بين الدانة والسنبلة / بقلم عاطف الجندي

بين الدانة والسنبلة
قراءة فى الموج لايخشى الرحيل
للشاعر خالد غلاب/ بقلم عاطف الجندي
للإبداع لغة ولطعمه فرحة وإن من صوره لدهشة تحتوي الكاتب أولا بعد قراءة ما كتب فهو القارئ الأول والناقد الأول لعمله ، ثم القارئ أو المستمع من بعد ذلك والذي يجيز العمل أو يرفضه ومن هنا كان تمكن الشاعر من أدواته أو المبدع بصفة عامة هو جواز المرور المؤهل لعبور المد الإبداعي بثقة واقتدار ومن هنا كان الحرص على تجويد وإتقان الشعراء بصفة خاصة لقصائدهم على مدي حياتهم خير نموذج على تقدير الشعراء والعرب بصفة عامة للشعر ، فلا غرابة من احتفاء العرب قديما بميلاد شاعر في القبيلة وخاصة أنه سيكون بمثابة البوق الإعلامي والمخلد للقبيلة على مر العصور ، وحرصَ الشعراءُ على مراجعة قصائدهم وتحسينها ووضع المحسنات البديعية بها والتخلص من الشوائب التي قد تعلق بها على مدى حياة الشاعر ولذا شبه القائد الروماني القديم القصائد الشعرية العربية بالقطط التي يحتفي بها أصحابُها وينظفونها دائما ويهذبون شعرَها لتكون في أبهى صورة .
وليس شرطا كمية الإبداع أو طول القصيدة بقدر الحرص على جودتها وأن تترك ما يسمى بالدهشة لدى القارئ وهي الأثر الباقي في نفس وعقل ووجدان المتلقي .
والإبداع اختيار فلك أن تختار مجالا لتكتب فيه ، شريطة أن تخلص لهذا الفن كي تحصل على ما يليق بك من مكانة أدبية.
ومبدعنا خالد غلاب الذي تعرفت عليه من خلال الإنترنت وخاصة في منتدى عاطف الجندي الأدبي ومن خلال ندوته باتحاد كتاب مصر ، السبت الأول من كل شهر تعرفت عليه مبدعا يكتب القصة القصيرة جدا ويكتب النثر الفني والذي يغلب عليه العقل أكثر من العاطفة والرمز أكثر من التصريح ووجدت بكتاباته نوعا من الفلسفة والدعوة لقراءة ما بين السطور .
ومجموعته الشعرية التي بين يديَّ الآن وهي بعنوان ( الموج لا يخشى الرحيل ) وهي تقع في مائة واثنتين من الصفحات وتحتوى على خمسة وثلاثين نصا إبداعيا .
وإذا نظرنا للعنوان نجده جذابا وعنوانا شعريا جيدا وقد أهدى الديوان إلى أسرته اعترافا بحبه لهم وإلى المدقق اللغوي للعمل د محمد شاكر اعترافا بجهده في إخراج هذا العمل للنور في صورة جيدة .
وإذا نظرنا إلى نصوص هذه المجموعة والتى تقترب كثيرا من النثر وتبتعد عن العمودي بالطبع والتفعيلي من الشعر وإن جاءت بعض الأوزان في عمل ما ولكن ليس هناك من النصوص ما يمكن أن نشير إليه بأنه من الشعر التفعيلي ولذا لو جاء لي هذا العمل للتقدم لعضوية اتحاد الكتاب – سأرسله لأحد شعراء النثر أو نقاده لكتابة تقرير عنه – والنثر الفني ربما كان أجود ألف مرة من قصيدة خليلية فالحكم هنا للجودة والقدرة على صياغة جملة شعرية تدهش القارئ أو المستمع وكلامي هذا لتصنيف العمل بأنه يقترب من النثر كثيرا0
والقارئ لهذا العمل سيجد تصالح الشاعر واتساقه مع نفسه وواقعه العربي وانتصاره للقيم وللقضايا العربية فمن الإهداء حتى النهاية ينتصر لكل ما هو عربي ويستنهض الهمم ويشير إشارات جيدة لرموز تاريخية أو أحداث مرت على الوطن العربي الكبير ويستنهض الهمم ، ونجده مكتنزا بالثقافة والإشارات لأحداث عامة سواء عربية أو عالمية وبنظرة سريعة على عناوين النصوص بالمجموعة سنجد سوداوية العناوين أو العناوين ذات الألوان القاتمة والدلالات التي تشي بمدى معاناة الشاعر ورؤيته الخاصة للحياة ، فنجده يبدأ ديوانه بنص بعنوان ( أسوار ) وينهي العمل بنص بعنوان ( يا من تتصفين بالجنون ) وهذا عنوان وهمي فالقصيدة غير موجودة ولكن العنوان موجود بالفهرس فقط ، وإذا حذفنا هذا العنوان سنجد العنوان الأخير هو ( موتٌ ألا تتفتح الزهور ) وبين هذا وذاك عناوين مثل : يمامةٌ على ذراع مسيلمة / مئذنة الخوف / حطابٌ في سقر / الفجر الكاذب / الانتحار فوق مئذنة الخوف / محكمة / تسابيحُ الحذر / لا جديد / قيد في دائرة الاختبار ...إلخ
و هي عناوينَ تحمل دلالات نفسية وإشارات تلمح ولاتصرح بالكثير من التشاؤم والإحباطات التي تتعرض لها الذات الشاعرة سواء على المستوي الشخصي أو القومي فتتساوى الدانة والسنبلة وتصير المئذنة التي تبعث الأمان مصدرا للخوف وأن الرأي باللحية قد فسد ص6 وهي إشارات لواقع مصري معاش، ولكن يبقى الأمل في غدٍ يحمل بين طياته الفجر لبدء ميلاد جديد.
والمتأمل لهذا العمل سيجد أن الشاعر لديه عدة دلالات يشير إليها في معظم النصوص فنجد لديه القمح مقابل الدانة ( ويقصد بها دانة المدفع ) فيقول في نص بعنوان ( مئذنة الخوف ) ص 7
" أتنفس وحدي
كالكسر الواغل في صمتي
أزحف وحدي
كالرجم في قصص الطريق.
كالدانة آخر مسبحتي "
فالمسبحة وهى التي يسبح بها العابد في محراب الله تقربا منه أصبحت كالدانة !
ونراه يشبه البيت بالدانة في ص 13 فى عمل بعنوان ( رسالة على أجنحة الحصار ) فيقول : والبيت دانة ٌ من فوق دانة .. ويكرر نفس الصورة ص 59 فى نص بعنوان تسابيح الحذر فيقول ( دانة ٌ والبيت دانة ) وتصبح الدانة عذراء ص72 في قوله ( كانت عيناه كالدانة عذراء ) وكأنها نسيت لغة القتل ، ونرى الدانة ترتبط مع صورة أخرى ص34 فيقول : " الخصم شقيقٌ والدانة بجناحي حمام "
وعندما نراه يرمز للخير فيرمز له بالقمح فيقول مثلا فى ص13
" عيناك تسامح أعواد القمح "
ونجد الدانة تحبو على وتر لديه فى صورة أخرى ص14 من نفس العمل ، ثم يعود للقمح مرة أخرى فيقول: ( ولكن ثباتي طامح / ومعتصم كحقول القمح )
ونراه فى قصيدة ( زيف أدوار الفارس ) يشير إلى السقوط العربي فى الأندلس والذي يراه الآن فى بغداد
فيقول :" ( بين الدانة والسنبلة ينعكس على بغداد شبح طليطلة وبني عباد ) وقبل هذه الجملة يتحدث عن أعواد القمح وكيف أنه يتسطح فوق كتابه وهي صورة جديدة وإن كانت مفردة أتسطح بالعامية وتستعمل في ركوب القطارات . وترتبط الدانة والسنبلة معا فى صورة جديدة ص34 فيقول : والدانة بجناحي حمامٍ تنقر فينا حبات القمح وتتوالى هذه الثنائية فى صور أخرى منها ص 37 فى نص بعنوان مفاهيم صبح فيقول:" وعند تطاول أعواد القمح وتربص وقع المطر كان الحد الفاصل بين الدانة والسنبلة " وتتكرر مفردة السنبلة فى مواضع عديدة منها ص40 وفى نص مسرحي بعنوان ( ثلاثة من حاخامات اليهود يتهامسون ) فيقول الأول معي سنبلة من صبرا وشاتيلا ويقول الثاني معي سنبلة من قانا وجنين" ولا ينسى بالطبع ثنائية الدانة والسنبلة فنجده يقول:" فالخوف أسيرٌ والأيدي قيد الأعناق والدانة كالسنبلة "
وتتكرر ثنائية القمح والدانة على مدار المجموعة وتأخذ صورا جديدة ولكنها في النهاية تؤدي نفس المعنى .
• وإذا تحدثنا عن الحوار فى المجموعة سنجد الكاتب لديه قدرة على صياغة مواقف حوارية أدت في النهاية إلى وجود ثلاثة أعمال مسرحية قصيرة وصريحة ووضع هذه الأعمال في المجموعة تزيد من حيرة القارئ فيحتار في تصنيف العمل ، فلماذا وضع هذه النصوص المسرحية والمكتوبة بلغة مسرحية هنا وفى منتصف العمل ؟! ولماذا لم يجعلها فى كتابٍ مستقل أو على الأقل في آخر المجموعة ويشير إليها مثلا ؟! ..عموما هي تثبت بأنه قادر على الكتابة المسرحية كما أشرت والأعمال هي ( ثلاثة من حاخامات اليهود يتهامسون ص 40 / الخصم الشقيق ص43 / محكمة ص50 وهذه الأعمال الثلاث تتخد من القضية الفلسطينية متكأ لتناقش فكر الصهاينة ومذابحهم في صبرا وشاتيلا وقانا وجنين وتحاكم شارون على مذابحه في فلسطين .
ملاحظات علي المجموعة الشعرية
1 – وجود بعض الصور المبتكرة مثل : وضجيج الأصفار بجانب هدف واحد لا نخطئه ص10 / و عيناك تسامح أعواد القمح ص13 / الدانة تحبو على وتر ص14 / في كل صباح نفقد قمرا وفي كل أمنية نفقد حرفا ص 19/ زرعت الثار على كتفي كالقمر الخاسر ص 21 / عصفورا ينقر فيك ظنونا وتباريح / كان اليوم الحادي والإصرار / وضوح الخيط الأسود من البيض الأبيض ص38 / ... إلخ
2- وجود إشارات تدل على أن الكاتب قارئ جيد للتاريخ ومثقف جيد فهناك إشارات وأسماء لها مدلول خاص في الذاكرة العربية والعالمية مثل :يوسف وإخوته وسفينة نوح مسيلمة وأبرهة وبني عباد وبغداد وطليطلة وصلاح الدين وراقصة المعبد وهابيل وقابيل ومحكمة التفتيش وبروتوكلات صهيون ، أبو الهول و أبو لؤلؤة المجوسي والعُزيرْ والحجاج .. وكل اسم أو مكان من هذه الكلمات يأتي من ورائه ذكرياتٌ مهمة لها امتدادها في الذاكرة سواء كان سلبا أو إيجابا
3 – القدرة على ربط الماضي بالحاضر وكأن الزمن يعود بنا للوراء ولكن ربما بصورة مغايرة فالمنتصر مهزوم والمهزوم ينتقم ممن انتصر عليه ويكيل له التهم وخير مثال على ذلك نص بعنوان ( مفاهيم صبح ) والبراعة في استخدام الرمز في أحداث الحادي عشر من سبتمبر .
4 – رغم ندرة ما كتب من نبض عاطفي إلا أنه أجاد فيه فى آخر عمل ( موت ألا تتفتح الزهور ) فيقول:
أعرفك / حين تطل الصدفة من وجه الريح / ويطأ الزهر أقدام المطر / ساكتة ً في كلماتي كالطير / بين شقوق الوقت وبين عينيه فرح الغابات / ... إلخ
• ولكن بالرغم من التدقيق اللغوي الجيد لم يخل العمل من وجود بعض الهنات في الكتابة ورسم الكلمة بشكلها الصحيح مثل : كتاتبة همزة المد كهمزة قطع مثل ( آذاني ) كتبت بهمزة قطع ص 82 فى نص بعنوان في الميزان وهناك الكثير غير تلك الحالة وأيضا وضع همزة قطع بدلا من همزة الوصل ومثال ذلك ، العنوان ص 27 ( الإنتحار من فوق مئذنة الخوف ) فوضع همزة قطع فى كلمة الانتحار .
• عدم ضبط ( الفرق بين إن وأن ) في معظم الأحيان ومثال بسيط على ذلك ( ص83 ) فى قوله ( أن الفجرَ أسير ) فالواجب أن تكون هنا إن
• ترقيم الصفحات غير مطابق لما هو موجود بالفهرس فمثلا : نص حلم على هامش الثورة موجود بالكتاب ص 9 وبالفهرس ص 10 وهكذا قصائد كثيرة كما أن هناك قصيدة مكتوب اسمها بالفهرس وغير موجودة أصلا بالكتاب وهى ( يا من تتصفين بالجنون ).
• ملاحظة على طريقة الكتابة وهي طول بعض الكلمات بوضع ما يسمى كاشيدة بها فتصول الكلمة فى الكتابة مما يفقد العمل الشكل الجميل والتنسيق والكشيدة لا نلجأ إليها إلا في القصيدة العمودية لتحقيق النسبة بين شطرتي البيت الشعري .
وهي أشياء بسيطة بالطبع و كاتبنا قادرٌ على تفاديها في المرات القادمة وقادرٌ على أن ينقش اسمه بارزا في كتاب المجيدين من خلال القصة القصيرة جدا أو النصوص النثرية شريطة الإخلاص لهذا اللون الإبداعي وأتمنى له التوفيق في قابل أعماله .
القاهرة
فى 11 فبراير 2014

مبروك للأستاذ خالد
ودراسة قيمة جدا شاعرنا
الكبير
رائع فيما كتبت

الشاعر القدير عاطف الجندي فارس الشعر والنقد هنيئا لنا به معلما وأخا كريما
ومبروك للأستاذ خالد غلاب

مبروك للأستاذ خالد صديقه القيِّم الأستاذ عاطف
قبل أيّّ عملٍ إبداعي فالهدف الرقى للأدب وفاعى
والكتابة الجيدة تعرف بهون العين تسلكها فتشرف
كأنهما أمواج عبارت ولوح يلامسهم نافذًا مشرع.
***
تحياتي للمبدعين عبارت وكلمات تسمعُ وتربع.

مبروك للكاتب الأستاذ عاطف
ومبروك للأستاذ خالد
Very Happy

يأتي الفضل لله ثم للشاعر الكبير عاطف الجندي لقد شعرت بنجاح الأمسية من البداية كما شعر كل الحاضرين الذين اقتنعوا بدرجة كبيرة بموهبتي كشاعر وبكتابي الموج لا يخشى الرحيل
نعم النجاح له مذاق رائع ومختلف عن كل ما تحملته من مشقة وكبد لإخراج مجموعتي الشعرية للنور بعد ما يقرب من تسعة أعوام من الكتابة الشعرية الحمد لله رب العالمين
بالتأكيد أشكر لك مجهودك فلم تمر مرورا سطحيا ولم تعتذر عن الكتاب لقد كنت صادقا موفقا أخي الكريم عاطف في دراستك عن مجموعتي الشعرية كما سميتها كما أحيي فيك الإنسان ونقاء الضمير .
كما أشكر للسادة مرورهم الطيب وصفاء نفوسهم اولله الموفق

مبروك استاذ خالد
ودائم الروعة استاذى عاطف الجندى
كافأك الله كل الخير

» مشوار سعيد الصاوي بقلم عاطف الجندي
» العزف على أوتار القيثارة الأسبانية .. بقلم عاطف الجندي
» قراءة فى ديوان فى هواها كان عمري بقلم / عاطف الجندي
» المنحوس و الانتصار للقيم الجمالية بقلم : عاطف الجندي
» منتدى عاطف الجندي عاطف الجندي الأدبي يستضيف أبو سالم وصباح