مساجلة شعرية بين الجندي والخنساء

من "الفوّارة" (*) اشرب، كي تعودا
"فزمزم ريّها"، جلب السّعودا !
و "حمّام الدّباغ" (**)) يمدّ جسرا
عليك مسلّما! كي تستزيدا
يموج سياحة، ويمور خيرا
يذيب العين، بل يسبي وريدا
"دم الشّهداء"، من "أيّار" (***)) كنز
و"توأمة" (****): تناثرك الورودا
حللت لدى الأهالي! دم طويلا
على فرح! وغادرنا سعيدا!

((هوامش)):

(*)- "عين الفوّارة": عين معدنيّة عذب ماؤها، بمدينة "سطيف" Sétif بشرق "الجزائر". وهي عين تاريخيّة تنسج حولها الكثير من الحكايات الجميلة العذبة. من بين هذه الحكايات المتداولة في كامل الجزائر، أنّ من يشرب من ماء "عين الفوّارة"، فإنّه حتما سوف يعود إليها وسوف يزور مدينة "سطيف" Sétif ثانية وثالثة ورابعة. يقال: إنّ ماء "عين الفوّارة" ماء سعد مسعود يجلب النّاس. وإنّ سكّان مدينة "سطيف" Sétif وماجاورها يتوافدون على "عين الفوّارة" جموعا غفيرة: يشربون ماءها ويتمسّحون به للتّبرّك ويتداوون به بل يستقون به في بيوتهم.
(**)- "حمّام دباغ" Hammam D'begh: وهو الاسم الجديد "لحمّام المسخوطين" المتواجد بمدينة "قالمة" بشرق "الجزائر. وهو حمّام معدنيّ وعلاجيّ وسياحيّ جميل المنظر جميل الهندسة جميل المعمار بفسيفساء راقية لامثيل لها. وهو مزارة لكلّ مدن الجزائر تقريبا. تزوره العائلات وتخيّم به لعلاج المفاصل. من عجائب الله عزّ وجلّ في "حمّام المسخوطين" هذا أنّ البيض يسلق في ثانيتين قريبا من "فوّاراته" المتدفّقة. ومن بين أساطير هذا الحمّام المعدنيّ أنّ هناك رجلا -في أقدم قديم الزّمان- أراد الزّواج من أجمل امرأة في العالم. وبعد أن طاف إلى حدّ التّعب، لم يجد أجمل من "أخته" -والعياذ بالله من غضب الله- "فسخط" الله على العرس وعلى القوم وعلى من قرأ الفاتحة، فحوّلهم وطعامهم حجارة ((مسخوطا عليها)). هذا ما في الأسطورة. لكنّ الجغرافيا علم يقول بالتّحوّل التّضاريسيّ لاغير والعلم أسبق وأحقّ وأدقّ من الأسطورة.

(***)- "أيّار": هو شهر "ماي" أو "مايو". وهو الشّهر الخامس ((05)) من شهور السّنة الميلاديّة.

(****)- "وتوأمة": إشارة إلى أنّ مدينتي "قالمة" Guelma -مسقط رأس الشّاعرة فضيلة زياية ( الخنساء) - ومدينة "سطيف" Sétif توأم لجرح تاريخيّ سالت فيه دماء مشتركة زكيّة لخمسة وأربعين ألف ((45000)) شهيدا في مجازر 08 أيّار ((ماي)) 1945 للميلاد. ومدينتا "قالمة" و "سطيف" متجاورتان جدّا وتوجدان بالشّرق الجزائريّ.

حضورك للبلاد منى فؤادي
ورغبة خافقٍ يهوى الثريا

سأمكث بالمطار على اشتياقي
وأنتظر الجمال الشاعريا

سيخطو بعد حين فوق دربي
ويفترشُ الندى صبحَ المحيا

سنذهب (للبحيرة ) حيث أهلي
ونلقى رحلنا عَبِقاً زكيا

سنسعد في جوارهمو بحبٍّ
ونخترع الخلود السرمديا

أزور "بحيرة الأسكندريّا"
طهور النّفس! ضاحكة المحيّا!

وخلفي "نورس"، يبكي بعادي
ويعطسني أنينا شاعريّا

ومن كبد القصيدة، خطت غيمي
وبي فرح! وكلّي أريحيّا!

وداخت دوحتي: ولها وغنجا
من الأحباب إذ شاقوا إليّا

"فبالأسكندريّة"، طفت شوطا
ولكن، ماخذلت "جزائريّا"!

تعبتُ من التودد والتناجي
و حب العيش في ملحٍ أجاجِ

فمبروك عليك الطير حتى
أصلِّح ما ألمَّ من إعوجاجي

فألفُ مليكةٍ قالت: تدللْ
ورتِّق صبوتي دون انزعاجِ

ولكِنْ نَحسَ حظّ لي رماني
لسيدةٍ تخاف كما الزجاجِ

لعنت خطيئتي من بعد علمي
بأن الحب قد يطفي سراجي

***

صدقت! فإنّني حسّ الزّجاج
ولكنّي حفيف بالتّناجي

زجاجي ليّن، منه أنين
تدغدغه أفاويق الأحاجي

وإنّي "طفلة"، فطمت حديثا
وتفتقد الدّمى وقت الدّياجي

ولي قلب، صفيّ البوح يصبو
يضمّد جرح صبّ، إذ يناجي

ولي معك الحروف تضيء غنجا
وتسمو فوق ملح من أجاج!

غريب حبك المسئول عني
وعندي يحتوي كل انتمائي

فإن نظرت عيون الحب مني
سترقب حسنك الإحلى ورائي

وفي جنبيَّ أو قدام روحي
وفي أرضي وذاتي وسمائي

وأنشق طيِّبًا من ريح مسكٍ
إذا عبرت عيونك في المساءِ

وفي صبح الحياة يكون بوحي
كأحلى قصةٍ عبرت فضائي
***

أعود إليّ! يحدوني ندائي
وحادي العيس منطلق انتمائي

ولي بعد الحروف لهيب شوق
يداوي جرح مهموم، ورائي

تقول الحبّ؟! والأوجاع سكرى
وعالمنا يفيض من الدّماء!

عواطفنا، براكين! ولكن
لنا وطن: ومفترش العراء!

وإنّ قلوبنا رحبت وفاضت
من الحبّ المجنّح في الفضاء!

لأن الحب حلٌ عبقريٌ
لكل مصاعب الدنيا بهمسِ

ووجهٌ باسمٌ يحوي نميرًا
سيطفي ثورتي من غير كأسِ

فما غير الشعور يكون دومًا
رسول السلم في يومي كأمسِ

وفي غدنا المسافر في الحنايا
يموجُ بشاشةً ورقيقَ حِسِّ

فلولا صُبحه ما كان طيرٌ
يرفرفُ في الفؤاد بلحن أنسِ
***

وأرفع فوق هام النّبل رأسي
مساجلة بشعر قال همسي!
وإنّي -يا أخي- معك انتقاء
يدلّل حيرتي، ويزين أنسي
بذور الحبّ، تسقى في حنوّ...
وتدفئ خافقي من دفء شمس
معا نمضي! على درب الأغاني
بكلّ تغنّج! بزجاج حسّ
ومن قطف، الإباء قطوف ودّ
نعم للورد! لا لخراب فأس!

هَرمنا في المحبة يا طبيبُ
وقلبي هدَّه هذا الحبيبُ

يراوغني إذا ما غابَ عني
وعند لقائنا غزلاً يؤوبُ

نثرت الشعرَ في شريان عمري
ليخطو ذلك الوشقُ اللعوبُ

يراقصني على نغم التداني
ويهجرني إذا ضحك الغروبُ

فهل في وصف دائيَ من دواءٍ
يُجمِّعنا وتعشقنا الدروب ؟!
***

من الآهات، يندلع اللّهيب
فمالك يا سجالي، لا تجيب؟

وإنّك شاعر، برفيف حسّ
له فرحا، يغني عندليب

نفاق الورد، يرميه حزانى
أكفّهم، تخرّبها ندوب

ويزعم "جدّهم" منه "حنانا"
يجيش بقلبه، وهو الكذوب!

يموت الحيّ مكتئبا حزينا
وتحيا في لظى الحبّ القلوب!

رأيت الناس تهفو للخطايا
وتبكي حظها صدقا وزورا

وما عاش الهناءَ سوى قليل ٍ
وباقي الكون يفتعل السرورا

فهذا مفلسٌ يرنو بحقدٍ
بصاحب سطوةٍ ، يلقى نفورا

وماذاك الغني سوي حسودٍ
لصاحب قبضةٍ ، تدمي الشعورا

تركت الناس واخترت التغني
بحسنك فاستحلتُ ندىً ونورا
***

أظلّ اليوم أكتب والشّهورا
لكي أتجنّب المرجوّ زورا

وبعض النّاس منزلق بعمد
ويرجو بيتك الوضّاء بورا

تعبنا منهم ، لكن: بفخر
فنحن "الصّفوة" المهداة نورا

لنا بحروفنا أمم تباهي
سراج العقل ، تنتشق السّرورا

أهنّئ فيك حرفا ألمعيّا
دعوت الله يلبسك الحبورا !
***

دعوت الله أن يبقيك جنبي
كزهرة نرجسٍ تمتاح عطرا

تحرضني على نظم القوافي
وتكتبني بها سطرا فسطرا

أحيلك للخلود بلحن شعري
فضمي أحرفي ألقا وسحرا

دعينا من كلام الناس عنا
وكوني للظلام المر فجرا

أيا قمْرية الأجواء طيري
وحطي في فؤاد الصبِّ دهرا !
***

أنا لم ألتفت للنّاس دهرا
ولا ألقي لهم بالا وعذرا
فعندي بالقوافي بيت شعر
يشيع النّور، بل ألقا وسحرا
أنا أسمى! وأسمو فوق ظلم
وحقد لايرى في العقل برّا
أنا بالصّفوة العليا سأشدو
لحون النّاي: خافتة وجهرا
فما لي والأنام؟ وهم هباء
ومن فشل، همو آذوك قهرا؟!

كلامهمو هراءٌ ليس يجدي
ضبابٌ قد رواه لهم رمادُ

يقولون اختصرْ قولاً وفعلاً
ودع ليلى يغلفها الجمادُ

وما قرأوا بنبض القلب سطرًا
يفسرُ ما يسطره الودادُ

بأنك قصتي وعميقُ سرِّي
وشجوي والقصيدةُ والمرادُ

وآية ُ دهشتي وجنونُ صمتي
وبسمة ثورتي إن قيل عادوا !
***

مساجلة يدوّحها مهاد
ومن قلب الوداع، ترنّ "عادوا"!
أيا "مصر" ! اذكريني بالقوافي
ومن للجاهليّة قد أعادوا !
قلوص قصيدتي، تعدو حثيثا
وقافيتي، بها ريّ وزاد
فلولا "الأقدمون"، لما ولدنا
ولولا الجاهليّة لا عماد
تظافرنا (*) ومن شهد رشفنا
ودون قريضنا، كلّ جماد!

((هامش)):
(*)- تظافرنا: نون الجمع هنا تعود على الشّاعرين المتساجلين: "عاطف الجنديّ" و فضيلة زياية ( الخنساء).

عيون الشعر تسألني بشوقٍ
لماذا الهجرُ يا خير الرفاقِ ؟!

فقلت: الآن مشغولٌ بمصرٍ
وقلبي هائمٌ نحو التلاقي

كأني والمليحة ضوء عيني
يباعد بيننا نهمُ السباقِ

بها الإرهاب يقتل خير جندٍ
ويدمي من به نبض اشتياقِ

سألت الله أن تحيا بودٍّ
ويرجع نيلها شهد المذاقِ

وليس أمرّ من جرح الفراق
ولو لمحا: فدمع في المآقي

يتوق الصّبّ للإبحار غيما
ونبض القلب يسمع "بالعراق"

تدفّق خاطري ألما وحزنا
وصوتا آملا شوق التّلاقي

فمن هجر الأحبّة، رمح موت
ينازع هائما، والجرح باق

ومن "نيل المحامد" عذب ريّ
إذا سأل الملوّع: "من ألاقي"؟!

وبي شوق سيهفو للإيابِ
إذا ما طلَّ وجهٌ للغيابِ

فما غابت عيونك عن عيوني
ولا رمدت برملٍ لانسحابِ

ولوكنا على طرفي نقيضٍ
يقلصُ بوحَنا لحنُ اغترابِ

فما بَعُدَ الودادُ على حبيبٍ
له في الصدر آياتُ انتخابِ

تقرِّبُ ما الدنا تقصيه عنا
وتدني للنجوم سنا اقترابِ
***

لقد أصبحت تفرط في غياب
وأخشى أن يؤوّل بانسحاب!

فنبل الحرف، منك علا مقاما
ومنزلة تفاخر بالسّحاب

وتعرف! لا أجيد المدح: إمّا
أحيّي بالحرارة بالتهاب

وإمّا أتّقي من يدّعيني
له "حبّا"؟ وقد آذى "حجابي"!

"أعاطف" حرفك "الأخويّ" يبقى
يرتّل كالدّعاء المستجاب!
***

أحبُّ من النساء بدون عدٍّ
وأختار المليحة والرقيقه

فهذه خدُّها التفاحُ أشهى
وهذي رمشها يدمي طريقه

وهذي قدها يسبي ألوفا
ويشعل في الدنا أحلى حريقه

وهذي نهدها الفتان يغري
بأن من الشهامة أن أذوقه

فكيف لحيرتي تختار زوجا
وأعطي قلبها – أبدا- وثيقة ؟!

لكلّ النّاس في حبّ طريقه
يطير بها إلى قلب الرّفيقه

فهذا دامع العينين باك
وذاك يخيط بالآلام ضيقه

ولكن في النّهاية، كلّ شيء
يؤول إلى المحبّة بالسّليقه

فلولا حبّ قافية بتول
لما كانت تصاوير الخليقه

دعوت الله من قلبي لنبقى
على عهد: على هذي الطّريقه.

طريقي من طريقك فارسميني
على وجه البسيطة كالمرايا

أشع حقيقةً وأبث نفسي
على نغم الأثير بلا خفايا

عشقتك من سنا وجعي وأني
وما باح المحطمُ للشظايا

أحبك كائنا بلهيب قدِّ
وإن حُسبَ التغزل كالخطايا

فإن قلت الخدود فذاك أنسٌ
يخبِّرُ عن ملاك في سمايا
**

رسمتك بالحروف على "مرايا"
أضاءت كلّ قطر والزّوايا

فأنت أخي! وأنت شقيق بوحي
وأنت بصبره يحدو منايا

كلامك ذوق مشتار (*) بشهد
ويفرحني، ويبعد عن أسايا

وأنت أنا! وحرف شعّ منّا
لينشر ضوءه فوق "المرايا"(**)

بذا أكّدت لي أن لا مناصا
فلم يجد "التّغنّج" من سوايا!

((هامش)):

(*)- المشتار: العسل.
(**)- ّ"المرايا" : تورية تلعب بالألفاظ. خذ معنى "المرايا" الّتي تتربّع على حيطان البيت كي يرى فيها الإنسان نفسه، وخذ المعنى الثّاني ((البعيد المقصود))، وهو منتدى "المرايا الثّقافيّة"؛ أين يشرف الشّاعران المتساجلان "عاطف الجنديّ" وفضيلة زياية ( الخنساء) به على ركن: ((قوافل الفصيح)).

» مساجلة شعرية فهل من دخول ؟
» بدلة عادل - مساجلة شعرية
» يا دبوسك - مساجلة شعرية جديدة
» دكان عادل ( مساجلة شعرية )
» ترام أم القوافي مساجلة شعرية