إهداء إلى ..... ....
الأدب من الفنون التي تكشف عن صورة الأخر الذي يكمن في الداخل و الخارج و كيف يتبدى في صور عديدة من خلال العلاقة التي يقيمها الاديب بين مكونات عمله الفني، و حين تتخذ الذات من نفسها موضوعا للتامل و التفكير فإن الأخر يكون في صميم الذات و يعبر عن الشرح الداخلى و الأخر له حضور في صميم العملية الأبداعية ذلك أن الأديب يتوجه في خطابه إلى أخر هو المتلقي أو القارىء فلا يوجد إبداع يمارس من فراغ فكل مبدع يتمثل متلق بشكل ما في مستوى ما من وعيه و لكنا نقابل أحيانا بعض انواع النصوص الإبداعية التي تتعالى على المتلقي و مالم يثبت بالنقد و الزمن أن هذا المبدع كان يخاطب متلقيا ما حتى لو لم يوجد بعد فإن الإستعلاء قد يصل إلى درجة يؤخذ عليها المبدع بشكل أو بإخر و يكون الإبداع أخلاقيا بقدر ما يكون ملتزما بخطاب أخر يتوجه إليه مهما كان بعيدا إو نادرا أو غريبا ، إن مخاطبة الأخر في الإبداع خاصة ليس خطبة وعظ أو دليل أو إرشاد بل أن هذا و ذاك يُفقد الإبداع قيمته و عمقه و جماله فالمتلقي ليس إنسانا مسطحا سلبيا و لهذا فإن خطاب الإبداع يخاطب مستويات المتلقي
المتعددة بدرجة من الموضوعية و تعدد القوات بحيث يصبح وجود الأخر بهذ التكثيف و تعدد المستوويات دليلا على حضور الاس في وع المبدع طوال الوقت .
و على ذلك نقسم الموضوع غلى النقاط الأتية تناولها على التوالي :
أولا : أهمية الرمز في كتابة العمل الإبداعي .
ثانيا : أهمية إستخدام الرمز في القصة القصيرة .
ثالثا : الرمز في القصة القصيرة و الرواية .
رابعا : كيفية إختيار الرموز لصياغة صورة إبداعية ناجحة .
خامسا : أثر الرمزية في الأعمال الإبداعية .
أولا : أهمية الرمز في العمل الإبداعي :
قديما إتسمت الأعمال الإبدعية بالوضوح التام و المباشرة و ذلك يرجع إلى الثورة الفكرية التي كانت موجودة في ذلك الحين و التي تإثرت إلى حد ما بالثقافة الغربية تلك الأخيرة التي إعتمد بعض كتابها على إيصال المعلومة
كما هى في الواقع و تقديم المشكلة دون أي غموض هذا اولاً .
الأمر الثاني أنه نتج عن ترجمة الأعمال الإبداعية دون حرص المترجم على توصيل الصورة كما هي أدى إلى رسوخ الصور الإبداعية بضعفها في وجدان المتلقي و تداولها الكتاب على نفس الغرار مما نتج عن إستخدامها كقاعدة عامة مسلمة بصحتها تجريم كل من يحاول الخروج من تلك الدائرة و أدى ذلك إلى ظهورعدد من المدارس التي تتناول العمل الإبدعي، تتناقد في بعض جوانب مناقشها للفن المناقش و كيفية تناوله و قواعده و تتفق في البعض الأخر .
و عبر تعاقب العصور و مع الأنفتاح الثقافي بين الدول و ظهور العولمة و الثورة التكنولوجية التي نمت من تفكير المتلقي و التي ذهبت به بالتفكير إلى أبعد مما كان يتصور قبل ذلك و أثبت أن العقل البشرى المتمثل في المتلقي للعمل الإبداعي يحتاج إلى الإشراك في المشكلة التي يقوم المبدع بناقشتها من خلال عمله الإبداعي و لم يصبح الدور السلبي الذي كان يلعبه المتلقي فيما سبق مرغوبا فيه و اصبحت الكتابات الرمزية تلقى إنتشارا أوسع و شعبية أكبر من الكتابات المباشر ة .
و هذا لا يعني أن الكتابات المباشرة فقدت قاعدتها الرسخة منذ القدم و إنما مازال لها من الجمهور الكثير و نجد ذلك في بعض كتابات الأطفال و المقالات و بعض القصائد .
ثانيا : أهمية إستخدام الرمز في القصة القصيرة .
و لن نذهب بعيدا بالنسبة للقصة القصيرة فهى لا تعدو أن تكون جزء من الفن الإبداعى الذي يتعدد صوره و لكل متلقي صورته التي يفضل تناول المشكلة عن طريقها .
لكن نظرا لأن القصة القصيرة لها مفهوم خاصة و دقيق يختلف عن الرواية و غيرها من الكتابات المتسلسلة الأحداث أضفى عليها طابع خاص في تناولها للمشكلة و أصبح كاتب القصة القصيرة و كأنه جراح يتعامل مع حالة حرجة دقيقة يتطلب فيها تركيز شديد حتى لا تؤثر على حياة المريض الذي يجرى له الجراحة .
لذلك كان مبدع القصة القصيرة يتعامل مع المشكلة التي سيقوم بتناولها - نظرا لما قد سبق و أن أشرنا إليه من ثورة تكنولوجية و فكرية - هو في الأصل يتعامل مع ذكاء إبداعي متفاوت من متلقى لأخر و اصبح يمثل عبء
كبيرا عليه جعل عمله الإبداعي يحوز إعجاب الجميع على مختلف الأذواق و العقليات ، و أصبح من المهم _ كما سبق بيانه - إرضاء كافة المستويات الثقافية .
الأمر الذي جعله و كأنه يتعامل مع قنبلة أوشكت على الإنفجار يحاول إبطال مفعولها .
و يثبت الأنتشار الفكري و الثقافي الواضح في هذه الأيام ان الرمزية – لاسيما – في القصة القصيرة هي الأقدر في التعامل مع المشاكل المتشعبة و المتفرعة التي يصعب الإلمام بها إذا ما لجائنا إلى الطريق المباشر في تناولها إذ بات ذلك مشكلة في حد ذاته و جعل المبدع يتاول مشكلته على أجزاء .
الأمر الأخر الذي نود الإشارة إليه أن الرمزية هي أفضل السبل التي عن طريقها يمكن التعامل مع العقلية الشديدة التعقيد و الدهاء و هو الإنسان في البلوغ إلى المستوى المرضي له لنجاح العمل الإبداعي .
أضف إلى ذلك – كما سبق الإشارة – أهمية وصول الناتج الأدبي لجميع الأذواق .
ثالثا : الرمز في القصة القصيرة و الرواية .
و الأمر الذي يجب الوقوف و التنبيه عليه أن هناك فارق كبير إذا ما قارنا بين الرمز في القصة القصيرة و الرمز في الرواية و هذا يتضح إذا ضربنا المثل الأتي :
مثال : إذا ما وددنا تصوير التقدم السني لبطل القصة فسيكون
- في القصة يمكن إعطاء أكثر من معنى ( إرتسم على وجهه علامات الزمن و صراعه معه فإنكمش ، حدث لوجهه ما يحدث للمموميات ، البقع البنية تنتشر على بشرته القاحلة ، و الشيب الذي أصبح يأخذ مكانه على رأسه ، أصبح فستان الصبية لا يجد القالب الذي يسمح له بالدخول…. الخ من الأمثلة .
و لكننا إذا ما تناولنا نفس المثل في الرواية فتجد الراوي يوضح ذلك دون الإلتفات إلى الكم اللغوي ( وكبر فلان تبدلت الأشياء من حوله ، و تمر الأيام و يشب فلان … و هكذا
من ذلك نقول أن المبدع في القصة يكون داخل حيز او إطار معين منالتفاصيل و الأحداث لا يجوز له الإنحراف أو الخروج منها و إلا حاد عن مفهوم القصة القصيرة ، و على العكس تماما من المبدع عند تناوله للرواية فيكون أمامه وفر من التفاصيل و الأحداث يمكن النهل منه و يرحب به كثير من الكتاب في الكتابة العربية .
و لكننا نرى من خلال الكتابات الأخيرة وجود بعض كتاب الرواية الذين نجحوا في إستخدام الرمزية في كتابتهم و البعد عن السرد الواسع الذي يشعر معه القارىء بالمل و هذا إتجاه الأدبي أصبح له جمهوره الخاص .
رابعا : كيفية إختيار الرموز لصياغة صورة إبداعية ناجحة .
مما سبق بيانه من أن المبدع في القصة القصيرة يتعامل في إطار ضيق و دقيق في إستخدامه للكلمات و الألفاظ ، و أصبح يقع على عاتقه إستخدام أفضل المعان في التعبير عن الأشياء و التي تعبر بدورها عن صلب المشكلة و تعبر أخيرا عن مجمل المشكلة التي يتعرض لها المبدع في نصه الأدبى .
لذلك بات من الأهمية بمكان إلمام كاتب القصة القصيرة بالعديد من الصور الإبداعية و أصبح مهما بالنسبة له تناول الأشياء بمنظور مختلف و تذوقه
بمعنى خاص يجعله في مكانة قوية عند تناوله مشكلة ما من خلال القصة
القصيرة الأمر الذي أصبح معه جديرا بالمبدع الإطلاع على مختلف الثقافات و الوقوف على إختلاف المعاني اللفظية للجمل و العبارات و التي تتيح له فرص التعبير عن مشكلته بالقليل دون التعرض لتفاصيل فكاتب القصة القصيرة لابد له أن يتفهم الفارق في المعنى بين يمتطي و يركب و الفرق بين ينزل و يهبط و الفرق بين سيارة و عربة و الفرق بين علم و راية و الموضع الخاص لكل كلمة و مكانها الصحيح ليصل بذلك إلى أفضل موضوع قصصي .
خامسا : أثر الرمزية في الأعمال الإبداعية .
كما شبق الإشارة أصبح من غير لمقبول جعل دور المتلقى سلبيا طوال الوقت و بات من الضروري التأكيد على الدور الإيجابى الذي يجب أن يلعبه المتلقي في القصة القصيرة و أصبح من الضرري أيضا إشراكه في المشكلة التي يقوم المبدع بمناقشتها و هو الأمر الذي نتج عن الإنتشار الثقافي ، و تفتح الأمم و تطلعها و إمكانها الوصول و وضع يدها على لب المشكلة و كشف
مراد الكاتب بسهولة مما يهدد المستقبل الأدبي للمبدع في إستمراره على
الساحة الأدبية بعد فقد المتلقي الثقة في العمل التي يقدمها الاول دون مراعاة القدرات الذهنية المتفاوتة من فرد لأخر .