من بلاغة القرآن(2) ... مراجعات ضرورية

من بلاغة القرآن الكريم (2)

حول السجع و الجناس...مراجعات ضرورية

كتبت في مقالتي السابقة عن بعض نماذج من موضوعات علم البديع في القرآن الكريم و لقد أسرفت- مخطئا- بعض الشئ في أمر الحديث عن السجع في القرآن و لذلك قام صديقي و أستاذي الدرعمي عماد عناني بتنبيهي إلي عدم جواز القول بوجود السجع في القرآن الكريم ...و لذلك قمت بالبحث في هذا الموضوع إحقاقا للحق و نشرا للعلم الدقيق حول آيات كتاب الله ..و ليس مجرد الضرب في الخيالات و الآراء الشخصية المتهورة التي كثيرا ما تخطئ و قلما تصيب.
و لقد رجعت في هذا الأمر إلي كتاب أحسبه الأفضل في بابه و هو( كتاب الإتقان في علوم القرآن) للعلامة الحافظ جلال الدين السيوطي- تحقيق أحمد بن علي- طبعة دار الحديث بالقاهرة , وكذلك كتاب (البيان في روائع القرآن ) للدكتور تمام حسان - و هو أستاذ في معهد اللغة العربية - في جامعة أم القري بمكة المكرمة


يقول الإمام السيوطي : ( الفاصلة كلمة آخر الآية , كقافية الشعر و قرينة السجع ) و تقع الفاصلة عند الاستراحة بالخطاب لتحسين الكلام بها , و هي الطريقة التي يباين بها سائر الكلام و تسمي فواصل لأنه ينفصل عنده الكلامان و ذلك أن آخر الآية فصل بينها و بين ما بعدها ...و لا يجوز تسميتها قوافي إجماعا لأن الله تعالي لما سلب عنه اسم الشعر وجب سلب القافية عنه أيضا لأنها – القافية – منه – أي الشعر – و كما يمتنع استعمال القافية – أي القرآن – يمتنع استعمال الفاصلة في الشعر لأنها صفة لكتاب الله تعالي فلا تتعداه

و هل يجوز استعمال السجع في القرآن ؟

هنا خلاف بين العلماء ..و لكن الجمهور علي المنع .
و قد قال رسول الله - صلي الله عليه و سلم- لرجل تكلف في السجع أمام الرسول ( أسجع كسجع الكهان ! ) و الحديث في صحيح مسلم

و في رواية أن الرسول -صلي الله عليه و سلم – قال : إنما هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجعه )
فجعل رسولنا الكريم السجع مذموما و مستنكرا


و نري فواصل القرآن متفاوتة بعضها متداني المقاطع و بعضها يمتد حتي يتضاعف طوله عليه و ترد الفاصلة في ذلك الوزن الأول بعد كلام كثير و هذا في السجع غير مرضي و لامحمود

و قيل : و كان الفصيح من كلام العرب لا يكون كله مسجوعا لما فيه من أمارات التكلف و الاستكراه لا سيما مع طول الكلام

و يقول الدكتور تمام حسان ( لم ينسب العرب – و هم مشركون – القرآن إلي سجع الكهان لوضوح مقاصده و غموض السجع و لأنه ليس مسجوعا و لا يلتزم ذلك في أسلوبه )

إذا خلاصة القول أنه لا سجع في القرآن – إجماعا – و إن خالف بعض العلماء- اجتهادا - و قالوا بوجود السجع في القرآن – في بعضه و ليس كله – و الله أعلم


هذا ما كان من أمر الحديث عن السجع في القرآن ..فما مسألة الجناس في القرآن ؟

أري – متوكلا علي الله – أن القرىن فيه جناس بأنواعه المختلفة و هذه نقول من أقوال العلماء توضح هذا الأمر

الجناس : تشابه اللفظين في اللفظ و فائدته الميل إلي الإصغاء إليه فإن مناسبة الألفاظ تحدث ميلا و إصغاء إليها

و أنواع الجناس كثيرة و منها مثلا – و ليس حصرا – الجناس التام بان تتفق الكلمتان في نوع الحروف و أعدادها و هيئاتها كقول الله تعالي(ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة ) و منها جناس الخط و يسمي المصحّف بأن تختلف الحروف في النقط كقوله تعالي ( و الذي هو يطعمني و يسقين و إذا مرضت فهو يشفين )
و منها جناس الاشتقاق بأن يجتمعا في أصل الاشتقاق مثل قوله تعالي ( وجهت وجهي )
و لكون الجناس من المحاسن اللفظية لا المعنوية ترك عند قوة المعني كقوله ( و ما أنت بمؤمن لنا و لو كنا صادقين ) قيل ما الحكمة في كونه لم يقل و ما أنت بمصدق لنا فإنه يؤدي معناه مع رعاية التجنيس ؟
إن (مؤمن) تعني التصديق و يزيد عليه إعطاء الأمن

فالجناس موجود في القرآن و له ارتباط وثيق بالمعني كما يقول الدكتور تمام حسان ( فكل آية تنتهي بكلام ذي علاقة عضوية سواء من حيث التركيب أو الأسلوب بما سبق من بقية الآية فلا تكاد الآية تستغني عنه دلاليا لشدة الارتباط بينه و بين بقية أجزائها


خلاصة القول أن الفاصلة القرآنية – و هي ليست سجعا بالطبع – قيمة صوتية ذات وظيفة مهمة في الآيات الكريمة و الجناس له غرض بلاغي و معنوي مهم جدا و الله أعلي و أعلم

العودة إلي الحق واجبة و تصحيح الأخطاء مهم

و خير الخطائين التوابون


و فوق كل ذي علم عليم

أحسنت أخى الكريم
جزاك الله كل الخير

شكرا يا أستاذ عماد

تحياتي

شكرا يا صديقي العزيز ابن قنود علي مداخلتك القيمة

تحياتي

أستاذ عاطف الحناوى/
لقد فتحت بابا كنّا غافلين عنه, ألا وهو دراسة أسلوب القرآن الكريم, (وموسيقاه)
فى رأيي إن العرب غفلوا جانبا هاما جدا من القرآن الكريم, ألا وهو الجانب الجمالى, فلو أنهم درسوه بلا تعنت, لكان العرب هم أسبق الأمم فى فن القصة القصيرة, الفن الذى أخذناه عن الغرب فى أواخر القرن التاسع عشر. فالقرآن سبق الجميع فى الإبداع القصصى, وسيظل إلى يوم البعث آية جمالية يعجز العقل البشرى عن محاكاتها..
وطه حسين عندما اقترح أمر كهذا اتهموه بالإلحاد !
....
لكن أحييك استاذ عاطف على الموضوع وجعله الله فى ميزان حسناتك.
بالتوفيق دايما

شكرا للصديق محمد الشواف من أجل مداخلته القيمة

طه حسين و أمر اتهامه بالكفر أمر يحتاج إلي حديث طويل و لكن يكفي أن الرجل راجع نفسه و صحح أخطاءه و هذه صفة العلماء المحترمين

لك كل التحية يا صديقي العزيز