قصة قصيرة بعنوان عثمان

الهدوء رائع ، والهواء يتحرك بهدوء ووداعة ذو لمسة حانية فى شارع هادئ فى قرية وادعة مستكينة ، جلس طه الصغير ذو الأعوام العشرة بجوار جدته المسنة التى تبلغ من العمر حوالى خمس وسبعين سنة ، وجلس بالقرب منهم رجل مسن يبلغ من العمر السبعين وهو جالس أمام بيته أسمر اللون ليس أسودا يرتدى ثوبا قرويا يبدو عليه فقر المعيشة وقد جلس يحكى للعجوز جدة طه حكايات مسلية تجذبك لسماعه لبراعته فى تشويقك وفى نفس الوقت يضفى على نفسه صفات الشجاعة والقوة حينما يكون له احتكاك بالحواديت التى يحكيها ومن قصصه فى هذا اليوم انه كان فى الحقل ورأى شيئا خارقا للمألوف فقد رأى (نورجا) وهو آلة بدائية كانت تستخدم فى درس المحاصيل الزراعية مثل القمح والفول والأرز والحلبة حيث توضع تلك المحاصيل تحت النورج فى دائرة يلف عليها فتقوم أسهمه وهى ثلاث عجلات بعرضه لها صفائح حديد دائرية هذه الصفائح تقوم بتحطيم أعواد القمح والفول والحلبة وتحولها إلى تبن وتفصل عنها الغلة والنورج يسير عن طريق بقرتين تربطان فى مقدمته عن طريق خشبة طويلة مدورة تسمى (الضند) ويركب على النورج رجل على مقعد يشبه الأريكة الصغيرة يسوق البقرتين (بفرقلة) والفرقلة تشبه كرباج العربجى ولكنها مصنوعة من الليف لذلك تلقاها رحيمة حيث يتم السير فوق المحصول فى دائرة عدة أيام ليتم درس المحاصيل ولكن ما رآه عثمان (نورجا ) خياليا عبارة عن نورج يدور بدون محاصيل تحته وقد ركبه رجل ممسكا (فرقلة) من نار وإذا ضرب بها البقرتين خرجت النار ولما ذهب إليه وجده قد اختفى ،وعاد إلى مكانه حيث اضطجع بعدها رأى مشهدا آخر رأى رجلا يركب حصانا ويجرى به بين أعواد الذرة بسرعة ذهابا وإيابا ورغم أن المسافات بين أعواد الذرة متقاربة حوالى ثلاثين سنتيمترا إلا إن راكب الحصان كان يمر بسرعة ولم يكسر أى عود ولا حتى ورقة ثم جاء أمام عثمان ووقف ولكن ما تأثير وقوفه أمام عثمان ؟ فعثمان رجل شهم قوى لم يرتعب منه بل قال له
- أيوه واقف لاه؟ إنت هتصورنى ؟
فرجع راكب الحصان إلى حيث كان وانصرف
كان حقل أبى طه فى نفس المنطقة التى يتحدث عنها عثمان والتى رأى فيها الجن وهو يتشكل هذه الأشكال وذات يوم كان طه فى الحقل وتطلب الأمر تأخيره حتى بعد مغيب الشمس بفترة طويلة حتى حل الظلام وإذ بطه يرى يرى على مسافة ليست بعيدة منظرا ارتعب منه بشدة فقد رأى رجلا اسودا طويلا يساوى طوله طول ثلاث رجال واقفا فى الأرض أشتد الرعب بطه حتى إنه فقد صوابه فى لحظة يرى الإنسان نهايته قريبة جدا ومن شدة الرعب بدلا من أن يجرى من أمام الرجل انقلب وعى طه ولم يدر إلى أي جهة يسير وبدلا من الفرار وجد نفسه مندفعا إلى الرجل الأسود الطويل بلا إدراك والموت أصبح قريبا
وإن لم يكن الموت فمكروه شديد سيحيق به لحظات من أقصى لحظات الحياة وحينما اقترب من الرجل الطويل الأسود وجده شيئا آخر فقد وجده جزع نخلة فى أرض جارهم محروق هذا الجزع موجود وكان يراه طه فى النهار كثيرا ولكنه فى لحظة الرعب تخيله عفريتا
مرت أيام وعادت الجدة المسنة للجلوس أمام البيت وكان بجوارها طه وكان عثمان جالسا أمام بيته ويحكى للعجوز عن حكاويه الغريبة ولاينسى أن يضفى على نفسه صفات القوة والذكاء وحكى عن أنه كان يسير فى منطقة ما وفى الطريق الخالى من الناس وجد امرأة قصيرة وقد وقف بجوارها ثلا ث أطفال صغار كلهم فى مستوى طول واحد
والمرأة جالسة أمام (كانون) وهو عبارة عن موقد ريفى يوضع فيه الحطب والبوص ويشعل وذلك لطهى الطعام أو عمل الشاى أو الخبيز قليل الكمية جدا وإذا كان الكانون فى الخلا ء فيكون بسيطا عبارة عن ثلا ث طوبات كبار توضع فى شكل مربع ناقص ضلع
أما المرأة القصيرة فقد جلست أمام( كانونها ) تخبز ووضعت رقعة من الصفيح على الكانون
عليه خبزة وقطعة عجين على( المطرحة ) وهى من الجريد مستديرة لتوسيع قطع الخبز ليصير رغيفا أو بتاوا وذلك بتنطيط قطع العجين فوقها
ولم يكن هناك إلا قطعة عجين واحدة أخرى في يد المرأة ولا يوجد بجواها أى عجين وذلك على غير المعتاد فالمعتاد أن يكون بجوار المرأة ماجور العجين تأخذ منه وتضع على المطرحة لتدحوه ثم تضعه على النار لينضج أما تلك المرأة لا يوجد بجوارها أى عجين فمن أين جاءت بقطع العجين الثلاث ؟! ولما مر عثمان التفتت إليه لفتة غاضبة وصارمة تركها عثمان ومشى فى حال سبيله ولم يلتفت إليها
إنه موقف جديد من مواقف عثمان أبرز هذه المرة
ذكاءه حينما تجنب الخطر فقد قال له أحد الأشخاص حينما حكى أمامه ذلك
- ناصح يا عثمان انك مشيت وما كلمتهاش لو كنت كلمتها وللا ضايقتها كانت اذتك دا مرة واحد كان ماشى ف المكان ده وطلعتلو المرة دى وضايقها قوم مسكتو وبقت تشيلو وتخبطو على الأرض لحد ما مات بعديها
عثمان يحكى وطه جالس هذه المرة بجوار جدته وتذكر الحكاوى السابقة وتذكر جذع النخلة الذى تخيله عفريتا ولم يكن كذلك وأراد أن يحدد موقفا من حكاوى عثمان المثيرة هل لا يسمعها ؟ ولكنه وجد فيها متعة ولا سبيل إلى عدم سماعها على أن تكون للتسلية فقط والاستمتاع وإن كانت ستترك بعض الأثر فى مخيلته