ثلاثية العاصفة (2):
(ليلة القبض علي بدران)*
بقلم د صديق الحكيم
(1)
اقتنعت إيمان بكلام أمها وبدأت المراقبة اليقظة لزوجها عبر ملاحظة تصرفاته بدقة ومتابعة ما إذا كانت الأعراض التي ذكرتها الأم تنطبق عليه و مرتبة على حسب التسلسل المذكور للمتلازمة ثمانية الأعراض التي تصيب الزوج عندما يرتبط بعلاقة غرامية بأخري
(2)
في هذه الليلة عقدت إيمان العزم علي ضبطه متلبسا بجريمة الخيانة الكبري مع عشيقته تلك اللعوب الخمسينية المتصابية التي تسمي نفسها علي الموقع الأزرق فاتن وتصر الزوجة علي تسميتها شفاعات - اسم تحية كاريوكا في فيلم شباب امرأة- بالرغم من أن فاتن تضع صورة شادية علي صفحتها
(3)
كان سمير يسهر حتي منتصف الليل بحجة إنجاز أعمال لم يستطع إنجازها في المكتب نهارا وكانت هذه حجة مقبولة عند إيمان حتي طال السهرعن الحد المعتاد إلي ساعات الصباح الأولي وربما طال حتي مطلع الفجر وفي ليلة الخميس طال السهر وطال حتي شروق الشمس يوم الجمعة
أصبح ظن إيمان يقيناً لاريب فيه وأضحت شكوكها حقائق ومسلمات لاتقبل الجدل أو النقاش فصدر أمر النيابة الزوجية بالقبض علي سمير متلبسا وبما أن المتهم حويط كان لابد من استعمال الحيلة والتمويه معه فتظاهرت إيمان بالتثاؤب ورغبتها الملحة في النوم وألقت عليه تحية النوم "تصبح علي خير يا حبيبي " ولمزيد من التمويه قالت تحب أعملك كوب من الشاي أومأ لها بنعم حتي يعطيها إحساس بفضلها عليه ومشاركتها له في إنجاز أعماله وتحقيق أماله ، أعدت له كوبا من الشاي ووضعته علي الترابيزة بجوار اللابتوب وفي حركة واثقة منه أنزل صفحة الدردشة (الشات) ورفع صفحة القضية رقم ( 3642) سنة 2011 جنايات قصر النيل وتظاهر بالانغماس في القراءة وتدوين الملاحظات
(5)
وفي لمحة كاشفة منها -وهي المحامية الأريبة التي فضلت بيتها علي مستقبلها المهني - لاحظت رقم القضية الشهيرة أعلي الصفحة وفي أسفلها تصاعدت أرقام الشات في المربع الأحمر لابد أن الطرف الآخر قد حيره التوقف المفاجئ بعدما تسارع التواصل حتي وصل ذروته
(6)
طبعت إيمان قبلة علي خد سمير الأيمن وقالت وهي تتراجع ببطء وهدوء : ربنا يقويك ياحبيبي علي القضيتين
-أي قضيتين
-أليست هذه قضية مبارك
-نعم
-ركز ياحبيبي هذه قضية العادلي وأعوانه
-أما قضية مبارك وأنجاله فرقمها (1227) سنة 2011 جنايات قصر النيل
(7)
ارتبك سمير وبهت وجهه وتصبب عرقاً، تناول منديلاً ليجفف عرقه وفي هذه الأثناء تناولت إيمان الفأرة وفي حركة مباغتة فتحت صفحة الدردشة وقبل أن تقرأ أي كلمة كان سمير قد ضغط علي مفتاحي (ويندز+L ) ليغلق الجهاز مرة واحدة
(
نظرت إليه شزرا وسألته لماذا أغلقت الجهاز مرة واحدة ؟ أريد أن أقرأ ماذا كتبت لك وماذا كان ردك عليها ؟ ومن تكون هذه الساقطة ؟
-أنكر في البداية ،لكن لم ينفعه الإنكار لأن الأدلة كلها ضده فاعترف أخيرا
حاول مرارا أن يقترب منها لكنها دفعته
-لاتلمسني ابتعد عني
-ابتعد عنها قليلا حتي لايعلو صوتها فيسمع فيلحظ الأطفال أو يسمع الجيران
لا زالت آثار الدهشة تسيطر عليها ولا تدري بالضبط ماذا ستكون ردة فعلها أو ما يجب عمله في مثل هذا الظرف الغريب والمفاجئ الذي وجدت نفسها فيه.
(9)
قائمة طويلة من الأسئلة تدق رأسها وقطرات غزيرة من الدمع مازالت حبيسة في مقلتيها لوتزرفها لخففت قليلا من صدمتها في زوجها الذي أحبته بكل ما أوتيت من مشاعر الحب الصادق النقي
اقترب قليلا وجثي علي ركبتيه أمامها كطفل أخطأ أمام أمه ،يستجديها ألا تعاقبه بصمتها يدعوها أن تنفجر فيه، لتخرج طاقة الغضب المكبوت داخلها تطلق لدموعها العنان حتي تخفف عنها
لكنها لم تفعل وتذكرت أقوال أمها عن متلازمة الزوج الخائن ونصائحها لها بكيفية التعامل المتعقل مع هذا الموقف المتوقع الحدوث بعد المقدمات السابقة
(10)
قبل أن تبدئي بتصور ردة فعلك وماذا سيكون قرارك قومي بالتركيز الآن على ما لا يجب أن تفعلي في هذه المرحلة، فمعظم النساء يتصرفن برعونة واستعجال عندما يكتشفن خيانة الزوج.
حيث يشعرن بمشاعر الخوف الممزوجة بالغضب العارم بالإضافة إلى إحساسهن بجرح كرامتهن ناهيك عن الشعور برغبة عارمة في الانتقام لكرامتهن المهدوره ما يدفعهن إلى القيام بأعمال يندمن عليها في المستقبل.
(11)
هدأت واستمعت لصوت العقل ونصائح الأم الحكيمة ،بينما هو مازال يستجديها ويطلب الصفح والعفو عن جريرته التي اقترفها في حق نفسه وفي حقها ناسيا أو متناسيا الميثاق الغليظ والرباط المقدس الذي جمع بينهما
أصرت أن تري الحوار(الشات) كاملا’ لكنه رفض تماما معللا ذلك باحترامه لمشاعرها وأمام رفضه تركته ودخلت لغرفتها تجنبا للقيام بتصرفات طائشة والتي من شأنها أن تخرب مسار القرار الذي سوف تتخذه في المستقبل ولتعطي نفسها فرصة للتفكير في الخطوات التالية
(12)
وفي ظلام غرفتها جاءها صوت العقل ينفث في روعها "بغض النظر إذا ما قررت ترك زوجك أو البقاء معه ومحاولة إصلاح الأمور فأن ردة الفعل الأولى لمعرفتك بالخيانة الزوجية من الممكن أن تزيد الوضع سوءا"
وماذا أفعل ؟أأطرده من بيت الزوجية أم أغادر أنا إلي بيت أبي ؟ وتتعجب من صوت العقل الذي يلهمها ويدعمها في هذا الوقت العصيب :
لا تطرديه ولا تغادري على الأقل في الوقت الحاضر. يجب أن تكون هذه الحركة هي ملجئك الأخير في حال عدم التوصل إلى أي حل آخر.
(13)
هذه تعليمات الأم الحكيمة التي تريد حياة هانئة لابنتها مهما عصفت بها العواصف لأنه لايوجد بيت بلا مشاكل والبيت الساكن لايدل علي الوئام أو الانسجام في أغلب الأحوال فقد يكون هذا السكون هدنة بين زوجين لدودين توصلا لها بعد موت الوصال .
"قد تقررين في وقت لاحق أن تتركي البيت لكن في الوقت الحالي هذا أسوأ شيء يمكن أن تفعليه، في هذه المرحلة يجب أن تستعيدي توازنك و تراقبي بعين الخبير ما الذي يحدث من حولك حيث من الأسهل أن تفعلي ذلك بينما لا زلتما تعيشان في بيت الزجية."
(14)
بمجرد أن تطرديه من البيت أو تغادري إلي بيت أبيك فإنك بذلك تفقدين عنصر الرقابة ولا تستطيعي معرفة ما الذي يقوم به وهو بعيد عن رقابتك ويكون بذلك أيضا لقمة سائغة لغريمتك التي تنتظر فرصة مثل هذه لتنال مأربها ، مازالت الكرة في ملعبك طالما بقي تحت ناظريك فأنه يغدو من السهل عليك أن تسبري عمق علاقته بالأخرى فلربما كانت علاقة عابرة سببها عدم اهتمامك به وانشغالك بالبيت والأطفال واهمال حقوقه عليك
(15)
تركها بعض الوقت لتخلو بنفسها في حجرتها المظلمة، ثم طرق الباب ودخل أراد أن يضئ الأنوار قالت :لاتفعل ،جلس بجوارها علي السرير ينتظر قرارها
-لم أكن أتوقع منك كل ذلك ولم يخطر ببالي أن تنزل إلي هذا المستوي المتدني
-كانت هذه مقدمة بارعة من زوجة ذكية لفرض شروطها وإرساء قواعدها علي مستقبل العلاقة بينهما وهو بالتالي ليس أمامه سوي القبول والرضوخ لأنه مازال يحس بتأنيب الضميروتحاصره مشاعر الندم فقرر الانحناء حتي تمر العاصفة
(16)
-لنعقد اتفاق مكتوب
-تحت أمرك
-أولا :لا سهر بعد اليوم و الساعة الحادية عشر مساء موعد النوم
-ثانيا :الحرمان من النت في البيت لمدة شهر
-لكن القضايا والشغل
-عندك النت في المكتب طوال النهار
-ثالثا:رحلة في نهاية كل أسبوع إلي دريم لاند علي حسابك الخاص
-كل شروطك أوامر اتفقنا
-هل يعني هذا الاتفاق أنك صفحت عني وغفرتي لي زلتي
-لا ، بعد تنفيذ هذه الشروط أنت تحت الاختبار لمدة ثلاثة أشهر
(17)
وبذلك استطاعت هذه الزوجة العاقلة والمحامية الأريبة أن تحتوي المشكلة وتسيطر علي العاصفة وتقلل خسائرها لأدني قدر ممكن وترد زوجها إلي رشده وتقيه شر نفسه، لأن بعض الرجال في بعض اللحظات تسول لهم أنفسهم أن ينساقوا وراء أهوائهم ويطيعوا الشيطان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
بدران :هو رمز الغدر والخيانة في الفلكلور الشعبي وهو الصديق الذي خان صديقه أدهم الشرقاوي البطل الشعبي المشهور في وجه بحري بمصر(4)