شؤون وشجون
يبثها :
محمد خضر الشريف
يعني إيه ملكة جمال يابابا ؟!
ولدي الصغير يعيش مرحلة تعلم القراءة, وبالمعنى الدارج "دوبه يفك الخط",وقد دوشني بقراءة الإعلانات واللوحات المعلقة فى الشارع ذهابا وإيابا من وإلى مدرسته, وانتقلت العدوى إلى المجلات والصحف ,وقد وقع تحت نظره جملة"ملكة جمال الكون",فسألنى :يعنى إيه ملكة جمال يابابا؟!
السؤال أصابنى بالحيرة والربكة,لكن حمدت الله تعالى أنه كان أخف من سؤال تلك الصغيرة لأبيها,وهى تسمع إعلانا تليفزيونيا عن " التبس" فقالت له :يعنى إيه تبس يابابا؟ والتبس -لمن لم يعرف -أحد وسائل منع الحمل يستخدمه الرجال..ولك أن تتخيل صعوبة وإحراج السؤال والموقف الذي وضع فيه الأب,والبركة في القائمين على حملات منع الحمل وتسهيل استخدام هذه الموانع ,ليس لنسائنا المسلمات فقط,إنما للرجال أيضا!!
وهذا وذاك أخف بكثير من من موقف الرجل الذي كان يشاهد مسلسلا تليفزيونيا متبرجا,بصحبة زوجته وابنته الصغيرة,وكان المشهد يصور زوجا يطرق باب بيته فجأة,فارتبكت الزوجة بالداخل وماتت من الفزع والخوف ,وهى تسائل من معها :"فين أخفيك"؟!وبكل عفوية وبراءة الصغار قالت الصغيرة التي تتفرج مع أبيها وأمها :"أخفيه في الدولاب"
وكانت الكلمة القاضية للأب المسكين ,الذي ثار الدم في عروقه,وأرعد وأزبد,وقام لا شعوريا فرفع التليفزيون بيديه,وهوى به على الأرض ,فأحاله إلى رماد تذروه الرياح,وهو يقول: الله يلعن هذه المصيبة التي ستربي أولادي على عدم التفريق بين الحلال والحرام , أوبين الجائز والممنوع,وتجعلهم يفكرون ويدبرون للحيلة فى مشهد يحض على الرذيلة والفساد..
نرجع إلى سؤالنا الصغير"أيمن" عن "ملكة الجمال"..فقد توقفت كثيرا ,وقلت بماذا أرد عليه؟الخجل يمنعنى أن أصب فى أذنيه هذا الهراء القذر,وسألت نفسي :هل أقول له إن معنى هذا أن ترشح مجموعة من الفتيات الجميلات ليقفن أمام لجنة من الرجال الأجانب,ينهشون لحمها بأعينهم وأحاسيسهم ومشاعرهم,وربما بشهواتهم ,ليدققوا ويحسسوا حتى يتمكنوا من وضع المقاييس اللازمة للمرشحات, وملاءمة المرشحات لهذه المقاييس الشيطانية؟!
هل أقول له:إن من "بروتوكولات "هذه الاختبارات أن تتكشف القناة عارية أو شبه عارية ,فتختبر في بسمتها وضحكتها ومشيتها وطولها وعرضها وطول ساقيها وسمك رجليها وكتفيها ودقة خصرها ,وسواد أو زرقة أو خضرة عينيها,وأشياء أخرى يعف القلم عن ذكرها؟؟!
هل أقول له:إن هذا من البدع التي ابتكرها مجرمو هذا العصر ,حتى صار حديث الملكات حديث المجلات والصحف,وليت الأمر اقتصر على مجلات وصحف الغرب إذن لهان الأمر,لكن المشكل الأكبر أن العدوى انتقلت إلى صحف ومجلات المسلمين ,ولم يكن عجيبا أو غريبا أن تطالع بين الفينة والأخرى صورة لإحدى هاتيك الملكات على أعمدة طوال منشور علي صدرها الصور المعراة,وعليها التعليقات الكبار الطوال تمدح وتشيد بهذا الصنف من البشر,ولسان حالها يقول كما قال نسوة يوسف: {ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم}..
لقد أثارني سؤال صغيري هذا,ورجعت إلى الوراء ,فوجدتني أتتبع على مدار عدة أسابيع طويلة صحيفة ما ,فوجدت فيها بندا لا يكاد يتغير وفى موضع بارز جدا يحكي لنا قصة الشخصية المتبرجة ,ومدى أفق جمالها الأخاذ,وألوان "فساتينها" الزاهية البراقة ,وكأننا أمام معرض أزياء..وقد حشرج في صدري هذا السؤال :هذه المساحات الشاسعة أليس الأولى بها هؤلاء المسلمون الذين يتوقون إلى سماع أخبار المشردين والمنكوبين في مشارق الأرض ومغاربها؟؟
ومن أعجب ماقرأت ,هذه الملكة الخرساء ,فقد رشحوها في بلدها أمريكا وفازت, وكان فوزها حديث البشر من الأمريكيين وغير الأمريكيين,ولأنها معوقة فقد كان فوزها ملفتا للنظر ,حتى إن الرئيس"كلينتون"هاتفها وحياها وهنأها على الفوز المبين ,وهنأ والدها أيضا,وإن كان فى قرارة نفسه كان يتمنى أن تفوز فتاة أخرى ,لان أباها صديق شخصي له!!
كما أن صحفنا التي تنتمى إلى بلدان إسلامية " وجعت دماغنا"بالحسناء الهندية وحكاية فوزها,حتى كأنها أتت بما لم يأت به الأوائل!!
ومن اغرب ما قرأت أيضا مسابقة عن أجمل العيون,ومقرها فرنسا ,وقد تقدمت بكل فخر واعتزاز امرأة من أصل شرقى تقيم في فرنسا,وهى تؤكد للناس أنها الفائزة ,لأن الدم الشرقي يجرى فى عروقها ,وهى تعتبر أن انتصارها انتصار لهذا الدم الشرقي أو العربي!!
وأنا أقولها نيابة عن الدم الشرقي والعربي: إن هذه الدماء بريئة منك ومن امثالك اللاتى يسئن إلى هذه الدماء الطاهرة أو التي بها بقية من طهارة ,فوفري على نفسك ووقتك ,واحفظي ماء عينيك من وعثاء هذه المسابقات, التي لن تنصر دماءنا أو تجدد ما تحمل عروقنا من دماء..
هل أقول لابني:ألا لعنة الله على هذا الصحفى الفرنسى"موريس دى واليف" الذي ابتدع هذه البدعة الشيطانية,فأظهر فكرة اختيار ملكات الجمال وتحمس لها بقلمه غير الشريف حتى أثبتها وأذاعها فى بلده,وجعلها بدعة سيئة ,يتحمل وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ؟
أم اقول له:على أمريكا الوزر الأكبر,لأنها هى التي تحمست للفكرة الشيطانية,ونقلتها "نقل مسطرة" من فرنسا ,وعملت لها التهاويل حتى ذاعت الفاحشة فى أرجاء ولاياتها المتعددة, ومن هناك إلى أرجاء الغرب والشرق والعالم كله.
لكن ياولدي ,انا لن ألوم هذا ولا ذاك ,فهؤلاء قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا,وليس لهم في الآخرة من خلاق,أما إن كنت لائما أحدا فإنني ألوم شعوبنا الإسلامية وبلداننا التى تؤمن بالله تعالى ,وتدعي أنها تتمسك بهويتها الإسلامية وتراثها الاسلامى وعقيدتها وهويتها وقوميتها, ثم بعد ذلك تجدها شعوبا إمعة تحسن إذا أحسن الناس ,وتسيء إذا أساء الناس ,وهي قاعدة معكوسة, لأن النبي-صلى الله عليه وسلم-حذرنا من هذا المعنى المعكوس ,وأبان لنا الصحيح فقال:"..ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم"
أنا ألوم يا ولدى بني جلدتنا,لأنهم تتبعوا سنن من كان قبلنا وسنن من عاصرنا ومن جاء بعدنا,حتى إننا قلدناهم في كل شىء,شبرا بشبر وذراعا بذراع وباعا بباع, ولم يبق إلا ماحذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم:حتى إنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه".
وأظن أن ما حذر منه رسول الله- صلى الله عليه وسلم -قد وقع وصرنا نراه رأى العين,فدخلنا جحورهم ,وانتهج بعضنا -إن لم يكن أكثرنا-سننهم وطرائقهم ومناهجهم في كل شيء,حتى سمعنا ممن يدعون الريادة الفكرية والأدبية في عالمنا الإسلامي يدعونا ببجاحة ووقاحة أن نتخلى عن مناهجنا وطرق تفكيرنا ووسيلة حياتنا,وأن نخلع أزياءنا وقبلها هويتنا-التي جزء من ديننا- وأن نتزيا بزى الشرق أو زى الغرب فى كل شيء,ولا بد أن نكون أوربيين قلبا وقالبا ,روحا وجسدا!!
إلى هنا يا ولدي, ويضيق صدري ولا ينطلق لساني..إلى هنا ياولدي وسأسكت عن الكلام المباح إلى أن ينبلج نور الصباح,وسأنتظرك ياولدي إلى أن تكبر وتعي الأمور, وسأدخر لك هذه الرسالة لتفهم مضمونها وفحواها,ولعلى أرى فيك وفى جيلك الأمل المرتقب الذي تنتظره أمتك المسلمة.