شهادة الشاعر عبد المنعم العقبي

شهادة للنسيان
عبدالمنعم العقبى
مؤتمر مطروح مايو 2010

(أنا رماد الشعر.. والأرق البدائى.. العواصف والسُّكون..).. نعم هكذا رأيت نفسى فى (مرايا الوقت) ديوانى الأول.. نعم رأيتها هكذا – نفسى التى ظننت لبعض الوقت أننى أعرفها، ثم اكتشفت لاحقًا أننى سأظل فى محاولات ومكابدات ومجاهدات دائمة – لكى أعرفها.. وما هذه المحاولات الدائمة إلا دوافع الكتابة لدى.. نعم هذه قناعاتى.. وهكذا عرفت الشعر الذى حار الأقدمون والمحدثون فى تقديم ماهيته.. نعم استعصى عليهم جميعًا من (قدامة بن جعفر) إلى (عبد القادر القط) وحتى (سوزان برنار).. نعم لاحظت عبر قراءاتى وتأملاتى أنه استعصى ولم يزل، فيما لاقيته أنا / الشعر – ليس إلا اشتعال دائم، وأنا رماده المتبقى.. رماده الذى يُخرج عنقائى كل مرة استعدادًا لاشتعال آخر مقرون بابتهاج جديد.. نعم هذه قناعاتى – لا هو الوزن أو الإيقاع خارجيًا كان أو داخليًا.. وليس هو الشكل عموديًا كان أو حرًا أو قصيدة نثر.. وليس هو الأسلوب أو البلاغة أو الحدس أو الإلهام، ولا هو هجر المجاز أو تبنيهِ أو الاستغراق فى تفاصيل اليومى المعيش أو التعالى الرومانتيكى اليوتوبى.. ولا هو الاستغراق فى الذهنى دون الحسى أو العكس.. ولا هو الذات الرائية الحائرة بين النسبى والمطلق.. ولا.. ولا – وإنما هو بث روح الوجود الإنسانى الغامض المراوغ عبر كل ما سبق.. هو الشعر روح الوجود إذن، والروح من أمر ربِّى.. فالقادر على بثها فى جسد الكلمات هو خالق صغير بالموهبة وبأمر الخالق الأعظم وهو شاعر مبدع، ولا يحتاج شهادة من ناقد أو حكم على شاعريته..أما العاجز عن بث تلك الروح فى جسد كلماته فهو قائل فقط أو معبر وليس بشاعر.. نعم هذه قناعاتى – إما شاعر أو لا شاعر.. فكرة كبيرة أو صغيرة أو راسخة أو واعد أو تقليدى أو حداثى أو ما بعد.. لا تروق لى ولا أقتنع بها.. نعم هذه قناعاتى فالمتنبى شاعر حقيقى إلى الأبد فى إطاره الكلاسيكى التقليدى الذى رسخ لزمنه، بل أراه حداثى النبض قبل التنظير لفلسفة الحداثة وما بعدها..
ألم يكن البردونى حداثيًا فى العمودى أيضًا ؟!
ألا يوجد مقلدون فى (قصيدة النثر) ؟!..
ألم تحتمل المناسبة شعرًا عبقريًا فريدًا مدهشًا عندما انطلق (لوركا) من مناسبة مقتل صديقه مصارع الثيران ؟!..
ألم يستمر (درويش) فى نسق الحر مدهشنا وممتعنا إلى أخر قصيدة ؟!..
ألم يتجاوز الشعر تحديداته الواهية المفتعلة ويسكن اللوحة والسرد والمشهد الدرامى والأغنية والموسيقى البحتة ؟!
نعم هذه قناعاتى عن الشعر روح الوجود الإنسانى – التى يمكن تحسسها وتلمسها فى النص ببساطة تمييز الإنسان العادى للفارق بين الكائن الحى والميت.. نعم الإنسان العادى كصديقى الطبيب الذى أصغى معى إلى أدونيس فى معرض الكتاب، ثم قال لى : (الراجل ده بيقول كلام حلو وكبير رغم إنى مش فاهمه).. حلو – نعم يا صديقى المتلقى العادى (الجمال ليس ما نراه أو نفهمه ولكن ما نحسه) كما عرفه أفلاطون..
نعم هذه قناعتى – الشعر الحقيقى لا يحتاج استعدادًا خاصًا للتلقى لأنه روح نافذة.. فلماذا إذن كل هذه المعارك التافهة المفتعلة إذا كان الأمر محكوماً بانفعالات الناس وانطباعاتهم الوجدانية والنفسية لا الذهنية؟!
الكل يذهب إلى الندوات والمؤتمرات معترضًا غاضبًا حانقًا على اللا شئ.. (على التقديم أو التأخير)، (على التكبير أو التصغير)، (على التلميع أو التهميش)، (على الاعتراف أو النفى).. نعم والله – الكل هكذا، إلا أنا، أجىء فقط – إن حضرت – للتأمل، وكيف لا – وقد أنقذنى التأمل وحده من أن أموت بسهم طائش من سهام الميليشيات الشعرية المتطاحنة.. فقط كنت وما زلت مصغيًا لأصداء هذا التأمل ورنينه فى أذنى من حين إلى آخر.. رأيت كوة صغيرة أو نافذة وحيدة مضيئة فى واقع ثقافى غائم ومريض.. نعم نافذة الجوائز التى حصلت عليها من مصر والكويت والإمارات والمغرب والجزائر..
فى جائزة (سعاد الصباح) 1992 م كان المحكمون (بلند الحيدرى)، (نزار قبانى)، (سعاد الصباح)، (الطيب صالح)، (كرم مطاوع) وفى الحفل بفندق سونستا أسمعتهم قصيدتى (جلَّت سلوى) وعقب بلند قائلاً : (مبروك لك – ليست الجائزة – ولكن تقديمك للجديد فى الشعر.. أنت برنست الحالة الصوفية فى العشق عكس نزار)..
وتلاه (د. على الراعى) فى حفل جائزة أخرى (أنت نقلت روح الشعر وليس جسده إلى الدراما المسرحية)..
وتلاه (د. عبد القادر القط) فى حفل المجلس الأعلى للثقافة كأمين لجنة الشعر (مرايا الوقت براءة بحق فى منحى الصورة الشعرية).. ياربى كيف أسمع هذا وأنزل إلى معارك الميليشيات التى لا أرى سببًا مقنعًا لها حتى اليوم.. وسبقهم فى ندوة بالمحمودية (محسن الخياط) بالعامية التلقائية (يخرب بيتك إزاى كتبت المعنى ده.. وتجمهرت أحلامنا فى راحتيه..) يقصد طفل الحجر الذى يرعب الدبابة فى قصيدتى (أمسية السِّجيل).. وهكذا على مدى عشرين عامًا تقريبًا حتى تلاهم الناقد العراقى الشهير (عبد الرحمن مجيد الربيعى) قبل بضع شهور بين مثقفى الجزائر والمغرب وهو يدلى بحيثيات فوزى كأول عربى بجائزة (مفدى زكريا) إذ قال : (شاعر ينزف الشعر بروحه لا بقلمه عبر احتفاءٍ نادرٍ بالمشترك الإنسانى).. عذرًا لا أذكر كل هذا فى شهادتى تباهيًا أو تفاخرًا بما كتبت – فليس هذا من طبيعتى الحائرة المقلقة المتشككة حتى فى أقوال الثناء، بل أذكره فقط لأؤكد كم كنت مطمئنًا لمجئ النجاة من معارك مفتعلة ولغط عقيم مضلل حول الشعر – أراه إلى الآن عراكًا كفيلاً بقتل حتى المتنبى لو قُدِّر له أن يعيشه ويشارك فيه.. نعم هذه قناعتى – أنا العزلة المضيئة إذن، وربما لإدراكى هذا المعنى تماهيت مع شخصية عبقرى مصر (جمال حمدان) عبر قصيدة عنه وله هى (شروق الرُّؤى) والتى تحمل عنوان أحد دواوينى، وعبر قصة قصيرة أيضًا له وعنه هى (قنديل اللحظة) والتى تحمل عنوان إحدى مجموعاتى القصصية، ثم عبر مسرحية شعرية هو بطلها بعنوان (إيبور).. (رحم من دمٍ واعدٍ.. وفضاء حبيس تمنى مدى الطلق.. واشتاق للنور فى شهقة القابلة..) نعم هى عزلتى – الرحم الواعد الذى أولد منه مع كل قصيدة أو كل كتابة.. رحم واعد ولدنى صيف عام 2000م ولكن كطفل عمره ثلاثون عامًا مع حصولى على جائزة الدولة التشجيعية كأصغر مصرى ينالها على الإطلاق.. ولأن ليس التباهى من طبيعتى أذكرها فقط لأنها قبلة مصر (إيزيس قصائدى) التى إلى الآن لا أدرى إن كنت قد أغضبتها أم أغضبتنى على صفحات جريدة الجمهورية، نعم قبلة مصر التى تفوق حتى (نوبل) فى إحساسى بها.. وأذكرها أيضًا لأنها جاءتنى إلى بلدتى التى لم أغادرها لاهثًا وراء ظهور زائف عبر قصاصات إخبارية فى صحف منعكسة عن واقع ثقافى مريض وغائم ومرتبك كما أسلفت..
وسيرتى الأدبية والعلمية والعملية هى :
اسمى كاملاً عبد المنعم محمد عبد المنعم العقبى
وشهرتى عبد المنعم العقبى
وولدت فى فبراير 1967بمدينة إدكو محافظة البحيرة
وحصلت على بكالوريوس علوم وتربية من جامعة الإسكندرية
وأعمل الآن مدرسًا أول لمادة الرياضيات
وأحمل عضوية عضو اتحاد كتاب مصر واتحاد كتاب العرب
وقد شاركت فى العديد من الندوات والمؤتمرات بمصر وخارجها
وطوال مسيرتى الأدبية توجت بالجوائز الآتية :
- جائزة الدولة التشجيعية فى الآداب عام 2000.
- جائزة (سعاد الصباح) للإبداع الشعرى للشباب عام 1993 م عن ديوان (عناقيد سلوى).
- جائزة (تيمور) للإبداع المسرحى عامى 1994-2001 م، عن المسرحيتين الشعريتين (ضمير الغائب) و(الجعبة).
- جائزة (طنجة الشاعرة) دورة نازك الملائكة عام 1999 م، عن ديوان شروق الرؤى.
- جائزة (إبداع الشباب) من المجلس المصرى الأعلى للثقافة عام 1995 م، عن ديوان (مرايا الوقت).
- جائزة (أنجال الشيخ هزاع بن زايد لأدب الطفل العربى)عام 2002 م، عن مسرحية (الأمير والاعتراف بالجميل).
- جائزة (أنجال الشيخ هزاع بن زايد لأدب الطفل العربى) عام 2006م، عن مسرحية (فرسان العودة).
- جائزة مفدى زكريا للشعر العربى من دولة الجزائر عام 2009 عن قصيدة (البوح فى الأرض الحرام).
وقدمت طوال مسيرتى الشابة أربعة عشرة كتابًا (شعر – قصة – مسرح – طفل) نشرت بمصر والكويت والإمارات وأخيرًا بالجزائر..
- (ضمير الغائب) مسرحية شعرية – الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1995 م.
- (شروق الرؤى) ديوان شعر – دار الوفاء للطبع والنشر عام 1999 م.
- (أسطورة الدير البحرى) مسرحية شعرية – الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة 1999م.
- (مرايا الوقت) ديوان شعر – المجلس الأعلى للثقافة 2001 م.
- (الجعبة) مسرحية شعرية-الهيئة المصرية العامة للكتاب عام2002 م.
- (عناقيد سلوى) ديوان شعر - الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة 2003 م.
- (إيبور) مسرحية شعرية – دار شريف للنشر والتوزيع عام 2005 م.
- (بريق الصهيل) ديوان شعر- دار شريف للنشر والتوزيع عام2006م.
- (شرفة وحيدة للأيام) قصص قصيرة - دار شريف للنشر والتوزيع عام 2006 م.
- (إشراقة الحادى) مسرحية شعرية – دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة عام 2006 م.
* نشرت قصائدى على مدى عقدين فى المجلات والدوريات الأدبية مثل: مجلة " إبداع " المصرية - مجلة " الشعر " - مجلة " الكويت " الكويتية – مجلة " الرافد " الإماراتية – جريدة " الجمهورية " المصرية – جريدة " أخبار الأدب " المصرية – مجلة " الثقافة الجديدة " المصرية – مجلة " الشاهد " الليبية – مجلة " الفيصل " و" المجلة العربية " السعوديتين – جريدة " الأسبوع " المصرية.. إلخ.
وستظل دافقة فى نفسى بكارة البدايات بقصر ثقافة دمنهور وإدكو حيث روعة منتدى الأربعاء ورفقة المبدعين والأصدقاء (صلاح اللقانى – السيد إمام – محمد اللبودى –ناصر دويدار – غادة محب – حنان أبو علو – ناصر دويدار – محمد عقدة – محمد رجب عباس – حسام نصار – حسام رحال – سعيد عبد المقصود – محمد خميس – رضا إمام – شعبان خميس - ناصر محلاوى – أحمد صلاح كامل – خميس حسون) الكبار دائمًا رغم تسليط الأضواء على كل ما هو قاهرى فى الطرح الثقافى.
وأشهدكم يا إخوتى الآن – لا أشعر بأى غبن أو ضيق من تجاهل النقد لأعمالى لأننى ما زلت على قناعة واثقة أن النقد يتجاهل ذاته.. نعم لا يعنينى النقد أو دوى أضواء الزيف.. كفانى تعدد تشكيلات لجان المحكمين من شتى بقاع ثقافتنا العربية وشتى الأسماء والقامات.. ويكفينى اتفاقهم على الإبداع الحقيقى فى نصوصى رغم تعدد رؤاهم للأدب والفن والحياة.. ولذا سأظل أبحث عن نفسى بقصيدة بين المحاصرين فى غزة والمقهورين فى بغداد، أو بمسرحية بين الحائرين فى تأويل وقائع الوجود، أو بقصة بين المقهورين الجائعين المظلومين الحالمين بخلاص لا يجئ.. نعم سأبحث عن ذاتى بين كل هؤلاء لعلنى أجدها بالكتابة المتميزة.. وسأظل أضحك فى سرى طويلاً كلما سمعت أحدهم يتحدث عن نفسه بيقين العارف فى مثل شهادتى هذه بالمؤتمرات.. وأخيرًا أرجو اعتبار شهادتى هذه هى الأولى والأخيرة وللنسيان اتساقًا مع احتفائى بعزلتى المضيئة، التى أتمنى أن أواصلها للكتابة.. والكتابة فقط.

الأخ عاطف الجندي
تحية وبعد
جهد تشكر عليه
بوركت
شهادة للنسيان
عبدالمنعم العقبى
مؤتمر مطروح مايو 2010

(أنا رماد الشعر.. والأرق البدائى.. العواصف والسُّكون