مسألة في الأضرب التي تستحب اللين قبل الروي

مسألة مهمة في الأضرب التي تستحب اللين قبل الرويّ

اللين، وأنتم أعلم، هو حرف العلة الساكن في اصطلاح العروضيين

وهو مستحب قبل الروي ما استـُطيع، لكن هناك أضربا معروفة في العروض العربي يـُستحب أن يأتي الشاعر فيها بحرف لين قبل الروي مباشرة، ويصل الاستحباب في أغـلبها لدرجة الإلـزام، مع التـزام الحرف الذي يلي الروي (إن وُجـِد) ساكنا (يلتزم بعد الروي بحرف مد، أو بالهاء الساكنة، أو التاء أو الكاف السواكن)، أي من قافية الـمتواتر، أو يلتزم بالروي ساكنا، أي من قافية الـمترادف، والأضرب هي:

أولا- من قافية الـمتواتر:

*ضرب متفاعلْ الكامل:
إني أغار من الكئوس، فجنّبي كأسَ المـُدامةِ أن تـُقبّل فاكِ

*ضرب مستفعلْ في الرجـَز:
أم كيف أسلو غادةً ما حبها إلا قضـاءٌ مـا له مردودُ؟

*ضرب فعـْلن في البسيط:
ما بانشطـارك دمْـعاتٍ تلُوذُ بها، وحَمْلِكَ الهمَّ ترْبـُو عند مولاتِكْ

*ووجود الضرب فالاتن (مفعولن)، تحديدا، في صورة الخفيف الأولى: أتراها تناسـَتِ اسميَ لما كَـثُرت في غرامها الأسماءُ؟ (ضرب فالاتن)، ووجوده في المجتث: يا حـُجّة الله، والمســ ـلمين، والإسلام ِ (ضرب فالاتن)- يستدعي استحباب أن تكون القافية ملتزمة باللين، أما خلوُّ القصيدة من الضرب فالاتن فلا.

*ضرب مستفعلْ المنسرح:
الموت كأسٌ، والكل شاربهُ، وبالرَّدَى تنطـوي ليالينا

*ضرب فعولن في الطويل:

فلو تُكشفُ الأشياءُ صُودِفَ تحتها لبثْنـَةَ حـُبٌ طـارفٌ وتليدُ

ثانيا- قافية كل ضرب منتهٍ بساكنين (من قافية المترادف):

فاعلان في الرمـل والسريع والمتدارَك:

واثق الخطوة، يمشي ملَكا، ظالم الحُسن، شهيّ الكبرياءْ

لم يعشـق الغِيدَ، ولكنـهُ
هـام ببِكْر من بنات الخيالْ

كان إيمانـه
روضَه المستطابْ

متفاعلان في الكامل:

وأقول عنه أخو الغزا
لِ، ولا أرى إلا أخاهْ

فعولْ في المتقارب:
نضحي له بالعزيز الكريمِ،
ومن أجله نستحب المَنونْ

الأضرب التي تـنـتهي بساكنـين في الخبب والمتحرك: تتأمل فنجاني المقلوبْ.

** وقليل من الشعراء لم يلزم اللين في هذه الضروب، والأصوب الالتزام. ولكنّ منها ضروبا لم تأت في الشعر إلا ملتزمة باللين، وكل الشذوذ في تجريد تلك الضروب من اللين، وهي متفاعل o في الكامل، فعــْلن /o /o في البسيط والسريع والمديد، فعولن في الطويل، أما الأضرب التي يلتقي فيها ساكنان فالأصل فيها اللين، ولكنّ هناك قوافيَ دخيلة على الشعر العمودي تبيح اجتماع ساكنين صحيحين في نهاية البيت (صَقــْرْ، صَبـْرْ، شَهـْرْ). وكنا قد تكلمنا عن ضرب الكامل متفاعل، وقلنا إن من أخطائه اجتماعه (أو زحافه المشروع مستفعل) مع تفعيلة بوزن مفتعلن /o / / /o، وضربنا مثالا قول الأستاذ صبري الصبري، والخطأ في نهاية البيت الأول:

راياتُهـم بالجـوّ أعـلـى ذروة
بصقـورها في زحفها المفتـَرِسِ
فيها الجمـال مع الجلال، تلألأت
بالنصر تزهـو في عـلاء الرأسِ

، وقد أصلـَحَها بعد ذلك لمعنى أقل، لا يفي بالغرض، وإن كان سلم حينها من الإشكال العروضي، فصارت بعد الإصلاح: في زحفها المندسّ! لكنما الإشكال القفوي قائم، فمما ساعد شاعرنا على الوقوع في ذلك الخطأ الوزني أنه أخطأ فلم يلتزم بلين قبل روي الضرب متفاعلْ، فلو أنه التزمه لثبت الحرف الرابع ساكنا طوال القصيدة، ولم تكن مستفعلْ /o /o /o ذات الرابع الساكن لتتحول إلى /o / / /o مفتعلن.

ومن الملاحظ أن اللين الذي يلتزم في الأضرب المشار إليها قد يأتي قبل الروي مباشرة كأمثلتنا السابقة، أو مفصولا عنه بمتحرك، كضرب الخفيف والمجتث فالاتن (يا ســائـلْ) ساكنة اللام، وذاك مختص عندي بذاك الضرب فقط، لكن الأصل هو اللين السابق مباشرة للروي المتحرك المتبوع بساكن.

وباستثناء قافية الـمترادف، نجد أن أغلب الأضرب السابقة التزمت قبل الروي بمد، لا بحرف معتل عليه سكون، ومن الشعراء من أتى بحرف معتل عليه سكون، مثل أن تأتي الياء مشددة في نهاية قافية من ضرب متفاعل في الكامل، وأرى هذا حلوا حامضا لا يعجبني، يقول الشاعر الكبير محمد محمد الشهاوي:

والشِّعـر معـجزة لخير مبلِّغٍ،
في كـل عصـر لم يَجِـئْه نبيُّ
والشـاعـر الخَلاقُ فَيْءُ الله في
هذا الوجود، ونُـورُه الدُّرِّيُّ

وتجدر بنا الإشارة إلى أنه قد يجتمع الواو والياء المدود معا قبل الروي، لكن لا يجتمع حرف مد مع حرف علة ساكن لغير المد (رأيْـنا، مُعِـينا)، فيجوز اجتماع (يقينا، و.... عيونا)، ولايجتمعان مع (لـَوْنا)، والاجتماع الأخير عيب. ذلك موجود عـند الشاعر عمرو بن كلثوم، إذ جمع: ..... تخـِرّ له الجبابر ساجدِيـ نا مع ..... تصفقها الرياح إذا جرَيـْ نا ، هو عيب موجود، لكنه غير شائع في شعر العرب.

*** ومن الأضرب ما تَقـِلّ موسيقاه باللين قبل الرويّ، فضرب مفاعيلن الطويل يكون أجمل بدونه، فإليك بيتين، أولهما بيت بهاء الدين زهير:

لقـد دفـنَ الأقوام عند وفــاتِهِ بقيَّـةَ معروفٍ، وخـيرٍ، وإحسـانِ

وهو يحوي لينا قبل الروي، وأراه أقل قافية، في نظري، من بيت أبي تمام الخالي من اللين القائل:

مَضى طاهِرَ الأَثوابِ، لَم تَبقَ رَوضَةٌ غَـداةَ ثَوَى إِلا اِشـتَهَت أَنَّـها قَبْرُ

واطــّـلع على شطر من الكامل يقول: فجر الهوى في ليل عمري آتِ، والتاء فيه مكسورة، ألا تشعر أن وزنه يتحسن كثيرا إن نطق (فجر الهوى في ليل عمريَ آتِ) بفتح الياء من عمري؟ والعكس بالعكس، إذ يصبح وزنه مستهجنا إن نطقت تلك الياء مدا؟ السر في ذلك أن الضرب ذا الوزن مستفعلْ من الكامل يستحب أن تكون السين الساكنة منه (مســتفعل) مقابلة لحرف ساكن غير ممدود في البيت، فإذا قابل السين حرفُ مد أسيء إلى الوزن إذ يصير بطيئا، وبذا، نستهجن وزن شطر يقول: فارقتـَني فسبحتُ في آلامي. وإن تفعيلة فالاتن (مفعولن) /o /o /o التي تأتي في ضــرب الخفـيف يكثـر فيها (بل الأصـــل في نظري) أن يكـون السـاكـن العروضي قبـل الأخـير فيها علة ساكنا، وبالتالي لا نستحب أن يكون الساكن السابق له ممدودا، أي لا أستحب قول القائل: هام قلبي، والعقل فيها حارا؛ ذلك لوجود الألف من (فيهـا) قبل اللين في كلمة (حــارا)، واللين في ذلك الضرب يلزم، ولا بد منه، فلو كان أي حرف متحرك أو ساكن غير ممدود مكان الألف من (فيهـا) لما قبح الوزن. وذلك الاشتراط في تفعيلة فالاتن فقط.

__________________________________________

مع تحياتي،،

عادل نمير

» مسألة
» مسألة مبدأ!!
» مسألة شخصية ، أرجو من حضراتكم الإفادة .
» مصـر التي مصر التي ؟
» الى التي رأت كل شيء