شهادة الشاعر د توفيق على منصور

سبيـل الرشــاد (سيرة ذاتية)
د. توفيق على منصور (*)

مؤتمر مطروح مايو 2010
ساقني قدري إلى أن أولد فى الربيع فى بقعة حالمة لأبوين فاضلين وإخوة وأخوات رحماء فيما بينهم. ففى فجر اليوم الرابع من شهر رمضان المبارك/ 1349هـ الموافق التاسع من شهر مارس من عام 1931 أطلت رأسى على عالم ملىء بالدفء والبهجة والرخاء والنعيم فى قرية جزيرة الحجر التى اختصها الله بالازدهار والنماء، إذ يحتضنها فرع رشيد فى رفق زائد من الجنوب والغرب والشمال باعثا فيها أحلاما وردية وهدوءً وسكينة ؛ فطبع بصماته على أب لم أسمع منه لفظا نابيا، وأمًّ لم تبخل علينا بالجهد ولا على الفقراء واليتامى والمساكين وابن السبيل بما حباها الله من رزق.
وأول ماتفتحت عيناى ونطق لسانى وسعت قدماى كان فى منزل كبير لأسرة عريقة تنتسب إلى السيد الشريف إدريس عيسى منصور (جد جدى)، أمير القرية والقرى المجاورة فى مديرية المنوفية. وكان أبى واحدا من علماء الأزهر الشريف، جاهد بقلمه فى ثورة 1919، إذ أنشأ مجلة بالاشتراك مع زميله الشافعى اللبان، تسمى منبر الشرق. وكان يقرض الشعر، فسمعت منه أول أبيات فى التعاون حيث قال:
إن التعاون فى أزهى معانيه
سما رشاد به نحو العلا قدما
قد ازدهى غرسه فى حقل منشيه
حتى تناهت إلى الجوزا مبانيـه



وتغنى شباب قريتى وقرية زاوية الناعورة بقصائده التى كان يلقيها أمام الزعيم سعد زعلول فى دوار عين الأعيان عبد العزيز بك حبيب، وهى القصائد التى سجلتها موسوعة الشعراء العرب التى أصدرها أخيرا الشيخ عبد العزيز بابطين.
وفى كتّـاب الشيخ محروس حسام الدين كانت أولى صولاتى مع تجويد القرآن الكريم وتعلم الكتابة والقراءة، وفى ربوع قريتى تفتحت مداركى على جمال الطبيعة بألوانها المبهجة وأنفاسها العطرة وإيقاعات آلات الرى المنتظمة وفيضانات النيل العارمة وزيارات الملوك والأعيان والتجار إلى ميناء القرية على النهر الخالد. فأنشدت فيها نشيدا يردده التلاميذ والتلميذات فى طابور الصباح قبل بدء الدراسة كل يوم فى القرية أقول فيه:

جزيرة الحجر
ربيبة السماء
رجالها فهود
شقيقة القمر
ومنحة القدر
نساؤها درر


توسعت مداركى ونما خيالى من القصص وحكايات الجن التى كانت تحكيها لنا ابنة عمى صدًََِيقة التى كانت تحكيها لإخوانها وأخواتها وأبناء أعمامها الذين يجتمعون فى ليالى الشتاء التى تدفؤها الأفران الريفية ويدور فيها البرتقال واليوسفى والفول السودانى المحمص، مما تجود به بساتيننا وحقولنا فى دار مشتركه تزيد غرفها عن العشرين.
وفى سن السادسة التحقت بمدرسة المساعى المشكورة الابتدائية فى شبين الكوم بصحبة أخى الأكبر صلاح الدين الذى كان يدرس بنجاح فى المدرسة الثانوية بالمدينة ذاتها. وكنت متفوقا فى الرسم والتعبير والجغرافيا، وهى الأمور التى اكتسبتها من طبيعة قريتى وأسرتى. وكان الأستاذ علام مدرس الرسم يقطع لوحاتى من كراستى ويعلقها على لوحة الشرف فى المدرسة. أما محمود شهدى مدرس الإنجليزي والحساب والأشغال اليدوية والجغرافيا فكان يعرض علينا لوحات من إبداعه عن القطر المصرى، ويتحكم فيها كهربائيا بالأزرار؛ فهذا يبرز المراكز الصناعية وذلك يبرز الموانىء الهامة وهكذا. وكانت تعرض هذه اللوحات فى المعرض الزراعى الصناعى على أنها إحدى وسائل التعليم المتطورة. فأحببت الجغرافيا من فرط إعجابي بتلك اللوحات.
وفى مدرسة شبين الكوم الثانوية تولانى الأستاذ الفنان أيوب زهران وكان يعلق لوحاتى ويساعدني على نحت التماثيل. وكان الرحالة العظيم محمد ثابت ناظرا للمدرسة ورئيسا لفريق الأغانى والأناشيد؛ فالتحقت بالفريق. وكان عازفا على العود الفضى يعلمنا أحلى الأنغام :
إن قوسى فى يسارى
طال شوقى للنهار
وحسابى فى يمينى
كى يلاقينى قرينى


وفى الكلية الحربية الملكية ظهرت أولى إبداعاتى فى الكتابة فى مجلة الكلية التى كان سكرتير التحرير فيها زميلى الطالب إسماعيل شوقى، وكنت قارئا نهما لكتابات خالد محمد خالد الثورية : من هنا نبدأ، ومواطنون لارعايا وغيرها حتى تخرجت فى الكلية برتبة الملازم فى يوم 11 فبراير 1952، وتوليت قيادة إحدى الوحدات المدرعة فى سلاح الفرسان الملكى. وعندما قامت ثورة 23 يوليو 1952 شاركت فيها بحصار قصر القبة بالمدرعات فى يوم 26 يوليو وما بعده، حتى تدرجت فى الرتب والقيادة إلى أن شاركت فى حرب العدوان الثلاثي 1956. وكان يوسف السباعى وأحمد مظهر قادة لى فى وحدات التدريب. وقرأت للسباعي كثيرا من رواياته وإبداعاته. وكان رئيسا لتحرير مجلة الفرسان التى نشرت فيها قصيدة قلت فيها :
رأسك ارفع يا أخى فلقد مضى عهد الفساد
قال نسر النيل أيضا مجدنا سوف يعــاد
إنه الغر جمالا قائل قول اعتـــــداد
هل ترى اليوم جليا موطن الطغيان بـاد ؟
وفى مايو 1958 توجهت إلى الكلية الفنية العسكرية فى برنو بتشيكوسلوفاكيا وحصلت منها على ماجستير فى الشئون الفنية، وهناك عبرت نهر الدانوب فى مدينة براتيسلافا وأنشدت فيه قصيدة قلت فيها :
باسم ربك قد نبعث من العلا نبع السـلام
ومررت بتشيكوسلوفاكيا عابرا مر الكرام
نشرتها مجلة سلاح الحدود، ويحتفظ الجنرال التشيكى يان دوبيك بنسخة منها بالعربية، ويحتفظ متحف بتراتيسلافا بنسخة أخرى.
وفى عام 1964 كلفنى العميد الركن محمد الجمسى بترجمة كتاب الناقلة المدرعة ب ت ر 40 فترجمته وصدر. ثم شاركت فى حرب يونية 1967 رئيسا لأركان مجموعة الشاذلى؛ ثم شاركت فى حرب الاستنزاف. وكانت هذه الهزيمة حافزا لى على تأليف كتاب الخداع فن وتطبيق الذى شارك فى خطة الخداع فى انتصارات أكتوبر 1973 المجيدة التى كنت فيها قائدا لمدرعات الجيش الثالث فى الحصار.
وهنا تفجرت لدى الحاسة الشعرية فأنشدت عدة قصائد نشرت الصحف المصرية والعربية بعضها وصدر بعضها فى ديوانى الأول حصاد الربيع (2007) وفى ديوانى الثانى وأنزل جنودا لم تروها (2008). وفى هيئة البحوث العسكرية قدمت ابتكارا هو مقدّر المسافة للدبابات السوفيتية وتم تجهيزها به حتى دخلت به حرب أكتوبر 1973، وكان له أثر كبير فى إصابة دبابات إسرائيل بدقة. وكتبت التاريخ الرسمى لحرب يونية 1967 وألفت وترجمت العديد من الكتب والمقالات فى مجالات مختلفة.
وترقيت إلى رتبة اللواء الركن ثم تقاعدت فى يوليو 1979، وكنت حصلت على ليسانس الآداب قسم اللغة الإنجليزية وآدابها فى جامعة عين شمس 1978 والسنة التمهيدية للماجستير في 1979 فتقدمت لنيل درجة الماجستير فى الأدب الإنجليزي فى 1981 وحصلت عليها فى 1984. ثم تقدمت لدرجة الدكتوراه وحصلت عليها فى 1993 من جامعة القاهرة. ويرجع الفضل إلى الله تعالى ثم إلى أساتذتى الدكاترة فخرى قسطندى وعبد العزيز حمودة ومجدى وهبة وسعد جمال الدين وفاطمة موسى وإخلاص عزمى وسمير سرحان فى حصولى على هذه الدرجات العلمية.
وفى 1981 تعاقدت مع كلية الملك فهد الأمنية لتدريس اللغة الإنجليزية ومادة الخرائط الطبوغرافية، وكان للفريق محمد بن عبد الله الطويان الفضل فى رعايتى منذ عام 1981 حتى 1995. وكانت مكتبة جامعة الملك سعود فى الرياض خير معين لى فى دراستى للماجستير والدكتوراه. وفى الرياض حضرت العديد من المنتديات الطبية والأمنية والثقافية كان آخرها مهرجان الجنادرية الحادى عشر، وكنت رئيسا للجنة الإعلام ومستشارا صحفيا للمهرجان، وهو المهرجان الذى حضره الراحل الإمام محمد الغزالي وصمويل هنتنجتون وجيمس زغبى وغيره من الشخصيات العربية والعالمية. وحررت فى مجلته عامودا باسم Orient and Occident" " أى الشرق والغرب ذكرت فيه مقارنات بين الشعراء العرب ونظائرهم من الغرب باللغة الإنجليزية.

وفى 1997 عدت إلى القاهرة وتعاونت مع الهيئة المصرية العامة للكتاب والمجلس الأعلى للثقافة الذى قام بأمانته الدكتور جابر عصفور الذى أصدر لى حوالى عشرة كتب مترجمة منها ثلاث مختارات شعرية مترجمة وفيها اغتصاب لوكريس لويليام شكسبير. وكان لتقديم الدكتور ماهر شفيق فريد فضل كبير فى شرحها وتوضيح أبعادها ونقدها نقدا بناءً. ومازال المركز القومى للترجمة يصدر لى عددا آخر من الأعمال المترجمة عن الإنجليزية ومنها نهر النيل مشاركة فى مورد نادر، وتحديات الإدارة فى القرن الحادى والعشرين وغيرهما.

الأخ عاطف الجندي
تحيةبعد
جهد كبير مبذول حفظك الله
تحياتي