الاستعارة التصريحية والعلاقة النحوية في قصيدة :
(عروس النيل )
للشاعر /حسن حجازي
بقلم : محمد الصاوي السيد حسين
سوهاج - مصر
/////
عروس النيل
حسن حجازي
////
وانكشفَ المستور
وتناثرت أوراقُ التوت
واتجهت إحدى بناتُ الحور
نحو النيل
لتُزَفَ نفسَها لملكِ الملوكْ
بعدما ضاعَ الحلم
وتاهَ الفارسُ الأبيض
عن الدرب ,
واتخذ درباً غير الوادي
نحو الشمال
طالباً النوارسَِِ البيضاء ,
فتماسيحُ النيلِ اعتادت التسكع
تحتَ شمسِِِِ الشتاءِ الكسولة
في زمن العُقم .
***
عندما طلبَ النيلُ
عروسَهُ المعتادة كلَ عام
اتجهت نحوه اليمامة ُ البيضاء
بثيابِ العُرس ,
كانت تنتظرُ فارسَ الأحلام
بلا جدوى
عسى أن يطرقَ القمر
بابَ الواقفاتِ
على بابِ الأمل
الراجياتِ للستر,
ليفكُ النحسَ
وأعمالَِِ السحر
فتتدورُ الطواحين
ويبتسم زهرُ العمر ,
عسى أن يَهلَ
"الشاطر حسن "
بطلعتهِ البهية
ويفجرَ ينبوعَ الحب
حتى لو كانَ
بدونَ حصانٍ أبيض
أو مأذون
من مشيخةِ الأزهر
فلربما يكتُبُ الكِتاب
ويُعلي الجواب
ويشدو زامر الحي :
" قولوا لمأذونِِ البلد
يجي يتتم فرحنا " !
****
أهكذا يكونُ الحبُ
في زمنِ العولمةِ و الإنفتاح ؟
في ظلِِ تعاقبِ حكومات الخصخصة
و مصادرةِ الأحلام ؟!"
تهنا "بينَ القصرين "
ضعنا بين "عصرين "
ربطنا على البطون الأحزمة
وشَدَدنا فوقَ الشفاهِ الأربطة
وأنشدنا :
" لا صوت يعلو فوقَ صوتِ المعركة ! "
في معركة ُ " الأمن والأمان "
لسكانِ ِ القصر
فدعْ ما لقيصر لقيصر
فخبزُ الغد
لا يُشبِع جوعى اليومْ !
ولا تعجبوا
إن وجدتموني عارية أتحممُ
فوقَ أحدِ تماثيل رمسيس
تزفني الموميات لمثواي الأخير
في مراكبِ الشمس
لأُدْفََن بينَ يدي " أبو الهولْ "
دامعة ُ العينين ِ
مُنكَسة الرأس
وفي صدري بقايا كلماتٍ
من رسالة تركها حبيب
مات غرقاً في رحلةِ بحثهِ
عن الغد
في "عَبَارةِ الموت "
مكتوبة بدماء القلب
تقول :
" زوجتك نفسي "
ضاعت حروفها
بينَ آمالِِِِِ اليوم
وأوهامِ الغد !
م 2010
////////////
////////////////////////////////////////////////////////////////////////////
يمكن القول أن بنية التخييل الحافلة فى هذا النص النثرى تكنز عبر الاستعارة التصريحية لوحتين باهرتى الجمال أولهما هذى اللوحة
وتاهَ الفارسُ الأبيض
عن الدرب ,
واتخذ درباً غير الوادي
نحو الشمال
طالباً النوارسَِِ البيضاء ,
فتماسيحُ النيلِ اعتادت التسكع
تحتَ شمسِِِِ الشتاءِ الكسولة
في زمن العُقم
- يمكن عند تحليل اللوحة السابقة أن نتأمل كيف تتشكل أمام بصائرنا جمالية الاستعارة التصريحية والتى تمثل ذروة التخييل فى أفق اللوحة والتى تتمثل فى سياقى
- طالبا النوارس البيضاء
- فتماسيح النيل اعتادت التسكع
2- حين نتأمل السياق الأول نجد أننا لا نتلقى الاستعارة الأولى ( النوارس البيضاء ) إلا بعد تمهيد جمالى ودلالى ، حيث نتلقى جمالية الجملة الفعلية الماضية التى ترسخ للمشهد وتحققه حيث نتلقى سياق ( وتاه الفارس الأبيض )
- يمكن القول أن علاقة النعت المرفوع ( الفارس الأبيض ) تنشر إيحاء يتجاوز الشكل إلى الوجدان ونقاء الروح ، ثم إنها تستدعى عبر مجازية النعت صورة فارس الأحلام فى مخيلة الصبايا وهى صورة تتكىء على موروث جمعى يساهم فى تكثيف دلالة علاقة النعت ، وينعكس على الإيحاء الذى نتلقاه عبر علاقة الفعل الماضى ( وتاه ) وفجيعة تحققه
- ثم ولنتأمل علاقة شبه الجملة ( تاه الفارس الأبيض عن الدرب ) حيث نتلقى علاقة المجرور ( الدرب ) متصلا بال التعريف وهو اتصال يحمل إيحاء بجلاء هذا الدرب وإجماع التلقى على ملامحه ووضوحه ، لذا تمثل التع ريف تعميقا لفاجعة التيه حيث الدرب جلى واضح لا خلاف عليه فهو الدرب الجلى فى الضمير .
- ثم نتلقى علاقة الجملة الفعلية الماضية ( واتخذ دربا ) والتى نتلقى فيها علاقة المفعول النكرة والتى حينما نقرأها بالتناغم مع التيه عن الدرب المعرف بال يتجلى لنا كيف تتكثف الفاجعة أكثر وأكثر حيث يتخذ الفارس دربا ما غير الدرب المعرف بال الذى تلقيناه فى السياق السابق وما يدل عليه التعريف من جلاء وبصيرة تتنكب طريقها رغما حين يفارق الفارس الدرب
- ثم نتلقى بعد هذا التكثيف لمشهدية التيه وفقدان الدرب والضياع فى درب ما آخر نتلقى علة هذا التيه حيث نتلقى علاقة اسم الفاعل العامل الحال المفرد ( طالبا النوارس البيضاء ) وهى العلاقة التى تتحول فيها العلاقة إلى جمالية الجمع بين الحال وآنيته كون العلاقة حال مفرد ، ثم الجمع بين الوصف ودوام حدوثه وتجدده كون العلاقة اسم فاعل عامل يعمل عمل فعله المضارع
- بما يجعلنا أمام مستويين دلاليين مختلفين هما الحال والصفة بما يكثف من جمالية الطلب وسيطرته على الجو النفسى لبطل النص فى مشهد اللوحة
- ثم ولنتأمل جمالية الاستعارة التصريحية التى نتلقاها بعد هذا التمهيد الذى نتلقاه عبر تمهيد الأفق النفسى والجمالى والدلالى ، فنحن أمام حالة شديدة الوطأة لبطل يكابد حالة التيه يتجلى بياضه لنا روحا ونقاء يطلب ما يبدو لنا أمام بصائرنا مستحيلا نائيا
- حيث تمثل علاقة المفعول به المعرفة بال ( النوارس البيضاء ) معادلا جماليا لما يفتقده الفارس فى وطنه ن حيث النوارس البيضاء الحرية والرحابة ، حيث النوارس البيضاء التفرد والجمال ، حيث النوارس البيضاء حبيبة أخرى وطينة جمالية أخرى ، حيث النوارس البيضاء البحر والاغتراب ، وهكذا تنداح أمامنا الاستعارة التصريحية براحا وسيعا من التأويل وإنتاج القراءات المتغايرة مع اختلاف مستويات التلقى وتنوعها
- ثم ولنتأمل جمالية التعريف بال والتى توحى بجلاء دلالة النوارس فى بصيرة النص فهو لا يطلب نوارس بيضاء بل النوارس البيضاء أى أنه هنا يطلب ما يدركه ويدريه فكأننا أمام موازنة تثأر من التيه عن الدرب ، وفقدانه رغم جلائه ووضوحه لعلة العقم بما يحمله من دلالة رحبة التأويل وكذا لتوالى الخيبات وانكسار أحلام الإنسان العربى بما يحصره غصبا فى خانة الاغتراب
- ثم نتلقى ترشيحا واندياحا للاستعارة التصريحية عبر علاقة ( فتماسيح النيل ) وهى العلاقة التى ربما تكنز السخرية من هؤلاء الذين كانوا فرسانا لهذا النيل لهم تاريخهم وتحققهم وبصمتهم على أرضهم ونيلهم لكن انكسار الأحلام وعمق الشرخ الذى اصاب التكوين القومى جعل هؤلاء الذين كانوا وكانوا ليس لهم الآن إلا اجترار التاريخ تحت شمس كسولة كسولة .