قراءة في مجموعة الشاعر عاطف الجندي.!

قراءة في مجموعة "بين مطارين" للشاعر عاطف الجندي.!
بقلم: محمد الزينو السلوم
--------------------------------------------------------------------------------------
مجموعة "بين مطارين"الشعرية، بعد قراءتها أكثر من مرة، نفحة من نفحات الشعر ذات المضامين المتنوعة والملونة بأحاسيس وعواطف شفيفة للشاعر المصري الرقيق "عاطف الجندي*" وقد سبق لي وقدمت دراسة عنه وعن شعره في كتاب"وجوه مصرية في الذاكرة "والذي تضمن العديد من الأدباء (شعراء وقاصين وروائيين) من مصر عرفتهم عن قرب من خلال زياراتي المتكررة لمصر كوني عضو اتحاد الكتاب العرب فيها..
أهدى الشاعر مجموعته الشعرية فكتب:"إلى قرية الزمام/وقلوب أهلها الطيبين/أهدي."
عاطف
وأنت تقرأ هذه المجموعة الشعرية تحس وتشعر أنك في حديقة خاصة بالورد، وكأن كل قصيدة طاقة ورد لها لونها وعطرها.. وسأحاول جاهداً أن أكون دارساً محايداً ما أمكن لهذه المجموعة الشعرية مع أنني أحترم وأجلّ هذا الشاعر الذي أحببته من كل قلبي ولقّبته(أبو الوفا) لما يتمتع به من وفاء ومحبة ومودة.. فهو أٌخٌ وصديق لكنني هنا كدارس أعتمد على الحكمة والأمانة في المثل القائل:" صديقك من صدَقكَ لا من صدّقك..!".
تتضمن المجموعة الشعرية"38" قصيدة بعناوين ما بين الكلمة أو أكثر، بعضها من شعر التفعيلة، والبعض الآخر من الشعر العمودي، ولكنها طبعت على شكل قصيدة التفعيلة، ولا أدري سبب ذلك وقد لجأ العديد من الشعراء في هذه الأيام لمثل هذا.. وجميعها متنوعة ما بين الوجداني والاجتماعي والسياسي.. ويغلب عليها ما يسمى بأدب الرحلات، وهنا أجد أهم القصائد غزلت من خلال السفر بالطائرة من مطار إلى مطار، أخلال تنقله في بعض الدول الأجنبية والعربية، حتى أنّ بعض هذه القصائد غزلت وهو خارج مصر، وقد أشار للبلد الذي كان فيها.. وكأنّ الشاعر يؤرخ مرحلة تاريخية مرّ بها الوطن العربي بأزمات لم تكن بالحسبان، كما في تونس، وفي لبنان، وحتى في مصر.. وبشكل عام يتّصف شعره في المجموعة بالشفافية والرقة والصدق والتنوّع.. أما من حيث الفنية في أشعاره: فالشاعر يمتلك زمام القصيدة العمودية و قصيدة التفعيلة من دون أدنى شك، إلا أنه لم يمتلك حتى الآن التلوين والتنويع في فنيته قصائده ما بين النوعين من حيث التمييز بينهما.. كما هو الحال في مضامين فضاءاته الشعرية.. وكان على الشاعر أن يراعي هذا الأمر مما هو عليه الآن.. وكأنه يجر عربة الشعر بحصانين لهما نفس المواصفات.. فالتمايز يجب أن يظهر بينهما.. وكل ما قلته وسأقوله عن الأسلوب والفنية ليس إلا مجرّد رأياً انطباعياً، تحليلياً، من خلال قراءة هذه المجموعة، وسأستعرض بعض القصائد كأنموذج لقصائد المجموعة.
يبدأ الشاعر المجموعة بقصيدة"سامنتا" حيث يقول منذ البداية:
"هل هذه روما التي قد قبلتني/ نشوة / أم وجه ُ سامنتا يضئ ْ/لا أعرف ُ التفسير َ/ لكني قتلت ُ بسحرها/ وأنا البريء ْ.."
وتتجلّى الشاعرية من خلال الصور الفنية من صور وخيال وتخييل، والصدق والتواضع حيث يقول:
"فلاح ُ هذا العصر ِ أصبح تائهاً/ في حي بورجيزي/ جمال ٌ صعَّب الأشياء من حولي/وصَعب ٌ أن أرى شبرا تقومُ /من المنام ْ.."
وإذا انتقلنا في رحلتنا إلى قصيدة"رجل" التي يفتتحها بقوله:
أنا رجل ٌ/بحجم رشاقة الآمال ِ/لي لغتي/ ولي ما تتركُ الشمس ُ الجريئة ُ/فوق ناصيتي/ ولي ما قالت الأنهار ُ/ للأزهار ِ/في بستان فاتنتي.."
نلاحظ رقته في قوله: أنا رجل بحجم رشاقة الأمال، له لغته، وله ما تترك الشمس الحزينة فوق ناصيته، وله ما تقول الأنهار في بستان فاتنته.. هذه الرقة والشفافية التي ألبسها عباءة الصور الفنية البديعة تبيّن لنا قدرة الشاعر على الإمساك بزمام القصيدة شكلاً ومضموناً..!
أتجاوز بعض القصائد من حيث الدراسة:"لمصر أغني - ثورة – الموت عشقاً " وأقف عند قصيدة:"سفر التحريض" حيث يقول:
" لتفاح ٍ/ من الفضة ْ/لذاك النائم اليقظان ِ/يأسرني/بجلبابٍ/من العشب ِالمسافر ِ/
فى حنايا العطر ِ.."
ما هذه الصور.؟! تفاح من الفضّة..! النائم اليقظان.! يأسره بجلبابٍ من العشب المسافر.! إلى حنايا الروح.! لا أحلى ولا أجمل.؟!
وينتقل بنا الشاعر فجأة إلى الحرب بين جيشين لكنهم بمضامين أخرى: تتعلّق بالأفكار " يسرج خيل أفكاره"أحدهما من دولة الحسن.. والآخر يأمره الشاعر بالحلم.. وفيما بعد نجد الحرب بينه وبين ذات العيون الخضر.. التي تمشي على جمرٍ من الكبرٍ..!
أتجاوز قصائد أخرى: "الطبيب – المعوّذة – هل كان طيفاً " وأقف عند قصيدة:"محاولات لاصطياد شاعر" وهي قصيدة رثاء للشاعر: الورداني ناصف" وكنت أعرفه شخصياً وكنت عضواً في منتداه.. حيث يبدأ الشاعر القصيدة بالقول:
" تقدم .. تقدم/فإني أراك ْ/وأعلم أنك َ تبغي الفِكاك ْ/فلا تختف الآن/بين التشابيه ِ/
كي ترتحل ْ/خلف َهذا و ذاك ْ/فيا كم أتيتك ُ/في كل يوم ٍ/وتحتال كيلا/تلاقي الهلاك ْ.."
يعتمد الشاعر أسلوباً فنياً جديداً في مخاطبة أخيه " الورداني".. يطلب منه أن لا يختفي بين التشابيه..كي يرتحل.. قيذكر أنه احتال مراراً كي يهرب من الموت.. لكنْ..!
يبدأ الشاعر بكلمة: "تقدّم..تقدّم" وهو فعل أمر كما نعلم لأنه يحبه ويريد أن يخلّصه من المرض.. ويكرر ذلك الفعل أكثر من مرة في القصيدة ليقول:
" تقدم .. تقدم /فما ثم َّ إلا َّ/ربيعا ستلقى/ وربًّا رعاك ْ/سنمضي سويا/لدرب الثريا/لتغدو كنجم ٍ .. /فهبني بَهاك ْ.. إلخ".
أتجاوز قصائد:"أنثى العنكبوت – مقاطع من سِفر الخوف وهي قصيدة طويلة ذات /8/ مقاطع – تحوّلات الزعيم وهي كسابقتها ذات مقاطع وكل مقطع غزل في تاريخ محدد وتشير المقاطع إلى بداية الثورة عام 2011م.." و أتابع رحلتي في المجموعة لأقف عند قصيدة:"بين مطارين" حيث يقول:
" ويسلمني المطارُ إلى المطار ِ/وأنت قصيدتي/ وحنين داري/وما بين الوجوه/بكل لون ٍ/
وما بين الجمال ِ /والافتقار ِ/وأصوات ٍ /لها وقع ٌ غريب ٌ/وأخرى / همسُها شدو الكناري
.." يصور لنا الشاعر رحلته بالطائرة.. حيث يهبط في مطار لينتقل بطائرة أخرى لمطار آخر..حسب رحلات الطيران – كما نعرفها - .."
نجد هنا اعتماد الشاعر على القافية:"المطار – الافتقار – الكناري – المدار – الدوار – حذار..إلخ" وهنا لا بد من القول: إن تكرار القافية في القصيدة يذكرنا بالأسباب التي دفعت بعض الشعراء.. كنازك الملائكة، والسيّاب إلى الخروج عن شعر المعلّقات ذات القافية الواحدة، فلوّنوا المقاطع بتبديل القوافي وتلوينها ..ولو فعل الشاعر ذلك لكان أفضل.. حتى أنّ كثيراً من قصائد التفعيلة جاءت في هذا النوع خالية من القوافي..!"..
ونتابع ما قاله الشاعر في هذه القصيدة الوجدانية أيضاً:
"أحبك قطة ً /تغفو بقلبي/وتخمش مَنْ/تغازل في وقاري/فلولا غيرة ٌ /تبدو بحب ٍّ/لغازلت ُ الحسان َ/لكي تغاري .!" وتذكرنا مثل هذه القصائد بقصيدة الشاعر نزار قباني، والشاعر عمر أبو ريشة، وهما في الطائرة.!
هذا فيما يتعلق بفنية القصيدة، أما من حيثت المضمون فهي من روائع قصائد الشاعر في المجموعة.. ويتجلّى ذلك في قوله:" أحبك ِ يا نقاء ً يحتويني/ويا طهرًا يغلفهُ انبهاري/إذا كان الوفاء/ له عهود ٌ/ يوثقها الغرام ُ/ على المحارِ.." فالشاعر يرسم النقاء والطهر والوفاء في لوحة الانبهار، ويوثّق الغرام على صفحات المحار..! وهي صور جديدة وجميلة.!
ومرة أرى أتجاوز بعض القصائد:" غريب - ضحى لبنان – مجنون هند آخر – استعداد – حديث – عشرون – إليها – يا وجه قاتلتي – ممنوع من الصرف – شاطئ الذكريات..وأقف عند قصيدة حنان:
"تعاتبني على النسيان ِما تدرى/بأن الحب عذبني/و أشعل نار حرماني/وسواني على جمر ٍ/ وخلاني بأحزاني/أيا من عاتبت خجلي/ وتعلم أنني كَلِف ٌ/بحق الشعر ِ/إذ يدنو
لأغصاني/وما نسي َ الفؤاد ُ الصبُّ/مَنْ أحيت/ له أملا ً/يراود زهر بستاني/أيا حوريتي الشكوى/ومصلوبٌ - بلا ذنب ٍ – بتبياني..!".
ومما يجب الإشارة إليه أن الشاعر أرّخ جميع القصائد بدءاً من عام 2001- 2012م وبدون تسلسل تاريخي.. وهذا من حق الشاعر بغض النظر عن التسلسل التاريخي، وكما نعلم فالشعر ليس له عمر والمهم الفنية من صور ملوّنة ومتنوّعة وخيال وتخييل.. بالإضافة إلى واقع المضامين التي تعتبر الرئة التي تتنفّس منها القصيدة.
نتابع مشوارنا الإبداعي مع الشاعر " عاطف الجندي" الذي يلوّن ويرسم بالكلمات لوحاته الشعرية الجميلة في مرحلة متأخرة من تجربته الشعرية الرائعة وهو كما نعرف جميعاً يغزل القصيدة العمودية من زمن طويل.. لكنه في هذه المجموعة الشعرية أراد أن يتحفنا بقصائد من الشعر العمودي والتفعيلة، واعتمد الأوزان التي تناسب كل موضوع من حيث الموسيقى والإيقاعات، و حسب مضامين قصائده التي لونها بالفرح والحزن وما بينهما في مجموعته "بين مطارين" و هذه التسمية أخذت من عنوان قصيدة فيها..!
وقبل الختام – بعد تجاوز ما تبقّى من قصائد المجموعة - لا بد من الوقوف عند قصيدة:"حزب الله" وهي مهداة للسيد حسن نصر الله ومؤرّخة بتاريخ 27/7/2006م:
"وجهكُ المضىءُ فى قتامةِ السَّديمْ/وجرحُنا المُقيمْ/يقسمان يومنا بهذه الحياة ْ/أحلمَنا الذى يضخُّ 00 عنبرا ً00 وجاه/وبسمة ً تراودُ الشفاه/قتلتنا/قتلتنا/قتلتنا /برفضِك الخضوعَ - مثلنا - ..." ويتابع الرسم بالكلمات فيقول:
".. لأنكَ الوحيدُ بيننا /الذى يردُّ عن خيامِنا/مطامعَ الغزاة ْ/ويبعدُ الذئابَ عن ربوعنا /ويحرسُ الشياه/ونحن لا نقدِّرُ الجميلَ أونبادلُ الوفاءَ بالوفاءْ/فصبحُنا/ خيانة ُ الصديق 00"... ويمضي بهذا السياق حتى نهاية القصيدة.. وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على وفاء الشاعر للمقاومة ضد العدو الإسرائيلي، ورأية بنظام "حسني مبارك".!
وأخيراً أختم بقصيدة" إلى حالم" وهي آخر قصيدة في المجموعة..يبدأ بالقول:
"ارسم على وجه الكآبة ِبسمة ً/و انقل خطاك بخفة ٍ/ما بين أرتال الرمائم ْ/و احلم بخارطة الطريق/و خذ لها/كل ابتكارات الحمائم ْ..".. ويتابع بقوله:
" لن يرحم الطفل َ الصغيرَ 00 و يتمه/ قومٌ من الأحقاد عاشوا زورهم/ و الكون غائم ْ/
مهما فعلت َلوأد جرح ٍ نازف ٍ/ستعود في ألم ٍ و حلمك/ في بحار الحزن عائمْ.."
سوهاج 28 ديسمر 2012م
في الختام: والشاعر – كما رأينا - ملتزم في شعره بأصالته, يغزل بخيوط قلبه وروحه القصيدة بأسلوب وأدوات فيها من التجديد والتطوير وكأنه يرسم بالكلمات ..
وينهي الشاعر صفحات المجموعة بسيرته الذاتية المليئة بالنشاطات والإنجازات والنجاحات التي حققها من خلال جهده، وجدّه، وعمله الدؤوب، وفضاءاته الشعرية التي تزيّن وتعطّر صفحات حياته التي أمضاها و هو يناضل من أجل سموّ ورفعة الكلمة.. !
أشدّ على يد الشاعر(عاطف الجندي)وأتمنى أن يحافظ على ألقه وتألّقه في كل جديد من أعماله الإبداعية، لأنه شاعر، ثرّ العطاء، مجتهد، ومجدّد دائماً، ولا بد أن يحقق طموحاته التي يرسمها بالكلمات في آخر المطاف.
------------------------------------------------------------------------
*الشاعر عاطف الجندي: له العديد من المجموعات الشعرية المطبوعة والمخطوطة – وله دراسات نقدية متعددة - نشاطاته متنوعة في مجالات عديدة: (عضو اتحاد كتاب في مصر – صاحب منتدى عاطف الجندي الأدبي - منتسب لعدة جمعيات وملتقيات وروابط أدبية، رئيس منتدى أدب الريحااني في القاهرة – كرّم أكثر من مرة – حصد العديد من الجوائز داخل وخارج مصر – شارك في العديد من المؤتمرات الأدبية..عرّف وكما يقال : "المعروف لا يعرّف".!

شكرا شاعرنا وناقدنا الكبير / محمد الزينو السلوم على دراستك الراقية لمجموعتي الشعرية الجديدة ( بين مطارين )
الصادرة عن الإبداع الشعري المعاصر بهيئة الكتاب المصرية 2014
بارك الله فيك على هذه الدراسة المستفيضة والراقية
أخى الغالي
دمت بكل ود

تثبت الدراسة
حبا وتقديرا
Very Happy

كل الشكر لك أخي عاطف على تثبيت الدراسة..
بارك الله بك وألف مبروك على المجموعة.!!

قراءة فنية محترمة من شاعر و ناقد قدير لديوان شاعرنا و أستاذنا الرائع عاطف الجندي

سلمتما و دمتما بكل خير و محبة

شكراً للعاطفين الجندي و الحناوي..! حفظكما الله.!

مبروك الديوان والدراسة

» قراءة في قصيدة(قل وداعاً)للشاعر عاطف الجندي.!
» قراءة في قصيدة " أشواق الجازورينا " للشاعر عاطف الجندي
» إحتفاءً بشاعرية التمرد قراءة فى ديوان عاطف الجندي
» قراءة فى ديوان فى هواها كان عمري بقلم / عاطف الجندي
» الشاعر عاطف الجندي فى بيت الشاعر