((مقدّمة فضيلة زياية -الخنساء- لديوان الشّاعرة))

((إيمان العبّاسيّ الهاشميّ)):

شاعرة من الشّاعرات المجيدات الرّاقيات جدّا في انتقاء الكلمات
وأنت تقرأ لها، تشعر بانجذاب شديد مشوّق إلى قصائدها العذبة عذوبة الماء الزّلال.
كنت أتابع قصائدها على عدّة منتديات أدبيّة على صفحة الأنترنيت. وكنت كلّما قرأت لها حرفا أستنشق عطر عفّة المرأة الأصيلة ذات المبادئ الرّاقية.
ولأنّ ((القصيدة -عادة- "تختمر" داخل الشّاعر)) -بتعبير الشّاعر الجزائريّ "ناصر لوحيشيّ- فإنّ القارئ لقصائد الشّاعرة "إيمان العبّاسيّ الهاشميّ" يستشفّ هذا "الاختمار" واضحا: حين توصله الشّاعرة إلى قلب المتلقّي وتنجح في مخاطبته بلغة شفّافة بعيدة عن مراوغة التّكلّف:

مـسحوريهوى ســــاحرَهُ
يهـــــديـــــــــه أداة الأســـــــحــارِ
يرجـــــوه الـعفــو إذا يوما
خالجه الشكّ بـإصــــرارِ
أنّ الأصداف إنِ انكفأتْ
لاتجـلب ســـعـدا لمـحــــارِ.

انظروا هذا الألق اللّفظيّ الفيّاض المتدفّق من مقطوعة من ديوانها الموسوم: ((نصخ الرّوح))!
ولأنّ العنوان يدلّ على صاحبه، فإنّ عنوان ديوان الشّاعرة "إيمان العبّاسيّ الهاشميّ" ديوان شفّاف رقيق المشاعر، بطريقة لا تكلّف فيها ولا ترهق القارئ وبأسلوب رصين يختلف عن أسلوب شاعرة أخرى.
ففي المقطوعة السّالفة -بأبياتها الثّلاثة- من قصيدتها الموسومة: "جود السّحر" نجد الشّاعرة "إيمان عبّاسيّ الهاشميّ تهيم بالقارئ في نبض جميل، يليه ومض خافق: كأنّها تستعجل الوصول نحو الأمل المرجوّ في أسرع وقت ممكن. ولذا اختارت موسيقى "بحر المتدارك" لهذه المقطوعة المأنوسة بالسّحر.
وهنا، تتجلّى عند الشّاعرة "إيمان العبّاسيّ الهاشميّ" جهنّميّة الكتابة الّتي تتسلّق أعالي روحها الورديّة، لتتسلّق روح المتلقّي الّذي سوف يجد من دسم كلماتها ما يدلّ على أنّ الشّاعرة ثريّة جدّا من حيث القاموس اللّغويّ والشّعريّ.
بل نجدها تطرّز قصائدها تطريزا أنيقا للغاية:

لا أعذب من بوح صباحاتي
إن فضّت سِفر صباباتي
أغرودة نبض يلهمها
دفق من نبل وهباتِ.

هو بوح عذب في صباحات جميلة مفوّفة بالسّعادة لشاعرة: أبت إلّا أن تفرض حرفها وتعرّج به نحو معراج السّموّ بكلّ ثقة في النّفس. وهنا تبرز اللّغة الشّعريّة الرّاقية لدى الشّاعرة "إيمان العبّاسيّ الهاشميّ". لغة ذات قاموس بيئيّ نادر:

يا فوح الكلمات الحبلى
بالحبّ وآمالٍ فضلى
آمادك ما فتئت حلما
ينمو في آفاقيَ أحلى.

هنا، تتجلّى القيمة الإبداعيّة للبيئة الصّحراويّة المثقلة بعبق الشّيح والقيصوم. لغة معتّقة بالجمال اللّفظيّ النّادر. وهي روح الشّاعرة تفيض من قاموسها الثّرّ المتدفّق شلّالا من المعاني الجميلة الألقة.
وإذ أثمّن هذا العمل النّاجح لامرأة شاعرة: فلا لشيء سوى لأنّها تستحقّ بدارة هذا التّتويج.
فهنيئا للشّاعرة "إيمان العبّاسيّ الهاشميّ" هذا النّبض الصّادق الّذي ماانفكّ يتهادى بين أبيات قصائدها في غنج أنثويّ واضح للعيان.
وإنّ تمكّن الشّاعرة "إيمان العبّاسيّ الهاشميّ" من بحور ا"الخليل بن أحمد الفراهيذيّ" رضي الله عنه وأرضاه زاد قصائدها قوة وجزالة.
ويحقّ لنا أن نقول -بكلّ موضوعيّة- إنّ "إيمان عبّاسيّ الهاشميّ" نسيج وحدها تغترف من أعذب منابع القصيدة الأصيلة:

يصلح النشء من أمور صحاحِ
وهنيئا لمن بلغن الأعالي
في مساء معطر بالأقاحي
من تقلدن بافتخارٍ وساما
هو للتائقات أبهى وشاحِ.

"حائيّة" جميلة تضرب على نغمات دفّ "بحر الخفيف" ذي النّسمات العليلة بأسلوب الشّاعرة "إيمان العبّاسيّ الهاشميّ" في هذه القصيدة الإصلاحيّة. لأنّ الشّاعر الّذي لا يكون مربّيا مصلحا بالدّرجة الأولى، لا ينبغي -أبدا- أن يكون شاعرا. هنا تتجلّى المبادئ السّامية والفطرة السّليمة لهذه الشّاعرة العظيمة الّتي كانت أناملي تلامس قصائدها في شغف:


فهنيئا لهن .. مرحىً بأهلٍ
شرفوا مشرقين من كل ساحِ
وإلى الملتقى، ، وأنتم بخير
كل عام يفيض بالأفراح.

فهذه اللّغة -على بساطتها- لغة طاغية تضجّ بالجمال الفنّيّ النّادر وتفيض بفيض من سموّ الرّوح الّتي تتّخذ من طهر الكلمات معراجا نحو المتلقّي.

فلا يسعني سوى أن أبارك للشّاعرة "إيمان العبّاسيّ الهاشميّ" هذه التّحفة الشّعريّة الرّاقية. وأشكرها على ثقتها بشخصي الكريم: بأن اختارتني كي أدبّج لها إطلالة مقدّمة لقصائدها الثّرّة الأنيقة.