(22)
سكن العبيرُ وأطرق َ الصمتُ .. والروضُ : لا ظلُّ ولا صوتُ
وعلى الثرى آثارُ أغنيـــةٍ .. عبرتْ وغالَ صُداحَها المـــوتُ (12)
_ ها يادُكتور , حصل المراد ؟ .
طوى احمد الكتاب الذى كان بين يديه .. وضعه بجانبه .. إعتدل فى جلسة .
إقترب ناصر منه .. جلس أمامه على حرف السرير .
_ أبداً , ولا عرفت اتكلم معاها خالص .
_ ياخيبتك .
_ انا مش عارف ايه اللى بيحصلى لما بنكون لوحدنا , مش بلاقى كلام خالص , كأنى بقيت أخرس .
_ وانا اعملك ايه بقى احبهالك انا ؟ .
وعلا صوته بضحكة ثم بإستياء أردف .
_ بس ياخسارة متنفعش , أقولك , المرة الجاية هابقى اعملك برشام .
_ قوم ياد من هنا , اخرج بره .
ودفعهُ من امامه بقوة .
_ طب إهدى إهدى بس , وقولى انا هعمل ايه فى موضوع الحفلة ده ؟.
_ معرفتش تقنع بابا برده ؟ .
_ أبداً .
_ خلاص نخلى ماما تكلمه , هى اللى هتقدر تقنعه .
_ واذا مش قدرت , نعمل ايه ؟ .
_ خلاص يبقى مفيش قـُدمنا غير الخطة البديله .
_ صح .. مفيش قـُدمنا غير الخطة البديله , واحنا وضعين كل خطواتها مفيش باقى غير التنفيذ .
_ خطة ايه اللى انتوا دبرتوها ؟.
ثم حملقت بعينيها , أجفلا وقاما منتصبين .. قالا معاً .
_ ماما !.
وضعت يدها اليسرى على جبينها , بينما اليمنى أوكأتها على يد كرسى بجانبها وأردفت .
_ يا إلاهى , ولادى مجرمين , رحماك رحماك .
ثم جلست عليه .. لكز احمد ناصر فى كتفه وزجره .
_ انت اللى سِيبت الباب مفتوح , عجبك كده ؟.
_ انتى مش فاهمة الموضوع ياماما , انا هفهمك .
_ افهم ايه بعد اللى سمعته ؟ يا ويلتى لعنة السماء نزلت على بيتى .
فضحكوا .. ثم أردفت .
_ هو ايه الحكايه بقى ؟ .
_ الحكاية ان بابا مش موافق نعمل حفلة لناصر بعد حفلة الكلية فى البيت هنا , واحنا عايزينك تكلميه وبس .
_ أيوه , وبيقولى مش هسمحلك تدَّخل اصحابك المايصين بتوع النادى هنا.
_ ياخبر !, هو انتم بتعرفوا اصحاب مايسين ؟ .
أحمد مقاطعاً .
_ قصدوا على العيال السيس ياماما .
_ وكمان بياكلوا سريس ؟.
_ ياماما بقى بلاش هزار وكلمينا جد , احنا فى مشكلة كبيرة قوووى.
_ مفيش مشكله اعملوها فى النادى بقى وخلاص .
_ يعنى معقوله يبقى عندنا الفيلا الكبيرة ديه واعمل اهم حفله فى حياتى فى النادى دا يبقى شكلى وحش اوى قدام اصحابى .
_ وانا اعملكم ايه ؟, انا مليش دعوة , انا مش بحب ادخل فى مشاكل مع باباكم .
أحمد مقاطعاً .
_ ده احنا قولنا مفيش حد غيرك هيقدر عليه .
وضحكَ .. حدقت بعينيه بغضب .
_ احترم نفسك ياله , عيب دا بابا .
ثم بإبتسامه اردفت .
_ يقدر عليه ربنا مش انا .
ناصر مقاطعاً بإنفعال مع حركة يديه .
_ ايه .. هو ده مش حقنا وللا ايه ؟, بس داوشين دماغنا من زمان بنحبكوا
بنحبكوا فين الحب ده ؟ .
تبددت ملامح وجهها الى شدة الحزن ورنت اليه ثوانى .. بينما احمد ضم شفتيه دهشة ً.
_ داوشين داغك ياناصر باشا .
قالتها بصوت خافت , ثم علا صوتها بإنفعال .
_ حق ايه اللى انت بتتكلم عنه ؟ قبل م تتكلم عن حقك لازم تعرف ازاى تتكلم مع امك .
احمد مقاطعاً .
_ ياماما ناصر مش قاصد هو بس منفعل .
_ إزداد انفعالها .
_ انت كمان بدافع عنه ؟. ايه ! معرفتش اربيكم واعرفكم معنى الأخلاق .
_ اسكت انت خالص , ايه هتصطاد فى الميه العكره .
_ انا بصطاد فى الميه العكره .
_ ايوه .. طول عمرك بتعمل فيها الملاك البريىء والحمل الوديع وانت أصلاً تعبان .
_ انا ؟ دانت اللى طول عمرك الـ ..........
زجرتهم بشدة .
_ بس انت وهو , كفاية .
ثم نظرت لناصر .
_ انتوا كمان هتتخانقوا قدامى .
_ خلاص ياماما معلش , مش قاصد صدقينى .
_ خلاص الموضوع إنتهى .
اقترب منها اكثر وسألها.
_هتكلمي بابا بقى ؟ .
ثم ابتسم ووضع يده اليمنى على صدره .. وأخذ يرجوها .
_ والنننبى .. والنننبى ياماما .. وحياة التاييُراللى جبتهولك الشهر اللى فات وعجبك موديله قوى .
_ انت بتعايرنى ياله !.
وابتسمت .
_ ياخسارة انا مجبتلكيش هديه الشهر اللى فات عشان اعايرك بيها .
علا صوتها بضحكة .
_ على العموم انا مش بحب ازعلكم , خلاص سيبوا الموضوع ده عليه , انا هحاول واللى انتوا عايزينه - بعون الله - هو اللى هيكون .
_ ربنا يخليكى .
قالوها سوياً واحتضنوها .
-----------------------------------------------
بتسأل ليه عليه ملكش دعوة بيه .. بتسأل ليه تسأل ليه .. ليه ليه عليه .
يرن جرس الباب تخفض صوت المسجل .. تفتح .. ثم تجفل وبصوت عالى .
_ أحمد . أء .
ويبدأ الكلام يتلعثم فى فمها .. صوت أمها يصل إليهم عالياً .. بينما هو يقف صامتاً يبتسم .
_ مين ياعبير .
_ دااا ..أ .. دااا .
_ أحمد , أهلاً ياحمد أتفضل , ناصر مجاش معاك .
ثم تخرج رأسها خارج الباب تبحث عنه .
_ لا ياعمتو مجاش معايا .
_ ليه دا وحشنى ؟.
_ معلش اصله مشغول شويه .
_ طيب .. تشرب ايه ياحمد .
ثم تنظر الى عبير .
_ قومى اعملى حاجة لإبن خالك .
_ حاضر ياماما .. ثم تسأله .
_ تشرب ايه ؟ .
_ وللا حاجه .
_ طيب ياحمد انت مش غريب يابنى بعد اذنك اخطف العشا واجيلك .
_ براحتك ياعمتو خالص .
ثم تركته .. قامت عبير وسألته .
_ تشرب ايه ؟
بصوت خافت أجاب .
_ مش عايز حاجة , عايزك انتى .
وأمسك يدها برفق ليجلسها .. أجفلت وشدتها ثم بلفظة تعقيب .
_ ايه ؟.
_ قصدى يعنى تقعدى متتعبيش نفسك , اقعدى .
يخفق قلبها بشدة .. ترتعش يديها ويزداد إضطرابها .. تحاول السيطرة على إرتباكها.. فيردف .
_ أصلى عايز آخد رأيك فى اخر قصيدة كتبتها .
تستعيد أنفاسها وترد .
_ اه .. قوى قوى .
ثم جلست .. امسكت يدها اليمنى باليسرى بتوتر , نظرت اليه وبريق عينيها يتسائل .. فقال .
_ بس القصيدة دي ناقصها بيت مش عارف أكمله , علشان كده عايزك تحاولى معايا نكمله .
_ ماشى ماشى , هى القصيدة عن ايه ؟ .
_ قصيدة عاطفية .
يزداد إضطرابها .
_ كتبتها لبنت حبيتها اكتر من نفسى , وعايزابعتهالها هتساعدينى .
لم تستطع الكلام فأشارت بهامتها بالإجاب .
فأخرج ورقة من جيبة .. ثم حدق بعينيها وبدأ يقرأ .
_ فريدة السِحر بين النساء يامالكة قلبى ووجدانى * ان أردت وصفك فحُسنك للحُسن تاج العلاءِ * مليكة الروح فى قبضتك عتقى وبالأخرى موت أو عذاب أو إنتحاري * يامالكة قلبى ووجدانى متى يوم اللقاءِ * وتصبحين يقينى بعدما كنتِ اميرة أحلامى .. يامالكة قلبى ووجدانى *
أهٍ لو تعلمين اشواقى *
لو تعلمين .. لأشفقتِ علي وقلتِ .. أنكِ تقتسمين الآمى
أتشفقين علي وتقوليها ؟. * ام ستتركيننى لأوهامى .
ثم طوى الورقة وسكت برهة ثم أردف .
_ أتشفقين علي وتقوليها ؟ .
مازالت تنظر اليه بإهتمام شديد وقلبها يرتجف ولم ترد .. فأردف .
_ هاه , أكمِّل بإيه ؟ .
يزداد إضطرابها ولم تجيب , مال أكثر ناحيتها وحدق بعينيها ثم أردف .
_ إشفاقاً عليكى هساعدك , تفتكرى هى هترد بإيه لما تسمعها ؟ .
فابتسمت وتنهدت .. ثم بصوت خافت .
_ أكيد هتقول : نعم أقولـُها , واللهى أنى أقتسم ألامك .
أغمض عينيه .. ثم رجع شيئاً فشيئاً الى الوراء حتى اصطدم بظهر الأريكة وهام..ظل هكذا ثوانى حتى أفاق على صوت أجش يقول .
_ مالك ياحمد انت تعبان وللا ايه .
كان صوت عمته .. فبدا عليه التوتر وقال .
_ أيوه ياعمتو عندى شوية صداع .
ثم ردت عبير بإرتباك .
_ أ , أيوه ياماما انا لسه بقوله اجيبلك حاجة للصداع .
_ لا مفيش داعى , على فكرة ياعمتو حفل تخرج ناصر السبت الجاى .
_ وساكت من بدرى ياحمد , دانا بحلم باليوم ده من زمان .
_ مانا جى عشان اقولك , حبيت اكون اول حد يبلغك , وكمان بابا هيعمله
حفلة كبيرة فى البيت تانى يوم .
ثم قام ,
_ رايح فين ياحمد . ما لسه بدرى .
_ معلش عشان عندى مشوار .
ثم نظر الى عبير وأردف .
_ إياك تتأخرى علينا ياعمتو .
فابتسمت .
_________________________________________
(12) من قصيدة " سكن العبير" لفاروق شوشة .