قدم الاديب الروسى العظيم انطون تشيخوف الكثير من الاعمال المسرحية التى هى بمثابة محطات هامة فى تاريخ المسرح الروسى الكلاسيكى.
يتميز أسلوب تشيخوف بملامسته للنفس الانسانية البائسة , مغلفة بأسلوب ساخر من طبيعة الحياة ومشقاتها.
قدمها المسرح الروسى فى عام 1897, ومازالت حتى الآن من العروض الغنية والشيقة لكثير من مسارح العالم .
وهنا نعرض ملخص للمسرحية قدمها اديبنا العظيم نجيب محفوظ عام 1933 بمجلة المعرفة:
************************ الخال فانيا**************
" نحن في حديقة بيت ريفي جلس فيها حول مائدة الشاي طبيب يدعى "استروف" وامرأة عجوز هي "مارينا" والطبيب رجل أعزب ساخط يشكومن الشكوى من حياته، فهويسلخ عمره بين المرضى يعالج أدواءهم ويضمد جروحهم، نهاره مشغول بالعمل وليله مقطوع بتلبية الاستغاثات، ثم إنه بعد هذه التضحيات الجسام التي يبذلها للإنسانية لا يدري إن كان سيذكره أحد ممن أفنى شعلة حياته ليضىء لهم الحياة. وقد أتى اليوم خاصة ليعود الأستاذ "سيرياكوف" والأستاذ مريض عنيد يأبى إلا أن يشخص مرضه بنفسه، ويصر على أنه مصاب بالروماتزم، في حين يؤكد الطبيب أنه مصاب بداء المفاصل!
يجلس الطبيب مفكراًَ في خواطره الحزينة، فيدخل عليه "فينتساى" شقيق زوج الأستاذ المذكور القديمة، ولا نلبث حتى يظهر لنا جلياً أنه هوالآخر يشكومن حياته ومن الأستاذ؛ أما حياته فلا أنها جافة مرة لا تحفظ له ذكرى جميلة من الماضى ولا تبشره بأمل زاهر فى المستقبل.
أما الأستاذ فلأنه قلب نظام الدار بتصرفاته وطرق حياته الشاذة، ولكن هذا إن أمكن أن يفسر لنا سخطه عليه فلا يمكن أن يكفى سبباً لبغض مر يدفنه له في صدره ويطفحه على لسانه، فإذا سمعناه يتحدث بلهفة عن زوج الأستاذ الجميلة "الجديدة" فهمنا بعض الفهم، وإذا سمعناه يتحدث عن الأستاذ متهماً إياه بإنه أفقده ربيع حياته وهويخدعه بعلمه المزيف وقيمته التي كان يظنها في السماء وهي في أسفل الأرض، فهمنا كل الفهم. والأدهى من ذلك أن قربه من هيلانا – زوج الأستاذ – مع يأسه منها أصاباه بنكسة خلقية، فأضحى كسولاً مهملاً سكيراً، وكان نشيطاً مجدا مستقيماً.
وإذا هوفي سخطه يدخل الأستاذ "سيرياكوف" وزوجه هيلانا وابنته صونيا "ابنة أخت فينتساى"، والأستاذ حديث العهد بالقرية، وهولم يقصد إليها غلا مضطراً بدافع الفقر، وهكذا قنع بأن يقيم في هذا البيت الذي ورثه عن زوجته القديمة المتوفاة.
.. يسرع الأستاذ بالدخول إلى غرفته ويبقى الجميع يتحدثون، ويدور بينهم حوار يكشف لنا الستر عن نفوسهم. فالطبيب له مبادىء ثابتة، وهوميال للنيات ينعى على الإنسان كسله وجبنه، إذ يهلك الغابات ويحرقها ويحرم الوجود جمالها، ويغير على حقوق الأجيال القادمة، تلك الأجيال التي هي موضع اهتمامه وقطب آماله، أما فينتسكى "الخال فانيا" فهو على النقيض من ذلك، لا تترك غرائز السخط والهدم فراغاً في صدره لغيرها، لذا هويسخر من الطبيب ومن الأجيال القادمة التي يعمل حسابها. فإذا تحدث إلى هيلانا أبدى لها أسفه على حياتها وأشفق بها من الكسل والملل الذين يصيبانها بسبب زوجها، وهي تضيق بحديثه ذرعا وترد عليه ساخرة:
"آه! الكسل والملل! جميع الناس يرمون زوجى بكل سوء.... وجميعهم يرعونني بعطف وحنان! لها زوج عجوز! يا لها من عاطفة ويا لى من شديدة الفهم لها! وإن كل الأمر – كما قال ستروف أنك نزاع لإفناء كل شيء من غير تمييز، فكما تفنى الغابات تفنى الإنسان – وبهذا لا تبقى على ظهر الأرض أمانة أوسذاجة أوتضحية، لماذا لا تستطيع أن تلحظ امرأة غريبة بهدوء؟
لأنه تستقر في قرارة نفسك عبقرية التخريب.. ليس عندك رحمة لغابة أوشجرة أوامرأة".
ولكنه يزوَرّ لهذه الفلسفة ولا تحفل هي بازوراره.. وتستطرد حديثها متناولة مواضيع وملاحظات شتى.. بعضها عن الريف وبعضها عن الطبيب، والبعض الآخر عن صونيا وحبها الطاهر للطبيب.. ولكن ماله هوملاحظتها.. فإن عنده الأهم عنده هذا الحب الملتهب فهويصرح لها به.. إلا أن أطماع حبه ضئيلة لا تتناسب مع شدة حرارته.. فهويقنع بأن تسمح له برؤيتها، وأن تتحمل الاصغاء إليه.. ولكنه في كلامه يعلوصوته، فتحفل هي وتهمس في أذنه:
"بصوت منخفض وإلا سمعنا أحد".
ويرد عليها بحرارة "دعيني احدثك عن حبي.. لا تهزئي بي.. وحسبى الحديث سعادة كبرى" إلا أنها تضيق ذرعاً حتى بالحديث، وتقول له وهي تختفي عن عينيه "حتى هذا ثقيل".
في سكون الليل، وفي ساعة متأخرة منه كان "سيربرياكوف" جالساً مع زوجه لا يرمق له جفن ولا يسكن له ألم.
والأستاذ لا تقتصر آلامه علىجسمه الناحل، فإن نفسه مضطربة قلقة، وخياله طائش لا يدعه يستريح، فهويتأفف من شيخوخته، أضعاف ما يتأفف من مرضه، وأي مرض هذه الشيخوصة؟ لقد أنهكته وجعلته بغيضاً للقلوب ثقيلاً على النفوس، لا يذكره لسان إلا بالسخط عليه ولاشكوى منه، وهذه زوجة أقرب الناس إليه تجزع من شكواه المتكررة وتضيق ذرعاً بأناته وثرثرته. وهو– إلى كل ذلك – فقير يتألم من الفقر، ويتحسر على جهده العلمي الضائع، وعلى الشهرة التي نشدها فما استجابت له، فإذا دخلت ابنته لم يلق منها إلا اللوم، وهي تلومه من أجل الطبيب الذي تحبه والذي يضايقه بعناده. وبينا هوموزع بين هذه الخواطر المؤلمة بدخل الخال "فانيا" ويلح في أن تنصرف هيلانا وصونيا ليناما، على أن يسهر هومعه! ويصرخ الأستاذ فزعاً، إذ كيف يمكن أن يبقى مع من يمقته مقتاً ذريعاً؟.. فإذا ترفقت به الأم مارينا وأظهرت له ألحانا سار معها طائعاً إلى غرفة نومه كالطفل الغرير، وتخرج كذلك صونيا.
ويبقى فينتسكى مع هيلانا، ويجدها متبرمة بحياتها تتألم لحال زوجها الذى لا يأمن لها، وتشكومن ابنة زوجها التي تخاصمها لأوهى الأسباب وتتأفت من أمه التي تتكبر على الجميع لما تحبه في نفسها من قوة الفهم وسعة الثقافة، وتلومه هوعلى كرهه المفرط زوجها. ما هذه البغضاء القاتلة؟ حقا إن العالم لا تهدد طمأنينته الميكروبات والمجرمون، نصف ما تهدده البغضاء. ثم إنها تطلب منه أن يصلح من أمر هذا البيت المشوه!
هو! ولكن كيف يفعل ذلك وهولا يدري كيف يصلح من أمر نفسه؟ وبينما هي تحادثه ينفضح أمامها وتلاحظ أنه سكران سكراً خفيفاً، وعلىكل حال فهولا ينكر نقائصه وعيوبه، ولكنه من جهة أخرى يعلن في غير ما حرج أن حبها هوالمسئول عن كل ذلك.. وتضيق بحديث حبه فتخرج.ويجلس هوإلى نفسه يحاسبها: كيف أنها عبدت هذا الأستاذ في الماضي عبادة بطل من الأبطال؟
وكيف أنها بذلت عن رضاء خيرها فيها في سبيل خدمته وتوفير الراحة له؟... ويقطع الطبيب عليه حبل تفكيره9 بدخوله وهويهذى في سكره، ويتهم الخال فانيا بحب زوج الأستاذ.
وينصرم حبل الجدل بينهما إذ تقبل عليها صونيا، وتندفع الفتاة تلوم خالها على سكره وقد كان مستقيماً فاضلاً، ولكنها تخفف من غلوائها إذ ترى الدمع يلمع في عينيه.. وتسمع صوته الضعيف يقول لها، "آه لو.. لوكنت تعرفين"؟
وتسأله في لهفة: "ماذا يا خال إذا كنت أعرف"؟ ويرد عليها وهويهم بالخروج "انه لمؤلف.. أنه لقبيح.. لا شيء.. سأقول لك فيما بعد.. لا شىء.. أني ذاهب"!
وتلتفت إلى الطبيب تلومه لوماً خفيفاً على سكره.. وتقول له إذا كان يجب البناء وينعي على الإنسان تخريبه مخلوقات الله الجميلة، فكيف يسمح لنفسه بأن يفنى جمسه وهوهبة من الله بالخمر والعربدة؟ وتحنوعليه وتحدثه.. بل تلمح إلى حبها، ولكنه يصدمها صدمة قاسية، فإذا سألته ماذا يفعل لوكانت له أخت تحبه؟
أجباها بأنه ليس له في الحب مجال.. ويختفي من أمام عينيها، وهكذا تصدع قلبها بمثل ما تصدع به قلب خالها في نفس المكان، إلا أن نفسها لا يعلق بها ما يعلق بنفسه من السخط والبغض.
.. وتدخل عليها هيلانا وتتصافحان وتتصافيان وينساق بينهما الحديث فتؤكد هيلانا للفتاة أنها لم تتزوج أباها طمعا في شىء وإنما حباً فيه، فقد كانت تحبه كما يحب الإنسان عالماًُ من العلماء، وظنت أن هذا الحب كفيل بتوفير السعادة لها كزوجة له فخاب أملها. وهي تعترف بأنها ليست سعيدة، وتصرح لصونيا – رداً على سؤالها – إنها تود لوكان لها زوج شاب.. ثم تتحدثان عن الطبيب في إعجاب.. والظاهر أن الحديث أهاج عواطف هيلانا بحيث أحست رغبة للعزف على البيانو، ولكن زوجها لم يسمح لها بذلك فلم تفعل.
نحن في غرفة جمعت الخال فانيا وهيلانا وصونيا.. وهيلانا لاتني عن التذمر والشكوى، وصونيا تنصح لها بالعمل فهوالدواء الشافي للملل والضجر.. وتقول إن العطلة والملل معديان وإنهما فقد انتقلا منها إلى خالها وإليها وإلى الطبيب، وهنا يخرج فانيا ليقطف لها باقة من الزهور، وفي خلوة المرأة بالفتاة تعترف لها هذه بحبها للطبيب.. ما العمل؟ إنها تشك في مبادلته لها الحب، ولولا حرصها على تعلة أمل لحاولت معرفة الحقيقة.
وتقترح هيلانا عليها أن تحاول معرفة ما في صدر الرجل، فإن كان حباً لها كان بها، وإن كان جفافاً اضطرته إلى أن يعدل عن غشيان الدار بتاتاً، وتوافقها الفتاة بقلب خفاق، وتقصد هيلانا غلى الطبيب وهي تحمل هذه النية ولعلها تحمل معها عاطفة أخرى تغيها على التحدث إليه!.. وينكشف لها الأمر فإذا الطبيب لا يميل للفتاة.. فلما تقترح عليه العدول عن المجىء يرفض! ويفوه بتصريحات لعلها كانت تتوقعها جميعاً.. فهوالآخر يحبها ويريد منها أن تلتقي به في خلوة.. ولكنها ترد عليه رداً لم يدل على نفور وربما لم يدل على عدم ميل.. ويلح عليها، بينما الخال فانيا يقف بالباب يشاهد ويسمع، فإذا دخل غير الطبيب الحديث في اضطراب، وخرج لا يلوى على شىء!
وتستغيث هيلانا بفانيا وتلح عليه أن يحمل زوجها على الرحيل لأنها ما عادت تطيق جوهذا البيت ولكنه لا يأبه بها ويكتفي بأن يقول لها أنه شاهد وسمع.
ويدخل الأستاذ ومعه حماته القديمة "أم فينتسكى" ويعرض اقتراحاً ببيع البيت والأرض ويشتري بثمنهما "فيللا" في فنلندا، فيتصدى له الخال فانيا معترضاً ويثور عليه، ويتهمه بإفساد حياته أيام كان مخدوعاً في علمه، مثبتاً له، ويقرأ له ويعمل يومه من أجله... والآن ها هوذا يحاول طرده من البيت الذي كان له أكبر الفضل في وجوده، ويزداد هياجه فيحاول قتل الأستاذ... إلا أنه لحسن الحظ لم يفلح.. وبعد كل ذلك تصرخ هيلانا وتقول إنها تؤثر الموت على مثل هذه الحياة في هذا المكان.. فيزمع الأستاذ الرحيل.
يدخل الخال "فانيا مضطراً ويسرع خلفه الطبيب استروف، ونفهم مما يدور بينهما أن الخال اختلس منه بعضاً من المورفين ليقضي على حياته، والطبيب يقول له إذا أردت الموت فأمامك الغابات، فاقض على نفسك بما أنت قاض، ولكن رد إلى المورفين أولاً حتى لا أتهم في قتلك" والآخر يمانع في ذلك أشد الممانعة.. وهويحرق الأرم لأنه فشل في قتل الأستاذ ويتألم أشد الألم لأنهم لم يقدموه إلى المحاكمة اعتقاداً منهم في حماقته.
.. أيحسب هومن الحمقى ولا تحسب منهم تلك المرأة التي تتزوج من عجوز وتخونه مع طبيب؟ والطبيب يسمع كل ذلك ولكنه لا يحفل به فهوغارق في اليأس إلى قمة رأسه.. وعندما يهم بانذار الخال فانيا باستعمال القوة إذا لم يرد له المورفين تدخل صونيا ولا تلبث أن تفهم ما هنالك وتراع له، وكانت إلى ذلك مجروحة الفؤاد بعد أن علمت بانصراف قلب الطبيب عنها، إلا أنها بالرغم من ذلك كله تقبل على خالها تهدىء من خواطره وتلح عليه أن يرد للطبيب المورفين وتعزيه بأنها ليست أقل شقاء ولكنها أجلد وأشد صبراً.. أمامهما العمل.. وفي العمل عزاء وسلوى فإذا اقتنع ورد السم للرجل وسحبته من يده إلى أبيها لتصلح ما بينهما من الأمر.
وتدخل هيلانا على الطبيب وهو منفرد.. هي راحلة.. وينتهي كل شيء ويلحق بعالم الأحلام.. فقط توج ألا يذكرها بسوء وأن ينظر إَليها نظرة لا تعلوولا تسفل.. عن حقيقة أمرها.. ويحدثها هوعما بثته فيهم جميعاً من حب العطلة واليأس.. ولكن الوقت لا يتسع لذلك فهي راحلة، وهنا لا يتمالك أن يهوى على خدها بشفتيه.
.. ولم تمانع ولم تفكر في الممانعة، فرن ساعة الوداع كالنوم المغناطيسي تكشف الخبايا وتبطل الإرادة.. وهي تتلفت يمنة ويسرة.. ثم تمنحه قبلة.. ولومرة في العمر! انتهى كل شيىء! ها هوذا الأستاذ سيربرياكوف يصافح فانيا وقد تصافيا.. وها هوذا يغيب مع زوجة الجميلة.. ويخرج بعده الطبيب.. ويخلوالحديقة من أزهارها.. وتعود الفتاة وخالها إلى العمل.. إلا أنه لا يقاوم دمعة.. فتعزيه وتهون عليه وتقول له وهي تغالب ألما أشد من ألمه: سوف تستريح وسوف نصغى إلى الملائكة.. سنشاهد السماء كلها في بهاء.. وسنرى الشر والألم يغمرهما حنان يملأ الوجود وتمشى حياتنا هادئة ناعمة رغدة.. أني أؤمن بذلك يا خال. أني أومن بذلك.. أنك لم تذق لذة في حياتك، ولكن صبرا يا خال فانيا صبرا! فسوف نستريح.. سوف نستريح".
تـمـــــــــــت