عبدالرحمن الشاعر شاعر
الدولة : عدد الرسائل : 322 50 نقاط : 371 تاريخ التسجيل : 23/06/2011
| موضوع: نظرة على نظرة الإثنين يوليو 04, 2011 5:58 pm | |
| الإخوة الأعزاء إن السطور القادمة هي جزء من نظرتي على نظرة يوسف إدريس وهي نظرة ذاتية لا تحكمها قوانين ولا أسس . أضع في مقدمتها قصة نظرة لمن لا يعرفها متبوعة برؤيتي . قصة نظرة ليوسف إدريس كان غريبا ان تسأل طفلة صغيرة مثلها, إنسانا كبيرا مثلي لا تعرفه في بساطة وبراءة ان يعدل من وضع ما تحمله وكان ما تحمله معقدا حقا. ففوق رأسها تستقر "صينية بطاطس بالفرن" وفوق هذه الصينية الصغيرة يستوي حوض واسع من الصاج مفروش بالفطائر المخبوزة, وكان الحوض قد انزلق رغم قبضتها الدقيقة التي استماتت عليه حتى اصبح كل ما تحمله مهددا بالسقوط. ولم تطل دهشتي وانا احدق بالطفلة الصغيرة الحيرى وأسرعت لإنقاذ الحمل. وتلمست سبلا كثيرة وانا اسوي الصينية فيميل الحوض, وأعدل من وضع الحوض فتميل الصينية ثم أضبطهما معا فيميل رأسها هي, ولكنني نجحت اخيرا في تثبيت الحمل وزيادة في الأطمئنان نصحتها بأن تعود الى المخبز. ولست أدري ما دار في رأسها, فما كنت أرى لها رأسا وقد حجبه الحمل كل ما حدث انها مضت وهي تغمغم بكلام كثير لم تلتقط أذني منه الا كلمة "ستي". ولم أحول عيني عنها وهي تخترق الشارع العريض المزدحم بالسيارات ولا عن ثوبها القديم الواسع المهلهل الذي يشبه قطعة القماش التي ينظف بها الفرن أو حتى عن رجليها اللتين كانتا تطلان من ذيله الممزق كمسمارين رفيعين. وراقبتها في عجب وهي تنشب قدميها العاريتين كمخالب الكتكوت في الأرض وتهتز وهي تتحرك ثم تنظر هنا وهناك بالفتحات الصغيرة الداكنة السوداء في وجهها وتخطو خطوات ثابتة قليلة وقد تتمايل بعض الشيء ولكنها سرعان ما تستأنف المضي. وراقبتها طويلا حتى امتصتني كل دقيقية من حركاتها فقد كنت أتوقع في كل ثانية أن تحدث الكارثة ويسقط الحمل وأخيرا استطاعت الخادمة الطفلة أن تخترق الشارع العريض المزدحم في بطء كحكمة الكبار. واستأنفت سيرها على الجانب الآخر وقبل أن تختفي شاهدتها تتوقف ولا تتحرك فظننت وخيل الي أن هناك عربة قادمة لتدهسها. وكادت عربة تدهمني وأنا أسرع لإنقاذها وحين وصلت كان كل شيء على ما يرام, والحوض والصينية في أتم اعتدال. أما هي فكانت واقفة تتفرج ووجها المنكمش الأسمر يتابع كرة من المطاط يتقاذفها أطفال في مثل حجمها وهم يهللون ويصرخون ويضحكون وهي تتابعهم بنظرات حسرة وألم. ولم تلحظني ولم تتوقف كثيرا فمن جديد راحت مخالبها الدقيقة تمضي بها وقبل أن تنحرف استدارت على مهل واستدار الحمل معها وألقت على الكرة والأطفال نظرة طويلة ثم ابتلعتها الحارة.رؤيتي " لقد كان غريبا" هكذا بدأ يوسف إدريس هذه النظرة ، فالحدث فعلا غريب ، فطفلة صغيرة تسال إنسانا كبيرا ، وطفلة صغيرة تحمل حملا ثقيلا ، يقتلها الهزال من الجوع و تحمل أشهى أنواع الطعام . ولماذا تسأل إنسانا كبيرا ؟ هل لأن الحمل كبير ؟ ولماذا اختارت من لا تعرفه ؟ هل الموقف لم يترك لها فرصة للاختيار كما اعتادت في كل شئون حياتها ؟ هل هو ذلك الكبير الذي تنظره ولا تعرفه تنتظره ليعدل من وضعها فيما يسمى حياتها ؟ أم أنها اختارته لا تعرفه لأنها لو اختارت من تعرفه فربما أخبر سيدتها ؟ ويُفيق الكاتب ... ويعدل من وضع الحمل ، وما أشبه ما فعل بكلمات المواساة التي يسمعها الضعفاء ليصبروا فقط دون أن نحمل عنهم . ألا يذكرنا ذلك بـ " اللهم إني أحرّج حق الضعيفين اليتيم والمرأة " وهل هذه الطفلة إلا يتيمة ؟ وهل هي إلا أضعف صور المرأة ؟ ولكن ما عسى الرجل أن يفعل ؟ لقد تيقن أنه كبير ربما في السن وربما في الحجم ولكنها أكبر في أمور أخر ..... بقي له أن ينصح " نصحتها بأن تعود إلى المخبز " فتأتي الغمغمة أشبه بصوت حشرجة الموت تذكر اسم الجاني ليقتص منه . لم تلتقط أذنه إلا " ستي " إنه الحمل في صورته العارية المجردة . تلتقط أذنه كما التقطت عينه من قبل ، لقد أصبح الحمل ملء السمع والبصر ليفجَّر داخله " عُذّبت امرأة في هرة " ولكن الهرة هذه المرة تحمل وجه إنسان . " ستي " لقد واجهته بما لا حيلة له فيه ، وتركته ؛ فمهمته قد انتهت ، لم تودّعه ، ربما نسيت لتعجلها ، وربما تعمدت لأنها تحلم أن يستمر في مساعدتها . ويشيّعها ... فيرى ثوبها الواسع ، وما اتساعه إلا لأنها لا تملك ما يملؤه ، يرى ثوبها الذي يكشف حالها ؛ إنه ليس ثوبها ؛ الآن علم نصيبها مما تحمل - إن كان لها نصيب – نصيبها فقط ما تلقيه يد سيدتها كما ألقت من قبل لها ثوبها . ثم يقول " امتصتني كل دقيقة من حركاتها " لقد اتحد بها ؛ فتراه يتمايل معها ، أصبح يحملها هي وحملها . وعبرت الشارع المزدحم بالسيارات عبرته بحكمة الكبار فهل هذا لخبرتها في حمل الصيجان ؟ أم أن حياتها لا تستحق الحرص عليها ؟ أم أن الحمل يراقب خطواتها ؛ فموتها أهون من سقوطه؟ أما صاحبنا فقد كادت عربة تدهمه ، لقد أنسته الطفلة نفسه كما أنساها الحمل نفسها . ثم الطفلة " تتفرج " هكذا وضع الكاتب هذه الكلمة لتجمع بين المشاهدة والفرج أو التفريج عن النفس ، تلك النفس المتعبة ، إنها تسرق لحظات سعادتها . وتطيل النظر إلى الكرة ؛ وما أشبه حالها بين أسيادها بحال الكرة بين الأطفال ! تنظر إلى أطفال في مثل حجمها ، فلماذا لم يقل " في مثل سنها " ؟ ألأن مثلها لا يُعرف له سن ؟ لا يهم متى وجدت ، لا يهم متى تغيب ؟ أم لأن جسمها لا يدل على سنها ؟ وعلى عكس القصص التي في نهايتها تأتي لحظة التنوير فإن قصتنا تأتي في نهايتها لحظة الإظلام ......... إنها النظرة الأخيرة منه على الطفلة ، ومنها على الكرة والأطفال ، استدارت الطفلة ولكن الحمل مازال يراقبها ، فقد استدار معها...إذن ، فلابد أن تبتلعها الحارة .
| |
|
عادل عوض سند نائب المديرالعام
الدولة : عدد الرسائل : 19900 نقاط : 20417 تاريخ التسجيل : 07/01/2009 بطاقة الشخصية مرئى للجميع:
| موضوع: رد: نظرة على نظرة الأحد يوليو 10, 2011 9:02 am | |
| دراسه قيمه ورائعه اخى عبد الرحمن
وهى { نظره ثاقبه على نظره }
احييك على رؤيتك الجميله وتحليلك الراقى .
مودتى وتحيتى ... | |
|
عبدالرحمن الشاعر شاعر
الدولة : عدد الرسائل : 322 50 نقاط : 371 تاريخ التسجيل : 23/06/2011
| موضوع: رد: نظرة على نظرة الأحد يوليو 10, 2011 9:07 am | |
| - عادل عوض سند كتب:
-
دراسه قيمه ورائعه اخى عبد الرحمن
وهى { نظره ثاقبه على نظره }
احييك على رؤيتك الجميله وتحليلك الراقى .
مودتى وتحيتى ... والله يا أستاذ عادل إني لأعجز عن الرد على تشجيعك الدائم هذا برغم شعوري أنها نظرة قاصرة . على كلٍ جزاك الله خيرا . | |
|