تقرير: حقيقة موقف السلفية المصرية من ثورة 25 يناير
نقلاً عن موقع المختصر على الانترنيت
التاريخ: 29/3/1432 الموافق 05-03-2011 | الزيارات: 2967
حجم الخط: تكبير | تصغير المختصر / يشهد المجتمع المصري منذ سنوات تطورات سياسية غير مسبوقة وتحركات اجتماعية سريعة على مستوى الفعل ورد الفعل في الشارع السياسي بلغت ذروتها في ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 والتي أدت إلى تنحي الرئيس المصري حسني مبارك عن سدة الحكم في 11 فبراير الجاري بعد ثلاثين عامًا من الحكم السلطوي في البلاد. وتتسابق جميع القوى السياسية والمجتمعية لأخذ نصيبها من هذا الحراك ومن هذه الثورة في محاولة لجني الثمار حين القطاف، ولكن أكثر هذه القوى يعاني انفصاماً وانفصالاً عن المجتمع وعدم وجود جذور له داخل التربة المصرية الفتية، وإنما يقتصر وجودها على بعض أفراد من النخبة وشباب الإنترنت، وتبقى التجمعات الإسلامية الكبرى وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي صاحبة الجذور الشعبية والتغلغل المجتمعي الرئيس في الواقع المصري، ومع تعاظم دور التيار السلفي وانتشاره في المجتمع المصري في الفترة الأخيرة ومن منطلق مسئولية التيار السلفي في عملية الإصلاح المجتمعي بكافة أبعاده، تسعى هذه الورقة إلى بحث الموقف السلفي من ثورة 25 يناير خياراتهم إزاء نتائجها وذلك من خلال محاور أربعة رئيسة تتمثل في؛ خريطة التيارات السلفية في مصر، والموقف السلفي من الثورة، خريطة الوجود السلفي في ميدان التحرير، وتقييم الموقف السلفي من الثورة. المحور الأول خريطة التيارات السلفية في مصر تشغل التيارات السلفية رقعة واسعة من المشهد الإسلامي العام سواء في مصر أو العالم الإسلامي، إلا أن السلفية - والتي تشير في مجمل أصولها إلى أخذ الدين من نبعيه الصافيين القرآن والسنة ومجانبة البدع والخرافات والعودة إلى نقاء العقيدة بفهم السلف الصالح علمًا وعملا - لا تنسحب على فريق أو تيار واحد بل ومع مركزية ثوابتها تتوزع على لوحة فسيفساء عريضة يصعب على الباحث جمعها في بوتقة واحدة. خاصة وأن التيار السلفي شهد في الفترة الأخيرة تمددًا في قطاعات واسعة من المجتمع المصري، بفعل الفضائيات التي جذبت إليها العديد المشاهدين. وفيما يلي محاولة لوضع خريطة تعريفية للتيارات السلفية في مصر. واعتمدنا على تصنيفين أولها: الرسمية وعدم الرسمية بمعنى وجود اعتراف من أجهزة الدولة لتيار ما بالعمل العلني أو لا. والمعيار الآخر في التصنيف هو الرؤى والمواقف الفكرية فقد حاولنا الجمع بين المتشابهين فكريًا في بوتقة واحدة. غير أننا في الأخير نقر أن دراسة التيارات السلفية من الصعوبة بمكان، حيث يمكننا أن نقول إن كل شيخ أو داعية سلفي هو نسيج وحدة. أولا جمعيات وهيئات شرعية رسمية: 1. الجمعية الشرعية: أسس الشيخ محمود خطاب السبكي الجمعية الشرعية عام 1912 تحت اسم "الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية"، وكان دافعه في ذلك رؤيته للواقع المصري المضطرب في ظل الاستعمار الذي نتج عنه تنحية الشريعة الإسلامية عن الحياة العامة، وتغيير مسار التعليم ومناهجه، وبدايات حملة التغريب التي ظهرت في تلك الفترة، وما صاحبها من دعوات تقلل من قيمة المرأة ومكانة الشريعة الإسلامية في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وظهور وتفشي البدع والخرافات. وتنتشر فروع الجمعية في جميع أنحاء جمهورية مصر، وتعتبر من أقوى وأبرز المنظمات العاملة في العمل الخيري، ليس فقط لأنها تمتلك أكثر من 350 فرعا في مختلف أنحاء البلاد، بل لامتلاكها بيئة خدمية اجتماعية واقتصادية تغطي أنحاء البلاد، ورئيسها حاليا هو الدكتور محمد المختار محمد المهدي، وهو من علماء الأزهر. أهم المنطلقات العقائدية والفكرية: وتركز الجمعية اهتمامها الأكبر في مجال تنقية الدين من البدع والخرافات، ومكافحة التبرك والتمسح بالأضرحة أو النذر لها والصلاة فيها، ورغم أنها لا تدعو للتمسك بمذهب فقهي محدد، فإن من بين علمائها من يلتزمون بمذهب محدد بحكم دراستهم الأزهرية، أما دعاة الجمعية الشرعية فمرجعهم الأساسي كتاب الشيخ محمود خطاب السبكي «الدين الخالص» وهو موسوعة فقهية ضخمة تذكر معظم الآراء الفقهية بأدلتها ثم ترجح أحدها. وترى «الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسُنة» أن مشكلة الأمة الإسلامية تكمن في البدع والخرافات التي دخلت على الدين، ومنها العديد من طقوس التصوف، وأنه إذا تمت تنقية الدين من هذه البدع سوف يعود للأمة مجدها وعزها. وبالرغم من ذلك فإن موقفهم من الصوفية ليس بحدة فصائل إسلامية أخرى؛ بسبب الطبيعة الصوفية التي تربى عليها السبكي في الأزهر، وبالتالي فإن الجمعية الشرعية تميل لتقسيم التصوف لنوعين: نوع معتدل، وهو الملتزم بالسُنة، ونوع متشدد، وهو الذي يتضمن انحرافات عقائدية وفقهية. آمن الشيخ السبكي بالعمل الجماعي المنظم البعيد عن السياسة، وعمل بمبدأ (الانشغال بالسياسة وعدم الاشتغال بها)، فدائمًا ما كان يؤكد أن جمعيته لا تتعرض للأمور السياسية التي يختص بها أولو الأمر، ولعل هذا النهج في العزوف عن العمل السياسي هو ما هيأ لها أسباب الاستمرار، ولم يحفز السلطة على مناهضة أنشطتها، ولكن البعض يرى أن الجمعية الشرعية والتي أصدرت في السنوات الأخيرة مجلة باسم «التبيان» تنحو منحى سياسيًا، ويعكس التوجه السياسي للمجلة ـ برغم تعبيرها عن جمعية تنأى بنفسها عن السياسة- حالة عدم الاقتناع بالالتزام الحرفي لقاعدة عدم الاشتغال بالسياسة التي كان محمود خطاب السبكي قد التزم بها منذ تأسيس جماعته، كما يعكس أيضا اختراق جماعة الإخوان المسلمين للجمعية إلى حد ما. الرموز: 1- الشيخ محمود محمد خطاب السبكي، وهو مؤسس الجمعية، كان من علماء الأزهر، وله عدد من المؤلفات، منها كتاب "الدين الخالص". 2- الشيخ أمين محمود محمد خطاب السبكي، وهو نجل "السبكي" المؤسس، وتولى رئاسة الجمعية بعد رحيل والده، وظل الشيخ أمين رئيسا لها حتى وفاته، وقام بتحقيق مؤلفات والده، ومن مؤلفاته: "إرشاد الناسك إلى عمل المناسك". 3- الشيخ عبد اللطيف مشتهري، وهو من أشهر رؤساء الجمعية بعد مؤسسها، وشهد عهده انطلاقة كبرى للجمعية وأنشطتها في مصر، وكان من العلماء ذوي المكانة. ومن أبرز رموز الجمعية الشرعية الآن د. محمد المختار المهد ي رئيس الجمعية الشريعة. 2. جماعة أنصار السنة المحمدية تأسست جماعة أنصار السنة المحمدية في مدينة القاهرة على يد الشيخ محمد حامد الفقي الذي نشأ في بيئة أزهرية محافظة كان الفقي من علماء الأزهر، وما إن حصل الفقي على شهادة العالمية من الأزهر (الدكتوراه) حتى انطلق ومجموعة التفت حوله إلى الدعوة إلى التوحيد الخالص والدفاع عن السنة في المساجد والمقاهي والمنتديات، فذاع صيته وكثر أنصاره. بعد وفاة الشيخ الفقي تعاقب على جماعة أنصار السنة عدد من الرؤساء حتى عام 1969، وهو العام الذي أدمجت فيه الحكومة المصرية جماعة أنصار السنة في الجمعية الشرعية، واستمرت الجماعة على هذا الحال حتى جاء عام 1972، فأعيد إشهار الجماعة مرة أخرى على يد الشيخ رشاد الشافعي (المؤسس الثاني)، مستفيدة من أجواء حالة الانفتاح السياسي التي سمح بها الرئيس السادات. وينتشر أعضاء الجمعية في كل محافظات مصر، ولها في مصر قرابة مائة فرع وألف مسجد. أهم المنطلقات العقائدية والفكرية: قامت هذه الجماعة على دعوة الناس إلى التوحيد الخالص المطهر من جميع أنواع الشرك، والدعوة إلى صحيح السنة بفهم السلف الصالح، وإرشاد الناس إلى نصوص الكتاب، والدعوة إلى مجانبة البدع والخرافات ومحدثات الأمور، كما تدعو إلى أن الإسلام دين ودولة، وعبادة وحكم، على المنهج السابق تعمل جماعة أنصار السنة، لكن الملاحظ أن خطابها الرسمي لا يتطرق كثيرا لقضايا إشكالية في البيئة المصرية كما يبتعد هذا الخطاب تماما عن السياسة. لكن المنهج الكلي للجماعة، والذي يقر العمل الجماعي المنظم -بضوابط- والذي تحدث عن وجوب إقامة شرع الله، جعل من هذه الجماعة إطارا فضفاضا سمح بمساحة من العمل تحت لافتتها لجميع التيارات السلفية في مصر تقريبا من علميين وحركيين ومداخلة، وإن بقيت السيطرة على مفاصل الجماعة للتيار المدخلي المصري بحكم تماهيه مع الأجهزة الأمنية التي تفرض رقابة صارمة على الجماعة، وتتدخل في كثير من تفاصيل حركتها. وتصدر"جماعة أنصار السنة المحمدية" بانتظام مجلة شهرية اسمها "التوحيد"، يقدر عدد نشطاء جماعة أنصار السنة في مصر بما يزيد قليلا عن عشرة آلاف ناشط, لكنها قوية بما تملكه من مؤسسات خيرية ومعاهد علمية ومكتبات و مساجد و إن كانت الأخيرة تم ضمها لإشراف وزارة الأوقاف في محاولة حكومية لتكبيل الجماعة و الحد من توسع نشاطها و زيادة أعداد أعضائها منذ التسعينيات. أهم الرموز: الشيخ محمد حامد الفقي - عبد الرزاق عفيفي- عبد الرحمن الوكيل - رشاد الشافعي - محمد علي عبد الرحيم - صفوت نور الدين. وأبرز الموجدين على الساحة الآن د. جمال المراكبي ود. عبد العظيم بدوي. و يلاحظ أن تيار كل من الجمعية الشرعية و أنصار السنة لم يعد يحظ بشعبية داخل الشباب السلفي . تيارات ليس لها عمل مؤسسي رسمي من الدولة: 1. السلفية المدخلية: كانت بداية ُ نشأة هذا التيار تقريباً في حدودِ الأعوام ِ 1411 / 1412 هـ ، في المدينةِ النبويّةِ على ساكنِها أفضلُ الصلاةِ والسلام، وكانَ مُنشئها الأوّلُ محمّد أمان الجامي الذي توفّي، وكانَ مدرّساً في الجامعةِ الإسلاميّةِ ، في قسم ِ العقيدةِ ، وشاركهُ لاحقاً في التنظير ربيع بن هادي المدخلي ، وهو مدرّسٌ في الجامعةِ في كليّةِ الحديثِ . . التيار السلفي المدخلي في مصر هو امتداد للتيار السلفي المدخلي في المملكة العربية السعودية، والذي كان قد برز إبان حرب الخليج الثانية 1991، والتي كانت نتيجة لغزو العراق تحت حكم صدام حسين للكويت، وكانَ ظهوراً كفكر ٍ مُضادٍّ للمشايخ ِ الذين استنكروا دخولَ القوّاتِ الأجنبيّةِ ، وأيضاً كانوا في مقابل ِ هيئةِ كِبار ِ العلماءِ ، والذين رأوا في دخول ِ القوّاتِ الأجنبيّةِ مصلحة ً ، إلا أنّهم لم يجرّموا من حرّمَ دخولها، أو أنكرَ ذلكَ، فجاءَ الجاميّة ُ واعتزلوا كلا الطرفين ِ ، وأنشأوا فكراً خليطاً ، يقومُ على القول ِ بمشروعيّةِ دخول ِ القوّاتِ الأجنبيّةِ ، وفي المقابل ِ يقفُ موقفَ المعادي لمن يحرّمُ دخولها ، أو يُنكرُ على الدولةِ ، ويدعو إلى الإصلاح ِ ، بل ويصنّفونهُ تصنيفاتٍ جديدة ً . أهم المنطلقات العقائدية والفكرية: لم يختلف المداخلة عن غيرهم من التيارات السلفية الأخرى في اعتقادهم بعدم جواز الخروج على الحاكم المسلم، وإن كان فاسقا، إلا أن المداخلة يعتبرون أنه لا يجوز معارضة الحاكم مطلقا، ولا حتى إبداء النصيحة له في العلن، ويعتبرون ذلك أصلا من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، ومخالفة هذا الأصل يعتبر خروجا على الحاكم المسلم، كما أن المدخلية تعتبر أن الاعتراف بالحاكم والولاء له وحده لا يكفي إذا لم يتم الاعتراف بمؤسسات الدولة الأخرى مثل منصب المفتي مثلا أو بمؤسسة الأزهر، كما أنه ليس لأحد أن يخرج عن فتوى علماء البلاد الرسميين، فإذا حلل هؤلاء العلماء فوائد البنوك فإنه على الرعية المسلمة في هذا البلد الإذعان لتلك الفتوى وعدم مخالفتها، ومن يخالف ذلك فإنه على طريق "الخوارج". كما تتمايز المدخلية عن غيرها من التيارات السلفية في أنها تعتبر أن الجماعة المسلمة هي الدولة والسلطان، ومن ثم فهي تشن هجوما حادا على الجماعات الإسلامية وتصفها بالحزبية؛ لأنها ضد مفهوم الجماعة في رأيهم، ومن ثم فهم "خوارج "على النظام، ومبتدعة في الدين، وهجومهم عليهم يهدف إلى إنهاء الفرقة في الأمة، والتفافها حول سلطانها. وأبرز رموزها في مصر: محمود لطفي عامر - أسامة القوصي - محمد سعيد رسلان. 2. الدعوة السلفية: في منتصف السبعينات أنشأ مجموعة من قادة الحركة الطلابية الإسلامية في عدد من جامعات مصر تيار السلفية العلمية، لكن كان ثقلها الرئيس في جامعة الإسكندرية حيث قادها من هناك و إلى جميع أنحاء مصر محمد إسماعيل المقدم و سعيد عبد العظيم و أبو إدريس و أحمد فريد و غيرهم و كان من أبرز قادتها في القاهرة حينئذ عبدالفتاح الزيني، و قد رفضوا الانضمام للإخوان المسلمين عام 1978م وسموا أنفسهم المدرسة السلفية ورفضوا لفظ الأمير لاعتبارهم أنه يقتصر على إمارة الدولة ولكن أطلقوا على قائدهم أبي إدريس لقب "اسم قيم المدرسة السلفية" أسوة بالمدارس العلمية التي كانت قائمة في عصور الازدهار في التاريخ الإسلامي. وبعد عدة سنوات من العمل الحركي والجماهيري أطلقوا على أنفسهم (الدعوة السلفية) بعد انتشارهم في كل أنحاء مصر، وكثرة أتباعهم الذين يقدرون بمئات الآلاف. أهم المنطلقات العقائدية والفكرية: يدعو هؤلاء السلفيون إلى العودة لأخذ الإسلام من أصليه: الكتاب، والسنة، بفهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين، ويهتمون بمسائل التوحيد وتصحيح العقيدة، والنهي عن البدع والخرافات، ويدعون كل من التزم بهذا المنهج إلى الاجتهاد في طلب العلم الشرعي؛ حتى يتسنى للمسلم معرفة الأوامر والنواهي في الفروض والسنن والواجبات، كما يهتمون بكتب التراث، ونقولات الأئمة من أصحاب المذاهب والفقهاء؛ ولذا يطلق عليهم أيضا (السلفية العلمية). وتقوم السلفية على ثلاثة أصول علمية أساسية: هي التوحيد، والاتباع والتزكية. فالتوحيد هو عماد الدين وهو الذي من أجله بعث الله رسله إلى العالمين كما قال تعالى {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} (التوبة:71). وهو يعني عبادة الله وحده لا شريك له، بكل أنواع العبادة التي شرعها: الظاهرة: كالصلاة والصوم والحج، والنذر والذبح، والطواف ومفردات ذلك، والباطنة: كالخوف والرجاء، والحب والتوكل والإنابة.. الخ. وأما الاتباع فهو إفراد الرسول صلى الله عليه وسلم وحده بالمتابعة فلا تشريع إلا بما جاء به، ولا دين إلا ما قرره وأقره، وهذا معناه أن كل فرد بعده صلى الله عليه وسلم يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا هو صلى الله عليه وسلم. وأما التزكية فهي إصلاح النفس وفق المنهج الرباني ولا يكون ذلك إلا بأداء الفرائض، ثم الإكثار من النوافل والتزام طاعة الله ورسوله في ذلك، فلا عبادة إلا بما شرع الله، ولا تقرب إلا بما رسم رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وإذا كانت جماعة أنصار السنة لا ترى بأسا في المشاركة السياسية في النظام السياسي غير الإسلامي على اعتبار أن مزاحمة أهل الديمقراطية لتقليل شرهم في الانتخابات العامة وغيرها أمر جائز، مع مراعاة الضوابط الشرعية، فإن سلفيي "الدعوة السلفية" يرون عدم المشاركة السياسية لكن هذا لا يعني عندهم عدم الانشغال بالسياسة؛ فالسياسة عندهم لا تقتصر على الانتخابات وفقط. أهم رموزهم: ومن رموزهم: محمد إسماعيل المقدم، وأحمد فريد، وسعيد عبد العظيم، ومحمد عبد الفتاح، وياسر برهامي، وأحمد حطيبة. 3. السلفية الحركية: في ذات الوقت الذي نشأت فيه الدعوة السلفية في الإسكندرية، كان هناك في حي شبرا في القاهرة مجموعة من الشباب شكلت تيارا آخر، أطلق عليه فيما بعد: السلفية الحركية، وكان أبرزهم الشيخ فوزي السعيد و الشيخ محمد عبد المقصود. و هناك مجموعات في عدة محافظات مثل مجموعة الدكتور هشام عقدة و الدكتور محمد يسري و غيرها. أهم المنطلقات العقائدية والفكرية: يكاد يتطابق منهج السلفية الحركية مع منهج الدعوة السلفية ويعتقدون أن مظاهر المجتمعات الإسلامية الآن من تبرج وسفور ومعاص كلها من أمر الجاهلية، لكن لا يكفر بها، وأن الكفر المراد في الآية الكريمة {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، يقصد به الكفر الأكبر لا الأصغر. يرى السلفيون الحركيون مشروعية العمل الجماعي بضوابط وشروط، منها: عدم التحزب أو التعصب لفكرة بعينها -غير كلام الله ورسوله- يوالي أصحابها عليها ويعادون، كما لا يضعون الجماعات الإسلامية العاملة على الساحة ضمن الفرق النارية الثنتين وسبعين؛ لأنهم يفرقون بين الجماعات والفرق؛ فالجماعات أصولها هي أصول أهل السنة والجماعة. أهم الرموز: الدكتور محمد عبد المقصود، والدكتور سيد العربي، والشيخ فوزي السعيد، والشيخ نشأت إبراهيم و الدكتور هشام عقدة . 4. السلفيون المستقلون هذا التيار يمثله العديد من المجموعات لا يجمعهم تنظيم معين ولا يسعون لذلك، ولا يجمعهم إلا شيخ يتتلمذون على يديه، ويلتفون حوله حتى كونوا عددًا من المجموعات تلتف حول عدد من المشايخ. ويمثل الشيخ منفردا هو ومجموعة تلاميذه كيانًا مستقلاً عن بقية المشايخ وتلاميذهم, و يتفاوت عدد التلاميذ من شيخ لآخر حسب نجاح الشيخ و شهرته في مجال الدعوة. أهم المنطلقات العقائدية والفكرية: يؤمن هذا التيار بالتغيير القاعدي؛ فهم يفسرون قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} بأن واقع الأمة الإسلامية لن يتغير إلا إذا غير كل فرد من نفسه وأصلح من حالها وفق معايير الإسلام، ثم يبدأ في تغيير من حوله من أهله وجيرانه وزملائه في العمل فيغيرون هم أيضًا بنفس الطريقة، وهكذا يصلح الأمة، ثم إن شأنهم كشأن باقي الفصائل السلفية يدعون إلى تنقية الدين من البدع، وبدأت تتطور وسائل هذا التيار في نشر الدعوة من الخطابة وإلقاء الدروس إلى الدخول في الفضاء الإلكتروني والإعلامي. وهذا الفصيل عادة لا يشتغل بالسياسة ولا يتكلم فيها علنا ولا يتخذ مواقف سياسية علنية لكنهم قد يضطرون للكلام في السياسة تحت ضغوط أتباعهم المقربين جدًا. أهم الرموز: ومن أشهر هؤلاء المشايخ أسامة عبد العظيم أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر، والثلاثي الشهير: محمد الشيخ محمد حسان، والشيخ محمد حسين يعقوب، والشيخ أبو إسحاق الحويني. إضافة إلى الشيخ مصطفى العدوي. المحور الثاني خريطة الناشطين بميدان التحرير يعتبر ميدان التحرير رمز الثورة المصرية وواجهتها، والذي كان محط أنظار العالم وكافة الوكالات الأجنبية. ولكن بالرغم من رمزية الميدان إلا أن خريطة القوى السياسية داخل ميدان التحرير لا تعد نموذجًا مصغرًا أو موازيًا لما يحدث في معظم أنحاء الجمهورية. و عند الحديث عن خريطة تواجد المتظاهرين في الميدان يجب الحديث عنها عبر مستويين : الأول /هو الجموع الحاشدة و التي ضمت في بعضها ملايين الناس و غلب عليها الطابع العفوي و الأفراد غير المؤطرين سياسيا و الذين خرجوا لإحساسهم بالقهر و الظلم و الفقر و تضاؤل وزن مصر السياسي. المستوى الثاني/قلب المظاهرات و المحرك لها و الذي ساعد على إشعالها و عمل على استمرارها . هذا القلب كان يحمل كافة أطياف النشاط السياسي المصري الذي تبلور إبان الثورة، بالرغم من التواجد المكثف للإخوان المسلمين في الميدان و الذي قدره البعض بنسب تتراوح بين 60 و 70 % بينما مثل السلفيين بنسب تتراوح من 10 إلى 20 % و البقية هم جماعات مستقلة كالسادس من أبريل و مجموعة خالد سعيد و كفاية وغيرها وبعض شباب أحزاب كالوفديين و الناصريين واليساريين وجنح الإخوان في معظم الأوقات إلى عدم اتخاذ الواجهة أو الصدارة، فكان نشاطهم يتمثل في الإجراءات التنظيمية مثل تفتيش الداخلين بدون أن يظهروا أي شعارات لهم أو ترتيب إدخال الأطعمة والبطاطين وغيرها من المواد التي يحتاجها المتواجدون بالداخل، كما شاركوا أيضًا في عمليات تطبيب الجرحى داخل الميدان، بواجهة اتحاد الأطباء العرب، مع وجود سلفي بينهم يتمثل في مجموعات سلفية تابعة للشيخ محمد عبد المقصود أو الشيخ نشأت أحمد أو الشيخ فوزي السعيد وهناك مجموعات من الجماعة الإسلامية والمنفصلين عن قيادتهم والذين وقعوا مبادرة وقف العنف إلا أن هؤلاء وجدوا الفرصة سانحة للتعبير عن غضبهم من النظام المصري الذي سامهم العذاب في السجون و المعتقلات مع العلم أن هذا الموقف ليس موقف القيادة وتواجد أيضا في ساحة الميدان مجموعات تابعة للسلفيين في المحافظات الأخرى مثل مجموعة دمنهور مع تواجد أفراد سلفيين غير محسوبين على أي من الشيوخ والعلماء . لقد كان التواجد السلفي كان ظاهرًا للغاية في تلك الحشود، حيث قامت عدة قنوات فضائية برصد أعداد كبيرة منهم، بل لا يكاد يخلو مقطع فيديو من وجود شخص ملتحي أو امرأة منتقبة، كما قام قائد المنطقة المركزية بتقبيل رأس أحد الملتحين الذين كانوا يمسكون الميكروفون ويلقون تحية للجيش، وهي بادرة لم تكن لتحدث من قبل من الجيش المصري المعروف عنه حذره من الإسلاميين بعد اغتيال السادات، والنأي بنفسه عن أية نشاطات إسلامية. و كان الميدان في كافة أوجه نشاطه عبارة عن خليط وائتلاف بين قوى الشعب المصرية، بداية من طلاب الجامعة الأمريكية إلى السلفيين التقليديين. أما في باقي المحافظات المصرية فكان التواجد الإخواني ظاهرًا للغاية برغم حرصهم على مشاركة قوى سياسية من أحزاب و جمعية التغيير و كفاية وغيرها غيرها و لكن التواجد الحزبي ظهروا بصورة أساسية بسبب غياب النشاط القوي من الجماعات الأخرى، حيث استطاع الأخوان في المحافظات أن يحشدوا الناس ويجمعوا المتظاهرين ويقودونهم ويدفعون قوافل البلطجية، ويتحدثون في المايكروفونات، ويصدرون البيانات، وتصدر رموز وأقطاب الإخوان في المدن والمحافظات المصرية المشهد، لا سيما في المحافظات التي تشهد تواجدًا قويًا من الإخوان، مثل محافظات الدقهلية والإسكندرية والبحيرة. المحور الثالث الموقف السلفي من ثورة 25 يناير يسعى هذا المحور إلى بيان موقف التيار السلفي بمدارسه المختلفة ورموزه المتعددة من ثورة 25 يناير 2011 بمصر والتي توجت بالنجاح عبر تنحي الرئيس حسني مبارك عن سدة الحكم في 11 فبراير استجابة لمطالب الشعب. و في الإجمال تنقسم مواقف السلفيين من هذا الحدث إلى عدة مواقف رئيسة: 1. موقف تأييد الثورة و داعم لنشطاءها . 2. موقف معارض صريح للثورة . 3. موقف الصامت الذي لا يعلن عنه عن موقفه. 4. مواقف ملتبسة. كما يمكن تقسيم السلفيين في هذا الإطار إلى كتل أو مجموعات أو مدارس إلى جانب بعض المواقف الفردية لرموز من التيار السلفي من غير المنضوين إلى مدارسة أو كتل سلفية بعينها، ومن ثم فنحن إزاء تقسيم الموقف السلفي إزاء ثورة مصر إلى ما يلي: أولا: موقف المؤيدين: ولعل أهم المدارس السلفية التي أيدت ثورة 25 يناير منذ بدايتها هي المجموعات السلفية في القاهرة و التي اصطلح على تسميتها السلفية الجهادية في فترة سابقة و جرى اعتقال رموزها و أعضاءها و عانت من الأمن ما عانت و هذه المجموعات لم تكتف بالتأييد فحسب بل شارك العديد من رموزها بالفعل في تظاهرات ميدان التحرير مثل الشيخ محمد عبد المقصود والشيخ نشأت أحمد و الشيخ فوزي السعيد وقد شارك المئات من أبناء هذه المدرسة في اعتصامات ميدان التحرير طوال أيام الثورة من 25 يناير وحتى تنحي الرئيس مبارك يوم 11 فبراير. وقد كان لمشاركة رموز هذه المدرسة وإلقائهم الكلمات في جموع الشباب بالتحرير أثرًا كبيرًا على رفع هممهم ومعنوياتهم بشرعية ما يقومون به ومن ثم حثهم ذلك على مزيد من الصمود في تلك الاعتصامات والتظاهرات حتى نهايتها. كذلك جاءت مشاركة مجموعات سلفية أخرى في عدة محافظات في مرحلة أكثر تطورا من ناحية العمل السياسي فخرجت في مظاهرات مستقلة تسير في الشوارع مرددة نفس شعارات إسقاط النظام و غيرها و انضمت إلى مجموعات المعارضة الأخرى و شاركت بعض قياداتها في اجتماع رموز القوى الوطنية في تلك المحافظات و نسقت حركتها معها . و يمكن إدخال الداعية الشهير الشيخ محمد حسان في صف الدعاة السلفيين المؤيدين في الثورة و إن كانت موقفه قد تبلبلت في البداية عندما حاول إمساك العصا من المنتصف و لكنه عاد في النهاية فنزل إلى ساحة ميدان التحرير بنفسه مصطحبًا أولاده للمشاركة في التظاهرات المليونية التي نظمها الثوار ودعا الرئيس مبارك صراحة إلى التنحي عن الحكم حقنًا للدماء ورفعًا للمظالم عن الشعب. ثم دشن عدد من علماء الأزهر و على رأسهم الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق و الدكتور علي السالوس و الدكتور عبد الستار سعيد و بعض رموز التيار السلفي في مصر مثل الدكتور محمد يسري و الشيخ نشأت أحمد و الدكتور هشام عقدة و دعم الشيخ محمد عبد المقصود و شيوخ الدعوة السلفية في الإسكندرية هذه الهيئة و لم يشاركوا في اجتماعاتها وأطلقت على نفسها اسم "الهيئة الشرعية لحماية الحقوق والحريات المشروعة" أصدرت عدة بيانات قبل إسقاط مبارك و بعدها . و في بياناتها الثلاثة ظهرت الهيئة بموقف الداعم الواضح و الصريح لمطالب الشباب و المتظاهرين و دعتهم إلى عدم التخريب ووصفت مطالبهم بالمشروعة و حذرت كما هو الموقف السلفي العام من حذف المادة الثانية من الدستور المصري المتعلقة بأن الإسلام هو دين الدولة و مبادئ الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع. ثانيا /مواقف معارضة للثورة: ولعل أبرز وأهم الدعاة غير المؤيدين لثورة 25 يناير الشيخ محمود المصري والذي حاول مخاطبة جموع الثوار في ميدان التحرير محاولاً حثهم على العودة إلى ديارهم وترك الاعتصام لكنه طرد من ساحة الميدان ولم يسمح له المتظاهرون بنصحهم في ذلك الأمر وقد كان الشيخ المصري قد تحدث قبل ذلك في بعض المداخلات بالتليفزيون المصري داعيًا إلى وقف التظاهرات ووعودة الحياة إلى البلاد درءًا للمفاسد على حسب قوله . وكذلك الشيخ مصطفى العدوي والذي تحدث بدوره في مداخلة للتليفزيون المصري رافضًا ما يحدث من ثورة حيث دعا الشباب إلى العودة إلى ديارهم درءًا للفتن والمفاسد الناجمة عن خروجهم وكذلك شدد على حرمة الدماء والتقاتل بين المسلمين نافيًا صفة الشهادة عن ضحايا الثورة. وكذلك الشيخ محمد حسين يعقوب الذي رفض الثورة ووصفها بالفتن المتلاطمة وسماها "هيشات الأسواق" ودعا الثوار إلى العودة إلى ديارهم ولزوم المساجد وعدم الجدل واللجاجة بشأن ما يحدث في مصر داعيًا الجميع إلى لزوم الصمت درءًا للمفاسد وقد استخدم في ذلك عددًا من أحاديث الفتن مسقطًا إياها على واقع الثورة في مصر. ثالثًا مواقف ملتبسة: وأبرز هذه المدارس وأهمها الدعوة السلفية بالإسكندرية و التي تمثل أكبر تكتل سلفي في مصر والتي جاء رفضها لثورة 25 يناير عبر فتوى للدكتور ياسر برهامي أحد اهم رموز هذه المدرسة حول حكم المشاركة في ثورة 25 يناير التي دعا لها عدد من الناشطين على الإنترنت اقتداءً بثورة تونس، جاء فيها "انطلاقًا مِن تمسكنا بديننا وشعورنا بالمسئولية تجاه بلادنا وحرصًا على مصلحتها، وتقديمًا وتغليبًا لأمن العباد والبلاد في هذه الفترة العصيبة، وتفويتاً لمقاصد الأعداء التي تهدف إلى نشر الفتن نرى عدم المشاركة في تظاهرات الخامس والعشرين من يناير...إلخ". ثم أصدرت الدعوة السلفية عقب ذلك ثلاثة بيانات بشأن الاحداث التي أعقبت ثورة 25 يناير والتي تمثلت في انتشار يعض مظاهر الفوضى والتخريب وحالات السلب والنهب بعد انسحاب جهاز الشرطة من واجهة الأحداث وفرار الكثير من السجناء. وقد رأي الدكتور ياسر برهامي في مداخلة له بقناة المجد الفضائية أن رأيه بشأن عدم تأييد هذه الثورة صواب يحتمل الخطأ ولكنه شدد أن رأي غيره من الرموز المؤيدة لهذه الثورة خطأ يحتمل الصواب ومن ثم فلا بأس من الترحم على ضحايا هذه الثورة واعتبارهم من الشهداء لحسن نيتهم واتباعهم لفتوى علماء معتمدين في هذا الإطار. و في مؤتمر لهذه الدعوة عقد بالقاهرة يوم الاثنين 14 فبراير وصف الشيخ سعيد عبد العظيم وعد النظام لشباب الثورة للنظام بأنه وعد من لا يملك إلى من لا يستحق . وجاء البيان الأول يوم 29 يناير ليؤكد على أنه "لا يخفى على أحد ما حدث بعد مظاهرات الأمس مِن تخريبٍ للمُمْتلكات العامَّة والخاصَّة، وعملياتِ سَلْبٍ ونَهْبٍ تُعَرِّضُ المجتمعَ كُلَّه لأعظم المخاطر، وأَيُّ مكاسبَ تحصل للأُمَّة مِن تدمير وحَرق المباني العامَّة والوثائق والمستندات، وإطلاقِ سَرَاح المجرمين، وكُلُّ هذه المصائب يُخْشَى مِن تضاعفها في حالة استمرار الفَوْضَى"، ثم دعا البيان إلى أن "...الواجب على المسلمين التعاونُ على منعِ ذلك، وحمايةِ الممتلكات العامَّة والخاصَّة، والتحذيرُ مِن التخريب والسَلْب والنَّهْب والسَّرِقات والاعتداءِ على الناس...إلخ". ثم جاء البيان الثاني للدعوة السلفية حول معالجة الموقف الراهن يوم 31 يناير والذي ناشد جموع المسلمين في مصر بقوله "أيها المسلمون! نناشدكم اللهَ -تعالى- أن تحفظوا مصرَ -قَلْب العالم الإسلامي-، وأن تحموها ممن يريدون تخريبَها وترويعَها...إلخ" وتضمن البيان عددَا من النقاط تتعلق بحرمة الدماء والأعراض والممتلكات العامة والخاصة وتحث على التكاتف والتراحم والتكافل لعبور الأزمة. ثم جاء البيان الثالث يوم 1 فبراير متصدرًا بقوله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)؛ ويقرر البيان أنه "ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رُفِعَ إلا بتوبة؛ فلابد مِن توبة صادقة جماعية"، واستمر البيان في تعبيره عن رؤية الدعوة السلفية الرافضة للثورة بقوله ".... إن تغيير الوضع السابق على الأحداث ضرورةٌ حتميةٌ؛ فلا يمكن أن يستمر مَن أَدَّى بالبلاد إلى حافة الهاوية -نسأل الله أن يعافيَنا منها-، ولكنَّ الكلامَ على كيفية حدوث ذلك إلى الأفضل لا إلى الأسوأ، ولا يمكن الاستمرارُ في دَفع البلاد إلى مَزيدٍ مِن الفوضى، وها نحن قد رأينا كيف أَدَّى غيابُ مرفق واحد -وهو الشرطة- إلى أنواع المفاسد و المخاوف والسَّلْب والنَّهْب؛ فكيف يطالِب البعضُ باستمرار ما يؤدي إلى الفوضى، وقد أُخرِجَ المجرمون مِن السجون، وتسلحوا بالأسلحة المسروقة؟! فكيف إذا زاد الأمرُ بفَرَاغِ باقي المرافق: مِن التجارة الداخلية، والتَّمْوِين، والتجارة الخارجية، واحتياطات البلاد مِن الغذاء والوقود، وغيرِها؟! وكيف إذا غابتْ مرافق الاقتصاد والبنوك -وبخاصة البنك المركزي- والمرتَّبات والمعاشات والمصانع والأنشطة التجارية -ولو لمدة وَجيزة-؟! كُلُّ هذه المفاسد وأضعافُها مِن التقاتُل وسَفك الدِّماء وانتهاكِ الحُرُمات سوف تكون هي النتيجة للتغيير الذي يَعقبه فَرَاغٌ، خاصةً مع غياب قيادةٍ للمظاهرات، وعَدَمِ تَوَحُّدِ الأحزاب السياسية؛ فمَن يَدفع البلادَ لمزيدٍ مِن الفوضى بحجة التغيير مع كُلِّ ما ذُكِرَ سيَتحمل نتائجَ ذلك كُلِّه أمام الله عَزَّ وَجَلّ....إلخ". ودعا البيان إلى عدد من النقاط التي اعتبرها لازمة للخروج من الأزمة تمثلت في دعوته إلى إلغاء قانون الطوارئ، السعي إلى تعيين الأَكْفاء الذين يتقون اللهَ في جميع الوزارات والمصالح، محاربة الفساد، إصلاح التعليم، إصلاح الإعلام، الدعوة إلى العفو والصَّفح عن كل مَن بدر منه إساءةٌ أو اعتداءٌ مِن أفراد الشرطة. و بالرغم من هذا فإن أقطاب المدرسة قد وقعوا على بيان اللجنة الشرعية الأول و الذي أشرنا له سابقا بتأييد المظاهرات و هنا يقع اللبس . و هنا يحاول الشيخ برهامي الإجابة على هذا التناقض في موقعهم على الإنترنت بأن المشاركة في المظاهرات غير تأييدها فهم يؤيدون المطالب و لكنهم يرون حرمة المشاركة للفتن و المخالفات الشرعية المصاحبة لها . و لكن الدعوة السلفية بالإسكندرية حاولت استغلال هذه الأحداث بتجميع صفوفها و الالتحام بالجماهير فعقدت عدة مؤتمرات في الإسكندرية و دمنهور و طنطا و المنصورة و القاهرة و الزقازيق و هذه المدن هي عواصم للمحافظات المهمة في الوجه البحري . و ركزت هذه المؤتمرات حول التحذير السلفي المعتاد من المساس ببند الدستور المتعلق بالشريعة و نقل عن بعض الأفراد المقربين للدكتور برهامي- و هو القائد الفعلي لهذه المجموعة – أن هذه التحركات تستطلع الدور السياسي الممكن للسلفيين. رابعا /مواقف الصامتين: يأتي موقف الشيخ أبو إسحاق الحويني على رأس هذا الجانب فالرجل أغلق تليفوناته و لم يحدث موقعه و لم يفهم حتى الآن موقفه و لكنه فسر بأنه صمت و إعراض عن التعرض للموقف . المحور الرابع تقييم المواقف السلفية من الثورة المصرية باستعراض المواقف السلفية نجد أنها تفتقر إجمالا إلى الرؤية السياسية والاستراتيجية للأحداث فلا توجد دراسات شرعية مستفيضة مثلا للموقف من الدولة المدنية و حقيقتها و كيفية التعامل مع البيئة السياسية في هذه الحالة و هل هو حزب سياسي يشارك في الحكم و ما سيتتبعه من آليات أو مجرد جماعة ضغط (لوبي) لا تريد المشاركة في الحكم بل مجرد ضغط على النظام و هكذا . كذلك لم يقدر بعض السلفيين طبيعة هذه الثورة ولم يفهموا حجم القوى المؤثرة فيها ، فقد كان الإخوان المسلمين هم القوى الفاعلة وتعدت نسبتهم ال70% ولذلك دعتهم الحكومة للحوار لعلمها بذلك ولعلمها انهم الذين صمدوا وصدوا ضربات الشرطة والبلطجية ونجحوا في السيطرة على الثورة دونما تهويل وبإظهار أن القوى المؤثرة هي قوة شباب الانترنت ولذلك فإن حكمهم على الأحداث جاء مخالفا للواقع و أعطى لهؤلاء الشباب أكثر من حجمهم وبالتالي فإن الراية التي كانت سائدة هي راية الإخوان وكان من الممكن أن تشارك الدعوة السلفية وترفع شعار تطبيق الشريعة حتى وإن لم تعلنه حركة الإخوان فضلا عن تحول الثورة بعد ذلك لثورة للشعب بأكمله كما لم يخلوا موقفهم من تناقضات كما جاء في تعليق الشيخ ياسر برهامي على حديث الشيخ محمد إسماعيل الذي مدح الشباب الذين قاموا بالثورة بأن هذا كان مدحا لأمر قد وقع بالفعل ! وليس تأييدا للمظاهرات بل هو مدح للطاقات والصفات الحسنة والمواقف الرائعة من الشباب التي ظهرت من جراة وشجاعة وثبات وحرص على الكرامة !! ( أنظر مقال ياسر برهامي " حول ما فهمه البعض من كلام الشيخ محمد إسماعيل بموقع صوت السلف ) كذلك هناك خلط بين المطالب الإجمالية وبين حل الموقف الراهن والنقطة المفصلية فيه وهى اسقاط نظام مبارك من عدمه وهو ذلك المطلب الذي تجمعت حوله الجماهير . يقول الشيخ ياسر برهامي : إن موقف الدعوة السلفية يصب في مصلحة الثورة لا إجهاضها !! فكيف نفهم هذا وهم لا يدعون إلى المشاركة في التظاهر وكذلك يرغبون في توجيهها وتحويلها إلى المسار الإسلامي البحت وهم في مواقعهم ؟! و يفهم من الدعوة إلى تفعيل المادة الثانية من الدستور والتأكيد على المادة الأولى أنهم يوافقون على الدستور على الرغم من أن المادة الثالثة وما يليها تؤكد أن الشعب مصدر السلطات وليس الشريعة وأن المواطنة هي الأساس الذي يقوم عليه الدستور والذي مؤداه تحول الولاء من الشريعة إلى الدولة . و تبقى قضية التعامل الواقعي مع قواعد المصالح و المفاسد و التعامل مع أكبر المصلحتين و أقل المفسدتين لهي قضية مغيبة على الصعيد العملي و ليس النظري . اعداد: المركز العربي للدراسات الإنسانية المصدر: المركز العربي للدراسات الإنسانية