قصة حوارية, أو مسرحية قصيرة
أحمد والعجوز
(
صحراء قفر واسعة, الشمس ساطعة, يجلس فتى على جزع نخلة مقطوعة يضع كفيه على خديه, مطرق الرأس حزينا, يمر عليه عجوز بلحية بيضاء طويلة, يتكأ على عصا متعرجة)
العجوز: أصبحت تحجم عن سماع أحوال البلاد, كأنك تنفر منها ؟!
أحمد: كأنك تتابع أذنى !
العجوز: بلى, لكنك تعكف على القراءة كثيرا على نحو غير معهود منك.
أحمد: نعم, استمتع بها كثيرا, أكثر من الأخبار المتناثرة التى جلّ همها فى مصائب الناس.
العجوز: أنت محق, هذا أمر مزعج.
أحمد: لكن من أنت ؟!
العجوز: أنا عابر سبيل, مررت على عقلك فوجدته مهموما كأن به مس وجزع, فأشفقت على حالك.
أحمد: كأنك تقرأ مافى عقلى أيها العجوز !
العجوز: وأشعر بك !
أحمد: تشعر بى أنا ! بماذا تشعر ؟
العجوز: أشعر بضعفك ووهنك, مازلت صغيرا بعقلك الكبير...
أحمد: ماذا أيضاً..؟
العجوز: أنت حتى لاتريد أن تفصح عما بجوفك أيها الحزين !
أحمد: (
لحظة صمت, مطرق الرأس) أنا لا أستطيع العوم, والقدر بحر هائج يتقاذفنى كأنه يمرح بى, أو يتفاخر أمام البحار التى لم أخوض فيها ..
العجوز: وماذا عنك؟
أحمد: أنا عاجز. لاأعوم!
العجوز: نعم, أنت فقط تبكى على حالك
أحمد: وهل أملك لنفسى غير البكاء!
العجوز: ولماذا تقرأ إذن ؟
أحمد: إنها بكائى
العجوز: (
يشير إليه بمكان غير بعيد) انظر هناك ...
أحمد: ماذا هناك ؟
العجوز: الماء..هناك.....
أحمد: نعم, نعم, أراه. تُرى, لماذا يشع نورا هكذا, إنه نور حزين...
العجوز: إنه حزين مثلك تماما, لو شربت منه ستذهب كل أحزانك, وتعيش سعيدا !
أحمد: (ينظر إليه فى تهكم) إنك تسخر منى أيها العجوز!
العجوز: حاشا لله أن أسخر من فتى تتقاذفه أمواج القدر
أحمد: وماذا فى هذا الماء يشفينى؟!
العجوز: إنه حزين مثلك ويشعر بأحزانك!
أحمد: حتى وإن كان هكذا, فحزنه لايزيدنى إلا حزنا
العجوز: أما فهمت أيها الأبله !... إنه دموع !
أحمد: (
ينظر إليه فى تعجب) دموع, دموع من ؟!
العجوز: دموع القدر...
أحمد: إما أنك تسخر منى, أو أنك هرمت وصار فوك لاينطق إلا بالهذى.
العجوز: انظر إلى نفسك, حتى إنك لاتريد أن تحاول, لاتريد أن تتخلص من أحزانك.
أحمد: (
بسخرية) نعم أتخلص من أحزانى بدموع القدر !
العجوز: وهل سيحمل لك القدر الذى يلهو بك بأمواجه, قارب النجاه !
أحمد: (
يستمع)
العجوز: (
مستطردا) إن قارب النجاة لن يصل إليك إلا إذا خابت ظنون أمواج القدر فيك, حينها ستحمله إليك أمواج القدر.
أحمد: (
ينصت باهتمام)
العجوز: اسمع أيها الفتى, إذا نجوت فلا تكف عن البكاء, فمن لايبكى لاقلب له ...
أحمد: أقرأ ؟!
العجوز: نعم.... أجبنى يافتى... ماذا كانت معجزة نبى الله موسى ؟
أحمد: العصا..
العجوز: أتعرف لماذا ؟
أحمد: لأن قومه كانو ماهرين فى علوم السحر, فأراد الله لهم معجزة تتحدى نقطة قوتهم.
العجوز: وماهى معجزة نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) ؟
أحمد: القرآن الكريم .
العجوز: لماذا بالذات القرآن الكريم؟
أحمد: لنفس سبب قوم موسى, لأنهم كانو ماهرين فى العربية وآدابها.
العجوز: وإن كان فيهم جاهل أو أمىّ فليس أهل بهذه المعجزة وماأنزلت له, وهى المعجزة الوحيدة التى جعلها الله لأمة وستبقى إلى قيام الساعة, لأنه أراد لهم المعرفة الأبدية.
أحمد: (
ينظر باهتمام)
العجوز: اقرأ يابنى فى فرحك وترحك ..
أحمد: لماذا تقول لى هذا الكلام فأنا أقرأ وأتعلم ؟!
العجوز: لأنك إن انقشعت همومك فإنك ستترك دفتى الكتاب كما تتركك الأحزان ...
أحمد: (
ينظر بأمل) وهل ستنقشع أحزانى ؟
العجوز: (
يتكأ على عصاه ويستعد للرحيل) إذا خابت ظنون أمواج القدر فيك.
(
يرحل...)
أحمد: إلى أين سترحل؟
العجوز: لاتنس أنى عابر سبيل....
(
يرحل وتتبعه نظرات أحمد حتى يختفى بين الكثبان )