( 4 )
**
مرت أيام العزاء أصعب أيام حياته , وذهب كلٌ من أقاربهُ الى غايتهُ ..
دنت منه سميه وضعت يدها اليمنى على كتفة .. وهمست بصوت خافت حزين .
_ إحضر لى الولد يامحمود .
ثم بأسى أردفت .
وربنا يعينك ويعيننى فيما نحن فيه .. الحقيقة أننى لا أعلم كيف سأقدر على رعاية ثلاث رُضع ولكن ما باليد حيلة هذا قضاء الله ولا راد لقضاءه .
لم ينبث بكلمة واحدة .. تركها وخرج طرق باب الشقة التى فى مقابل شقتهُ ,
فتح له عم صالح وأستقبلهُ بترحاب وعرض عليه الدخول ليتحدث معهُ رغبةً منهُ فى مواساتهُ والتخفيف عنه .,
ودار حوار بينهما أخرج محمود فيه خلجات وجدانه صرح له عن حزنه الشديد بشأن أخته التى وضعت توأم منذ أربعة أشهر وأن إبنه سيكون عبأً
عليها , قاطعة عم صالح .
_ إبنتى إيمان لديها إستعداد أن تتولى رعايته , هى أعربت لى عن رغبتها
فى تولى رعايته حتى يشب , فهى متفرغة الأن بعد إتمام دراستها ولا تعمل .
بدا على محمود الإرتباك وأبدا رفضة بشدة .
_ لا ياعم صالح يكفى ما فعلتموه معى الأيام الماضية .
_ لا داعى لكل هذه الحساسية الزائدة ياابنى كلنا أخوة ولابد أن نقف بجانب بعض فى الشدائد .
تمتم محمود مرتبكاً .
_ لربما وجدت عملاً فى وقت لاحق .
_ لا .. هى ليس لديها رغبة فى العمل لأسباب كثيرة منها رعايتى والإهتمام بى بعد وفاة أمها وزواج أخوتها .. وأيضاً لظروفها الصحيه .
بنظرة تحمل معانى الشفقة سألة .
_ لا بأس عليها مابها ؟
_ لا أبداً فهى فقط منذ الطفولة تعانى من روماتيزم بالقلب وليس لديها مشاكل صحية متفاقمة ولكنها لا تستطيع أن تبذل مجهود زائد , وإن حدث وغيرت رأيها وفكرت أن تعمل فسنجد حل لا تقلق .
_ ولكن هذا كثير جداً .. جداً .
_ سبق أن قلت لك الناس لبعضها .
_ أجدنى عاجزاً عن كل كلمات الشكر .. ولا أدرى ماذا أقول .
أجابه بإبتسامة .
_ لا تقل شىء .. الشكر لله مسبب الأسباب .
إستسلم محمود لرغبة عم صالح , وطلب منه إحضار الولد لينام وسيحضره باكراً قبل الذهاب الى العمل .
تركه عم صالح وذهب طرق باب غرفة إبنته وطلب منها الطفل لينام ,
فتحت وأخبرتهُ بصوت هامس حتى لا توقظ الطفل ,
_ هو نائم الأن .. أرجوه يتركه ينام معى فأنه ملأ حياتى وأسعدنى . محمود كان ينتظره واقفاً أمام باب شقته , أخبره أنه نائم وطلب منه أن يتركه وربت على كتفه مطمأناً إياه .
_ لا تخف عليه فلديها خبرة كافية من رعايتها لأولاد أخوتها .
سعد محمود وبدأت تصفو أسارير وجهه .. وودعه بإبتسامة قائلاً .
_ أمرك ياعم صالح .. تصبح على خير .
دخل محمود وأخبر أخته بما حدث وخرج معها يرافقها الى بيتها وعاد
صلى صلاة العشاء ونام .
____________
كان الجو بارداً .. أفاقه صوت زقزقات البلابل والعصافير .. فقام غاضباً أغلق النافذة بعنف متأففاً من صوتها ,
فلم يعد يطيقها بعدما كان صوتها من قبل يثلج صدره , وكانت تصفو أسارير وجهه عندما ينظر من النافذة ويتأمل أعشاشها التى بنتها فوق الشجرة الفارهة قشة .. قشة ,
اليوم لايريد سماع صوتها ولا رؤية الشجرة التى كان دائم الجلوس أمامها وبدأ ينمو بداخله هذا الوحش اللعين الساخط على الطبيعة الذى لا يرى بها أى جمال .. ألا وهو الضجر .
لم يعد لديه الرغبة فى عمل أى شىء , حتى فى الذهاب الى عمله , لم يعد لديه رغبة فى ترك غرفة نومه ,
تثاقل على نفسه حتى نهض من سريره مجبراً نفسه على الذهاب الى العمل .. لكنه قضى بعض ساعات ثم أغلق المحل وعاد الى المنزل ,
طرق باب جاره عم صالح .. فتحت له إيمان .
بادرها محمود التحية , ردت بصوت هادىء
كانت تضع غطاء فوق شعرها من الشيفون الأبيض تظهر منه بعض خصلات من شعرها الأسود الناعم تزيد بشرتها البيضاء جمالاً .. أزاحا الهواء جزءاً أكبرمن الإيشارب فزاد إرتباكها وأسرعت فى رفعه وأردفت برقة وخجل .
_ بابا مش موجود .
_ لا بأس .. عذراً فقد أشتريت بعض لوازم وأشياء لناصر وأريد .....
قاطعته بإبتسامة .
_ سميته ناصر ؟ .. الله .. إسم جميل ويتناسب مع إنتصارتنا العظيمه .
حدق محمود بعينيها فشعر برعشة خفيفة وخفقان قلبه , حاول يدارى إرتباكه وأسرع بإبعاد عينيه عن عينيها , سلطهما فى إتجاه الشنطة التى كانت بيده وأردف .
_ هذا سبب تسميتى له بهذا الإسم .
ومد يده بالشنطه إليها مبتسماً .
_ بالمناسبة أحب أن أشكرك على صنيعك معى .
_ أنا التى أود أن أشكرك أنك تركته لى لأسعد به .. وأحب أطمئنك بأنى سأرعاه جيداً .. لا تقلق .
_ كيف لى أن أقلق وبجوارى رفاق مثلكم .
وأومأ مودعاً لها بإبتسامة صافية قائلاً .
_ أتمنالك يوم سعيد .. السلام عليكم .
***************************