرت أنها تغلق صفحة حياتها مع من تحب, غربة قصيرة ستغمرها فى غياب الأحباب, ذهبت إلى الجامعة, مازالت الدموع تتحجر فى مقلتيها, إبتسامة عذبة لم تعرفها من قبل..