الثورة والرفض قراءة في ديوان"فنألت نحوك" جانب من مؤتمر مطروح

[center]

الأدب والثورة
قراءة في ديوان "فنألت نحوك " للشاعر / نصر الدين سالمان

قبل أن أتكلم عن الديوان لابد أن نتعرف علي الشاعر وبيئته ،ولبيئة الشاعر علاقة مهمة بإبداعه حيث أن الشاعر لا ينفصل عن بيئته و حيث أن الأديب لا ينفصل عن بيئته وهموم بيئته جاء الشاعر / نصر الدين سالمان من قرية كفر زرقان - مركز تلا التابع له بيت ثقافة ميت أبي الكوم بقرية تحمل نفس الاسم وهي مسقط رأس الرئيس الراحل محمد أنور السادات وقد جاء الشاعر محملاً بثقافة استمدها من الريف ومما تعلمه في مدارس القرية وقد عرفته شاعراً يكتب الفصحى والعامية كما أنه كتب للطفل الكثير من القصائد الخفيفة الموحية والمعبرة عن ثورة الشاعر وأدبه الرافض دائما وكذلك أدبه الساخر من الأوضاع المحيطة بالشاعر المتاخمة لحدود أسرته وكتب الشاعر قبل هذا الديوان أربعة دواوين كان أشهرها – " دموع العين" ، " عانديني" وهو أيضا عنوان يحمل معني الرفض ، الرفض لكل شيء يعانده والثورة عليه حتي لو كان هذا الشيء هو وطنه وكان آخر أعماله المنشورة ديوان " فنألت نحوك " وهو الديوان الذي نشرته الهيئة العامة لقصور الثقافة ضمن مطبوعات قصر الثقافة هذا العام ويتكون هذا الديوان من ثمانٍ وثلاثين قصيدة بدأها بقصيدة " فأنت يا رب تعفو " وقد تنوعت قصائد هذا الديوان ما بين الوطني والعاطفي وأدب الأطفال ولم ينس الديوان الجانب الثوري الرافض ذلك الجانب المعهود في أدب الشاعر نصر الدين سالمان ولو دققنا النظر وأكثرنا التأمل لوجدنا أن معظم إبداع نصر الدين سالمان هو أدب ثوري ولو تراءى للآخرين غير ذلك فقد تكلم الشاعر عن أوضاع المجتمع المصري والعربي بحدة شديدة كنت آخذها عليه فتلك الحدة قد جلبت عليه في بعض الأحيان الكثير من المشاكل بل كانت تؤثر عليه نفسيا وصحيا فكثيرا ما كان يتوعك ولكن يبدو أن شاعرنا الرقيق قد استعذب هذا التوعك لأنه كان مهموماً بقضايا وطنه ولم ينته الشاعر حتى قامت الثورة المجيدة فكانت الثورة عيده الذي ظل ينتظره سنوات عديدة يقسو عليه الدهرُ حينا وأصدقاؤه حينا والمرضُ أحايين كثيرة و لا أخفي عليكم القول أنا كنتُ أكثر الأصدقاء قسوة عليه وهذه القسوة كانت نابعة من فرط حبي وعشقي للإبداع فدائما أغارُ علي الإبداع الجيد من الركاكة وهذا ما تغلب عليه الشاعر وقد نآى بأسلوبه وألفاظه عن الركاكة المعهودة في كثير من إبداع أدباء هذا العصر .

ولا أود أن أنسي جانب العاطفة أو الغزل والفخر والوصف للقرية وكأنني أستمع إلي الشاعر العملاق الكبير " محمود حسن اسماعيل - شاعر الكوخ "
أما الرثاء فقدم لنا الشاعر قصيدته الرائعة "وديعة " وهي تحمل أجمل المعاني الإنسانية وأجلها وأسماها وهي المحافظة علي العهد والوعد ولو أنه بذل حياته . وهذه القصيدة ثورة تحمل بين طياتها ثورة من نوع مختلف عن كل الثورات ، هي ثورة ضد خدع الحياة وأنه سيصارعها فنراه يقول :

رحلتَ بـزهـوٍ مـن حـيـاةٍ مـخادعه هنيئـاً .. ودع قــلــبــى يـقــاســى مـصــارعـــــه

هـو الـدهــر لـو يصـفـو لـقـلـبٍ فـلحـظـةً .. وعـمـراً يُـرِى الـقلـبَ الـرقـيق زوابعـه

ولا يقف الشاعر عند هذا الحد . وتأتي ثورة الشاعر في آخر هذه القصيدة وأنه سيبذل كل ما لديه للمحافظة علي تلك الوديعة و لو بذل في سبيل ذلك حياته فنراه يقول :
ولو خيروني بين نفسي وعهدكم بذلت حياتي في سبيلك طائعه
وفي قصيدة أخري تنساب ألفاظ الشاعر رقة وعذوبة و قد نسيه الحب ، وقد نسيته الأغاني .
وهي قصيدة "دعني " فنراه يقول
دعــنـى صــريــعـــاً مُــعَــنَّــى ... يَــرْجُـو طُـيُـوفَ الأَمَـــانِـى

لا تــســــألِ الـحــــبُ عــــنَّـــا ... نـســـيـتُ كـــلَّ الأغَـــــانـى

وما زالت ألفاظ الشاعر تتهاوي كحجر جلمدٍ تساقط من علٍ في قصيدة الثورية " غضبة الليث " فأدب الشاعر أدب الثورة والرفض حين يستنهض الهمم ويستلهم المجد من التاريخ العربي شاهراً صارمه علي رؤوس من سماهم بالحـُمُر حين يرفض أن يرضى بالخطب فيقول :.

أستنـهض الجِــــدَّ والإيـمانَ فى دمِـنـــا أستـلـهـمُ المـجـدَ من تـاريـخنا العربى

يَـنْصَبُّ صارمُـنــا حتـفـاً على حُــمُـــرٍ قـد غــرَّهم – زمنـاً – تـرنيـمةُ الغلَـبِ

أطـوى هـوى أمــمٍ جـاءوا بحقـدهــمـو فـالأُسْــدُ إن غـضبـتْ لا ترضَ بالخطبِ

أما قصيدة " إخفاق " فبرغم اسمها إلا أنها نوع آخر من الثورة والرفض ، وإن كانت انهزمية بعض الشيء كما ذيلها الشاعر بهذا البيت :.

وغـــدوت أعـيشــك أشعـاراً ملأت بـدمـوعـيَ أوراقـي
ويقول أيضا : .
آه يــــــا درب الإخـــفـــاق ضاع المجـد مع الأخلاق

وإن كنت أعيب عليه إضافة الهجير إلي القيظ حيث يقول : .

و تجلببت ظلام الكون ... فتعريت لقيظ هجير
ثم تأتي قصيدة " وإن شعوذ الجهلاء " فشاعرنا يثور ثورة الليث ويزأر ويجأر جئير السرحان وهو اسم من أسماء الذئب فيقول : .

حِـقَـــبٌ تـوالــتْ والـكِـنـانـــةُ تَـكـتـــوي والنـيـلُ يَــشْـخَــبُ والنـفوسُ تُـســاءُ

دِيــســتْ كـرامــة أمةٍ فـإذا هــــمــــــو إمــــَّـا عِــبــادٌ نُـــــــــــوَّمٌ جـــهــــلاءُ

وما أجمل هذه الجمل البسيطة التركيب فتتكون من مبتدأ وخبر وكلاهما مفرد فيقول في انسيابية وحسن تقسيم رائع : .

فـالـهـمــسُ جُـــرمٌ .. والـتَـدَيُّــنُ سُـبَّـــةٌ والـحــقُ جّــهــلٌ .. والـسـمـومُ دواء

فنراه استخدم العطف الكثير بالواو للدلالة علي مطلق الجمع بين تلك الجمل المتلاحقة ، وأيضا يستخدم تلك الواو في عطف المفردات علي بعضها في البيت التالي له فيقول : .
وســـري بـأوصــالِ الــشـعـوبِ يأجُـهـا الــفـــقـرُ .. والــتــفريــــقُ .. والأرزاءُ
فنراه يثور ثورة المخلّص ويقول : .
ولـقــد تـحـيَّــرَ فـي الـشـفـاهِ تَـسَــاؤلٌ أَخَـلَـتْ بـلادي مـا بـهـا شُـرفـــــاءُ ؟

أَعَـلـي ضـمـيـــرِ الـمُـخلصيـنَ غِشاوةٌ وعلـي عـقـــولِ الـعـالِـمـيـن غِــطــاءُ ؟

وتــراكــــمَ الـصـبـرُ الـطـــويـلُ بـسـاحـةٍ مـن حــولِـهـــا تَـتــرصــدُ الأعـــــداءُ

حـتـي إذا قَـــذَفَ الـوغــى بُـحِـــمـامِـــهِ ورَمَـتْ بــأشـبــالٍ لـهــــا الـغَــبْــراءُ

وتـنـافــس الـفَــــادونَ لــم يـتـَمَـنَّـنـــُــوا وفَــدوا الـكرامــةَ بـالـحـياةِ وفَـــاءوا

حَملوا الرَصاصَ علي الصدورِ وُسامَهم فـــعــلي الصـدورِ مــن الدِماءِ ضـياء
ونراه في أخر القصيدة يقول : .
هَـــوَتْ الـعُـــروشُ وقــد تـداعـى ربُـهـا فـي الـقـــيـــدِ يَـرفُـــلُ هَـــدَّهُ الإِعـيـاءُ

أشــبـابَ مِـصــرَ مـتي تُــرِدْ إنطـاقَـهـــا تَـنـطِــقْ وتُـفـصِـحْ نِـقْــمَـةٌ شَــعــــواءُ

واصـمــــدْ فَـدربُـك واعـــرٌ حُـفَّـــت بـــه هـــذى الـضِـبـاعُ وحَـامَــتْ الـعَــنـقــاءُ

وأخيراً تتهادي كلمات الشاعر نصر الدين سالمان ، كحبات الندي فتحيي الموات وتنساب كلماته كشلال عذب رائق في قصيدة (فنألتُ نحوك) فثورة الشاعر فيها علي كل شيء من عدّة ورفاق إلي محبوبته التي لا مثيل لها والتي بذل في سبيلها كل غالٍ وثمين إنها من نحبها جميعاً فيقول : .

اليـــــوم عُـــدتُ بقــلـبــىَ الـخفـــــــاقِ .. وتَرَكْـتُ خَلْفــى عُـــدَّتِـى ورفـاقـىِ

وطــلبـتُ عَـــونَ قَـريحـتى فـتَـمَــنَّـعـتْ .. أن تستـقـى من نبضىَ المشتـــاقِ

سـكـتَ اللســانُ وفى الـفـؤادِ قـصائـــدٌ .. من فيضِ شَوقى .. آهةِ الإحــراقِ

فـنــألـتُ نحـوكِ والحنيـنُ يَـشُــدُّنـى .. وحصادُ عُمـرى لاح فى الآفــاقِ

وأخيراً يأتنس شاعرنا الرقيق نصرالدين سالمان بعين محبوبته فيقول : .

فلَربـمـا .. وأنـا الـمُــرَوَّعُ أحـتـمـى فى بحر عـينـيـكِ فهـل من واقِ ؟

ضُمّـى الـفــؤادَ وهـدهـديـهِ ورَبِّـتـى فـوقَ الأنامـــلِ .. أطـفـئـى أشواقِ

ولا ينبغي علينا أن نهمل جانباً في إبداع الشاعر نصر الدين ، هو تمكنه وبراعته في علم العروض حيث استخدم عدداً كبيراً من البحور الشعرية في قصائد هذا الديوان بل إنه استخدم أنماطاً نادرة ، أو غير مستخدمة في الشعر العربي قديمه وحديثه فنراه في قصيدة "كمن يرعي" استخدم بحر الوافر علي صورته التامة الصحيحة عروضاً و ضرباً وهو ما لم يحدث آنفاً وقد صارت القصيدة متناغمة دون إحداث مللٍ فيها ، ونراه أيضا استخدم نمطاً استحدثه البارودي وسار عليه شوقي وبعض الشعراء المحدثين وهو " فاعلن فعو " وجاءت قصيدته "حكمة عجب" التي تحدثت عن الصراع العربي الإسرائيلي رشيقة وخفيفة وكانت سردية كأقصوصة ممتعة، كما استخدم مخلع البسيط في قصيدة " حديث نضرة " أما قصيدة "بنات الشعر" علي وزن السريع وقصيدة "بنيتي" علي وزن "مستفعلن فعولن" وهو ذو إيقاع غنائي ورشيق يتكلم فيها عن ابنته الصغيرة الشاعرة الرقيقة " إيمان " التي نشأت بيننا تسمع الشعر وتردده حتى صارت الآن مشروع شاعرة جيدة تكتب الفصحى والعامية وبرغم براعة الشاعر في النمط العمودي التقليدي إلا أنه أبدع أيضا في كتابة قصيدة التفعيلة التي تذيّل ديوانه الأخير " فنألت نحوك " موضوع بحثنا .

الاخ الشاعر والناقد

علاء ابو خلعه

دراسه جيده وقيمه لشاعر يستحق ان تكتب عنه بتلك الحميميه .

شكراّ على دراستك والغوص بدخل شخصيه نكن لها كل حب

واحترام . مودتى لكما ...

» نجاح مؤتمر مطروح الأدبي مايو 2010
» قراءة فى ديوان عاطف الجندى الجديد
» ( صورة الموت ولآخر المجهول ) قراءة فى ديوان(
» قراءة في ديوان ما أجملك لخالد الطبلاوي لـ أ . د /عوض الغباري
» قراءة في ديوان 5/ 9 الساعة 7