صدى من قاع الوطن

صدى من قاع الوطن

أمتشق تضاريس جسدك يا وطن ، في ضحكة الأطفال ، بين أشعارهم وأغانيهم المكسورة على ألسنتهم الصغيرة والمغلفة بحلوى سكاكر الفرح، على مقاعد الدراسة وهم يرددون بتلعثم : (( سباح الخير يا أستاز )) . وعلى أرصفة بلادي الحالمة بالجمال والبراءة ، الهاربة من يقظة المشاغبات . أمتشق ثانية رائحة الأزرار في حدائق بلادي من دمشق الياسمين إلى (( عندكو )) الجزيرة، الوردة التي تسمى وردة الحصاد في الجزيرة ، وزهرة (( السينم )) ملهمة الأصوات المخضرمة في الغناء على طول ضفاف الدجلة والخابور . أعدُ نفسي بألا أذهب بخيالي بعيداً خارج تغطيتك كي لا أجمح في وديان الهموم وبرازخ الآلام .. أزهو برأسي ، أشعل فرحاً ، أطاول بقامتي القصيرة على مشارف الأوابد في المدن الآرامية والعمورية ، وما قلعة حلب الشهباء والمرقب والحصن إلا شامات حية على حجم الحضارة العظيمة لأقف أمام سرّ وحدة الميتانيين في (( سوبرتو )) الموشومة على زند التاريخ ، أتدحرج على سلم الزمن الشرقي في أرض الأجداد (( ميزوبوتاميا )) التي تنهض على ينابيع من الحضارات لأتدثر بآثارها الممتدة حتى حدود القلب واللُقى الفخارية الدافئة التي تزفر بالمجد تحت سنابك (( كري موزان )) لأندهش عند إشارة تعجب عظيمة جداًً في (( أوركيش )) لاحتاج بعدها إلى قيلولة قصيرة وأقرأ نصوص مسمارية في القصر الملكي الأشوري في التاريخ المثبت على (( تل الأوبيض )) .
وبعد دقائق ضوئية ألتقي بالأيوبيين وإماراتهم الإسلامية المؤدلجة إلى التاريخ الحديث بقوة وقد أذهلت الصليبيين لأرى نفسي فجأة في حضرة بطل المقدس الناصر صلاح الدين الكردي ، ألقي بتحياتي الساخنة على روحه وأذرف دموعاً دافئة من الحنين على قبره في الأموي الكبير ، لأتذكر مشاغبات (( غورو )) اللعين : ها قد عدنا ياصلاح الدين ليتفاجىء بثورات الوطن تنفرج عليه من كل حدب وزاوية ليلتحم الشرق بالغرب، بدءاً من هنانو الكردي ومروراً بالعلي والمريود ووصولاً إلى الأطرش من السلطان و.... .
أودعهم دون ملل وفي نفسي حيرة ممزوجة بتراب الوطن الذي نساني بين معاناة الأمس والآهات المترعة بهموم اليوم وأسأل نفسي المحيرة : هل سيكون المستقبل كالماضي مفتوحاً أمام عيون الإنسان ؟ لأن تلك ((النسوة )) من النسيان قد نسجت في جسدي كل معاني الألم ، وتركت مخالب الحياة تنهش فيّ بشهوة العاشق ، تلك الحياة التي حصلنا عليها بشرط لاغنى عنه وهو أن نناضل بقسوة في سبيلها حتى آخر الرمق . حسب أحدهم .وعندما تورطنا العيش في الحياة وقعنا في الخطيئة ، حسب آخر.
وأسأل أنا كيف علينا أن نعيش يا وطن ..؟ أكتب علينا أن نعيش حياة بويهمية ..؟
سرعان ما ينساني ذاك الوطن الذي عجناه بنجيع كل الأبناء على خارطة القلب الممتدة حتى حدود الشمس ، فأذكره بملاحم أخرى من دواوين البطولة من ميسلون (( العظمة )) شاهدة إبهام على التلاحم بفداء الروح والجسد ومن مواقع أخرى كثيرة في التاريخ الطازج في الجزيرة ((آقور )) كثورة (( بياندور )) القرية المنسية في أقصى التلاشي وقامشلوكا رنكين خير مدينة للحب والجمال .أسترخي قليلاً لأستمتع إلى مواويل محمد شيخو (( أي فلك ، دما من تو ديتي نسرين ، أي ليه كليه كلا منيه ))
لأتجه شمالاً حتى التعب وأستريح تحت ظلال زيتونات عفرين لأمر على حلب وأسهر على الميجانا والدلعونة . وفي الصباح التالي أعود وقلبي مفعم بالأماني إلى(( عين ديوار )) العاصمة السياحية على الدجلة ودرة الأرياف والتي تستظل بطوروس .. وديرك لاتنحني للقوادم .
وينساني الوطن أيضاً .. ويتناسى وجودي المقتدر .. ينساني في أحضان الأضطهاد والإهمال فأذكره كعادتي دون ملل بمجد أجدادي وعظمتهم والأمهات الحبلى بياسمين الفيحاء اللواتي أرضعن البسمة وزرعن المحبة على شفاه الأكباد. وزهرة (نركس ) التي تجدد نفسها قبل كل نوروز في عيد الربيع الذي فيه دلالةٍ على بوصلة الانتماء لربيع الوطن ، وشرارة النور تؤجج على ذرا الجبال والوديان رمز رفض الظلم . لتؤكد هذه الإشارات جميعاً يخضور المحبة في بلادي البرتقال والياسمين والزيتون والنيركز.
لم يعد سراً بأن الوطن بحاجة إلى جهود فسيفسائية من أبناء الوطن كما هم بحاجة إليه ... لأن السرّ هو الحقيقة المؤجلة التي بدونها لا يكتمل عالم العلن .
وما أني إلا غصن أتبرعم على شجرة الصندل أحاول أن أعطر كل الأشجار من حولي . لكنني اذبل ، وأذبل ، وأذبل رغم أنني لا أريد للشجرة أن تذبل في قلبي ما دام ينبض وطناً .. ظمآن يا عالم .. أرغب بشراب يطفئ ظمأي من دنان الوطن .. أرتجف ... دثروني ، دثروني .
من يمسح من عيون الأطفال دموعاً ليقولوا لي (( سباح الخير يا أستاز )) وذلك عندما ينداح قلبي بالحزن ويغلي في شراييني اليأس ؟ من يرثيني عندما أرحل .. من ...من ..؟ يا زهرة البنفسج والنركس ؟ وتنساني في كل مرة عمداً حتى أنسى نفسي أيضاً ..
هل من صدى يا قلبي وأين الصدى من قاع الوطن ؟ هل من مدثر ..؟ وهل من مغيث يا وطن .؟ ألا هل بلغت ألا هل بلغت ألا هل بلغت يا وطن ؟؟؟؟

****
إسماعيل رسول

*بين الأقواس معالم تاريخية وأسماء كردية .

المتألق إسماعيل رسول
قرأتُ خاطرة من النوع المميز ..والذي قلما يمرُّ علينا
تكتب عن تراجيدايا تاريخية ...تنخر بحقيقة المعلومة ...وتمخر في عبابها
تسوق اللهجة كدليل تاريخي ...علي عمق المعاناة ...وعلى رسوخ اللهجة
من يتحدث هنا !
ليست كلمات المتخاطر ...ولا هى كلمات اللهجة ...لكنه التاريخ يعود ...ويسجل سابقته
من جديد ..فكأن التذكير واجب ...
ما أود الإشارة إليه لشخصك الرائع ..هو أن تباشير الكتابة القصصية الناحجة تتبدى هنا
من هذا النص الملئ بالزخم ..والرمز ...والذي يلخص الحدث بطريقة مذهلة
سلمت أناملك الذهبية

الملكة بلقيس مرة أخرى ....
من كثرة ذكر المعالم والكلمات الكردية قد تبدو اللغة صعبة نوعاً ما، ولكنني حاولت شرح تلك الكلمات من خلال الجمل التي تليها ، على كل لا أدري هل هي مفهومة للعامة أم لا ..
دائماً وكعادتك تضعين يدك على الجرح بفلسفتك (الملكية)...كم هو رائع عندما ينداح من قلب كبيركل هذه التفاسير..
لك كامل الود ...
تقبلي شكري
إسماعيل رسول

الاستاذ اسماعيل رسول....
ابداع وتميز لكاتب متمكن من ادواته اتلمذ منك وجع الحرف ...ووجع الوطن تذكرني بشاعر فلسطين محمود درويش حين قال على هذه الارض ما يستحق الحياة
وما تستحق ان تحيى من اجله هو الوطن
رغم الوجع...
والدمع........
والنزف....

شرين مصاروه كتب:: الاستاذ اسماعيل رسول....
ابداع وتميز لكاتب متمكن من ادواته اتلمذ منك وجع الحرف ...ووجع الوطن تذكرني بشاعر فلسطين محمود درويش حين قال على هذه الارض ما يستحق الحياة
وما تستحق ان تحيى من اجله هو الوطن
رغم الوجع...
والدمع........
والنزف....

العزيزة جداً شيرين(هكذا نلفظ الأسم بالكردي)
تحية كبيرة لك بحجمحلاوة اسمكِ ..
أشكرك جداً على مرورك السلس
نعم صقتي الكلام عن الشاعر المبدع محمود درويش رحمه الله فنحن الكرد والفلسطينيين نتجرع من نفس الكأس دائماً لك تحياتي ودمت بخير
مودتي
إسماعيل رسول

» تاه الوطن
» حضن الوطن
» عاد إلى الوطن!
» فرح الوطن
» وهج الوطن