قراءة فى ديوان فى هواها كان عمري بقلم / عاطف الجندي

فى هواها كان عمري
قراءة فى ديوان الشاعر محمد على عبد العال
بقلم الشاعر : عاطف الجندي
***
الشاعر الكبير محمد على عبد العال هو أحد الأصوات الشعرية المتميزة في مصر و علاقتي به ممتدة منذ عام 1988 م ، عندما كنت أحضر من قريتي الزمام التابعة لقرية كفر الواق التابعة لمركز حوش عيسى بمحافظة البحيرة لألتقي به ناقدا كبيرا و شاعرا بالجمعية المصرية لرعاية المواهب و كان سكرتير الجمعية فى ذلك الوقت الشاعر محمد سيد خليل و كان اللقاء كل يوم خميس بمقر الجمعية بشارع الترعة البولاقية بميدان فيكتوريا 0 فهو أول ناقد لشعري بالقاهرة ، تلقاه بصدر رحب و من حينها و علاقتى به علاقة تقوم على الاحترام المتبادل و المحبة الخالصة لوجه الله 0
و لقد سعدت بديوانه الأخير " فى هواها كان عمري " و هو العمل السادس فى ترتيب مطبوعاته الأدبية بين الشعر و النقد و كتب عنه كتابان الأول بعنوان ( رحلة فى بلاد الشاعر محمد على عبد العال ) و كتبه الشاعر محمد الشحات محمد و كتاب آخر بعنوان ( الشاعر الأموي ) و كتبه محمد توفيق الأزهري و الشاعر الأموي هو لقب شاعرنا محمد على عبد العال كما كان شعره و حياته أيضًا ضمن أكثر من رسالة ماجستير و هو عضو نشط و مخلص للشعر بدرجة جدا و هو سكرتير رابطة الأدب الحديث و مدير ندوتها الأسبوعية و التى كانت تسمى في السابق ( جماعة أبوللو )0
أما عن ديوانه فى هواها كان عمري و هو عبارة عن قصائد جديدة و مختارات من دواوين سابقة و أعتبر هذا الديوان هو أهم ما قدمه شاعرنا من قصائد لأنه يمثل فترة النضج الفني و القصائد فائقة الجمال لأنها ببساطة عبارة عن قصائد مختارة 0
و الشاعر فى هذا الديوان يقدم لنا مجموعة من قصائد تتميز بألفاظ سهلة غير قاموسية و يتميز فى أسلوبه بالبساطة التعبيرية التى لا تصل إلى درجة المباشرة و لكن أعنى بها السهولة الممتنعة و هو لا يتعالى على قارئه و نجد خير مثال لذلك قصيدة من أرق قصائده و هى قصيدة طيفك بين الزحام و يقول فيها : " تطهرت قبل المجىء إليك ِ
فحبي صلاة و فرض عليك ِ
و إن مر طيفك ِ بين الزحام
أرانى وحيدًا لدى مقلتيك ِ "
إلى آخر هذه الأبيات و بهذه السلاسة و التعبير الجمالي الرائع يقدم لنا الشاعر الدهشة التى ننتظرها جميعا من أي شاعر 0
و نلاحظ أن الحب لديه شئ مقدس حتى أنه يتطهر قبل الحضور إلى حبيبته وكأنها آلهة جمال يتعبد فى محرابها ، تستلزم الطهر و التطيب قبل لقائها و المفارقة هنا أن هذا الحب إنما هو صلاة و فرض على محبوبته وكان من المفترض أن يكون هذا الفرض على المحب طالما أنه يتطهر من أدرانه ليقابل محبوبته 0
و نراه فى قصيدة ( تحت الخمار) ص 20 يقول
" صليت لله العظيم
تقربا
أدعوه أن يضفي علىَّ رضاك ِ "
إذن هو محب عاشق و مؤمن بالله و يحافظ على دينه و لذلك يلجأ إلى الله دائمًا لكي يبعث محبته – أي الشاعر – في قلب محبوبته و هو بذلك يسير فى درب الشعراء العذريين أمثال مجنون ليلى و قيس بن زريح و عباس بن الأحنف و هو يتمسك بمحبوبته حتى و لو جلبت له الموت كما فى قصيدة ( فى هواها كان عمري ) و يقول فيها ص 72
" إلى َّ بكل صعب ٍ
يا حبيبي
أحبك لو جلبت لىَ المنونا
و لكن الصدود على َّ عبءٌ
ثقيل ٌ
قد مللت له فتونا "
و الحب لديه هو المقابل الموضوعي للطهر و الجمال و الموت عنده أرحم من فراق حبيبه و يركز الشاعر على الصدفة فى حياته و من منا لم تلعب الصدفة دورًا مهمًا فى حياته و يتضح ذلك جليا لدى الشاعر فى عناوين القصائد مثل ( الصدفة و الفراشة – و عاد لقاؤنا صدفة ) و ليس هذا الأمر قاصرًا على عناوين القصائد فقط و لكنه يؤكد على الصدفة من خلال قصائده ، بل فى كل شئ يعيشه و يؤثر فيه أو يتأثر به فنراه ص 34 يقول :
" كأن حياتنا صدفة
فكان لقاؤنا صدفة
و كان فراقنا صدفة
و نحن نعيش بالصدفة
و سوف نموت بالصدفة "
و الحكمة لدى شاعرنا تأتى في شكل ساخر فيقول فى قصيدة ص 58 بعنوان ( خذ للدهر عكازا ) و العكاز هنا يقصد به الواسطة التى تطلع بالماء فى الأعالي كما يقولون و تجعل الأعمى ساعاتي فيقول ساخرا :
" إن كنت ترجو
عظيم الفوز يا هذا
فابغ النفاق و كن باللؤم همازا "
و هنا نجد الشاعر يسخر من هذا الزمان الذى جعل النفاق هو أقصر الطرق للوصول للأحلام و أن الإنسان المستقيم لم و لن يصل إلى مبتغاه و يؤكد بل و يدين أولئك الشعراء الذين وصلوا بالنفاق و المجاملة و المحسوبية و هذه القصيدة أرى أنها كتبت تحت ضغط معين على الشاعر و هى نتيجة تجربة مريرة رأى فيها أنه لم يصل كما ينبغي و لم يحقق حلمه فى الشهرة بالمقارنة مع من هم أقل منه شاعرية و موهبة ، و أنهم قد وصلوا لمبتغاهم باللف و الدوران و ليس هذا مقتصرا على الوسط الأدبي فقط و لكن فى جميع مناحى الحياة ، و هو يهجو تجار الحروف الذين يسرقون كل ما هو جميل حتى أنهم يسرقون أشعار غيرهم كما فى قصيدة ( تجار الحرف المريضة ) ص 35 ، أما الوطن فله النصيب الأكبر من حب الشاعر و هناك قصائد تحمل عناوين مثل ( ثورة الغضب – إلى أخ عربى – أرض القمر – العبور – إلى شهيد حرب أكتوبر- خالدة مصر – إلى ياسر عرفات فى البدء كانت مصر ) و هى قصائد تحمل الهم القومى و الحس الوطنى و تتغنى بأمجاد العرب و تتباكى على ما وصل إليه حالهم الآن 0
و هناك الملمح الديني فى قصائد الديوان و نجد قصائد مثل ( أبو ذر الغفاري – إلى رسول الله – مريم الخير ) كما كتب عن العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ قصيدة ص 92 و قصيدة عن العبور تصلح لدراستها على طلبة المدارس ص 73
و فى نهاية الديوان كتب قصيدة بعنوان تذكرونى
و كأنه يقول لنا لا تنسوا صاحب هذا الديوان الجميل الذى طبع على نفقة اتحاد الكتاب 0
و ما يؤخذ على هذا الديوان هو مباشرة معظم أسماء قصائد الديوان مثل : رسالة إلى ياسر عرفات – إلى رسول الله – أبو ذر الغفاري – إلى أخ عربي – العبور – إلى شهيد حرب أكتوبر 00 الخ 0
و كذلك عدم وجود علاقات الترقيم التي تعطى جمالا للكتابة و هى تشبه إشارات للمرور للقارئ و هناك أيضا وجود بعض البتر فى نهايات القصائد مما يضر بهذه القصائد و لا أجد سببا لذلك سوى أن شاعرنا قل ملَّ من الحالة الشعرية فيقرر البتر عند هذا الحد و خير مثال على ذلك ما نراه فى قصائد مثل : حكاية دردير و قصيدة طيفك بين الزحام و قصيدة الصدفة و الفراشة و رغم عذوبة القصيدة ينهيها الشاعر بقوله " حان الآن الصمت " و كأنه يقول حان الآن البتر !
و هناك بعض الكلمات التى لا لزوم لها من وجهة نظرى و التى تضر أكثر مما تنفع فى ص 26 مثلا يقول : "هل تذكرين مدامعا بعيوننا و خدودنا
هل تذكرين تأوها من صمتنا
من وجدنا "
أما كان من الأجدى أن يقول مثلا ً – هل تذكرين دموعنا – و لا ضرورة شعرية لكل هذا الشرح فالشعر هو فن التلميح و ليس التصريح فالدموع معروف عنها بأنها تسقط من العين و تنزل بعد ذلك على الخد فما الجديد فى أن يكتبها الشاعر ، فالشرح هنا يفسد شاعرية القصيدة و فى قصيدة ( زمن الناس الأقزام ) و هى من أضعف قصائد الديوان يقول فيها ص 29 " فى زمن الناس الأقزام
قد كثر الدود و الفكر المحدود
و النمل المتبختر مثل الصخر الأجوف "
فهل هنا صخر أجوف ؟! و كيف للنمل المتبختر أن يتشبه بهذا الصخر المزعوم بأنه أجوف ؟! ثم يقول فى نهاية القصيدة : " آمركم أن تلبوا النداء
فالحق جاء ، الحق جاء "
و فعل الأمر هنا فى غير محله بل كان الأجدى فى هذا السياق التمني و الرجاء لأنه فى موقف ضعف طوال القصيدة فكيف يأمر فى نهايتها ؟! و نراه يشرح فى موضع آخر أيضا و ذلك فى قصيدة ( الوردة و الفراشة ) حيث يقول :
" كشقاوة طفل ٍ
بين حقول الورد الأحمر
كل الألوان "
ماذا أفاد التعريف بلون الورد هنا ثم يذكر جملة مجانية التعبير و هى كل الألوان ، أما كان يكفى بأن يقول بين حقول الورد و يتركنا نتخيل ما نشاء بعد ذلك و لا يعطى القارئ كل شئ بسهولة و لا يشك فى ذكاء القارئ مطلقا 0
و يواصل حاله البوح المجاني فيقول :
" اللب الأبيض و الأسود
و اللب القلب
العيب ، الإنسان "
و لا أفهم لما دخول هذه الأشياء مختلطة ، ناهيك عن البوح الذى يضر أكثر مما ينفع و يكرر أيضا ص 53 فيقول : " أسكب النور من عيني و أحداقي " و يقول أيضا ص 57 " قدر من الأقدار " نلاحظ التكرار و عدم التلميح 0
و الملاحظ أيضا وجود تضارب فى معاني بعض الجمل الشعرية ففي قصيدة ( لن أدفع الثمن ) ص 38 يقول : " قد جئت أطلب الرضا
حقائبي مليئة
و إنني أبيعكم قصائدي
لأطعم الجياع من فتاتكم
فغيرها لا أملك
نسيت أن أقول كلمتين
لن أدفع الثمن "
و يا ليت شاعرنا قد نسى هاتين الكلمتين فهذا الرجل الذى جاء يطلب رضا هؤلاء القوم الشريرين - من وجهة نظره - يريد أن يبيع أشعاره لكى يطعم الجياع من بعض فتات السادة المفترض أن يشتروا أشعاره و هو دفع الثمن من كبريائه و أحاسيسه عندما تنازل و عرض بيع أشعاره عليهم و المفترض أنها لا تقدر بمال عند الشعراء و ليس المقابل المادي كما يراه الشاعر ، و هل كان من المفترض أن يبيعهم أشعاره و يدفع هو الثمن نظير شرائهم ؟!
و فى ص 40 يقول : " شفتاك أو عيناك ِ
أنهار لغريق "
فدخول أو هنا للتخيير تضعف الجملة الشعرية بالإضافة إلى أن الصورة بها تضاد فى الرؤية و لا تعطى صورة واضحة لما يريده الشاعر و المفترض أن الغريق يحاول النجاة و يتمسك بالأمل و لو قال مثلا شط ٌ لغريق لكان أجمل و أصوب أسلوبيا 0
هذه بعض الملحوظات و الانطباعات عند قراءة ديوان الشاعر محمد على عبد العال ( فى هواها كان عمرى ) الذى أتمنى له مزيدا من التوفيق و رغم هذه الأشياء التى أقلقتني بالديوان ، يظل للديوان جماله الخاص و الذي يدهشنا به و صوره المبتكرة 0
****