حكاية هاتف محمول في بلاد هبرستان – محمد الفاضل
في البلاد المتقدمة التي فيها مؤسسات مجتمع مدني ، يسود القانون ويحترم المواطن دون محاباة أو محسوبية , كقيمة عليا في المجتمع ويكون الأفراد سواسية أمام القوانين التي لاتفرق بين مسؤول أو مواطن , فتراهم منهمكين في الإبداع في كل مناحي الحياة المختلفة ويتفانون في دفع عجلة التقدم نحو الأمام . بيد أن المشهد يبدو مغايراً تماماً في بلاد هبرستان حيث يصبح الهبر وهضم الحقوق سمة غالبة في المجتمع . ونتيجة لذلك نرى المواطن الذي لاحول له ولا قوة يأن تحت وطأة النظام الفاسد والظلم ويكون عرضة للابتزاز والسرقة ..(عيني عينك )!! ولا يبدو مستغرباً حدوث كل ذلك في دوائر الدولة الحكومية ، بل وحتى في داخل أروقة المحاكم التي من المفترض أن تكون حصن المواطن الحصين كصرح للعدالة تحفظ حقوقه في ظل الأنظمة السائدة . في تلك البلاد يصبح المواطن المسكين صيداً ثميناً ومطمعاً لكل السماسرة ، ولايمكن التفريط به حيث يتحلق حوله الشطار من الموظفين الذين دب فيهم فجأة عرق النخوة ، مبدين استعدادهم لعرض خدماتهم بسخاء حاتمي ، وفهمكم كفاية . وفي هذا الصدد تحضرني تلك الحكاية التي حدثت معي شخصياً في إحدى تلك البلاد التي تسبح بحمد القائد ليل نهار ، وتتشدق بالديمقراطية ومنجزات الثورة (الخنفشارية )!!
في ذلك اليوم الذي قررت فيه شراء جهاز محمول كنت في غاية الحبور لحصولي على ذلك الجهاز بعد طول عناء من البحث والتردد بما يتناسب مع إمكانياتي المادية . وبعد مرور ثلاثة أشهر وبينما كنت في مكتبي منهمكاً في تصفح الإنترنت كعادتي اليومية ، استغرقني الأمر طويلاً حتى اكتشفت اختفاء رفيقي المفضل من فوق المكتب . شعرت بالضيق وبدأ القلق يساورني . هرعت مندفعاً خارج المكتب في محاولة مضنية للبحث عنه ولكن دون جدوى . ولما بلغ مني الإعياء مبلغه اقترح علي أحد الزملاء أن أذهب الى المحكمة الكائنة في منطقة عملي حيث إن الحادثة وقعت هناك . في الوهلة الأولى كان عندي شبه يقين بعودة الجهاز ولم يدر في خلدي أنها ستكون تجربة مريرة تشبه في نهايتها الأفلام الهندية !!
استوقفني الموظف المسؤول وأشار علي بملء الاستمارة بغية استكمال الإجراءات . وبعد طول تفكير قررت الموافقة ، وبينما كنت أهم بالانصراف صرخ مستنكراً الى أين ؟؟ ألم تنس شيئاً ؟؟ عندها أيقنت أن المشوار سوف يطول فرضخت على مضض ونفحته بعض المال بعد إصرار منه . وبعد برهة أخذت الخطاب الرسمي أحث الخطى نحو شركة الاتصال لغرض كشف السارق ومن ثم إبلاغ المحكمة . وفي اليوم الموعود قابلت وكيل النيابة ، استبشرت به خيراً إذ بدا لي شخصاً يتصف بالأمانة ، أو هكذا خيل لي. فالمكان لاغبار عليه ، وهو دار العدالة ! إذن الهاتف بأمان !
طبعاً فاتني أن أخبركم أن الشركة تمكنت من الوصول الى اسم وعنوان السارق من خلال الشريحة بعد مراقبة . وعدني وكيل النيابة خيراً ، وبعد الانتهاء من كتابة المحضر نادى على أحد الموظفين مرتدياً ملابسه العسكرية وقال أنت في أيد أمينة . استقبلني الموظف بابتسامة عريضة مبدياً حماسة غير طبيعية ..
سوف نجد الجهاز طالما عرفنا السارق ، أردف قائلاً .
المفاجأة التي أصابتني بالذهول هو طلبه مبلغ من المال كي يقوم بالقبض عليه، على مرأى ومسمع من وكيل النيابة الذي لم يبد
اكتراثه رغم تململي وكأنه يقول لي : هل أنت ساذج ? قلت في نفسي طالما بدأت المشوار يجب أن أكمله حتى النهاية .... ومرت الأيام ... ومرت الأسابيع ، ولغاية كتابة هذا المقال لازال هاتفي المحمول في عداد المفقودين !
حكاية هاتف محمول في بلاد هبرستان – محمد الفاضل