خاص بمسابقة شهر فبراير - قصة خارج الصندوق

(خارج الصندوق)

لا تتذكر أنها شعرت بالسعادة في حياتها غير مرتين، المرة الأولى عندما احتضنت أول دمية قدمها لها والدها في عيد ميلادها السادس. والأخرى حين كانت في طريقها إلى زوجها المستقبلي، بفستانها الأبيض بياض الطائرة التي ستأخذها إليه.
لم تكن سعادتها بارتدائها ذلك الفستان كسعادتها بالسفر إلى تلك البلاد، التي حسدتها جميع رفيقاتها عليها. كان حلمها الدائم أن تفر خارج الصندوق، وتعيش حياةً بدا أن ذلك العريس سيحققها لها.
هو يعمل في مجال السيارات، ولم يكن سنه بالكبير، فلقد كان في الثلاثينات من عمره. هذا ما عرفت عنه عندما تقدمت والدته لخطبتها.
تدافعات كثير من الذكريات إلى رأسها، تذكرها بالحنين الذي ما إن نظرت من نافذة الطائرة حتى فقدته.
لكن بينما يعلن كابتن الطائرة اقترابهم من المطار، تسرب الخوف إلى قلبها فجأة، لا تعلم سره. هل لأنها ستراه لأول مرة على أرض الواقع، أم لأنها خافت الغربة التي تنتظرها.
حطت الطائرة بسلام، ونزلت هي على أدراجها تتنفس الصعداء. أكملت أوراقها، واتجهت لصالة الوصول، تبحث عنه وسط زحام الناس. أخرجت صورته من حقيبتها، وبدأت تدقق في ملامح الصورة وملامح الأشخاص أمامها.. ولكنها لم تميزه.
أصابها الخوف.. وبدأت الأفكار تدور بها، كأنها طفلة ضاعت من والديها. لم تعرف ما عليها فعله أو حتى قوله، فلن يفهم أحد سؤالها، وحتى إن فهموا، فلن تفهم إجابتهم.
ظلت تلتفت يمينًا ويسارًا، حتى وجدت لافتة تحمل حروف اسمها فوق سماء الزحام، كانت لها كنقطة الضوء التي أنقذت سجين الظلام، ودلته على طريق الخروج. دفعت حقيبتها أمامها، واتجهت مسرعة نحوها، خوفًا أن تضيِّعها، فتضيع معها.
وما إن أقتربت لتلك النقطة –اللافتة- حتى رأت رجلًا يبدو في العقد الرابع من العمر، يرتدي ملابس تشبه إلى حد كبير ملابس السائقين.
ما إن رأته وحده، حتى شعرت بالحزن، لأن زوجها لم يكن في استقبالها واكتفى بإرسال سائقه. التمست له الأعذار، ساخرة، فهو لم ينس على الأقل إرسال سائقه.
أعطته حقيبتها، وطلبت منه إيصالها بسرعة، وأكملت وراءه طريقها إلى الباب الخارجي للمطار. ما إن خرجت، حتى لمعت عيناها بسحر المكان، فأخذت تتأمل جميع السيارات، ثم نظرت له متسائلة، فأشار إلى حيث السيارة الليموزين ذات اللون الأسود.
اتجها نحوها، وهي تكاد تموت فرحًا، فهي نفس السيارة التي يقودها الأغنياء في الأفلام. وصلت لباب السيارة، وانتظرت أن يفتح لها الباب، ولكنه اكتفى بالنظر إليها وهو يضع حقيبتها في الصندوق الخلفي للسيارة.
فنظرت له بتعجب تسأله: إلى ماذا تنظر؟
فأجابها: أنظر إليكِ.. تبدين جميلة..
فقالت له، وقد أغضبها حديثه: يا لوقاحتك.. سأخبر سيدك بوقاحتك هذه..
فرد عليها لا مباليا: أخبريه..
نظرت إليه نظرة مغلولة، وقالت: يا لك من وقح.. سأجعله يطردك
انطلقت ضحكاته عالية، لم تدر لها سببًا، فأخبرها بأنه هو زوجها.. وقفت بجوار السيارة منكرة، لا تريد الركوب، فأخرج عقد زفافهما وجواز سفره وأعطاهما لها للتأكد بنفسها.
خطفتهما من يده، وتصفحتهما بدقة في دهشة.. الأسم كان نفس الاسم.. يوسف علي يوسف. أكملت قراءة بيانات جواز سفره، الذي ذكر فيه أنه يبلغ من عمره الأربعين، فأسرعت بعينيها تبحث عن وظيفته، التي وجدتها سائق.
تساقطت الأقنعة، وبسقوطها برزت حقيقة الملامح المقززة لحلمها، التي اختفت خلف القناع ذي الألوان المبهرة.
فتح لها باب السيارة التي يعمل عليها سائقًا، وهو يقول لها: هيا بنا يا عروسي الجميلة، فلقد اشتقت لطعام المنزل..
نكست رأسها، الذي وصل أرضًا بعد أن كان مسافرًا في الفضاء. خلعت طرحة زفافها، ودخلت السيارة، التي بدت لها كسيارة الموتى.. لتخطوا بقدمها اول خطوة بداخل صندوقها الجديد.

الرائعة رانيا
قصة جميلة ونهايتها جديدة
أحسنت عزيزتى
دمت بكل خير

» الفائزون بمسابقة شهر فبراير 2010
» الصندوق
» الصندوق الأسود
» ضع هنا مشاركات شعر العامية ديسمبر 2010
» ضع هنا مشاركات العامية بمسابقة مايو 2011