قصة قصيرة بعنوان (النسيان .. نعمة) .. لشهر اغسطس

النسيان .. نعمة


أخيرا .. أفاقت من غيبوبة استمرت لثلات أيام وأربع ليال.
كل ما تذكره أنها أنثى جرحت ولا تدرى سبب هذا الجرح .. تنظر اليه.. تعرفه.. وكم تمنت أن تنساه كما نسيت كل شئ غيره.
ألام فى منتصف الرأس وأسفلها تتملكها بقوة فتحيل حياتها الى جحيم مطبق .. تنتظر موت لا يأتى لأن الله لا يريد الان .. تريد أن تتخلص من حياة ملأتها المصائب والازمات ولكن تلك الحياة هى التى أجهزت عليها وتخلصت منها كما تتخلص من حشرة حقيرة بضغطة من قدم يابس لا تعرف للين سبيلا.
قالت له حروف معدودة:
- أنا فين؟!
فأجاب بسرور مشوب بالتوتر:
- حمد لله على سلامتك ياحبيبتى.
تحاول الان أن تستجمع قواها الخائرة .. فقط انشغلت بنظرات تائهة الى الغرفة الباردة نسبيا التى تلقى فيها .. ثمة أجهزة طبية وخراطيم وأجهزة محاليل تتصل بذراعيها .. وذلك الازيز المستفز الذى ينبعث من جهاز منظم ضربات القلب والنبض والاكسجين .. هى غرفة العناية المركزة التى كانت لا تمل مشاهدتها فى البرامج الطبية والمسلسلات التعليمية.
يبدو أن غابت عن الدنيا لساعات .. هكذا قالت لنفسها .. ولكن ترى ماذا حدث؟! .. هى لا تذكر شيئا غير أن الواقف قبالتها الان هو زوجها.. فقط هذا ما تذكره .. هل نسيت أنها أم لطفلة جميلة لم تتجاوز من العمر سنتين؟ ..هل نسيت أنها أستاذة جامعية فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية؟ .. هل نسيت أنها نالت أقوى لطمة من الممكن أن تنالها أنثى فى حياتها؟ .. هل نسيت أن هذا الزوج الواقف قبالتها خانها واستغل غيباها ليختبر فحولته الجنسية مع أعز صديقاتها؟ ..أنسيت هذا كله؟!!.

يقول الطبيب المعالج – استاذ جراحة المخ والاعصاب – أنه قد نتج عن ذلك الحادث المأسوى فقدان مؤقت فى الذاكرة قصيرة المدى أى أنها لا تتذكر أحداث حدثت فى الفترة الاخيرة ومنها بكل تأكيد هذه الخيانة الزوجية الكبيرة ولكنها تتذكر جيدا أن اسمها كذا وعيد ميلادها يوم كذا..
أيكون النسيان نعمة عندما ينسى المرء أو يتناسى حدثا جرحه أو عكر عليه صفو حياته؟!!
أيكون النسيان نعمة وانقاذ ربانى من الله عز وجل لهذا الزوج الخائن البائس لكى يكفر عن ذنبه ويحاول أن يبدأ صفحة جديدة مع تلك المخلوقة الساحرة.
يجلس مع نفسه محاسبا معاتبا اياها: لماذا يخون امرأة مثلها .. فاتنة جذابة .. تصونه فى بيته وطفلته الوحيدة؟!!
ليس مبررا أبدا أن يكون سبب الخيانة هو انخراطها فى الشغل والوظيفة الجامعية المرموقة وكثرة السفريات والمؤتمرات والنشاطات العلمية.
ترى أيحمد الله الان لأن زوجته التى يعشقها الى حد الثمالة قد نست ما حدث برمته.
هو يذكر جيدا عندما جاءت من السفر منذ أيام ووجدته غارقا فى احضان الصديقة الملوثة .. حاول أن يلملم نفسه ويتبعها ولكنها قادت سيارتها بسرعة جنونية لتصطدم الاخيرة بسيارة نقل ثقيلة كانت تعبر الشارع أيضا فى نفس اللحظة .. حادث مأسوى تناولته الصحف القومية والمستقلة .. نظرا لما تتمتع به الاستاذة من سمعة رنانة فى الوسط العلمى والتعليمى.

تنظر اليه نظرة ذات معنى .. كاد يموت من الرعب لو أنه علم أنها تذكرت ما حدث فى الليلة الاخيرة .. هى أنثى على أية حال .. مستحيل أن تنسى جرحا غائرا لا يشفى منه باليسير .. تريد أن تقول له شيئا ولا تستطيع .. ترى هل نسيت كل شئ الا هذا الشئ ؟!! .. نظراتها التائهة له تقول كلاما ألسع من لدغات اللسان .. يكاد يبتل عرقا من فرط التوتر والترقب.

وأنا كمراقب من بعيد غير متطفل أسأل نفسى وأتسائل:
- كم منا يريد أن يفقد الذاكرة لينسى كل ما مر من حياته من أحداث كان لا يريد وقوعها؟!!
كثيرة هى ألامنا وأهاتنا.. كل منا يحمل فى داخله هما وغما لا تقوى علي حمله الجبال العوالى .. ولكن الهم والغم متفاوت من انسان لاخر .. فمنا من يهتم لأمر دنياه ومنا من يهتم لأمر اخرته .. تجلس بعد أن وصلت الى سن الثلاثين أو الاربعين أمام المراة .. تنظر الى نفسك ويدور الحديث الروحى الذى لا مفر منه:
ترى أصنعت شيئا أقابل به رب العباد ؟!! .. وتأتى خطاياك تباعا تحاصرك وتخنقك وربما تقتلك بسكينها التلمة .. وأنت لا تموت لتستريح .. فقط تتعذب ويطول عذابك .. لنا الله.

أخى اسماعيل
مرحبا بك فى بيتك و منتداك
و أهلا بقاص رائع
تشترك القصة فى المسابقة
بناء على رغبتك
بالتوفيق أيها الراقي