على سبيل التقديم
ديوان مرايا النفس
للشاعر / عاطف الجندى
إني حفىٌّ بكل صوت جديد يترنم بالشعر فى هذا الزمان ويكمن سر حفاوتى فى خوفى على مملكة الشعر التى عشقناها وبددنا حياتنا زوداً عنها تلك المملكة التو حوصرت وهددها الخراب من الداخل والخارج 0 إذ يصعب علىَّ أن أغادر الدنيا وه آيلة للسقوط محرومة من حراس يقدمون لها ما يليق بمجدها الغابر من شرف الدفاع والفداء إن الشعر الحق يعانى من إسفكسيا الخنق وهو ينازع كى يستنشق هواءً نقياً يقيه من موت محقق سبق ان ألم به زمن سيادة المماليك والترك فالقيم المملوكية تجسدت فى أيامنا تسد منافذ الروح فتجدد وتحدد قيمة الأشياء بسعرها ففى السوق حيث يباع كل شىء 00
البشر والشرف 00 وأعراض الرجال وفى ظل وباء النخاسة يصبح الوفاء عبطاً والانتماء عجزاً والكرم سفهاً والنبل والتسامى عدم قدرة على السرقة فالمبدأ المملوكى يكرس قيمة ( اخطف وأجر ) وحد البطولة فيه هو الإغارة للسلب والنهب والتخريب لكل هذا 00 وجب إنتقاء حرس أقوياء لمملكة الشعر والشرط الأوحد الذى أعتمده لتعيين الحرس هو الصدق 000 فالكذب أبو كل الكبائر 00 والكذاب لا ضمير له وفاقد الضمير لا ثمن له ومن يبيع نفسه يبيع العزيز الغالى فيصبح خرباً ومخرباً وإرهابياً وجاسوساً خطيراً حقيراً أما الصادقون 00 فأوفياء يضحون بأنفسهم ولا يتبدلون و من يقبل مبدأ التضحية بالنفس لا ينتظر أجراً على عمله ، فالشاعر الحق تكفيه الفرحة بنعمة الشعر وهو لهذا يعتبر شعره شرفه ، وشرفه روحه لا تباع ولا تستأجر وذلك ينأى به عن دائرة المناورات الخسيسة بحثاً عن الذيوع والانتشار وعن المؤامرات المنحطة من أجل مكاسب مادية تخصم من رصيد الشعر 0 الشاعر الحق سخى فى عواطفه نقى ليست لديه غريزة حب التملك فهو لا يتخذ من شعره دابة يركبها سعياً لقصد ٍ خاص 00 لذا فهو مهيأ للانقطاع للشعر والاستجابة لتكاليفه الباهظة و أعبائه الثقيلة التى لا يكفيها عمر واحد0
أما الذين فى قلوبهم مرض 00 المشوهون نفسياً فهولاء لا يحسنون تلقى الإلهام فإن كانوا ذوى موهبة أنهم أشبه بأجهزة استقبال معطوبة وعندى انا الشاب الذى يشغله الشعر وينخرط فى سلك الجندية الشعرية يحصن نفسه ضد السقوط فى هاوية البطالة الروحية التى تفرغ الانحراف والجريمة والفساد الإنسانى بكل صورة فإن انشغاله بسر التراكيب اللغوية التى تكون لغة الشعر وإنصاته الى الموسيقى السماوية المسماه بأوزان الشعر وعروضه يحميه من غواية القيم الإجتماعية الشوهاء بل يحرضه على افنتصار للقيم الإنسانية العليا التى أسستها الحضارة منذ فجر الضمير الإنساني وهو يخلص فى هذا المجال حتى وإن كان يحارب طواحين الهواء0
بعد هذا التقديم ندخل إلى دوحة المرايا التى يعرض فيها الشاعر / عاطف الجندي بعضاً من نفسه 0
تواجهنا الأنا التى صدر الشاعر بها ديوانه
فى بيت الحب ِّ
بنى جدى
وأقام أبى
فكساه سنا
وبثوب العرس ِ أتت أمى
تحلم بالشمس ِ
فكنتُ أنا !
بهذه الرقة الآسرة والبساطة العميقة والإيجاز الفنى يحصل الشاعر على براءة الإبداع فهل سيحافظ علي هذه العطية الغالية ؟!
هذا ما سوف نتابعه ونرصده بعين الحب لا الريبة فى قصيدة مرايا النفس ويتخلى الشاعر فيها عن قيمة الإيجاز والاختزال فيدبج قصيدة من عشر صفحات فيهجره الشعر أحياناً ويسلمه إلى النثرية بكل شرورها لكنه ينتابه أحياناً أخرى مثل حالات الإبلال من مرض ٍ وبيل فيتألق0
" وعند شواطىء الألحان ِ
بين شفه أغنية ٍ
يفجر نفسه ُ طرباً "
ويتألق
" أحبينى
وخلى قلبك العصفور يسمعنى
وعند شواطىء الألحان ِ
يلقينى "
وهو فى قصيدته المطوله يمزج التاريخ المصري ، يخلط قديمه بجديده فى محاولة لاستخراج حكمة فيبعث لنا إيزيس ومينا وحتشبسوت مروراً بقرطبة ٍ وولاده وزهير والمجنون وعنترة و عرابى وحتى النهد 00 هرمى وكل هذا الماضى يسعى إلى الحاضر المعاصر
" هنا الفرعون والعربىُّ
يقتسمان ِ فى رئتى
برامج حبك ِ
المبعوث ِ من عينيك ِ
إرسالا هوائيا
أعيد البث من شعرى
على الأقمار ِ
إشعاعاً فضائيا "
لكن الشاعر لا يوفق فى بعث الحياة فى اسمائه المختارة إذا تظل مجرد أسماء صماء لا تحمل دلاله خاصة جديدة ولا تؤدى وظيفة محددة لكنه فى قصيدة " همس البنفسج " يضع يده على أحد أسرار الشعر
" وها هى ذى
تدخل الآن َ عصر البنفسج ِ
مفعمة ً
بلهيب الأنوثة ِ
تطلق من سحرها بسمتينْ
يذوب القرنفل ُ
فوق الشفاه ِ
ويبدأ عصر ٌ من الأمنيات ْ "
وفى قصيدة " على حافة الصمت " يمتلك سراً آخر فيبدع ُ
" وهل كان يمكن
الأ أكون َ
بهذا الجنون
وأنت ِ إلى حفلة الضوء ْ
تمشين َ في غابة اللون "
وفى قصيدة عدالة التي يقول فيها :
" بسمة ٌ للأمامْ
دمعة ٌ للوراءْ
كانا في اقتسامْ
تحت هذى السماءْ ! "
ويستمر تالي في ابتسامة ، بلا منطق ، فصول
ولكن هل على الشاعر أن يتألق دوماً ؟!
إن الشهاب الذي يتألق جداً يحترقُ سريعاً ولا يوجد شاعر كل شعره حسن جداً غلا إذا كان قد أسقط عمداً شعره المتوسط وقديماً قال نقدة الشعر : إن الشاعر تكفيه عشر قصائد جياد حتى يعد من الفحول وشاعرنا بهذا المنطق حاز لقب الفحولة الشعرية لهذا يجدر بنا أن نتجاوز المباشرة الزاعقة في قصائد مثل : اغضب و الصوت الأجير وثالث الحرمين0
فالشاعر قادر باستمرار الممارسة أن يعيد النظر في بعض ما يكتب إذ سوف يكتسب خاصية الانفصال عن إنتاجه والنظر إليه بعين محايدة بقى أن نضع الشاعر على محك الصدق لنعرف قدره والمنصف سوف يعرف أن عاطف الجندي شاعر صادق إلى درجة عالية لاسيما في قصار القصائد فهي تحفل بكثافة من الصدق والبساطة حدَّ أنها تكشف عن سيكولوجية الشاعر ومكنون نفسه فهو إنسان حسِّي إلى حدٍّ بعيد وحت الحب عنده ينأى عن التهويم والضبابية وينحو نحو الإشباع الغريزي وهو يقترب من الواقعية والتجارب الحياتية المفتقده في الشعر الحديث وذلك في قصائده " درس خصوصي " و أنا والنحلة ويقول فيها :
" وهدهدت أفكارك المتعباتْ
ونافقت عماتك المزعجاتْ
وأمطرت أبنائهن القبلْ "
إن الشاعر عاطف الجندى مؤهل لأن يتقدم في بلا ط مملكة الشعر مهيأ للاقتراب من قبة الشعر الخالص التي نحلم بها جميعاً 0
ذلك لنه يمتلك الصدق الفني 00 و الحماس الإنساني وهما جوهرة الشعر الأصيلة 0
فرج مكسيم
القاهرة 21/5/2002
ص0ب 1749 رمز بريدي 11511