حاجات صغيرة

موضوع: حاجات صغيرة الثلاثاء نوفمبر 27, 2007 7:15 pm

بالقرب
منه اتخذت مقعدها رأت بوجهه ملامح الرجل الذي يختصر بسكون، روائح المعتقل
تفوح من عبق أنفاسه، دموع أصرت على البقاء في مقلتيه لتكسر نظراته. صفير
الريح لم يمنعها من سماع دقات قلبه الحزين كما موسيقا الذكريات.
لا زال صامتاً
متجاهلاً وجودها. يرنو بنظراته نحو الأفق البعيد أرادت أن تطمئن إلى أنه
لم يفقد صوته بعدما تسللت أصابعها إلى يده، فجأة دبت الحياة في تمثال
الرخام هذا فسحب يده وانتفض. نظرت إليه بحدة في حين تقهقر كل شيء داخلها
فلم تتوقع أن يتنكر للمسات يدها. أسدل جفونه بخجل وبهدوئه المبالغ قال:
عذراً.. جئت أودعك وسأرحل.. استجمعت قواها وضغطت على ساعديه صارخة:
لماذا تقولها بهدوء قولها بعمق دعها تتشظى ولتجرح أعماقي.
ماذا دهاك؟ لعشرين عاماً انتظرتك، احتفظت بك في قلبي فكيف لم تحفظني في قلبك.
امتلأت عيناها
بالدموع وهي تحاول أو تلتقي بعينيه الشاردتين وتسترجع صفحات عشرين عاماً
من الأسر لكليهما فحالها لم يكن أفضل من حاله. هو كان أسير المعتقل أما هي
فكانت أسيرة حبه. لم تحتم من المطر حتى لا يجف الشوق داخلها، تحملت برد
الشتاء ولم تجرؤ أن توقد مدفأة لتستشعر برودة زنزانته، قضت ساعات طويلة
تحت أشعة الشمس الحارقة لتستحضر معاناته. لم تجرؤ على الابتسام وعيناه
ليستا معها. لم تنفصل عن مداراته ولم تستطع أن ترميه من ذاكرتها.
مرت بها لحظات
تمنت أن تكون ورقة شجرة يابسة حملتها الريح إلى زنزانته، أو ذرة غبار، أو
أي شيء من الأشياء المبعثرة فيها أرادت أن تصبح أي شيء لتكون معه..
أشاحت بنظرها عنه
وهمهمت: عندما كنت هناك كنت أصغي لهديل روحك يرفرف حول روحي.. الآن فقط
انتصروا عليك، عرفوا أنك تحنطت فأطلقوا سراحك، خرجت بجسدك إلا أن روحك لا
تزال أسيرة معتقلاتهم...
لترحل.. لن أدعوك للبقاء.. عد عندما تحرر روحك..
انتابته نوبة
حادة من السعال فأخرج منديله ليخفي آثار الدماء التي لاحت على فمه. ترددت
وأرادت أن تصرخ وهي تنظر إلى وجهه بعد أن انعكس ضوء القمر عليه لتبرق
عيناه.
بحنان مد كفه
التي انتزعت كل أظافرها فكأنما تحولت إلى كف نبي يحمل على أنامله النجوم
والأقمار تشع منها هالات من نور، مررها على وجهها لتنثر عليه العقيق
والمرمر..
عشرون عاماً وهي مغروسة في قلبه كما أشجار السنديان وكان لحفيف وريقاتها وشوشات تطربه عندما كانت ضربات الجلاد تلسعه.
عمق أنفاسها المكونة من رحيق الأزهار السحرية والبرية والأسطورية داخله ليستنشق من خلالها رائحة الأرض ورائحة البحر ورائحة المطر.
وحدها صورتها
كانت تأتيه من يمينه ويساره لتزين زنزانته ببحر من الأزهار. الحب هناك له
نوع خاص لا يسمو إليه إلا من كان معتقلاً.. تمر به لحظات كان يظن بأنه
يحبها كل الحب الموجود في الدنيا وليس هناك أكثر لكنه كل يوم كان يفتش عن
طريقة ليحبها أكثر.
انتابته نوبة
أخرى من السعال أشد من سابقتها. فصرخت يا الهي يجب أن أحضر الطبيب قال: لا
فائدة الأرواح لن تعود لتسكن أجساداً مزقتها الآلام.. دعيني أودعك وداعاً
رقيقاً يشبهك.. أشعلي بعض الشموع لتتلألأ عيناك إذا ما غاب القمر.. مازال
يختزنها في ذاكرته.. رغم كل أحذيتهم التي ضربوا بها رأسه لكنهم لم
يستطيعوا إخراجها منه.. لم يصلوا إلى بيارات البرتقال في أحلامه ولم
يتمكنوا من معرفة أشعار الحرية في مراعي أفكاره.
ابتسم وقد شعر
بنشوة الانتصار. وقال: رغم كل قوتهم وأسلحتهم لم يتمكنوا إلا من أجسادنا
فأرواحنا لا تزال طليقة نحلم ونحب ونستمر لنخرج ونقاوم من جديد...
هاهي روحي ستمضي
الآن إلى اللاحدود وستطوف في كل أرجاء الوطن لا حواجز توقفها ولا جندي
يطلق النار عليها.. مهما طاردوها لن يأسروها..

قال آخر كلماته ورحل مع آخر ضوء
للقمر.. كان رحيله هادئاً انساب كما الندى عن الأزهار. غردت العصافير
تنعيه وعبقت رائحة القرنفل لتملأ المكان

أنت تمتلك الموهبة الحقيقية
دمت مبدعا رائعا

شكرا لك يا أهلاوى

يا رايق
جميلة

متشكرين يا جماعة على مروركم
الغالى عليا جدا

» بحب حاجات
» حاجات واجعانى
» حاجات كتير
» شوية حاجات
» حاجات عاديه