قراءة فى دموع إيزيس لحسنى سيد لبيب بقلم عاطف الجندى

إيزيس بين الرواية و الأسطورة

قراءة فى رواية دموع إيزيس
لحسنى سيد لبيب

بقلم / عاطف الجندي
***
استطاع
الكاتب حسنى سيد لبيب فى روايته دموع إيزيس أن يقدم لنا عملا متكاملا و ناضجا يشى
بموهبة حقيقية و تمكن فى مجال الإبداع الروائى 0
هذه
الرواية التى تتحدث عن أسطورة إيزيس و أوزوريس كما تتحدث عن الأبطال معها مثل حورس
الابن و ست الأخ الشرير لأوزوريس و زوجته
نفرتارى و أخت إيزيس نفتيس ، بالإضافة إلى شخصية الحكيم نون صاحب مدرسة بيت
الحياة و دون الدخول في مقارنات بين الرواية و الأسطورة و هل ست – فى الأسطورة – قد قتل أخيه حبًا فى زوجته مثلما فعل قابيل مع أخيه هابيل
أبني آدم عليه السلام أم قتله طمعًا فى ثروته أو غيرة منه أو حقدًا عليه 0

و المبارزة
التى لم تتم بين ست و أوزوريس التى
أقترحها الأب ما هى الا القربان الذى طرحه آدم على أبنائه فى قصتهم الشهيرة و حكم
الرب لصالح هابيل الطيب ، كما نجد المعلم نون يحكم لأوزريس الطيب في الرواية فبدأ
ست الشرير في تدبير المكائد لأخيه بمساعدة زوجته نفرتارى ووضعوه في الصندوق الخشبي و أحكموا إغلاقه و قذفوه في
النهر وهنا يحدث تماس مع قصة موسي عليه السلام وعندما يعثر الرجال علي الصندوق
ويخرجوه من المياه وبعد فترة وبعد بكاء إيزيس يفيق أوزوريس من غيبوبته وهنا يظن
الناس أنها معجزة وأنه قد عاد إلي الحياة مرة أخري بعد موته فتذاع قصته ويأمر
فرعون ببناء دار فاخره يعيشان فيها ويلحق بالدار معبد وخمسمائة فدان من أجود
الأراضي التى يتم إعطائها لأوزوريس مكافأة و هبة ً له ويتحول منزل أوزوريس من راعي غنم إلي إله ويأمر
فرعون بسجن ست فيهرب إلي الجبال ليكون زعيماً للمطاريد ويحاول الانتقام من أخيه
مرة بفتح السد الطيني لإغراق أراضي أخيه ويفشل وأخري بحرق الزرع وتم قتل اثنان من
أتباع ست في هذه المحاولة والملاحظ رضاء
نفرتاري ( زوجة ست ) عن ست ومشاركتها إياه في الإعداد لقتل أخيه حتى تم ذلك وتقطيع
جسده إلي أشلاء تم توزيعها علي أماكن متفرقة وهي العالمة بحبه لإيزيس ولم تتمرد
علي زوجها إلا قبل موتها فقط وفي الفصل التاسع يظهر حورس الابن ذو السبع سنوات
ويظهر في الكادر صديقه توت وأخته نيت الذي يتزوجها حورس في نهاية الرواية وبعد قتل
ست لأخيه يبدأ في الانعزال عن الناس وشيئاً فشيئاً يبدأ ضميره في الإفاقة من
غيبوبته فيذهب إلي معبد أوزوريس فيمنعه الحراس فيتحول لصنع تمثال ٍ من الذاكرة
لمحبوبته إيزيس أمام عيون زوجته التي تندب حظها لزواجها من هذا الرجل العاقر
المأفون الذي لا يشعر بجمالها وهي أجمل من إيزيس وإذا نظرنا إلي شخصيات الرواية
نجد أن هناك شخصيات تطورت تطورًا طبيعيًا ليس متعجلاً من النقيض إلي النقيض وعلي
سبيل المثال شخصية إيزيس التي تكره طيبة زوجها وأن هذه الطيبة ستتسبب في قتله بعد ذلك وتكره ست أيضا لأنه شرير، و لذا نجدها تدريجيًا ترضي عن ست وتوافق في نهاية
الرواية بالصمت علي اقتراح نفتيس أختها بالزواج من ست وست الشرير القاتل لأخيه ثم
قتل زوجته نفرتاري التي عايرته بحبه
لإيزيس ورفض إيزيس لهذا الحب و كيف أنها جميلة و هناك الكثير من الرجال الذين
يحلمون بها أى نفرتارى و من شدة جمالها ، ضاجعها
شخص عند النهر وتغزل فيها عازف الناي كذلك، فيقتلها ست ليس لأجل شرفه بل لأجل معايرتها له بكره إيزيس
له عندما حاولت تحطيم تمثال إيزيس فيقتلها بالفأس ونجد هنا تماس مع قصة إبراهيم
عليه السلام وتحطيمه للأصنام وشخصية حورس الذي كان يخاف من عمه نجده في النهاية يذهب إلى عمه لقتله و الأخذ بالثأر
منه لقتل أبيه 0

وشخصية ست
الذي يزهد في الدنيا بعد قتله لزوجته ويذهب لبيت الحياة ليتعلم الحكمة و عندما
يذهب لإيزيس فتخاف علي حورس من ست فبكل بساطه تخلع ملابسها كاملة وتقف أمامه عارية
وترقص كما فعلت سالومي وتراوده عن نفسه كذليخة ويتحول ست الشرير إلي يوسف الذي
يرفض مضاجعتها بعد أن يملي عينيه من محاسنها 0

هنا
أجد تحول إيزيس غير مبرر فنيًا لأن في ذلك الوقت في الفصل التاسع من الرواية
كان حورس شاباً يافعاً يخشى ست علي نفسه منه وقد حدث وجاء حورس فخافت من ابنها
وهي التي منذ قليل راودت ست على نفسه
لاتقاء شره و خوفًا ان يصيب ابنها بمكروه و يفجعها فيه 0

وهناك
شخصيات بدأت وانتهت كما هي مثل شخصية نفتيس التي هي أخت إيزيس المهادنة مع ست خوفاً منه والناصحة
لأختها وحورس ابنها وهي التي مات زوجها في أحدى معاركه مع الهكسوس ولا أدري هل الأسطورة
قبل مجىء الهكسوس إلى مصر أو وقتها أم بعدها 0

و شخصية
أوزوريس الطيب 00طيبته تصل إلى حد السذاجة فكيف يتحول إلى إله و هل الطيبة التى
تصل إلى حد السذاجة تصل بصاحبها إلى مرتبة الآلهه و كيف للإله الساذج أن يتحكم فى
مقادير أهل الأرض ؟! و فى الرواية لم تتطور شخصية أوزوريس بل على العكس يظل كما هو
ضعيفا ساذجا0

و شخصية ست
الشرير- نجده يفكر و يُعمل عقله فها هو يصنع تمثالا له و يضعه بجانب تمثال إيزيس و
نجد شخصية الحكيم نون و هو العقل المفكر فى الرواية و صاحب الرؤية الحكيمة و
الثاقبة و هو عقل مسالم خيِّر و نجده لا يعالج الجريمة بالجريمة فهو يرفض القصاص
من ست القاتل ص 100 و نجد أن معلم المنطقة الشمالية ( نون ) يقابله معلم المنطقة
الجنوبية (كاف ) فيكون المجموع هو لفظ ( كن ) الذى يوحى لنا بأن الله تعالى يقول للشيء كن فيكون و
كأنه يصور أن هناك إلهان واحد بالشمال و آخر بالجنوب يكوِّنان فى النهاية مشيئة
واحدة و أمر واحد مطاع 0

و جاء ذكر
عروس النيل و القصة المعروفة عنها و تم قذف تمثال شبيه بعروس النيل فى النهر فظن
أقاربها و المشاهدون بأنها قد غرقت فى النيل بينما هى قد توارت لتنام فى أحضان
فرعون فى هذه الليلة 0 و هى رؤية للكاتب فى أحدات القصة الحقيقية ، فلم يذكر أبدا
مثل هذه الأحداث - فى حدود علمي - و أعتقد
بأن ذلك من خيال المؤلف 0

و هناك عدة
ملاحظات على الرواية منها أن هناك ألفاظ مستحدثة و طالما نحن نتحدث عن أسطورة فكان يجب عدم الوقوع فى هذه الأخطاء
البسيطة مثل كلمة شيخ محنك ص 17 و كلمة شيخ هنا يقصد بها رجل الدين فى الإسلام و
كلمة مأفون ص 73 و هو مصطلح فى علم النفس لم يعرف إلا حديثا و هناك ص 108 " و
كم فيك يا أرض الكنانة من مبكيات " التى تحيلنا إلى المتنبى و نحن نتحدث عن
أسطورة فرعونية و لو كانت الرواية عن الفتح الإسلامي مثلا لكانت جميلة فى موضعها و
فى نفس الصفحة أيضا يقول الكاتب " هم ملح الأرض " و هى من ألفاظ المسيح
عليه السلام و لو استعان بجمل و مفردات من كتاب الموتى مثلا لكان قد أحسن الدلالة
0

و من
الأشياء المستغربة أيضا تصوير أوزوريس على أنه معتوه بحيث لا يرى الشر المحدق به من
أخيه و مع ذلك يتمسك بهذه الأخوة ! فنراه
ص 23 يقول " ها قد عثرتم على الصندوق الجميل الذى قد صنعه أخى " و هذا
بعد كل ما حدث يسميه أخيه 0

كما نلاحظ
تقدير المصريين منذ الفراعنة لماء النيل كما فى الرواية و هو يؤكدها كما ورد فى
كتاب الموتى مثلا " أنا لم ألوث ماء النيل " و لقد طرح كاتبنا حسنى سيد
لبيب مسألة التوحيد و أن الذى طرحها هو آمون و المعروف بأن آمون كان كبيرًا للآلهة
و أول من دعا إلى التوحيد هو أخناتون و كما يطرح لنا بأن المصريين لم يقفوا أمام
حاكم ظالم حتى الآن كما ورد ص 105 و هذه علامة استفهام كبيرة 0

و فى رأيي
أن الرواية كان يجب أن تنتهى بموت ست و أن الفصل الرابع و العشرين لا لزوم له – من
وجهة نظرى – و لكنها النهاية السعيدة التى تسيطر على كتاب الروايات عموما فلابد
للخير أن ينتصر فى النهاية و البطل يتزوج البطلة أو يتم القصاص من الظالم و كشف
أمره و نيل عقابه لذلك لجأ كاتبنا إلى نفس تقنية الكتابة فتم تزويج البطل حورس
بمحبوبته لتكتمل اللوحة الجميلة و النهاية التى يرضى عنها القارىء أو المشاهد إذا
مثلت بالسينما 0
و أخيرًا
لقد استمتعت بقراءة رواية دموع إيزيس التى قدمت لى رؤية مغايرة و تدخل خيال الكاتب
فى سياق الرواية و لم ينقل لنا الكاتب الأحداث كما هى ، بل وضع لنا بصمته الشخصية
بالرواية و لقد نجح فى أن يقدم لنا عملا متميزًا ، أتمنى أن أراه مسلسلا
تليفزيونيًا أو عملا سينمائيا و هو يستحق ذلك و أتمنى لكاتبنا حسنى سيد لبيب مزيدا
من التألق و التوفيق 0
***