الدم والمشمش

الإطار من المشمش الذهبى , الصورة فقر وعجز ومرض وقلة حيلة ,كل ذلك داخل جلباب أسود حاكته أصابع الزمن بلا شفقة.
امرأة ستينية أو أرادتها أصابع الزمن كذلك, داخل جلباب أسود لايخلو من علامات البؤس.
يتدلى من قبضتها كيس ضئيل يحمل بعض الحبيبات –ربما مشمش.
تقف بملامحها العتيقة البائسة ذات الوجه البائس والعينان التائهتان فى دروب الحياة الشاقة التى لم تعد تتحملها.
هى مشهد صامت بين أكوام من الحركة والعشوائية , لاتتمنى من الله سوى أتوبيس يحملها إلى هناك –أى هناك فطالما هى تملك حبيبات المشمش وذهبت إلى هناك , فيجب أن تحمد الله على هذه النعم الكثيرة.
أما أنا فأقف على يمينها ,أشاركها الانتظار, يفصلنى عنها بضعة أمتار .أنها حسابات القدر.
أتراجع قليلاً إلى الوراء, ليس لسبب ولكن لأكسر المشهد الصامت الذى التصقت به, أما ثالثنا فهو أتوبيس صامت أيضاً يقف بمحازاتى وتقف هذه السيدة خلفه, امتنع عن الركاب فامتنعنا عنه, خاوٍ ليس به إلا السائق, امتناعه عنا أتاح لى ظلاً أحتمى به من حراة الشمس الملتهبة.
وبينما أقف فى هذا الظل شارد الفكر , متعب , أرهقنى اليوم بمشاغله وحرارته, فجأة تحرك الظل من تحتى حاملاً أتوبيسه إلى يسارى ببطء ومازال يتحرك ولازلت شارد الذهن ,لاأهتم بما حولى حتى استوقفنى شئ غريب.
شئ ما تلتهمه إطارات السيارة, شئ أسود يدور بين الإطارات , ألقى بنظرى بعيداً إلى يسارى وقد اختفت السيدة البائسة ذات الجلباب الأسود .
أهيم بوجهى نحو السيارة وأضرب بقبضتى جدارها صارخاً نحو السائق:"توقف..توقف..توقف..", ويتجمهر الناس . فقد تأكدت أن هذا الشئ الأسود ماهو إلا جلباب السيدة البائسة , الحادث يفسر نفسه : فبينما تتراجع السيارة إلى الخلف , كانت هذه السيدة منشغلة بهموم الحياة ومآسيها, لاتفكر فى الغد فيكفيها أن تفكر فى هموم الأمس ومشاغل اليوم,
كانت من داخلها تعتصر ألماً وذلاً من الحياة , ورغم ذلك تراها مشهد صامت يحاول أن يقاوم غطرسة الزمن والحياة التى لاترحم ضعيفاً, لربما ارتدت قناع الصمت لتُخرس الحياه, لكن أى قناع يُخرس القدر !!
ولاتزال السيارة تتراجع , وذلك السائق لايعرف عن إطاراته سوى أنها تلبى أوامر القيادة , لم يأله جهداً فى أن ينظر خلفه, حتى اصطدمت السيارة بالسيدة البائسة ولم تستطع أن تستغيث أو تصرخ , فهى مثل الغريق كيف يشتكى من البحر وهو فى حضرة البحر !
وحتى توقفت السيارة كانت قد التهمتها بالكامل ووصلت إلى أحشاء السيارة.
اتسع التجمهر, حاول البعض انتشالها من بين الإطارات إلى الخارج , وكلما اقتربت رأسها الى الخارج ازداد قلبى اضطراباً وهلعاً.
حتى ظهرت رأسها , واكتملت الصورة , وتصورت أن قلبى قد توقف تماماً , فما رأيته صادم : قد برزتا عيناها إلى الخارج والدم يسيل من رأسها وجلفت نصف جبهتها , قد تلطخ وجهها بالكامل بالدماء.
وجهها لايبوح بأى حياة , ولايبوح بأى موت.
حملها البعض إلى السيارة لينقلوها إلى أقرب مستشفى , وتنطلق السيارة, وينفض التجمهر , ولايبقى سواى –مذهول مما رأيت, قد تجمهر من تجمهر وشاهد من شاهد وانفض من انفض , وقد انتهى الأمر , ليتنى أكون بهذه المرونة.
فقد أصبحت مثل هذا التمثال الشامخ الذى يقف أمامى لايستطيع الحركة , لكنه يبدو أفضل حالاً منى كثيراً , على الأقل هو مبتسم.


يالها من حياة شاقة وقدر صارم ,قسوتهما أطلت برأسها على هذه السيدة البائسة .
كم نحتاج إلى مصالحة القدر والحياة , كم إن الإنسان فى أشد الحاجة إليها ,, لكن فى النهاية هذا هو حال الحياة وهذه طبيعة القدر .
وحبيبات المشمش تلك تركت سيدتها وتناثرت واختلطت بالدماء , كم يبدو هذا المشهد مصالحة القدر مع الحياة , كم نحتاج إليها ..... إلى مصالحة الدم والمشمش.

أيتها الأقصوصة : لاتقلقى فلن تبقى هنا طويلا إن لم تجدى لك عشيقا .

الاستاذ المحترم/محمد الشواف
أهلاً بك زميلاً عزيزاً يشاركنا المتعة والهواية بمنتدى الشاعر الكبير /عاطف الجندى
قرأت قصتك التى صورت لنا مشهداً تأثرت به العاطفة فدفعك الشعور لأن تكتب لنا ما جادت به الذاكرة ،وهنا لابد أن يمتلك الكاتب خيالاً رحباً تطاوعه فيه اللغة بمفرداتها الغنية بالمعانى التى تستقيم معها الجملة الأدبية ليكون الأدب فناً يستشعره الذوق وتتأثر به العاطفة بإبداع الكاتب لتبقى الدهشة هى الأنطباع الأخير للقارىء ،والعاطفة هنا إيجابية كحس انسانى يرقى لشعور مرهف ،وهى أخطر ميزةفى الأدب، وفى بعض أنواع الأدب تكون الحاجة إليها أشد من أى عنصر آخر،وأما الخيال هنا فكان يحتاج إلى التكثيف والدقة لتكتمل الصورة فى عبارات موجزة ،فبدون الخيال يكون من المستحيل فى أغلب الأحيان أن تستثار العاطفة، وأما المعانى هى أساس كل نوع من أنواع الفن إلا الموسيقى وفى بعض أنواع الأدب يكون هذا العنصر أهم مافيه كالحكم ، وأما نظم الكلام وتأليفه فهو ليس غاية ولكنه وسيلة للتعبير عما لدينا من أفكار وآراء ولكن له من القوة مايجعله عنصراً قائماً بذاته .
قصدت بهذا التوضيح أن أوضح جوانب ومرتكزات العمل الأدبى حتى تكتمل أركانه بصورة ترقى لتكون قطعة فنية لها من الإبهار والدهشة أن تستحوذ على الشعور.
فى المجمل العمل جيد لقاص لديه الكثير ليقدمه لنا فى أبهى صورة .
تحياتى وتقديرى

وداد الهــــــــــــــوارى

حمدى البابلى كتب:

الاستاذ المحترم/محمد الشواف
أهلاً بك زميلاً عزيزاً يشاركنا المتعة والهواية بمنتدى الشاعر الكبير /عاطف الجندى
قرأت قصتك التى صورت لنا مشهداً تأثرت به العاطفة فدفعك الشعور لأن تكتب لنا ما جادت به الذاكرة ،وهنا لابد أن يمتلك الكاتب خيالاً رحباً تطاوعه فيه اللغة بمفرداتها الغنية بالمعانى التى تستقيم معها الجملة الأدبية ليكون الأدب فناً يستشعره الذوق وتتأثر به العاطفة بإبداع الكاتب لتبقى الدهشة هى الأنطباع الأخير للقارىء ،والعاطفة هنا إيجابية كحس انسانى يرقى لشعور مرهف ،وهى أخطر ميزةفى الأدب، وفى بعض أنواع الأدب تكون الحاجة إليها أشد من أى عنصر آخر،وأما الخيال هنا فكان يحتاج إلى التكثيف والدقة لتكتمل الصورة فى عبارات موجزة ،فبدون الخيال يكون من المستحيل فى أغلب الأحيان أن تستثار العاطفة، وأما المعانى هى أساس كل نوع من أنواع الفن إلا الموسيقى وفى بعض أنواع الأدب يكون هذا العنصر أهم مافيه كالحكم ، وأما نظم الكلام وتأليفه فهو ليس غاية ولكنه وسيلة للتعبير عما لدينا من أفكار وآراء ولكن له من القوة مايجعله عنصراً قائماً بذاته .
قصدت بهذا التوضيح أن أوضح جوانب ومرتكزات العمل الأدبى حتى تكتمل أركانه بصورة ترقى لتكون قطعة فنية لها من الإبهار والدهشة أن تستحوذ على الشعور.
فى المجمل العمل جيد لقاص لديه الكثير ليقدمه لنا فى أبهى صورة .
تحياتى وتقديرى

اشكرك جدا استاذ حمدى البابلى على ماقدمته من نقد ونصائح .
لربما لم استخدم الخيال الفياض كما ذكرت لأن هذه الأقصوصة حقيقية مائة بالمائة . رأيتها وحضرتها بأم عينى , وقد اثرت فى بكل مآسيها لأيام وعكفت على هذه الأقصوصة لسرد ماأثر فى فقد كان المشهد - حقا- اصعب من الخيال .
أما بخصوص المعانى ,, فأنا لست اديبا متمرسا , فلم اولى للادب اهتماما الا منذ فترة قريبة ( من بعد الثورة تقريبا ) هذا بالاضافة الى عمرى ( عشرون عاما) مازال الطريق طويلا.
كما ان طبيعة دراستى لاتتيح لى خيالا واسعا بل تعتمد فقط على الحقائق المجردة ( فأنا طالب بكلية الهندسة) ومن المعروف ان اغلب الادباء هم اطباء لرحب دراستها بالخيال .

وداد الهوارى كتب:

وجهها لايبوح بأى حياة , ولايبوح بأى موت.

الأخ الأديب / محمد الشواف

تلك اللقطة ( الجملة ) إختصرت فيها كل ما تعنيه عيون

الكاميرا الفنانة التى صورت المشهد الحزين .

فتلك المرأة لم تعش قبل أن تموت ( أبدعت )
ربما كانت تلك المرأة تمثل الكثيرات وتوحى بكل بؤسها

وأنهزامها أمام مرارة العيش إلى ما نعانيه ويدفع الكثيرين

منا حياتهم ثمنا لما لا ثمن له فقط مجرد محاولة للعيش


لن أقول أننى عشقت الأقصوصة التى أدمت قلبى .

ولكننى عشقت عيون الكاميرا المرهفة الحِس.

دمت مبدعاً

وداد الهــــــــــــــوارى

استاذة/وداد الهوارى , شكرا جزيلا لكى على كلماتك الرقيقة
فأنا اكون فى غاية السعادة عندما يشعر قارئى بما أشعر به .
تحياتى لكى سيدتى ,,,,,

عزيزى المهندس والقاص الواعد/محمد الشواف
سعيد بك للغاية لانك ذكرتنى بما مضى ، فقد كنت فى مثل عمرك وبنفس تخصصك طالباً بكلية الهندسة جامعة حلوان ، وكتبت مذكراتى اليومية كعادة معظم الشباب فى تلك الحقبة من الزمن ، وهذا لاينتقص من قدرتك على التخيل والابداع ، فالهندسة الوصفية التى درستها فى عامك الاول ماهى إلا القدرة على التخيل والوصف الامثل للمطلوب ،وأنت تمتلك حاسة تصوير اللقطة الفنية بعدسة فنان ، فالدنيا من حولنا تعج بألوان وأجناس شتى من البشر ، لكن من منهم الذى تستوقفه اللقطة ليعبر عنها ،فلو لم تمتلك الكلمات المناسبة والمعانى التى تخدم الوصف ماكانت أقصوصتك ،وكما قلت فمازال أمامك المتسع من الوقت بعمر الزمن لتنجز لنا ابداعات شتى سنتوقف امامها بتأثير العاطفة .
لاتجعل قلمك يشعر بالراحة ، إجعله معك يشاركك الافكار ، وداوم على قراءة مايستهويك من أدب ، فلديك كما قلت الكثير لتقدمه لنا فى أبهى صورة.
تحياتى وتقديرى

حمدى البابلى كتب:

عزيزى المهندس والقاص الواعد/محمد الشواف
سعيد بك للغاية لانك ذكرتنى بما مضى ، فقد كنت فى مثل عمرك وبنفس تخصصك طالباً بكلية الهندسة جامعة حلوان ، وكتبت مذكراتى اليومية كعادة معظم الشباب فى تلك الحقبة من الزمن ، وهذا لاينتقص من قدرتك على التخيل والابداع ، فالهندسة الوصفية التى درستها فى عامك الاول ماهى إلا القدرة على التخيل والوصف الامثل للمطلوب ،وأنت تمتلك حاسة تصوير اللقطة الفنية بعدسة فنان ، فالدنيا من حولنا تعج بألوان وأجناس شتى من البشر ، لكن من منهم الذى تستوقفه اللقطة ليعبر عنها ،فلو لم تمتلك الكلمات المناسبة والمعانى التى تخدم الوصف ماكانت أقصوصتك ،وكما قلت فمازال أمامك المتسع من الوقت بعمر الزمن لتنجز لنا ابداعات شتى سنتوقف امامها بتأثير العاطفة .
لاتجعل قلمك يشعر بالراحة ، إجعله معك يشاركك الافكار ، وداوم على قراءة مايستهويك من أدب ، فلديك كما قلت الكثير لتقدمه لنا فى أبهى صورة.
تحياتى وتقديرى

نعم استاذ حمدى , صحيح فالهندسة الوصفية (الإسقاط) فيها من الخيال الواسع الكثير ,
لكن مادة الرسم كانت تعتمد ايضا على الخيال الواسع , ومن حسن حظى انى متفوق فى الرسم - فهى من امتع المواد عندنا .
ومن دواعى سرورى وتفاؤلى ان حضرتك مهندس .

أخى محمد
تحية لنبضك الجميل
سعيد بوجودك فى بيتك و منتداك
تقبل ود أخيك

عاطف الجندى كتب:

أخى محمد
تحية لنبضك الجميل
سعيد بوجودك فى بيتك و منتداك
تقبل ود أخيك

شكرا جزيلا استاذ عاطف , تشرفت جدا بمرورك
وانا فعلا لقيت نفسى هنا , مع أدباء متمرسين أتعلم منهم واستفيد من خبراتهم .

مؤثره كثيراً
باركك المولى أخي