لا شرفات صغيرة بعد اليوم !!!

شرفة صغيرة

كان بيت العم في حي سبورتنج هو واحة الثورة في نفس الصغير.التمرد على القاهرة، مواعيد الاستيقاظ ، روتينية الدراسة، حصار التلفاز صخب التقدم و الوعيد.و بالرغم من البساطة المتناهية في أثاثه كان يروع الصغير كميات الكتب اللامتناهية و شرفة صغيرة في نهاية المنزل مغلقة دائما ،لا يعلم ما خلف نوافذها المعتمة سوى خيوط الضوء و هديل يمام دائم و سر كامل يحافظ عليه أهل البيت يتداولون فيه بالعيون فقط
في أجازه الصيف كانت و احة الصغير تمور بالثورة التي تعصف ببنات أفكاره و تحلق بين ربوع الكتب و صمت الشرفة الصغيرة.و كم من سنوات الحبو و الطفولة حاول فك شفرة العيون أو إجبار الأهل على البوح ،بكسر الزجاج دون جدوى.
لم يعد لديه قاسم مشترك مع تفكيره الدراسي سوى التخطيط لاقتحام الشرفة الصغيرة .. فبعد فشل مؤامرات كسر الزجاج و تلطيخ العتب بصبغة اليود و فك مسامير المقبض..حتم تقدم العمر تطوير خطط الهجوم و التطويق..و يمر الصيف بعد صيف ويشهد الحي محاولات دؤوبة لليافع الذي يكد في البحث عن( منشار أركت) ثم (طقم عدد)ثم (منظار مكبر)..و أخيرا محاولات تسلق الأسطح المقاربة لكشف الموقع من أعلى أو تطويقه من الجوانب و أسفل لشق نفق تحت مزراب المياه يمكنه من تجول البصر في القاع و الجوانب..
و بمرور الشهور و المحاولات أصبحت الشرفة الصغيرة سرا يتنامى بداخله و ينبت مع شعيرات فوديه ..و يعود في كل رحلة يتداول السر مع عيون أهل البيت فقد أصبح مثلهم يتداول البصر و ينقب بالبصيرة ..
لم يك يوقفه عن البحث إلا زجرة ثم لكمة أو سقطة تترك علامة في الكتف أو نظرة عقاب على محاولات هتك الستر..
و في جميع الأحوال و سنوات البحث و الهتك لم تتوقف خيوط الضوء أو يسأم اليمام.. و كانت مشاركتها لخفوت الغرفة يمثل جو نفسي خاص لصديقنا الذي نقلت له الواحة ثورتها و فني صباه في تلال الأحداث آلاف العناوين و مئات الشخصيات ..
و اختفى من محلات سبورتنج وهج الأسئلة الغريبة و اقتفاء العدد والأدوات .. ولم تعد فكرة الحصول على (سلم حبل ) هي باب الفرج ..و شيئا فشيئا أدمن روايات ابن العم و انفعالات وجه و إشارات يديه و علمه الغزير بالشرفة الصغيرة و العالم الذي تحجبه !
(أي عالم محجوب تعني؟ فلدي رسم كامل للمنطقة و الصيف الماضي صورت البيت و الشرفة كاملا..كما أتيح لي التعلق بسورها من 3 سنوات و لم أجد سوى 7 حمامات و كمية مهملات ..ولا شئ غير ذلك)
(هل تؤمن بكل ما تراه ؟ هل تسمع الهديل و تلحظ خيوط الضوء)
(يا ابن العم الهديل من 7 حمامات ولا وجود لخيوط الضوء لان الشرفة غارقة في النور الكامل ..فليس هناك عالم أخر أو حجب مرفوعة )
و يبتسم ابن العم و الشاب الذي لم يعد يلذه سوى مناقشات خيوط الضوء و هديل الحمام و استئذان أهل البيت في احتلال الغرفة ليكمل سر الشرفة،مع وعده بعدم فتحها؟!

بمرور الوقت لم تعد القاهرة موطن التمرد !لقى فيها واحات ثورة مختلفة عن موقعة اسبورتنج و بقدر ورافة هذه الواحات و تأججها بالأسرار المعلنة ..بقدر افتقاد شابنا للنضال و( المنشار الأركت) و( السلم الحبل)و (و المنظار المكبر) .
وبتنامي الزمن رحل ابن العم بروايات المساء وعادت الغرفة تزخر بالوحدة و تترع بالكتب تصادق الشاب على خيوط الضوء و هديل اليمام..يلفاهما في الفجر و يودعهما في الغروب.
مزلاج الشرفة اصبح عنوانا للإحكام وخيوط الضوء بيارق الفكرة أما الهديل في الخلفية الموسيقية لسياق كامل تحتل فيه الشرفة الصغيرة موطن الخصوصية المطلقة و السر الروحي الذي نقله لمراجع ثورات القاهرة.
و ارتاح لتفسير السر أخيرا.فالشرفة الصغيرة لبيت العم هي منطقة أسراره المحرمة و مخالفاته المعاقبة و موقع عقوبات مخالفيه ..فالأمر إذن هي نقطة السرية و الخصوصية في حياته.
و آلف السر و عاش مع العالم المحجوب و افتقد تماما مثيلتها في منزله بالقاهرة بالرغم من و فرة التراسات و البلكونات و الزجاج ..الخ إلا انه لم يجد أبدا شرفة صغيرة مغلقة ..و بات من هواياته تفقد الشرف الصغيرة في عيون أصدقائه، معارفه،عائلته،زملائه ..الناس في الشوارع و الحافلات و الفنادق و محال العمال..فوجي بان العالم يعيش على حافة شرفة صغيرة تحجب خلفها العالم الحقيقي ..
و بالرغم من وضوح النور ووجوده فالناس تعيش على الخيوط ومع و جود محترفي الطبع و النشر و الإرسال أصبحت الدنيا غرفة كتب صغيرة يترأسها الرواة و يتداولها الشخصيات الوهمية و تنجب بلايين البلايين من عبدة الأسرار و الشرفات الصغيرة..
وكأن الدنيا لا تعلم ببيع (خردوات الأمل ) باسبورتنج للمنظار المكبر ب12جم فقط ؟1 ومع ذلك أيضا فوجئ بالحاج بهجت يبيع المنظار بسرعة وعينه على دلفة قاتمة مغلقة في نهاية المحل ..كمن يقول( ارحمني و دع غرفتي الصغيرة في حالها).
قبل زواج رجلنا الصغير و بعد انقطاع دائم عن واحة الثورة و حي اسبورتنج ، قام خلالها بقمع ثورات القاهرة بداخله..عاود زيارة بيت العم وفور انتهاء الزيارة و أعادة الكتب المستعارة طلب (منفضة و سبت و فوطة نظيفة )و بكل هدوء وثقة و رحمة بزوجة العم -الحزينة لفراق الجميع- أدار مقبض الشرفة و فض المزلاج و راح يعمل في همة جادة لتنظيف الشرفة و جمع مخلفاتها و قطع الملابس الممزقة و مئات الأوراق و أعقاب السجائر و علب المساحيق الرخيصة و الواقي(الذكري)في جميع مراحل تطوره و لعب مهشمة و سترات اختفت من زمن و أربطة عنق و حيدة ...الخ؟
كانت الشرفة بحق تاريخ ما أهمله تاريخ بيت العم..اهتم رجلنا الصغير بجمعه، تدوينه صرة في كفن كتان جديد اعتلى ظهره نحو مثواه الأخير ..محرقة صغيرة ابتكرها بين قضبان ترام اسبورتنج، يولد شرارتها الأولى احتكاك العجل الحديد بالقضبان و العربة الأولى في الهم بالانطلاق ..لعله أراد أن يكون حرق التاريخ( تحت) نظر الناس جميعا ..أو هم السبب فيه ..أو أن مسئوليته عليهم ..أو أن التطهير تم من المتسببين فيه..لعله كل ذلك.. و لكن الأهم أن بيت العم ربح شرفة صغيرة نظيفة ارتاحت فيها قسمات زوجة العم ..و عرف معها امام عشا مستقرا لأول مرة .

و أخيرا عثر على و كره في قلب القاهرة ينقض عليه في أخر كل ليلة محلقا من أسفل ..و بين ليل و ليل ..ثورة و أخرى ..يهتف من أعماقه..
لا شرفات صغيرة بعد اليوم
لا شرفات صغيرة بعد اليوم
لا شرفات صغيرة بعد اليوم!!!؟
محمد بكري

يا استاذي الغالي ممدوح بك - انت بتطلع على انتاجي القددددييييم بالدماغ القديمة! إمال لو شفت الانتاج الجديد؟

استاذتي الغالية اميرة البدري - انا مشكلتى مع الادب الزمن والتطور، انتاجي الجديد متنوع من رباعيات الى قصص طويلة الى سيناريوهات الى قصائد نثرية معدلة - موضوعاتي متنوعة بدماغ مختلفة شوية - وفي جميع الاحوال انا مجتهد وفنان حياة ولست شاعرا او قصاص .. عناوين موضوعاتي الجديدة ممكن تعرفك على دماغي شوية مثل: البطل مؤمن - الوزير شهوان جدا - جوشيت قوماش - آيتون - الدنيا بخطوات قرمزية - رباعيات زجلية - ليلة موت شهرزاد - وغيرها --- اتمنى الا اكون اثقلت عليكم ويكفيني قبولي بين عمالقة منتدانا الجميل - تحياتي - محمد بكرى