الذات المغتربة فى خوف الصاوي

الذات المغتربة 00 فى خوف الصاوى
****
خايف هو عنوان الديوان الأول للشاعر و الصديق و رفيق الدرب سعيد الصاوى ، و الديوان صادر
عن سلسلة إشراقات جديدة إحدى سلاسل هيئة الكتاب المصرية المعنية بنشر إبداعات
الأدباء و الشعراء و كتب الدراسة لهذا الديوان الشاعر و الناقد د يسرى العزب و
الديوان يتكون من خمسة عشرة قصيدة ما بين الشعر التفعيلى و الزجل و كتبت هذه
القصائد فى الفترة من 1994 – 1996 م و الجزء الأول منها كتبه الشاعر فى السعودية
حيث كان عمله 0
و هذه القصائد تغلب عليها غربة النفس الشاعرة قبل الغربة الجسدية و المكانية فلا نكاد
نشعر بالغربة المكانية سوي في قصيدة واحدة وهي والظلم المستحيل صفحة 27 وجميع
القصائد المكتوبة في السعودية بها الهم العام يطغي علي شاعرية النص أما الأشعار
المكتوبة في القاهرة فنجد فيها التنوع الإبداعي حيث نجد الشعر العاطفي والشعر
الأقرب للحكمة و الفلسفة .. وكان الشاعر حريصاً علي تدوين تاريخ كتابة القصيدة
ومكان كتابتها وترتيبها في الديوان من الأقدم إلي الأحدث ليسهل علي دارسي شعره بعد
ذلك التعرف علي التنامي الشعري لديه وشاعرنا يكتب الفصحي والعامية وإن قدم لنا
نفسه كشاعر عامي – فأثر ذلك علي رقي شعر العامية لديه فلا نجد لفظاً مسفاً أو
خادشاً للحياء النابع من داخل الشاعر..
وأول ما يطالعنا به الديوان هو الغربة التي تطل برأسها من بين كلمات القصائد والغربة هنا
ليست بمفهوم البعد عن الوطن فقط بل الأعمق منها و هي الغربة الذاتية التي يشعر بها
الشاعر بين أهله وناسه قبل و أثناء وبعد سفره ورجوعه إلي أرض الوطن فيشعر بهذه الغربة
وفي القصيدة مرغم بمحض الاختيار فها هو العنوان الذي يثير الدهشة والذي يلقي حجراً
في سكون الفكر – كيف يكون الشخص مرغماً ولكنه بمحض إرادته واختياره في آن واحد هو مرغم في الذهاب لدوله عربية للعمل بحكم ظروف المعيشة وحلاً لمشكلته وباختياره أيضاً رغم أنه كان يرضي بالقليل وهذا
ما نطالعه في أبيات مثل
" ولا يوم حلمت أسكن في قصر
مالوش مثيل
بين القصور
.. بجنينه فاضت بالشذي
وبكل أصناف
الطيور
ولا عمر
عقلي ما احتوي
فكرة أكون
السندباد
ولا عمري
ما فكرت إلا
في السعادة
.. و الولاد ....... الخ
ولكن تصدم هذه القناعة بجيوش عبد الروتين الذين تحكموا في العباد وأنه أصبح في الأربعين ولا
يجد له جذورًا أو سكن أو بنت تشبه البدور .. إذن الغربة الداخلية النفسية التي
يحياها الشاعر تجعله يوجه نقداً بناءً لكل ما حوله من مشاهدي المسلسلات الأجنبية
وأن الفلاح الذي أصبح بندرياً – مرورًا بالبناء
في الأراضي الزراعية ، حتي من يشرب من ماء النيل لا يعود له مرة ثانية كما
كان يقال وحتى أقاربه لا يهتمون به إلا بما يحضره لهم من هدايا دون السؤال عن
حالته النفسية وفي قصيدة ( بحر الحنين ) نجد المحب الذي فارق أحباءه فيقول :
" اليوم بقي طوله سنه
وانتم بعيد
والحزن ساكن في الحشا ..
ناره تقيد "
وحتى اسمه الذى كان سعيدًا أصبح الآن غير ذلك وفي قصيدة المستحيل
صفحة 27 الذي نحيا من خلالها الغربة المكانية حيث البلد والناس
وكيف أن بلد الرسول الذي كان يظن أن بها الناس الطيبون لكنه فوجئ بعكس ذلك وإن
الظلم موجود في كل مكان لا فرق بين هنا أو هناك. بل يظن هؤلاء الناس أنهم اشتروه
بفلوسهم وإن حضارة مصر وتاريخها ليس لها وزن عندهم فيقول :
" إياك تقول لي إنك زمان
كانت لأمجادك فصولْ
سطرتها بعرق الجبين
وبرعت في كل الحقولْ "
وإن المال أصبح هو السيد الآن وليس التاريخ والحضارة... وفي قصيدة الليل صفحة 21 نجده عاشقاً
لليل الذي يعشق سكونه حيث القراءة والكتابة – فهو يهرب من واقعة الأليم في الغربة
بالجسد والروح إلي الليل ليبثه شكواه من خلال ما يكتبه من أشعار أما قصائد الديوان
التي كتبت في مصر بداية من قصيدة " صحي النوم " إلي آخر الديوان وفي هذه القصيدة يوجه نقداً
لاذعا لأبناء مصر الذين يرضون بالتأخير بعدما كانت
لهم حضارة يشهد لها التاريخ ويتحسر علي أن اليابان وجيرانها أصبحوا من الدول
المتقدمة اقتصادياً في الوقت الذي نتأخر فيه أكثر وأكثر فيقول :
" دا اليابان هي وجيرانها
أصبحوا غول اقتصادي
و اللا أمريكا و أوربا
هما فرسان الساعة دي "
أما في قصيدة (صرخة قلم ) فنجد
اعتزاز الشاعر بنبض قلمه و أن الشاعر يدق بكلماته ناقوس الإنذار في دنيا
مليئة بالأخطاء فهو يطلب من الكتَّاب أن يكتبون ما يميله عليهم ضميرهم فيقول :
" خلو العلم خطوته ماشيه
في طريق الحق
و إن شاف عوج .. يعدله
و يقوله دايمًا لأ "
و هو يشبه القلم الجسور بالديك الذى يؤذن فى ليل الألم ليهدى إلى النهار و كأنه متأثر بالبيت
الشهير للشاعر عبد الرحمن الأبنودى الذى يقول فيه :
" الليل جدار
إذ يدن الديك من عليه
يطلع نهار "
و تمتد الغربة الوجدانية إلى قصيدة ( غصب عنى ) ص 63 و هى غربة مختلطة بالخنوع الإجباري ،
فبعد العودة الجسدية إلى الوطن يجد الشاعر القسوة و الخوف ينتظرانه ، حتى أنه
سيهتف لمن عذبه لخوفه على أبنائه و ليس خوفًا على نفسه فيقول :
" و إن قالولى أهتف بقوة
للى متمتع بغلبي
برضه هاهتف خوف على ابني
اللى جنبي "
و لا أجد ضرورة لذكر الابن بعد ذلك ( اللى جنبى ) إلا لتماشى القافية السابقة مثل ( أخبى –
غلبى 000 الخ ) 0
إذن الغربة و الخوف شيئان أساسيان لدى الشاعر حتى أنه يطلب من الناس أن يذكروه أن يذل و يخفض
رأسه انكسارا إذا نسى ذلك فيقول :
" فكرونى أطاطى راسى
لو فى يوم لقيتونى ناسى "
و إن يلجأ بعد ذلك الشاعر إلى التمسك بالأمل فى نهاية القصيدة ليكون هناك بصيص من الأمل
لتغيير هذا الواقع المرير و قصيدة خايف التى جعلها الشاعر عنوانا للديوان فهى أول
ملمح ٍ للشعر العاطفى أى شعر الحبيبة الأنثى و ليست الحبيبة الوطن و إن كان مترددا
فى الدخول إلى مغامرة عاطفية لأن الطريق غير مضمون العواقب فيصرح بذلك فى قوله
" بحبك يا أمل خايف
يكون كداب
و خايف نهر أحزانى
يزيده سحاب "
و إن كنت أرى أن كلمة بحر أفضل هنا من كلمة نهر لتتماشى الأحزان و العذوبة فى النهر أيضا لا
تتماشى مع الأحزان كذلك كما أن السحاب يتكون من تبخر الماء من البحار و ملوحة
البحر تتماشى مع ملوحة الحزن أيضًا فضلا عن الاتساع و العمق أيضا لذلك يكون البحر
هنا أفضل من النهر لتكتمل الصورة الشعرية 0
و خوف الشاعر مبرر لوجود هذا الخوف الذى يلازمه على مدار قصائد الديوان و ملازم لحالته
النفسية و إن تجربته و معلوماته عن أرض جنة الحب هى بقايا قلوب محطمة بفعل الحب و
يتصارع الخوف بداخله من ضياع سنوات عمره و هو لا يجد له حبيبا يؤنس وحدته فى هذه
الدنيا 0
لذا نجد قوله " و اخاف إني
و أنا قاعد و مستنى
تضيع منى سنين عمرى
و يبقى ع الهوى أمرى
ماهو نافذ
و لا حافز
يخلينى أحب العمر من تانى"
و أجاد الشاعر فى قصيدة لحظة و هى على لسان امرأة فى وصف مشاعر أنثى تخاصر حبيبها للرقص
فيقول :
" و كانت لحظة مش هانسى
حلاوتها
و لا نظرة عينيك ليا
و بسمتها
و لا لما إيديك كانت على وسطى
تحاوطنى 00
و لا هانسى شقاوتها "
و قصيدة ( ظالم ) نجد المحب الذى غررت به حبيبته و تركته بعد حبه الكبير لها و إن كانت هى
البادئة بالتصريح له بالذهاب إلى الجنة و تتركه بعد ذلك ، بعد أن كان يتمنى أن
يعيش حياته بعيدا عن مشاكل الحب
" و قلت خلاص بقى قلبى
أنا م العشق متحرر
و أعيش
عمرى ف طريق مضمون
صحيح
فاضى
إنما
مأمون "
هو محب يقنع بالانزواء و الابتعاد عن حبه ، إذا كان سيأتى من وراء هذا الحب ما يعكر حياته
أو يوقعه فى مشكلات هو فى غنى عنها و هو قانع بذلك لأبعد الحدود " و مش هاحلم
بأن الكون بقى ملكى
و أقوم مطعون "
و يستنكر
ترك حبيبته له فيقول :
" فليه دلوقتى
بتهدِّى فى حلم جميل
طرح أشعار لها معنى
و غصن يميل "
و لكن ما يؤخذ على هذا الديوان الأول للشاعر وجود بعض القصائد التى تندرج تحت مسمى الزجل و
الذى يغلب عليه المباشرة و ضعف الصورة الشعرية و تتمثل فى وجود قصائد المناسبات
مثل ( الحجة مبروكة عليكم – جيل الغد – اللى خلف ما متش ) و هذه القصائد كتبت بعد
عودة الشاعر من الغربة و أعتبرها قصائد كتبت لمجرد الكتابة و المجاملة فى بعض
الأحيان و لذلك جاءت القصائد خالية من الحرارة العاطفية الموجودة فى قصائد الغربة
حيث هدأت الأشواق و استكانت العاطفة و فى رأيي أن الشاعر كتبها فى فترة خواء عاطفى
بالإضافة إلى وجود بعض الأخطاء المطبعية البسيطة و مع ذلك جاء الديوان كوحدة نفسية واحدة متدرجة
الحس الشعري بها و هو بالنسبة إلى كونه أول ديوان للشاعر يعتبر ديوانا جيدا لأنه
خلا من بعض الأخطاء الأولية التى يقع فيها الشاعر الذى يطبع أول ديوان له لأن سعيد
الصاوى لم يتعجل النشر و لكن دخل مجال نشر إبداعه بعد اكتمال أدواته و تمكنه من
السير فى درب الشعر الذى هو وعر المسالك 0
و سعيد الصاوى يقف على أرض صلبة و يملك الكثير ليقدمه فى دواوينه القادمة إن شاء الله و
هو مهيأ لاحتلال مكانة مميزة بين أبناء جيله0
****
بقلم /
عاطف الجندى
القاهرة فى

لك جزيل الشكر
أستاذي العزيز
تقبل مروري المتواضع