طه حسين – عميد الأدب العربي – مثله مثل أي عالم , قد يخطئ , و لكنه ما إن يُردّ إلى الصواب يرجع و لا يجمد , و أزمة طه حسين الأساسية , هي في تأثره الشديد , و اتباعه للتقاليد الغربية – الاستشراقية – بدون نقد لها , وقيامه بتطبيقها مباشرة على آدابنا العربية ... دونما مراعاة للفروق , بين ديننا و دينهم , و أفكارنا و أفكارهم , و تاريخنا و تاريخهم , و كما يقول ابن خلدون : ( الأمم المهزومة مولعة بتقليد الأمم الغالبة ) , فهذا التقليد و الاتباع الذي سقط في طه حسين و غيره , من ضرورات الاجتماع البشري , بحسب ابن خلدون ...و لقد أخطأ الرجل , و هذا شئ لا سبيل إلى إنكاره , و لكنه يجب أن يؤخذ في سياقه الطبيعي و التاريخي .
و خصومة طه حسين و مصطفى صادق الرافعي , تعود إلى قضية الشعر الجاهلي , و التي قال فيها طه حسين , في أحد فصول كتابه : (للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضًا، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي ( ... أقول : أهكذا يكون الكلام يا دكتور طه ؟! .... كلا و الله فإن ما ثبت بالقرآن لا يعوزه أي دليل آخر , لأن القرآن أقوى الأدلة , و أوضح الحجج , و يليه منهج الجرح و التعديل – و هو منهج إسلامي خالص ..أليس كذلك ؟....و لكنه " مذهب الشك " هو الذي جعل طه حسين يسقط في هذا الفخ ! .
و بخصوص قضية انتحال الشعر العربي , و ادعاء أن الشعر العربي الجاهلي مختلق , و غير حقيقي , و إنما كتبه المسلمون , في عصر التدوين , فأقول : إن قول طه حسين لم يكن جديدا فقد قيل من قبل , يقول محمد ابن سلام في" طبقات فحول الشعراء " : ( و في الشعر مفتعل موضوع كثير , لا خير فيه .... و لا يقبل إلا ما اجتمع العلماء على صحته ) ! – المجلد الأول
و قد دارت معارك عنيفة , وصلت إلى ساحة القضاء و البرلمان المصري , بخصوص كتاب طه حسين في الشعر الجاهلي , و غيره من كتب , فقد كانت أفكاره صادمة للأصوليين – و معهم الحق في بعض مآخذهم عليه - و قد صودر كتابه , و أصدر طه حسين بيانا يعتذر فيه و يقول بأنه يعلن احترامه للإسلام , و إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر .
و بدون دخول في تفاصيل زائدة عن الحاجة , أنقل قول طه حسين – بنصّه - من كتابه
" حديث الأربعاء " : ( نحب لأدبنا القديم أن يظل ّ في هذا العصر الحديث كما كان من قبل , ضرورة من ضرورات الحياة العقلية , و غذاء للعقول و القلوب , و نحن لا نحب القديم من حيث هو قديم , و نصبو إليه متأثرين بعواطف الشوق و الحنين , بل نحب لأدبنا القديم أن يظل قواما للثقافة , و غذاء للعقول , لأنه أساس الثقافة العربية , فهو إذن مقوّم لشخصيتنا , محقق لقوميتنا , عاصم لنا من الفناء في الأجنبي , معين لنا على أن نعرف أنفسنا ) ... أليس هذا اعترافا من طه حسين بخطئه , الذي وقع فيه و انبهاره – مثل الكثيرين من جيله – بالغرب و حضارته ؟!
و يقول الدكتور العلاّمة - محمود محمد شاكر- في كتاب رسالة في الطريق إلى ثقافتنا :
( و معلوم أن الدكتور طه في سنة 1926, حين ألقى محاضراته " في الشعر الجاهلي" زعم أن له منهجا يدرس به تراث العرب كله , و سمى هذا المذهب " مذهب الشك " و كان فيما قاله عن مذهبه : أن هذا المذهب قد ينتهي إلى تغيير التاريخ , و إلى الشك في أشياء لم يكن يباح الشك فيها ) ... و قد رأينا ما قاله العميد , بخصوص قصة سيدنا إبراهيم و اسماعيل منذ قليل ! – صفحة 242 ,243 بتصرف
و يقول العلامة محمود محمد شاكر : ( قد بينت في بعض مقالاتي , أن الدكتور طه حسين قد رجع عن أقواله , التي قالها في الشعر الجاهلي , بهذا الذي كتبه – يقصد حديث الأربعاء – و ببعض ما صارحني به – أي محمود شاكر - بعد ذلك و صارح به آخرين , من رجوعه عن هذه الأقوال – هامش صفحة 245
رحم الله طه حسين و العلامة محمود شاكر , و كل علماءنا الذين أثروا عقولنا و أناروا لنا الطريق ...و لكل جواد كبوة , و لكل عالم هفوه ... و الله علاّم الغيوب .