البعد السياسى واستشراف الأحداث فى قصص " أحمـد عبده جلـبى"

البعد السياسى واستشراف الأحداث فى قصص " أحمـد عبده جلـبى"

************************

وكأن القاص أحمد عبده جلبى كان يستشرف الأحداث فى المجموعة القصصية "ثلاثة أدباء وثلاثون قصة " الصادرة فى 2007

عن دار النيل وعددها ثلاثون قصة قصيرة فى أول تجربة مشتركة لثلاثة أدباء لوضع الاتجاهات والتيارات السردية المختلفة فى بوتقة

واحدة استهلها القاص أحمد عبده جلبى الذى يسير بخطى هادفة وموضوعية فى الحوار والرمز والقصة بالقصص ذات البعد

السياسى وعددهم عشرة قصة قصيرة .

فى تلك المجموعة القصصية نجد ماهو اسقاطى بحت كما فى قصة " فرقة المزرعة الموسيقية "حيث يقوم أحمد جلبى باستدعاء

قصة تشارلز ديكنز الشهيرة حيوانات المزرعة Animal Farm ألا أن قصة جلبى تنحى منحى آخر يختلف فى المضمون والاتجاه

عن القصة الأولى لديكنز ففى مزرعة جلبى تنقلب المزرعة على رؤوس حيواناتها بعد أن تسببوا فى إحداث الفُرقة والخيانة فيما بينهم

وخداع بعضهم البعض والتطلع إلى السلطة واستغلال خيرات المزرعة لتحقيق مآربهم الخاصة وتنمية ثرواتهم مما أدى إلى نهاية

الجميع وهلاكهم.

ليبدأ جلبى قصته الثانية تحت عنوان " عملية بدر " بجملة فى غاية الذكاء حيث يقول : " كان الوقت قد أذن بميلاد الفجر ، وتقلب

النور رويدا رويدا فى عباءة الليل وانطلقت من لحظة السكون كلمات الله أكبر ..الله أكبر ." أليس هذا منتهى الاستشراف لأحداث

الخامس والعشرون من يناير ؟! وكأن أحمد كان يتنبأ أو يستقرأ أو يستشعر بحسه القصصى ووعيه السياسى ورؤيته البعيدة المدى ما

كان وراء الغمام ؟!

وتمضى القصة على نهج يكاد يكون مشابهاً إلى حد ما لسيناريو الخامس والعشرون من يناير حيث يضع المعلم مقاليد الأمور بيد

تلاميذه بالصف الثالث الإعدادى ليتولوا بأنفسهم إدارة المدرسة و شئونهم الخاصة وشئون باقى الطلبة بالصفوف الأعدادية الأخرى

وتدار المدرسة إدارة غاية فى الرقى والانتماء لتنتهى القصة بنجاح الطلاب نجاحا باهرا وحصول المدرسة على جوائز عديدة .

ويقول الراوى على لسان المُعلم : "وفى ومضة رجع به الزمن إلى أول أيام العبور عام 1973 حين سمع عبد الغفار لأول مرة وهو

يؤذن الله اكبر .. وقتها كان الجنود على الشاطىء الشرقى للقناة وقد قهروا خط بارليف لتوهم "..

ويخرج القاص أحمد جلبى من مدرسته الإعدادية التى نجحت فيها الإدارة والإرادة الشعبية والحكم الذاتى ليدخل الجيش فى قصة

أخرى بعنوان " ذلك المعسكر الآخر " حيث يقاتل الجنود ببسالة حتى الرمق الأخير فلا يتبقى سوى جنديان بعد أن فنت الكتيبة من

جراء قصف الأعداء . ومع هذا الدمار وغياب الطعام والشراب يميل جندى على الآخر قائلا .. " لا أحد من رجال الليلة السابقة قد

عاد .. فيقول له الجندى المتبقى .. سنقاتل اليوم .. سنقاتل ليوم آخر ".

ومن خلال الرمز يدخل أحمد جلبى فى سباق من نوع جديد ألا وهو "سباق الثعالب " الذى يمثل عنوان قصته حيث يقول جلبى .. " جاء

يوم السباق الكبير واصطفت مئات الثعالب فى انتظار الثعلب العجوز الذى حضر مع أفراد من مساعديه وبعد أن حيا الجميع نظر إلى

العدد الكبير من الثعالب المتنافسين على السلطة وقال : ليعلم الجميع أن الزعامة ليست سلطة بقدر ما هى مسئولية ثم يلتفت إلى الثعلب

الأسود قائلا : وأنت يا بنى أفتح قفصك الحديدى بمفتاحك واجلس بداخله فهكذا تكون اتممت السباق ".

ويتحول أحمد جلبى إلى " مقاتل على جبهة الخوف " فى قصته قبل الأخيرة حيث يحث البطل من مدينة نابلس زوجته وأولاده على

استكمال المسيرة بعد أن يذهب للتضحية بروحه فى سبيل الوطن مسجلا إسمه فى قائمة الشهداء ويعبر القاص أحمد جلبى عن هذا

الحدث الجلل بحكمة بالغة التاثير والعمق حيث يقول على لسان بطله .." نعم عند الثلاثين عادة يتوقف العمر .. واحد ..إثنان ..ثلاثة ..

خمسة عشر ..عشرين .. خمسة وعشرون .. ثلاثين .."

وكأن أحمد عبده جلبى كانت تتلبسه روح غائبة حاضرة لأحداث الخامس والعشرون من يناير التى كان ابطالها شبابا تتوقف

أعمارهم عند الثلاثين !!!

وينهى القاص الواعى قصصه العشرة المتصارعة الأحداث بالحصول على الحرية فى " الحصان وسائق العربة " فيمثل الحرية

بالحصان الجامح الذى يثور على من يكبله بالقيود ويضربه بالسوط ، يثور على جلاده فى لحظة فارقة تمرد فيها الحصان على

السائق والعربة وانطلق حراً ليقول الراوى فى لغة عالية .. " وتحرر منها ومن أحزمة السائق التى تكبله وانطلق إلى الغابة ..

والسائق يقف مذهولاً يصيح .. عد إلى هنا .. عد أيها المتمرد .. غير أن الحصان لم يعبأ بصراخه وانتهى إلى حيث الزهور البنفسجية

اليانعة سامعاً صوت طائر يهمس برفق " أنت حر .. تمتع منذ الآن بالحرية فكل دقيقة بكل أيام حياتك السابقة واحذر فالغابة بها أيضا

وحوشها" .

عشرة قصص تتلون بلون الأحداث وتربط الماضى القريب بالحاضر بالمستقبل فى مهارة عالية للقاص الشاب أحمد عبده جلبى

الصاعد بقوة إلى عالم القصة القصيرة ذات البعد السياسى وإن بدت فى مظهرها الخارجى قصة اجتماعية إلا أنك بمجرد أن تنزع

قشرتها تبدو لك روح لمحارب شجاع أوبطل متمرد أوفارس مغوار .. فانطلق يا أحمد فالأبواب مشرعة الآن .

[right]

الرائعة ندى
شكرا لنقدك الجميل
و روح نقدية جميلة
وجدتها هنا لديك
خالص ودي

عاطف الجندى كتب:: الرائعة ندى
شكرا لنقدك الجميل
و روح نقدية جميلة
وجدتها هنا لديك
خالص ودي

****
شكرا لك أيها الراقى الرائع الشاعر الجميل
عاطف الجندى
والروح النقية الجميلة التى وجدتها فى نقدى لا تقل جمالا ونقاءا عن روحكم الكريمة
دمت بود Very Happy

» الى اين يتجة السودان بعد قرار المحكمة السياسى
» الآم رهيبـــة ..!! فاطمة أحمـد
» غيبــوبة حـب ..!! قصة قصيرة .. فاطمة أحمـد
» الزنا السياسى يغتصب الإعلام المصرى بقلم الصحفى حازم مهنى
» خلاف حول التأويل وليس التنزيل ( الاسلاميون .. والحل السياسى