رحلة مع أصوات البلابل
رؤية نقدية في ديوان ستعود أصوات البلابل للشاعر محمد حافظ
بقلم
جابر الزهيرى
عضو اتحاد كتاب مصر
إذا امتلك الشاعر أدواته الفنية من صور جميلة ، و أوزان عروضية مستقيمة ، و أسلوب راق و لغة سلسة فإننا سنجد أنفسنا بعد قراءتنا لأشعاره نقول : هكذا يكون الشعر
وهذا ما قلته بعد قراءتي لديوان ستعود أصوات البلابل للشاعر محمد حافظ و ذلك لما فيه من وفرة الصور البلاغية المتلاحقة و المترابطة, ناهيك عن أوزانه العروضية التي سبح في بحورها سباحة ماهر و كيف لا ؟ و هو يمتلك الموهبة المدعمة بالدراسة حيث إنه شاعر درعمي
فنجد الشاعر و قد سبح في بحور الكامل و الهزج و الرجز و البسيط و الرمل و المتقارب و الوافر في خمس عشرة قصيدة من الشعر العمودي و كذلك أجاد في ست قصائد من شعر التفعيلة
و ما جذب انتباهي في أشعار الديوان ذلك الترابط بين القصائد حيث نجد الشاعر بعد ثلاث قصائد تغزّل بصوره الجميلة في الوطن و كذلك عاتبه للفظه أبناؤه يسير بنا في إحدى و عشرين قصيدة تمثل الهم العربي في رحلة تبدأ مظلمة و كأنه بدأها ليلاً ثم يتلاشى الظلام شيئاً فشيئاً حتى ينبلج ضوء الصباح ليعود يرتفع اللواء في البداية نراه يعبر عن اعتذاره للقدس التي يراها غصناً من الزيتون ينزف فوق المسجد الأقصى لأننا لسنا جيل النصر الذي تنتظره ، فيغادرها إلى سليلة العرب لنرى الدموع قد صلبت على جماجم النخيل في بغداد و يبين لنا شكه في كوننا عرب لأننا مجرد هواء ، ثم يستوقف فارساً سقط من فوق جوداه ليسأله عن أسباب سقوطه لنتلاشاها لعل الجرح يندمل ثم تنتابنا حالة من الهلع عندما ينذرنا الشاعر بقدوم زبانية السلام و يتقدمهم فرعون و هامان ليبحثا عن موسى لقتله ، فبالله كيف يكون طرح من جزعنا الميت ؟ و الخواء لا يثمر إلا خواء ........... هكذا تنطق صور محمد حافظ
ثم يعود بنا مرة أخرى للنيل قبل أن تأتي إفاقة تنفض غبار الوسن عن عيوننا لنعزف معه على أوتار العزيمة أنشودة الشجاعة , فينادينا اعتصم بالله و انفر فالنصر آت لا محالة ذلك لأن زهرة المنى قد تفتحت و ها هي عصافير العمر بدأت تزقزق ابتهاجاً بالميلاد المرتقب للنصر الذي تستقبله سيمفونية من أصوات البلابل تعزف على أوتار حطين ثم يقرأ رسالتين من القدس إحداهما للمعتدي تتوعده و الأخرى نصيحة لأختها بغداد ثم ينطلق الصباح الجديد إلى أفق الحياة منادياً رفاق الحق لأن الصوت اليوم للحجر وليس للمؤتمر و يدعوهم للشهادة في سبيل الحق ذلك لأن الشهداء باقون في الجنة لأنهم برعموا و شكّلوا ملامح اليوم الجديد الذي سيبدو للمقل عندما يرتفع اللواء
يا لها من رحلة أبدعا الشاعر بصوره المعبرة و بزخارفه المقتبسة من القرآن الكريم و إن كان هذا هو الديوان الأول للشاعر فإنني أراه يخطو إلي الإبداع بخطى واسعة
فهنيئاً بالشاعر و للشاعر بالديوان
جابر الزهيرى
(نشرت هذه الرؤية النقدية بالعدد رقم 523 بجريدة اللواء العربي الدولية بتاريخ 6 / 1 / 2006)