البحث عن وطن قراءة فى رواية نجلاء محرم

البحث عن وطن
قراءة فى مجموعة
لأنك ِ لم تعرفي زمن افتقادك
لنجلاء محرم
بقلم عاطف الجندى
***
هذا هو المولود الأدبي الخامس لنجلاء محمود محرم التى عرفتها مبدعة متألقة الحضور فى الندوات و و صاحبة أعمال متميزة و هى صاحبة جائزة تحمل اسمها فى الوسط الأدبي ، و الجائزة مخصصة لكتاب القصة القصيرة 0
و فى هذا العمل ( لأنك لم تعرفى زمن افتقادك ) الذى يحتوى على أربعة و عشرين قصة قصيرة ، تميل معظم قصصها إلى العزف على الجرح العربي و القضية الفلسطينية التى تحدثت عنها بشكل مباشر فى عملين أو أكثر من هذه المجموعة و
أشارت إليها فى قصص كثيرة مثل: ( تسلل – حين كبرنا – نوع من النجاح – كنت ميتا – دهاء ) أما التصريح فكان فى قصص ( لأنك لم تعرفي زمن افتقادك – مفردات مجموعة – العودة ) و لم تنس المبدعة الأمومة فنجدها فى قصة خروج التى تحدث فيها عن الأمومة و عن لحظات لا يمكن وصفها بهذه الدقة و الخصوصية سوى من مبدعة تجيد البوح بأدق أسرار اللحظات الإنسانية 0
و عن مأساة الكويت تحدثت عنها بشكل رائع فى قصة أخ و هى تشير إلى حتمية و أسرية العلاقة بين الدولتين و قد جاءت الحكمة أيضا فى قصص المجموعة و قد جاءت أشبة بالحكمة التى وردت فى قصص كليلة و دمنة و نجدها فى قصص مثل ( غباء – عقول – يا قاتل الشجرة - - ترويض – غربة ) و أبدعت فى وصف الحب فى قصة بعنوان خطوات و جعلت الكاتبة لحركة الأقدام فى هذه القصة دور البطولة و عزفت أيضا على وتر الوحدة الوطنية فى قصة ( مفردات مجموعة ) 0
إذن نحن أمام عمل أرادت الكاتبة له أن يجمع ما يشغل جميع القراء ، كل ٌّ على حسب اهتمامه و انتمائه النفسي و الأيدلوجي 0
فإذا رجعنا إلى قصة ( لأنك لم تعرفي زمن افتقادك ) نجد أن الكاتبة قد ضفرت عبارات من الإنجيل فى سياق القصة و مع أحداث جارية جاءت لتواكب النصوص المختارة بعناية من الإنجيل و تؤكد على أن المسلمين و المسيحيين فى قارب واحد ضد الصهيونية التى هى مبعث كل شر فى هذا العالم و تتجلى الكاتبة فى وصف أدق التفاصيل الأنثوية الخاصة فى لحظة ولادة طفل تلك اللحظات شديدة الخصوصية و ذلك فى قصة ( خروج ) و كيف أن الأم تواجه الألم و السعادة فى آن واحد و ما يصاحب هذه العملية من تبديل وضع الجنين الطفل من الأمان و الراحة فى رحم أمه إلى الطرد من هذا المكان الذى شهد شهور سعادته حتى لحظة الطرد التى تكون بمثابة صدمة للجنين فيصرخ فى لحظة نزوله إلى الدنيا كأنه يعلن رأيه مسبقا فيما سيلاقيه من كد و تعب فى هذا العالم الجديد بالنسبة له و تقابل صرخة الطفل صرخة الأم التى تصرخ من شدة ألمها و الطفل يصرخ لتبدل وضعه من الراحة إلى الشقاء0
و هذه القصة القصيرة بهذا الوصف الدقيق و الشيق لا تقدر على سرد أحداثه سوى أنثى مرت بنفس التجربة و مبدعة لها قلمها الخاص الذى ترسم به حتى تخرج لنا هذا الصدق الفني و الدقيق بهذه الاحترافية و المحترمة فى نفس الوقت 0
و نجدها تلمح للقضية الفلسطينية فى قصة ( تسلل ) و كيف ان الغريب بهذه القصة الذى تسلل إلى غرفة البطل بذكاء و مسكنة ٍ أيضًا حتى أنه سيطرد صاحب البيت فى نهاية القصة و هى بذلك تشير إلى نفس القصة التى حدثت فى فلسطين المحتلة و كيف أن الصهاينة دخلوا إلى فلسطين و طردوا أهلها بالقوة و المجازر التى نصبوها للفلسطينيين و التصفية الجسدية و العرقية لهم و فى القصة تؤكد الكاتبة على أن الضعيف لم و لن يجد له مكانا فى هذا العالم الذى لا يعرف سوى وجه القوة و هذا ينطبق على الحيوانات و الطيور أيضا و تؤكد ذلك فى قصة بعنوان ( الغربان ) و كيف أن الغراب الضعيف لا يجد له مكانا بين الغربان فالغراب الضعيف و العجوز هنا لا يتقدم الصفوف فى محاولته الحصول على نصيبه من الطعام لأن الغربان الأخرى لن تسمح له بذلك 0
فالقوى هو الذى سيأكل أولا ً و الأقل قوة بعد ذلك و هكذا ، فلن يجد الغراب العجوز الواهن فرصة للحصول على الطعام فترة طويلة حتى أن سيسقط ميتا من شدة الجوع و الضعف الذى آل إليه حاله و يصبح هو بنفسه فريسة
تتقاتل عليها الطيور الأخرى التى لا تعترف سوى بلغة القوة و البقاء للأقوى بل و الدنيا بأسرها لا تعترف سوى بذلك القانون 0
و عندما تحدثت فى قصة ( مفردات مجموعة ) عن الوحدة الوطنية بجدها جاءت بشاب مسيحي شاعر يحلم بإصدار ديوانه الشعري الأول و يحلم بتحرير أرضه و سينائه من المغتصبين و يطلب من أخيه أن يعلم أبناءه حتى لا يصبحوا أميين مثله و يدخل الحرب و ينال الشهادة فى سيناء و يحضر زملاؤه فى الجيش إلى أمه و يعطونها متعلقات ابنها الشهيد و هذه المتعلقات التى تدل على وحدة هذا الوطن و تقبل الآخر و أن الوطن بفرعيه - المسلم و المسيحي – هو نسيج خاص و غير قابل للتمزق و التفرقة و هذه المتعلقات عبارة عن مصحف صغير و ختم يحمل اسمه و صليب فى سلسله و قصيدة انتصار0 و الجمال فى هذه القصة أنها عالجت الوحدة الوطنية بأسلوب شيق بسيط بعيد عن الخطابية و أن هذه الوحدة لا تحتاج إلى إنسان متعلم لكى يؤكدها ، فهذا الختم دليل على الأمية التى كان يحياها البطل و أن هذه الوحدة ستؤدى حتما إلى الانتصار0
ووجود المصحف هنا مع هذا الشاب المسيحي الأمي الذى لا يعرف القراءة هو نوع من الأمان النفسي للبطل لا غير و ليس للقراءة لأنه بالطبع لن يقرأ و بالمثل قصيدة الانتصار التى وجدت فى متعلقاته و أحسنت الكاتبة صنعا فى أنها لم تحدد من صاحب هذه القصيدة ؟! هل هو البطل الأمي ؟! و لكن متى تعلم الكتابة ؟! هل كتبها له شخص آخر ؟! أم قصيدة زميل له أم قصيدة منشورة فى جريدة مثلا ؟!
هذا النهاية المفتوحة تحيلنا إلى أكثر من طرح و تفسير0
و فى قصة ( رائحة القمر ) نجد الطفل الذي يتكفل هو و أمه بالعمل لخدمة و إعالة الأب الكسول الذى لا يرى و لا يهمه سوى نفسه فى هذا العالم و تصل به الأنانية حتى أنه يحرم ابنه من رغيف خبز ساخن يحلم به 0
أما فى قصة عم ريحان أو ( حين كبرنا ) و هذا هو اسم القصة نجد الرجل الطيب الذى لا يسمح للأطفال بدخول الحديقة – و هذه هى المفارقة - و يقول لهم :عندما تكبرون ستدخلونها لأن حاملي الشوم سيمنعونكم فيعود الأطفال منهزمين ، منكسين الهامات و كلما حاول الأطفال دخول الحديقة مرة أخرى يتصدى لهم حاملوا الشوم فما كان منهم إلا أنهم حملوا الأحجار و قذفوا بها عصابة حاملي الشوم – و هنا إشارة إلى أطفال الحجارة بفلسطين – التى تمنعهم من دخول حديقتهم و فى سبيل ذلك يسقط بعض الأطفال حتى يتم فتح البوابة بواسطة أطفال غيرهم و لكنهم كانوا شرارة البداية التى أججت نار الثورة على حاملي الشوم و يأتي الخلاص من الأطفال الذين أضفت عليهم مرارة الحرمان واقعية التجربة و يأتى النصر بأيديهم عندما يصبحون كبارا و أن الحلم سيتحقق فى المستقبل القريب إن شاء الله 0
أما فى قصة ( خطوات ) نجد الوطن هنا لدى فتى و فتاة يتلاشى ، الفتى و الفتاة يذهبان إلى صخرة على شاطئ البحر يذهبان إليها فى الصباح الباكر و تلعب الأقدام دور البطولة فى الأحداث ، حتى يتم قذف البنت فى ماء البحر لتغرق ، ونفهم سياق القصة أن هذه الفتاة قد أخطأت خطأ ً لا يغتفر و لكنها لا تدرك أن سوف تقتل بسبب هذا الخطأ بدليل ذهابها معه برضاها و يبدو بأنها متعودة على الأخطاء و سامحها البطل قبل ذلك أكثر من مرة لذلك كان عدم المبالاة من جانب الفتاة و لم تتوقع هذه النهاية و السبب الذى يدعو للقتل هنا هو بالطبع من - وجهة نظري - هو جريمة ترتبط بمسألة الشرف الذى يمثل لنا نحن الشرقيون شيئا مقدسا لا يمكن الاقتراب منه أو التعدي على قدسيته 0
و فى هذه القصة تطل حرفية الكتابة لدى نجلاء محرم و تمثلت فى العناية الفائقة بتصوير الحالة النفسية و التفاصيل الدقيقة للبطل و البطلة ،و لكننا لا نعرف مدى العلاقة بين البطل و البطلة هنا و لكن نستشفها من سياق الأحداث ، ثم علاقة عاطفية ربطتهما معا و هذه الصخرة و التى تبدو لى أنها شاهدة على الكثير من الأحداث السابقة سواء السعيدة أو غيرها لذلك كانت النهاية عندها أيضًا و تركت الكاتبة الباب مفتوحا لطرح المزيد من التساؤلات هل كانا مخطوبين أم كانا متزوجين ؟! و لو نظرنا إلى رد فعل البطل بعد إغراقه لحبيبته هو عدم الاكتراث بمصيرها و لم يبد ندما أو قلقا نفسيا لموتها و تركت لنا تقدير أيَّ جرم يستحق هذا العقاب دون التصريح به بل و تؤكد على أن الحب الشديد هو الذى دفع بالبطل إلى اقتراف هذه الجريمة و أن المحب قد يتحول إلى الضد تماما و أن حبيب الأمس هو عدو اليوم 0
و فى قصة ( نوع من النجاح ) جاءت على لسان قنبلة لم تنفجر مثل زميلاتها و غطاها التراب و لجأت إلى أنسنة القنبلة فنجد أنها أي القنبلة تخاف على نفسها من الصدأ إلى أن تجد المعول الذى يحفر فى الأرض فتطلب من ابنها البارود أن يستعد بالاحتفال بالنجاح فى قتل الناس و بعد هذا النجاح لا تجد ابنها البارود لتحتفل معه بنجاحهما لأنه قد أفنى مع من قتلهم من الناس 0
و هو نوع من النجاح فى إيذاء الآخرين و إيذاء النفس كذلك و هى تشير إلى أن هناك أشخاص هم أشبه بهذه القنبلة التى تدمر غيرها و هى لا تدرى بأنها تدمر نفسها أيضا 0
و فى قصة ( للكلاب ذاكرة ) تؤكد على أن الكلاب لا تنسى و هى تخلص فى حبها أيضًا و الكلاب عندها تسب بعضها بقولها يا ذئبة و كأن للكلاب قاموس للشتائم أيضا و أن الذئب هو سبة بالنسبة لها ، لأن الذئب أقبح منها شكلا و سريرة و أقل منها بدرجات – هذا فى رأى الكلاب – و نجد الكلب بطل القصة يطارد صبي يقذفه بالطوب و لا ينسى الكلب ذلك و على النقيض نجد البنت صاحبة الضفيرتين تعطي للكلب رغيفا فتعنفها أمها لأنها جعلت البيت مأوى للكلاب الشوارع والكلب لا تروقه هذه التسمية وتقتل حبيبة الكلب أمام عينيه بواسطة سيارة فيشفق له صبي فيقول له الصبي قاذف الطوب الكلاب ليس لها ذاكرة سينسي ويذهب ليقذف كلباً أخراً الغريب هو تحول الصبي قاذف الطوب بعد مقتل الكلبة فلم يقذفه وأما ذهب ليقذف كلباً أخراً والكلب نفسه لم يحاول الانتقام من هذا الصبي في أي وقت وصفه الوفاء التي ينصف بها الكلب ما هي إلا دليل علي أن للكلاب ذاكرة وفي قصة كنت ميتا ً- قصة صاحب بيت ميت يري المحتل وهو يأخذ بيته ويجلس فيه ويحس به ويقابل المحتل زواره ، المحتل يملك البيت ماعدا حجرة المكتب (اللي بعينه) كما قالت الكاتبة أن يأخذها لأن المفتاح في جيب الميت وفي قصة جدي وأنا قصة أسد السيرك الذي يجد عزاءه في سرد ماضي جده الكبير لابنه وأنه كان وكان وبين واقعه الأليم وماضيه السعيد، الأسد الصغير يسمع لكلام أبيه ويحلم بماضي جده فيحاول أن ينتقم من صاحب الكرباج ولكنه كان واهماً فمازال مروض الأسود هو صاحب الكلمة العليا وفي قصة " غباء " تعالج التكبر فهذه النملة الملكة عندما تواجهها نمله عامله بالحقيقة وانه لولا النمل العامل ما كانت هذه الملكة فيكون جزاؤها القتل والنمل العامل وهو مصدر الرزق لمملكة النمل فيخرج بقية النمل للعمل ويتوهون في لدروب والملكة تتضور جوعاً والحكمة هنا تأتي في ثوب كليلة ودمنه رقصه عقول علي نفس المنوال وفي قصة سعيد نجد الاسم غير مطابق لواقع صاحب الاسم وقصة يا قاتل الشجرة وهو عنوان جميل مهداه لحماة البيئة وان يمكن للإنسان أن يتغلب علي مشكلته بعلاج بسيط وليس بقطع الشجرة لأنها تتعارض مع مصالحة البسيطة ، أما في قصة أخ فهمي تعالج مشكلة احتلال الكويت ذلك البطل المصري الذي ذهب مع قوات التحالف لتحرير الكويت يجد نفسه منحازاً للوقوف بجانب العراقي العربي لأنه وجد بجانبه جنود ليسوا من أبناء جنسه وكاد أن يقتل بسبب ذلك وهو شعور فطري و‘ن كان شاذاً في الجندية لان الجندي ينفذ أمر قائده وألا يعترض للموت وهذا الجندي كان نشازاً أيضاً في حفره في فرقته الموسيقية وفي قصة دهاء أيضاً بين القط والفأر ترمز إلى الواقع الفلسطيني وكذلك نهاية المجموعة بقصة العودة له دليل كبير اتجاه هذه المجموعة التي ينصب في بوتقة الواقع العربي الأليم وكان مقتل " الدرة " هو نقطة الشرارة حتي أن البطل يطبع علامات حمراء بدمه علي أرض الوطن ليكون هذا هو صك ملكية هذه الأرض وجعلت الزيتون ينتحر حزناً علي واقعة وكان القرار بالحرب في نهاية القصة .
نجلاء محمود محرم تؤكد علي مكانتها في القصة القصيرة كصوت أدبي يستحق الكثير
بقلم عاطف الجندى

قراءة جميلة
و كأنى قرات الرواية من نقدك الجميل استاذ عاطف
و هذه فائدة الناقد الواعى

أحييك على هذه القراءة أستاذ عاطف
و تعريفنا بمبدعة جميلة
أحسنت يا رجل

» قراءة في رواية (هسيس الغياب) للأديب مأمون الجابري (من حلب)
» مرحباً بالأديبة الكبيرة نجلاء محرم
» الدكتورة نجلاء طمان الوردة السوداء تعطر سيرتى بشذاها النقدى
» البحث عن الحقيقة ( رواية مسلسلة )
» البحث عن الحقيقه ( رواية إجتماعية )