رأي القضاء في مثل هذه الجرائم
ويري المحامي عصام شيحة أن القضاء لا يفرق في جرائم القتل بين القاتل سواء كان الأب أو أي شخص أخر فقتل النفس ليس فيه تمييز،وقد حدث وحكم علي أب بالإعدام في أوائل السبعينات جراء قتله لابنه وبنته.
وأضاف أن هناك قضايا يفقد فيها الشخص السيطرة علي أعصابه مثل" مهندس الكمبيوتر فور علمه بخسارته في البورصة " ففقد الرجل السيطرة علي أعصابه وأقدم علي قتل عائلته ليحميهم من الفقر، ففي هذه الحالة أو أي حالة مماثلة لها تقوم المحكمة بتحويله أولا إلي مستشفي أمراض عقلية لتحديد مدي قدرته العقلية ثم بعد ذلك يصدر الحكم وفي الغالب لا يصل إلي الإعدام لعدم توفر شرط الإصرار والترصد.
رأي الطب النفسي في مثل هذا النوع من الجرائم
تري أستاذ علم النفس بجامعة قناة السويس الدكتورة فؤادة هدية أن ما يحدث في هذا الزمن من قتل الآباء لأبنائهم يعد عكس الطبيعة البشرية، ولا نستطيع حتى أن نقول أن الإنسان تحول لحيوان لأن الحيوان لا يفعل ذلك. وتضيف:الأسباب السابق ذكرها أو الأسباب التي يذكرها هؤلاء لا يمكن أن نعتبرها مبرر أبداً ،كما أن الشخص الذي يقدم علي فعل مثل هذه الجرائم لابد وأن يكون لديه استعداد للاضطراب من قبل وعند ظهور أي سبب حتى وأن كان بسيط يقدمون هؤلاء علي ذلك ,معربين عن خوفهم من الزمن علي أولادهم،وبالتالي لايمكن أن نقول أن شخص سوي وغير مضطرب ممكن أن يفعل هذا.
مسئولية الآباء تجاه الأبناء
حرص الإسلام علي إرساء الأسس الكفيلة ببناء الأسرة من الهدم والتخريب فجعل بناءها قائما علي أساس متين ونظام سديد فبين الحقوق والواجبات لكل من الآباء والأبناء، وطبيعة العلاقة بينهم وكيفية التعامل فيما بينهم بيانا واضحاً لا يسوغ إنكاره، وأقوي هذه الأسس الأساس التعبدي وطاعة الله سبحانه فكل من الآباء والأبناء يؤمن - كمسلم - بأن هذه الحقوق فريضة إلهية يجب الوفاء بها وأنه مسئول عنها يوم القيامة، ومجازي بما يناسب عمله من الثواب والعقاب.
وقال بعض أهل العلم : إن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده، فإنه كما للأب علي الابن حق فللابن علي أبيه حق. فكما قال الله تعالي ( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)( لقمان:14)، قال تعالي: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)(التحريم:من الآية6 )
ومن أهم عناصر هذا الموضوع :
1- حسن اختيار كل من الزوجين للآخر :
من حق الابن علي والديه أن يحسن كل منهما اختياره للآخر. ولهذا وردت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحض الأزواج علي حسن اختيار زوجاتهم كقوله صلى الله عليه وسلم " اختاروا لنطفكم المواضع الصالحة " فإن حسن اختيار الزوجة ليس حقا خالصا للزوج وإنما هو حق الولد أن تكون له أم صالحة تحسن تربيته، ولاسيما وأن المرأة الصالحة هي خير مكسب للزوج الصالح بدليل تأكيد الإسلام علي اختيار صاحبة الدين ( فاظفر بذات الدين تربت يداك ) « رواه البخاري » ولهذه الأهمية نهي القرآن المؤمنين عن الزواج بالمشركات ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ... ( (البقرة:221) والسبب في ذلك النهي ... أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ ... ( (البقرة:221) هذا وقد سئل عمر بن الخطاب ما حق الولد علي أبيه؟ فقال: «أن ينتقي أمه ويحسن اسمه، ويعلمه القرآن» «تربية الأولاد عبد الله ناصح علوان 1/40» ولأهمية حسن اختيار الزوجة أذكر قول أبي الأسود الدؤلي لبنيه: « لقد أحسنت إليكم صغاراً وكباراً وقبل أن تولدوا، قالوا : وكيف أحسنت إلينا قبل أن نولد؟ قال: اخترت لكم من الأمهات من لا تُسبون بها » بل إن الولد عاب علي أبيه في دفاعه عن نفسه أمام أمير المؤمنين عمر عندما وجه الأمير له اللوم علي عقوقه لوالده، قال الولد: لقد اختار لي أماً حبشية سوداء ذمية تعمل عند مجوسي. (الزواج في الشريعة الإسلامية ـ علي حسب الله) لذا كان حسن اختيار الزوجة والأم حق الولد إذ إن حسن اختيارها يضمن تربية جيل صالح يبني الحياة الفاضلة، بما تزرعه من حميد الأخلاق وكريم الخلاق، وإلاَّ بذرت فيهم بذور الفساد، مما يفضي إلي انحلال الأمة وسقوطها. (نظام الأسرة في الإسلام محمد عقلة). وكما أن الولد بحاجة إلي حسن اختيار الأم فإن من حقه أن يكون له أب صالح يتعهده بالتوجيه والإرشاد، وهنا تقع المسئولية علي أهل الزوجة ووليها ألا يزوجوا ابنتهم لأي خاطب، وإنما لمن تأكدت سلامة معتقده ) ... وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ... ( (البقرة:221) واستقامة فكره وخصوصا في زمن كثرت فيه التيارات المنحرفة والأفكار الهدَّامة، ولهذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتزويج الخاطب صاحب الدين والخلق القويم بقوله: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) «رواه ابن ماجه» لذا ضمن حق الولد علي أمه أيضا أن ترفض الزواج إلا من صاحب دين.
(2) حق الابن في الحياة :
لقد كان الولد قبل الإسلام يعتبر من خَلْق والديه، ومن هناك كان للدولة حق قتل الطفل الضعيف مثلما كان في أسبرطة وأثينا، وكان قتل البنات شائعاً عند بعض القبائل العربية، وجاء الإسلام فعاب عليهم ذلك بقوله) وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ( ( التكوير 9:
وأبطل الإسلام هذه المعتقدات الفاسدة، وبين أن الله وحده هو المبديء المعيد، وحرم قتل الأولاد بقوله تعالي ( ... وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ... ( (الأنعام:151)
ودون العلماء عن أهل الفقه عقوبة قتل الجنين والولد، هذا لأن للولد حق في أن يحيا الحياة الطيبة ولا يجوز للوالدين حرمانه منها لا بإجهاض ولا بقتل ووأد.
(3) حق الابن في الحب والرحمة :
ليس بالغذاء وحده يحيا الابن فهو يحتاج إلي الحنان والود من الآخرين، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال : قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالس، فقال الأقرع: إن لي عشرةً من الولد ما قبَّلت أحداً منهم، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( من لا يرحم لا يرحم ) «تحفة الودود بأحكام المولود لابن القيم) لذا فإن الود والرحمة بالابن تجعله سوي السلوك بعيداً عن العلل النفسية، والأمراض الاجتماعية.
(4) حق الابن في الأمن الاجتماعي والحماية من الظلم :
يحرص الإسلام علي حماية الابن بكل الوسائل المشروعة التي تحقق له الأمن الاجتماعي، ومنها بل وأهمها ألا يكون مسرحاً للصراع بين الوالدين وشقاقهما، قال تعالي (.. لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ... ( (البقرة:233) وللأسف هذا أمر واقع، فالأبناء يساوم بهم في الصراع بين الوالدين والآية حمالة أوجه تبعَا للقراءة (...لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا...( (البقرة:233) أي لا يضر الوالد الأم بولدها حين الشقاق بينهما، كما أنها تحمل أيضا معني لا تضار والدة الوالد بولدها أي تجعل الابن وسيلة من وسائل الضعف والإضرار علي الزوج كذلك يري الإسلام أن الأمن الاجتماعي حق للولد اللقيط أو اليتيم لأنهم أكثر الأولاد تعرضا للإساءة والظلم والقسوة والإهمال، وَسلْ أطفال الشوارع ومن يعيش تحت الكباري ستجد الإجابة علي وجوههم، قبل أن تنطلق بها شفاههم، لذلك ندد القران بمن يسيء للولد اليتيم والضعيف بقوله تعالي) كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ( (الفجر:17)وقوله تعالى (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ( (الضحى:9)
ووجه الإسلام الآباء - عموم آباء الأمة - إلي تأمين هؤلاء اجتماعيا ليعيش الأيتام ومن فقدوا أمهاتهم وآباءهم حياة كريمة بعيدة عن القسوة، ووضح هذا المعني في قول النبي صلى الله عليه وسلم (خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشرُّ بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه، أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين ـ يشير بأصبعيه).
(5) حق الولد في التربية والتعليم :
هذا الحق مأخوذ من قوله تعالي ( ... وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ( (الإسراء:24) والمقصود بالتربية هنا : عملية الإعداد والرعاية في مرحلة النشأة الأولي للإنسان وهي مسئولية الوالدين في هذه المرحلة، بل قد ألزم الإسلام الآباء بضرورة تربية أبنائهم وتعليمهم وتأديبهم بقوله تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ...( (التحريم:6). هذا وقد انتبه المسلمون إلي أهمية التربية للأبناء والتعليم في بناء شخصيتهم ـ ولذا أقرَّ نظام الإسلام الالتزام بالتعليم فأوجب علي الوالد تعليمه (علموا أولادكم الصلاة لسبع) وكذا القرآن فإذا لم يستطع الآباء ذلك أرسلوه إلي من يقوم بتعليمه ونفقته علي أقربائه، وإلا فالمحسنون أولى، وإلا فبيت المال ملزم بذلك. أي برعاية الابن علميا من باب النفقة علي طالب العلم .
(6) حق الابن في العدل في معاملته :