الاقتباس من القرآن الكريم في الشعر

الاقتباس من القرآن في الشعر

في ندوة النادي المصري السكندري الأسبوعية- يوم الخميس 10-5-2012 - عرفت من خلال حديث الدكتور محمد شكري جاد عن أمر الاقتباس من القرآن , أنه قد دار جدال , حول قصيدة قيلت فيها جملة ( اخلع نعليك إنّك بالوادي المقدّس طوي).

و قد عرض الدكتور محمد شكري قصيدة , للشاعر العظيم عبد المنعم الأنصاري – رحمه الله – و قد ضمّنها الشاعر جزءا كبيرا من سورة البروج , و حين جاء دوري في الحديث قلت : إن هذا موضوع مهم , و يستحق إفراد المناقشة و البحث , و لذا اسمحوا لي أن أشارك في المناقشة الندوة القادمة بإذن الله .
و قد سمحت لي إدارة الندوة , ممثلة في الأستاذ سيد الخشاب , و الأستاذ عادل عوض سند , و الدكتور محمد شكري , بالمشاركة في الموضوع , مناقشة علمية أصولية ...فلهم كل الشكر ....إلي الدراسة :

السؤال الآن ...هل يجوز تضمين أبيات الشعر , بعضا من آيات القرآن أو أقوال الرسول صلي الله عليه و سلّم ؟

إجابتي بكل تأكيد : نعم يجوز , و لكن بضوابط يجب الالتزام بها .

و سأورد الآن بعضا مما قرأت عن الموضوع , من كتب العلماء الثقات , في مجال اللغة و الأدب , و القرآن الكريم .

الكتاب الأول : الإتقان في علوم القرآن للحافظ السيوطيّ
الكتاب الثاني: الاقتباس من القرآن الكريم للثعالبيّ

يقول الثعالبي يقول في مقدّمته : ( و جعلته – يعني الكتاب - مجتمعا علي كل ما استحسنتُه, و اخترته من الُلمع و الفِقرِ , من اقتباس الناس علي اختلاف طبقاتهم, و تفاوت درجاتهم, من كتاب الله عزّ اسمه , في خطبهم و مخاطباتهم و حكمهم و آدابهم و أمور معاشهم و معادهم و في مكاتباتهم و محاوراتهم, و مواعظهم وأمثالهم و أشعارهم و سائر أغراضهم) .

و يقول : ( إنما قصاري المتحلّين بالبلاغة أن يقتبسوا من ألفاظه و معانيه )... انظروا ما قال الثعالبيّ !

لماذا ؟
لأنه كلام رب العالمين و هو أحسن الكلام و أبلغه .
و يجوز اقتباس اللفظ و المعني من القرآن ( و كما يقول الحداثيون التناص مع القرآن ) و الاقتباس قد يكون حسنا و قد يكون سيئا و مكروها .

الاقتباس السئ :

و أضرب مثالا علي ذلك بقول الشاعر :

يا بني طاهر أتتكم جنودُ الله و الموت بينها مثبورُ

في جيوش ٍ إمامهن أبو أحمد َ " نعم المولي و نعم النصيرُ "

و الاقتباس هنا من سورة الأنفال آية 40

و قد أطلق الشاعر صفة خاصة بالله عز و جل , علي رجل من خلق الله, و كأنه جعل هذا الأمير, ندّا لله, و هذا غير جائز !!....و لا حول و لا قوّة إلا بالله .

و من الاقتباس السئ أيضا , ما أورده السيوطيّ , حين يقول الشاعر :

أوحي إلي عشّاقهِ طرفُه ُ "هيهات هيهات لما توعدون "
و ر ِدفُه ينطقُ من خلفِه " لمثل ذلك فليعمل العاملون "

فإن الشاعر قد ضمّن الآية في معني هزل ...و نعوذ بالله من ذلك .
بل و من الاقتباس السئ للغاية – و ليس شعرا – أن أحد الخلفاء , وقّّع علي شكوي من أحد عماله يشكوه الناس : ( إن إلينا إيابهم ...ثم إن علينا حسابهم ) , فقد نسب شيئا لله نسبه إلي نفسه و نعوذ بالله من ذلك .

الاقتباس من سورة الغاشية آية 25- 26

و من نماذج الاقتباس الجيّد مايلي :

قال أبوفراس - معبّرا عن الوجه الحسن الجميل :

كان قضيبا ً له انثناء ُ و كان بدرا له ضياءُ

فزادهُ ربُّه عذارا تم به الحسن و البهاءُ

لا تعجبوا ربّنا قدير " يزيد في الخلق ما يشاءُ"

الاقتباس من سورة فاطر آية 1

و يقول الشاعر – و هو اقتباس مشهور - :

قل للذين رجوا شفاعة أحمد " صلّوا عليه و سلّموا تسليما "

و يقول الشاعر و- هو اقتباس ممتاز من وجهة نظري - :

رأيت الحبّ نيرانا ً تلظّي قلوب العاشقين لها وقود ُ

فلو كانت إذا احترقت تعافتْ و لكن كلما احترقت تعودُ

فأهل النار ِ إن نضجتْ جلودٌ يبدّل الشقاء لهم جلود ُ

الاقتباس من سورة النساء آية 56


و عندنا تراث ضخم , من الشعرو النثر, الذي يحفل باقتباسات متعددة من القرآن الكريم, منذ أيام الإسلام الأولي ( خير القرون ...رضي الله عنهم جميعا ) و حتي عصرنا الحالي, و سوف يكون التأثر بالقرآن موجودا و فاعلاً في المستقبل بإذن الله , لأن القرآن هو النموذج الأعلي و الأكمل في البلاغة , كيف لا و هو كلام رب العالمين , الذي لا يأتيه الباطل , من بين يديه و لا خلفه .

رأي لغوي حول الموضوع ...و هو اجتهاد منّي و أرجو أن أكون علي صواب و الله الموفق و المستعان :

القرآن نزل باللغة العربية , و اللغة العربية لها خصائص موسيقية و نغمية, لا تخفي علي أحد , و ربما هذا ما دعا المشركين , للقول بأن القرآن , شعر هو أنهم وجدوا نظام الفواصل القرآنية , و توهّموا كونها قوافٍ , كما أنهم وجدوا بعض الآيات موزونة الإيقاع , مثل عهدهم بالشعر , فتوهّموا كون القرآن مثل الشعر , و اتهموا سيدنا محمد بأنه شاعر , و هيهات هيهات لما يوعدون .

فهم قد أخطأوا , فالقرآن كلام الله , و لا شئ مثله قط ّ, لا شعر و لا نثر , و لله المثل الأعلي .

و إذا ما اقتبس شاعر بعضا من القرآن , فإننا نجد أن وزن البيت الشعري و وزن الألفاظ القرآنية واحد , و متفق تماما ....
مثلا حين قال الشاعر : يزيد في الخلق ما يشاء

يزي دفل خل قما يشا ءو ( الآية ..الشطر الثاني من البيت..مقتبسة من القرآن )
//0 //0 /0 //0 //0 /0

لا تعجبوا ربّنا قدير
لا تع جبو رب بنا قدي رن ( الشطر الأول من البيت )
/0 /0 //0 /0 //0 //0 /0

و البحر هنا هو مخلع البسيط و تفعيلاته ( مستفعلن فاعلن فعولن )

و هذه خاصية من خواص اللغة العربية – في رأيي – أي انتظام الإيقاع و الموسيقي , التي تجذب الآذان و القلوب و العقول ....و القرآن عربي , و ما هو بقول بشر, بل هو كلام الله رب العالمين .

فلا عجب أن يأتي القرآن علي مثل ما ألفه العرب, من أساليب و تراكيب ( لدرجة أن يشتبه عليهم الأمر ) فاعتقدوا أن القرآنَ شعرٌ, و ما هو بشعر, لأن الإيقاع لا ينتظم , انتظام البحور الشعرية في كل أيات القرآن .

خلاصة القول في أمر الاقتباس من القرآن :

انقسم العلماء بين مبيح ٍ و بين محرّم و في ذلك يقول السيوطي ّ : الاقتباس ثلاثة أقسام : مقبول و مباح و مردود .
فالاول : ما كان في الخطب و المواعظ و العهود .
الثاني : ما كان في القول و الرسائل و القصص
الثالث : نسبة صفة نسبها إلي نفسه ينسبها الكاتب للإنسان أو تضمين الآية في معني هزل و العياذ بالله من الوقوع في القسم الثالث ...و لقد ذكرنا أمثلة – بفضل الله– توضح كل الأقسام .

و ختاما أقول :

ليكن معيارنا للحكم علي ما نقرأ من أعمال , هو مدي صلاحية الاقتباس , و عدم تنافيه مع الدين .

أي أن يكون الاقتباس جيدا من الناحية الفنّية , كما لا يتناقض مع ما عُلم من الدين بالضرورة, مثلما رأينا في العرض السابق كيف أن من الشعراء من اقتبس صفة من صفات الله , و أسقطها علي نفسه , أو علي غيره من البشر , و هذا شئ غير جائز أو كما قيل : إيراد الصفات التي استأثر بها الله تعالي منسوبة للبشر .

و كما يقول ابن الأثير في فصل له بعنوان (في الطريق إلي تعلّم الكتابة ) :

( ثم يأخذ في الاقتباس من هذه الثلاثة، أعني القرآن والأخبار النبوية والأشعار، فيقوم ويقع، ويخطئ ويصيب، ويضل ويهتدي، حتى يستقيم علي طريقة يفتتحها لنفسه، وأخلق بتلك الطريق أن تكون مبتدعة غريبة لا شركة لأحد من المتقدمين فيها، وهذه الطريق هي طريق الاجتهاد، وصاحبها يعد إماماً في فن الكتابة، كمايعد الشافعي وأبو حنيفة ومالك رضي الله تعالى عنهم وغيرهم من الأئمة المجتهدين في علم الفقه .)

فاقرأ و تدبّر
و اعلم أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص بتحريمه .

و الله أعلي و أعلم

عاطف عبد العزيز الحناوي
الاسكندرية : 16 -5-2012
25 جمادي الآخر 1433

عادل عوض سند كتب:

بارك الله فيك وعليك

اخى الشاعر الجميل الرائع

عاطف عبد العزيز الحناوى

اشكرك على هذا الثراء اللغوى والمعرفى فى تلك الدراسه

القيمه التى قدمتها لنا . لنستزيد علماّ ومعرفه بما قد نجهله .

واشكر هذا المجهود والنشاط الذى احييك عليهما

كل الشكر والتقدير ...

بل الشكر لحضرتك يا أستاذ عادل ....

رأيك هذا يدفعني للأمام ...إلي مزيد من البحث و محاولة كشف الحقائق

أرجو ان أستطيع حضور ندوتكم الموقّرة الليلة حتي أعرض هذه المقالة علي كل الحاضرين لأننا بالحوار - فقط - نتعلم و نرتقي

لك كل الحب

الموضوع جد اعجبني واستفدت كثيرا

واحب ان اؤكد كلامك بهذا النص :

الاقتباس : أن يُضمّن الكلام نثرا أو نظما شيئا من القرآن أو الحديث كقول شمعون في وعظه : يا قوم اصبروا على المحرمات ، وصابروا على المفترضات ، وراقبوا بالمراقبات ، واتقوا الله في الخلوات ، ترفع لكم الدرجات . وكقوله : وإن تبدلت بنا غيرنا فحسبنا الله ونعم الوكيل . انتهى .

وقال السيوطي في قوله عليه الصلاة والسلام يوم خيبر : إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين . قال : هو من أدلة جواز الاقتباس من القرآن وهي كثيرة لا تحصى .

ومن الاقتباس قول الشيخ صفي الدين الحلي :
هذي عصاي التي فيها مآرب لي
وقد أهش بها طورا على غنمي

ومن التلميح قوله :
أن ألقها تتلقف كل ما صنعوا
إذا أتيت بسحر من كلامهم

ومثله قول بعضهم :
يا نظرة ما جَلَتْ لي حسن طلعته *** حتى انقضت وأدامتني على وجل
عاتبت إنسان عيني في تسرعه *** فقال لي : " خُلق الإنسان من عجل "

فالتضمين والاقتباس والتلميح جائز إلا أنه يجب أن يُصان كلام الله الذي هو القرآن عن الابتذال ، ويحرم إذا كان فيه شيء من الاستهزاء بل يصل بصاحبه إلى الكفر عياذا بالله .

ويُشترط له أن لا يقتبس من أقوال رب العزة سبحانه مما يختص به سبحانه ؛ كالخلق والإحياء والإماتة ونحو ذلك .ومثل القسم بغير الله ، كما نقلت :
والطور"
"وكتاب مسطور"
"في رق منشور"
"والبيت المعمور"
"والسقف المرفوع"
"والبحر المسجور"
والشعب المقهور
والأقصى المهجور

فهذا ليس إلا لله سبحانه ، أما المخلوق فلا يجوز له أن يحلف بغير الله .لقوله صلى الله عليه وسلم : ألا من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله ، فكانت قريش تحلف بآبائها . فقال : لا تحلفوا بآبائكم . متفق عليه .

وفي رواية : ألا إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت . وبشرط أن لا تُتّخذ آيات الله هزواً ، ولا يُتلاعب بالقرآن .

فى هذا المنتدي زد اعتقادي ان الشعر ليس كلاما عابرا عن الحب وغيره

او مجرد كلام موزون ومقفي ، لا الشعر اكبر من ذلك انه فن يجمع كل الفنون

وأدب يجمع كل الأدب وفكر يجمع كل الأفكار .

حفظكم الله

تحياتي و شكري لك أخي أحمد معيط

مداخلتك قيّمة جدا جدا

تقبّل تحياتي و خالص تقديري

حينما قرأت القصيدة التي حرّكت الجدال و أثارت الناس في ندوة النادي المصري

وجدت الشاعر يقول : ( اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ) و قلت للشاعر بأنه لا يجوز له قول ذلك ,لأنه نسب القول لنفسه, و هذا خطأ شديد, و قارن جامع النور بمنطقة العباسية , بالبقعة التي خاطب الله فيها موسي عليه السلام.

و قد قال الأستاذ سيد الخشاب قصيدة له يقول فيها ( إنا أعطيناك الكوثر ) و لكنّه كان اقتباسا ممتازا للآية الكريمة من حيث المعني و الوزن و كل شئ .


شكرا لكل الأساتذة و الأصدقاء.

صدقت أخي أحمد رجب حين قلت :

التضمين والاقتباس والتلميح جائز إلا أنه يجب أن يُصان كلام الله الذي هو القرآن عن الابتذال ، ويحرم إذا كان فيه شيء من الاستهزاء بل يصل بصاحبه إلى الكفر عياذا بالله .

هذا كلام مهم حقا يجب أن نضعه دائما تحت أنظارنا
**************

يا تري ايه أخبار الانتخابات النهارده ؟

رعاك الله يا مصر

كنت قرأت نصا منذ قليل للمبدعة فضيلة و كان فيه اقتباس من القرآن / أو تلميح لآيات من آيات الذكر الحكيم فتذكرت تلك المقالة التي كتبتها منذ مدة

أسأل الله أن ينفع بها و أن تكون خالصة لوجهه الكريم سبحانه و تعالى

محبتي للجميع