لؤلؤ اللَّحظات
(( إلى الياسمينة التي تعطر صباحاتي المتعبة ))
أتكئُ على مرفق الأيام
أغنّي , أنادي …
هل يئِسَ الفجرُ
من لونِ الشّمسِ المتوهّجة
ليرحل بعيداً بعيداً
عن عين الصَّباح ؟؟
أَمْ من فراشةٍ أيقظت وردةً
في غَفلةٍ من حارسِ الحديقةِ
فتعانقتا في رحلةِ رحيقٍ ؟؟
وياسمينة بأزرارها
النَّاصعة في الثَّلج
تشهد اللّقاء وترحّب باليوم
الوليد دون أن ترتعش
يسكب الصّبحُ لحظاته
تَتْرَى من لؤلؤ الأمل
لوحات
مرةً …
كلّما دندن طفلٌ على مسمعي
يغني صفوةَ البراءة
ويشاغبُ بلا أسرارٍ …
وكلّما غرزت نظراتي
في جَيْدِ الحبيبة
ترصعهُ ألماسةٌ
من وجيدِ الزّمن …
كلّما غَزلَ طائرٌ من زقزقته
على شجرةٍ حائرة
دنيا الفرح
يعود الاخضرارُ
بلونِ ربيع عينيكِ…
و كلّما أتعَبتُ نديمي ،
يُفارقني
ولا يتركني وحيداً كقلبي ...
بيدرُ الحزنِ يتقاسمهُ
كلُّ الأحبّةِ بحنانٍ وارفٍ
وصباحُ الفرحِ يقتاتهُ الجميعُ
قبلةً قبلةً حتّى المساء ...
آهٍ من تاريخِ الرّوح
كم أنتَ غارقٌ في كفِّ العشق
ولا تنعمُ بنومٍ هادئ
إلا في تويجةِ القلبِ ...
حبيبتي ..
أنتِ الزّمنُ وأنا روحهُ
أنا البحرُ وأنتِ ســــرّهُ
كيف أجدُني
(كعابرِ سريرٍ)* في ضفافكِ
ألهثُ بلا ثوبٍ
تشربين ملوحتي
ولا تلفظين إلا عسلاً
تدلقينهُ على أوقاتي
حتّى الشطآن
الشطــــــــآن …
***
* (عابر سرير) رواية للأديبة الجزائرية أحلام مستغانمي ...إسماعيل رسول
...................................................
لؤلؤ اللحظات ..
من النصوص المثرية والمميزة التي ، زخرتْ بها واحة النثر ، لما فيها من تصويرات دقيقة ..يمكن اعتبار أن الشاعر أجاد في إلقاء المزيد من الضوء
على لحظة ما ..باسقاطات {هرمية الصورة } على ولادة أخرى ..
هذا المزيج من التناغم بين الصور...أعطى للنصِّ خصوصيةً ، ورونقآ متمازجآ من طيفية متألقة .
تنقُّلُ الشاعر بانسياب بين الآوصاف الدقيقة في النَّص ..يجعل القارئ يعود ببساطة لقراءة المعنى من جديد ...
المقارنة في المعادلة الصعبة بين نورين ...نستمد منهما الحقائق ..هي في نظري مناظرة ..ومغامرة جريئة ..دخل فيها الشاعر ..وخرج منها بمناظرة أخرى ، تجعلك تُسلم نفسك للحقيقة الماثلة أمامك ..
هذه المعادلة كانت في قول الشاعر :
@ ..أتكئُ على مرفق الأيام
أغنّي , أنادي …
هل يئِسَ الفجرُ
من لونِ الشّمسِ المتوهّجة
ليرحل بعيداً بعيداً
عن عين الصَّباح ؟؟
بين الفجر ...والشمس ...فماذا يختار القارئ ؟؟
وهل سيسلم نفسه للمعني التناظري هنا ؟ّ!
أعتقدُ أنَّ الإجابة ، هى نعم ... بسبب التناظر الآخر في الصورة التي تليها وهي :
@ ..أَمْ من فراشةٍ أيقظت وردةً
في غَفلةٍ من حارسِ الحديقةِ
فتعانقتا في رحلةِ رحيقٍ ؟؟
وياسمينة بأزرارها
النَّاصعة في الثَّلج
تشهد اللّقاء وترحّب باليوم
الوليد دون أن ترتعش
يسكب الصّبحُ لحظاته
هذا التناظر ..يختلف جداً عن الأول ..لأن فيه مقارنة ...
بين {أيقظت } و{الغفلة }
بين معانٍ ايحائية ، في صورة ذكية ...{حديقة } {ثلج}
برغم أنَّه من المستغرب أن تتخيل ..حديقة خضراء ....وفراشة تغرق في عناق .وردة ...و أن تتخيل ياسمينة في الثلج لاترتعش ...
ومع ذلك يسكب الصبح لحظاته ..بشمسه ..ويبقى هو سيد الموقف .
ربما أرتأيتُ أن أذكر هنا ..أنِّ الشاعر ..ربما أراد أن يكتب جملته {الناصعة في الثلج } فيستبدل قوله {الناصعة كالثلج} فلا أعرف هلْ قصد الشاعر {في }
أم قصد {الكاف } ..فإذا قصد الكاف ..في اعتقادى أن معني الصورة استقام
أكثر ..وخرج من مفهوم المقارنة إلى الاعتراف .
@ كلّما أتعَبتُ نديمي ،
يُفارقني
ولا يتركني وحيداً كقلبي ...
بيدرُ الحزنِ يتقاسمهُ
كلُّ الأحبّةِ بحنانٍ وارفٍ
في هذا المقطع تلاعب ..رهين الموقف بالألفاظ ...{كلما أتعبتُ نديمي .يفارقني}
ومع ذلك ليس فراقاً دائمآ ..عبَّر عنه الشاعر بجملة {لايتركني }
فهذا اعتراف ..مبطن بالهزيمة ...{ أنا غير موجود ..ولكني هنا }
يُسقط الشاعر كامل الصورة ...بعنوان يصلح لأن يكون مقولةً:
{بيدر الحزن يتقاسمه ...
كل الأحبة بحنانٍ وارفٍ}
هناك ملاحظة نحوية ..وهى أنك إذا استعملت {كلما } فإن الفعل الشرطي بعدها ..يكون ماضيآ ..وكذلك فعل جوابها ...{كلما أتعبتُ نديمي ..فارقني }
{كلما غزل طائرٌ من زقزقته ..عاد الأخضرار }
يعود الشاعر إلى {أدلجة } الصورة ..ويلخص كل قصيدته في المقطع الأخير ..الذي أعطانا {البرمجة الأخيرة للنص } ومحا بها كل مبهم عنه فيقول :
@..
أنتِ الزّمنُ وأنا روحهُ
أنا البحرُ وأنتِ ســــرّهُ
كيف أجدُني
(كعابرِ سريرٍ)* في ضفافكِ
ألهثُ بلا ثوبٍ
تشربين ملوحتي
ولا تلفظين إلا عسلاً
تدلقينهُ على أوقاتي
حتّى الشطآن
الشطــــــــآن …
***
يلاحظ القارئ ..أنها عودة ذكية جدآ ..للخط الأول في النص ..بين الفجر و
الشمس ..وبين الفراشة والزهرة ...وولادة الرحيق ...
أحببتُ أن أُلقى بدلوي ..على هذا النَّص الجميل ..والممتع ، قراءةً ، و معنىً ، وصورة ً ...متمنيةً أن تكون قراءتي دافعآ قوياً لأخي وصديقى وشاعرنا إسماعيل رسول ..للمزيد المزيد من الإبداع...وشكرآ لهذه الروعة التي أمتعتنا بها