قراءات فى المسرح / د رزق بركات

قراءات في المسرح الشعري للإقليم
د / رزق بركات
مؤتمر مطروح مايو 2010 لغرب ووسط الدلتا الثقافي

انطلاقاً من أن الإبداع الأدبي جزء من الكيان اللغوي للأمة بأثرها، والإبداع الأدبي للإقليم هو جزء لا يتجزأ من الإبداع الأدبي للأمة، جاءت دراستي هذه لمجموعة من إبداعات الإقليم التي ارتقي بها مبدعوها في سلم الإبداع الأدبي المصري والعربي، فهي لما تمسه من قضايا دينية وسياسية واجتماعية يجد فيها القارئ العام من الثقافة ما يلذه ويمتعه، ويجد فيها المتخصص كثيرا من فنيات العمل الفني الذي ينشده.
وهذه المجموعة هي :
 مسرحية شعرية بعنوان أرمانوسة للشاعر أحمد شلبي.
 مسرحية شعرية بعنوان حان بكاء النيل للشاعر أحمد صلاح كامل.
 مجموعة مسرحيات شعرية بعنوان الأراجوز والسلطان للشاعر أبو السعود سلامة.
ولقد جمع بين هذه الأعمال جميعا الصدق الفني وحب الوطن والإحساس بالغير وعدم الانكفاء علي الذات مع أشياء أخري تكشف عنها القراءة أرمانوسة مسرحية شعرية من تأليف الشاعر أحمد شلبي. ولقد استطاع الشاعر بمهارة أن يستمد مادة مسرحيته من التاريخ إذ بناها علي الحقيقة التاريخية لفتح العرب لمصر – لكنه نقل هذه الحقيقة بصورة فنية ومن خلال وعي جيد بتقنيات المسرح التي تنفذ عليه المسرحية وإلمام بعناصر البناء الفني للمسرح الشعري. والمتمثلة في البناء والقصة أو الحدث والشخصيات، بما في ذلك دور الراوي واللغة والحوار وأخيراً الإيقاع.
تتكون مسرحية أرمانوسة من ثلاثة مشاهد، يقوم الراوي بتمهيد يلخص فيه أحداث كل مشهد قبل بداية الحوار والأحداث وكأنة يربط بين المشاهد الثلاثة. ففي المشهد الأول وقبل أن ينفتح الستار يقول الراوي :
أرمانوسة
بنت عظيم القبط مقوقس
قدمت من منف
بموكبها الفخم
لتزف إلي قسطنطين بن هرقل
بمدينة قيسارية بالشام
سمعت عن أبناء اليرموك
وسقوط الشام
وبيت المقدس
سمعت عن مقدم عمرو بن العاص
منطلقا بجنود
قد تركوا الأهل وباعوا الأنفس
سمعت أنباء سقوط الفرما
بمساعدة القبط
أرمانوسة - بنت عظيم القبط مقوقس
شعرت أن من الصعب
زفاف عروس القبط
علي ابن هرقل
أوقف موكبها موج الأنباء المتلاحق
فأقامت في بلبيس : لتعرف
أي طريق قد تلتمس
ثم ينفتح الستار وتدور أحداث المشهد الأول ببهو قصر يندفع إليه جندي رومي معلنا عن الغزو الإسلامي.
ويستمر الحوار بينهم وبين ماريه وصيفة أرمانوسة وبينه وبين أرمانوسة وبين الجندي العربي وينتهي المشهد باقتناع أرمانوسة بأخلاق وشهامة العربي.
العربي يقول :
نحن أناس لا نحمل سيف العدوان
علمنا الإسلام بأن نرعى الإنسان
وأن نرعى كل الأديان
لا نأخذ من صدر امرأة
درعاً أو سيفاً
نستخدمه في ميدان
من يفعل ذلك معني الحق وأخلاق الفرسان
أرمانوسة: قد كاد الروم الملعونون
يبيدون الحق
العربـي : " قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا "
ماريـة : فرحة، مبتهجة
لابد من شكر إليك
أرمانوسة: فلتسمعينا يا ماريه
بعضا من الشعر الجميل
فلقد ولدنا من جديد
ماريـة: وهي متجهة نحو قيس
يا أيها الشهم النبيل يا أيها البطل الأصيل
كيف امتلكت النفس بالإحسان لا السيف الصقيل
كيف انزرعت بقلب مصر شامخا مثل النخيل
تسري كما يسري النسيم بشاطئ النيل الجميل
يا قيس يا سهمي سهمك رقة تشفي العليل
هل علم الإسلام مثلك نفحة الخلق الجليل
أسد بغضبك الزئير وفي الإسلام لك الهديل
أنت الحقيقة كلها من ممكن أو مستحيل
قيـس : الله... ما احلي الكلام وأعذبه !
حقا... فإنك شاعرة
ويظل الحوار علي هذا الأمر حتى ينسدل الستار بدخول قيس إلى الصلاة وأرمانوسة تراقبه باستغراب.
ولنا أن نلمح ذاتية الشاعر في هذا المقطع الغنائي الجميل الذي جاء علي لسان مارية ، وما هو من إحساس مارية،وإنما هي نوازع نفس الشاعر التي تنم عن احترام شديد وإيمان صادق بقيم الدين الإسلامي ومن يتحلي به، بالإضافة إلي أن الشاعر عمودي يحن إلى مدرسته التي ينتمي إليها.
ويبدأ المشهد الثاني بتلخيص أحداثه علي لسان الراوي ثم ينفتح الستار إذ يجلس مجموعة من الرومان يتصدرهم تيودور القائد العسكري أمير حصن بابليون، ويتحاور مع قواده وعساكره في حسرة تامة علي سقوط كل المدائن في أيدي المسلمين منكرين موقف القبط مع الغزو.
ثم يبدأ المشهد الثالث بتلخيص أحداثه على لسان الراوي أيضا - وأهم ما دار فيه أن أرمانوسة تنتظر أباها مقوقس وقد أرسله قسطنطين بن هرقل ليعيد علاقات الروم مع القبط، وباستهزاء شديد يسأل أرمانوسة سؤالا:

هل مازال
لقسطنطين صدي أحلام
أن تبقي مصر – كما كانت –
مزرعة رومية
أن تصبح أرمانوسة
زوجا له ؟
ويدور حوار طويل بين فتيات أقباط وبين أرمانوسة وماريه حول ما حدث وما تم فرحين مهللين بالمسلمين ساخرين من الرومان
الفتيات - يتضاحكن
فتاة (2) : ألا يزال في انتظار أرمانوسة
فتاة (3) : وربما يطول الانتظار
أرمانوسة - واقفة بشموخ
يا فتيات
كفاكن الهزل
أرمانوسة لا ترحل
حتى لملوك الأرض جميعا
أرمانوسة لو ترحل
ترحل مصر عن النيل
الجميع : لا يمكن ذلك أن يحدث
أرمانوسة : كل نساء القبط
كل رجال القبط لها أباء وأبناء
هل يملكها غير بني مصر
الجميع : لا أن يملكها غير بني مصر
ومع نهاية المشهد الثالث الذي يصوره الشاعر نلمح الرسالة التي يريد أن يبثها علي امتداد ثلاثة مشاهد وهي :
1- فرحة المصريين بقدوم الإسلام
2- تضامن الأقباط مع المسلمين علي طرد الرومان
3- سماحة الدين الإسلامي
4- شهامة العربي الأصيل ودماثة أخلاقه
5- الحرية التي أعطاها الإسلام للأقباط
استمد احمد شلبي قصته من التاريخ إذ بني مسرحيته أرمانوسة هذه علي الحقيقة التاريخية لفتح مصر فزمن المسرحية يرجع إلي عام 21 هـ حيث الفتح الإسلامي لمصر" ومكانها – بلبيس – حصن بابليون – منف – الفسطاط ".
وإذ كان أحمد شلبي قد بني هذه المسرحية الشعرية على الحقيقة التاريخية لفتح العرب، فإن الحقيقة التاريخية المجردة لا تعيننا في دراسة العمل المسرحي أو الحكم عليه، وإنما تدرس تلك الحقيقة في صورتها الفنية التى أضفاها المؤلف، كما أننا نحكم على تلك الحقيقة بمقدار قدرتها علي الإقناع داخل الموقف المسرحي، لا من واقع التاريخ والحياة، لذا يستطيع المؤلف المسرحي أن يفسر التاريخ برؤيته الخاصة، وأن يسقط دلالات معينة، ويظهر من خلالها رؤيته الفنية والفكرية وهذا ما فعله أحمد شلبي عندما جعل أرمانوسة معادلا موضوعيا لمصر في مسرحيته.
يقول الشاعر:
أرمانوسة بنت عظيم القبط مقوقس
صارت شريانا كالنيل
مدت بذراعين كدلتا النيل
صارت أرمانوسة نبعا يسقي
كل نبات في مصر
وكل نخيل
أرمانوسة
صارت وطنا - صارت زمنا
صارت مهدا أبديا
لضياء الحق بوادي النيل
ولقد استطاع أحمد شلبي أيضا من خلال رؤيته الفنية والفكرية أن يبرز بعض الأمور في مسرحيته أرمانوسة هي :
1- أنه جعل قصة الحب في المسرحية تنشأ بين ماريه وصيفة أرمانوسة وبين قيس السهمي الفارس العربي، ولم يجعل القصة بين العربي وأرمانوسة لأن أرمانوسة كما قال صارت وطنا – صارت مهدا أبديا – فقد جعلها رمزا لمصر.
2- استطاع أحمد شلبي من خلال القصة أو الحدث التاريخي أن يبرز حقيقة الإسلام ذلك الدين السمح النقي ومبادئه السمحة المتمثلة في حرية العقيدة، المروءة، الشجاعة، الرحمة حتى بالطير والحيوان.
فقد أعطي لأهل مصر حرية العقيدة وأمَّنهم علي أموالهم وأنفسهم، ولقد صور الشاعر ذلك على لسان بنيامين :
بنيامين : ولذلك... كان الأمر طبيعيا
أن أمنني عمرو
فالدين لديهم دين أمان وسلام
كان طبيعيا
أن يرفق حتى بالطير
أن يعطي أمنا ليمامة
أن يدع الفسطاط لها
كي تفقس فيه بسلامة
3- كذلك جعل أحمد شلبي يوم الفتح هو يوم زفاف أرمانوسة إلى قسطنطين بن هرقل لماذا ؟ أقول لأن الفتح جاء في ميعاده ولو تأخر لانتقلت مصر للرومان. فزواج أرمانوسة إلى قسطنطين سوف يفقدها عذريتها وحريتها وينقلها إلي الهاوية.
وأرمانوسة نفسها كانت تحس هذا الإحساس لذا لم تك سعيدة في موكب زفافها ولم يزعجها خبر مقدم الغزاة " العرب " من أجل هذا انتظرت بموكبها في بلبيس حتى تتابع الأخبار وكأنها تعلم أن هؤلاء الغزاة العرب سوف يخلصونها ويحافظون عليها من هذا الروماني المتكبر المتجبر الذي تزف إليه، والدليل علي ذلك قولنا أن المقوقس نفسه لم يك راضيا عن زواج ابنته من هرقل ولقد صور الشاعر ذلك فقال :
بنياميـن : أو من ينسي ما فعل الرومي تيودور بقتل القبط بابليون
المقوقس : قد كان هرقل غبيا
والأغبى منه قسطنطين
نسيا كيف نساعدهم
والروم استعمار نرفضه منذ قرون
والأدهى
لا يكفي قسطنطين بن هرقل
كراهية الأقباط
فيطلب أرمانوسة زوجا له
آه
لو ضاعت أرمانوسة مني
لندمت عليها العمر
ولكنت لها - بئس الوالد
بئس النخاس
يبيع ابنته لعدو
لا يأمن منه الغدر
بنيامين : صل لربك... أن أرسلها
قبل فوات الفرصة عمرو
شطـا : قد كان لطيفا في ذلك
المقوقس : " مقاطعا "
لم يتصنع عمرو الأمر
بل أن ديانته تمنعه
من مس نساء
أو تخريب ديار... أو إتلاف زروع
أو مس الإنسان بشر
استخدم الشاعر لغة شعرية سهلة في معظم الأحيان، إذ ابتعد عن الصعوبة والتعقيد فهي لغة فصحي بسيطة. وقد اقتربت في بعض الأحيان من لغة النثر كما جاءت معبرة عن الأحداث.
ولأن أحمد شلبي يدرك أن الحوار هو أساس المسرح فقد جعل لغته حوارية درامية، إذ لم يلجأ إلي الغنائية إلا في القليل النادر لأنه كما قال د/ محمود حمزة في مقدمة المسرحية "إن وراءه ماضيا عريقا من الشعر العمودي، لذا اعتمد في بعض مشاهده على الإيقاع التقليدي للقصيدة العربية ".
أما اعتماد الشاعر ونزوعه إلى الحوار جعل الحوار هو "شريان المسرحية الذي يحمل الفكرة ويكثف المواقف "وهذا الحوار الذي يحمل الفكرة ويعبر عن المواقف كشف عن خصائص كل شخصية من شخصيات المسرحية فهناك الشخصية المخادعة المنتهزة كشخصية الجندي الرومي وهناك الشخصية الشجاعة القوية صاحبة المروءة والأخلاق الحسنة كشخصية قيس السهمي الفارس العربي.
وهناك الشخصية الودودة المحبة العطوفة المستعدة للتضحية بحياتها فداءً لسيدتها وهي شخصية ماريه. كما تظهر الشخصية الرئيسية في المسرحية " أرمانوسة " الأصلية التي تمثل القوة والعظمة والأصالة تلك الشخصية التي استطاعت أن تحدد موقفها بصراحة وتعبر عن إحساسها لأنها ترمز لمصر.
والخلاصة نري أن الحوار هو وسيلة التفاعل الذي مزج بين الأحداث والشخصيات كما أن المواقف تتشكل من خلال هذا التفاعل.
قدمت مسرحية أرمانوسة مجموعة من الشخصيات منها التاريخية العربية ومنها المصري ومنها الرومي ولقد كشف الحوار كما ذكرنا عن نوازع شخصيات وسماتها. ولقد استخدم الشاعر الرمز في اختيار بعض شخصياته.
فأرمانوسة رمز لمصر، وقيس السهمي رمز للبطل العربي الفارس الشجاع المخلوق الحي الأمين الذي يتميز بكل القيم الخالدة وكذلك كان قسطنطين بن هرقل رمزا للمستعمر المستغل المتجبر...
وأما باقي الشخصيات فهي... بنيامين أسقف اليعاقبة وتيودور القائد العسكري للرومان فظهرا بمظهر الحزين المتأسف على ما حدث وأما ماريه وصيفة أرمانوسة فكانت العطوفة المضحية وهكذا أظهر الشاعر من خلال رمزية الشخصيات ونوازعها.
دور الراوي :
أما الراوي فقام بدور هام إلا أنه غير محوري في المسرحية - فهو يقوم بحكي أو سرد الأحداث ملخصة مع بداية كل مشهد وهو بذلك يربط بين المشاهد الثلاثة – إلا أنه لم يتدخل في الحوار ولا في صنع الأحداث وبالتالي فدوره غير محوري في المسرحية. ولننظر إلي نص المسرحية لنري كيف يحكي الراوي الأحداث ملخصة في بداية كل مشهد.
اعتمد احمد شلبي علي إيقاع التفعيلة أو علي شعر التفعيلة وقد نَّوع في تفعيلاته تبعا للدور ونوع الحوار، إلا أنه لم ينسً أنه شاعر عمودي، لذا لجأ إلى الإيقاع التقليدي في بعض المشاهد يقول :
من عروض الرمل :
من يرد السهم عن قلب اليمامة
لتطير العمر في أفق السلامة
من يزيح السهد عن عيني ؟ ومن
يسكن الليل شذاه - كي أنامه ؟
إن فى فسطاط قلبي... منزلا
ليمام... عطر الحب مقامه
أيها القادم... من فجر المنى
حط ّفي الفسطاط وارفق باليمامة
للمسرح الذي تنفذ عليه المسرحية تقنيات خاصة منها المكان الحركة، الإضاءة، الديكور وغيرها. ولقد لاحظنا أن أحمد شلبي استطاع أن يحقق كثيرا من هذه التقنيات في أرمانوسة مثل :
المكان، المناظر، الحركة، الديكور، وغيرها
ففي بداية المشهد الأول :
ينفتح الستار
المشهد – بهو القصر
يندفع إلي البهو جندي رومي صارخا...
ولقد اهتم الشاعر أيضا بحركة الشخصيات. ومن ذلك قوله مصورا حركة أرمانوسة في المشهد الأول بعد حوار دار بين مارية وصيفة أرمانوسة وبين الجندي عن الغزاة المسلمين
وهنا تدخل " أرمانوسة " مسرعة إلى البهو متسائلة :
أرمانوسة ماذا جرى يا ماريا ؟
وكذلك يكشف عن انفعالات جندي الروم فيقول في الحوار الذي دار بين أرمانوسة وماريا وبين الجندي.
أرمانوسة : ما اختلاف الأمر في بلبيس عما قد سبق؟
ماريــه : اختلاف الأمر أنت
الجنـدي : " بغيظ "
هو ما قلت لها يا ماريه
ماريـه : صارخةً فيه :
ليس يعنيني سوى خوفي عليها
أرمانوسة : " بحدة"
أيها الرومي أفصح عن حديثك
الجندي : " بغضب "
أنت في بلبيس صيد للعرب
أنت هذا الرهن في أيدي العرب
إن عمرا داهية
ولديه الآن – غير السيف والجند – رهينة
ونري هنا أن الشاعر قد اهتم بحركة الشخصيات وانفعالاتها فأرمانوسة لا يفزعها سقوط بلبيس في أيدي العرب على الرغم من حركتها المسرعة في دخولها إلى البهو حينما سمعت الحوار، وحركة الرومي المسرعة ولهجته الغاضبة.
وماريه ليس يعنيها سوى الخوف على سيدتها أرمانوسة.
والجندي الرومي – غاضب – ينبئ عن غيظ.
وهكذا استطاع الشاعر أن يبرز المكان والحركة ونوازع الشخصية وغيرها علي خشبة المسرح كذلك استطاع إلى حد كبير أن يفي بمتطلبات المسرح الشعري.
فقد اشتملت المسرحية علي مضمون هادف حين اختار لها هذا الحدث التاريخي العظيم – ولقد جاء هذا المضمون في إطار درامي وإيقاع حواري بعيد عن الغنائية والإطالة إلا في القليل من المواقف التي أرغمت الشاعر علي ذلك لأنها تعبر عن خلجات ونوازع نفسية أو هي مستمدة من موروث لدى الشاعر أو هو انتماء إلى العمودية جذبه أكثر من مرة.

حان بكاء النيل (للشاعر / أحمد صلاح كامل)

زمن المسرحية : قبل ظهيرة أخر يوم للحملة الفرنسية علي مصر
مكان المسرحية : شارع ممتد يمر بين جانبين قريب من ساحة الأزهر الشريف تنتشر علي جانبيه الحوانيت حاول أحمد صلاح كامل أن يوظف التاريخ للتعبير عن الواقع وليعطى رؤيته فيمس مسالة انتخاب من يحكم الشعب في ظروف عصيبة، وتلك هي الفكرة الأساسية التي تغلغلت في هيكل نص مسرحية " حان بكاء النيل "
ولقد استطاع الشاعر باقتدار فني أن ينقل فكرته بصورة فنية من خلال وعى بعناصر البناء الفني للمسرح الشعري المتمثلة في :
1- البناء الدرامي للمسرحية
2- الحدث
3- الشخصيات
4- اللغة والحوار
وتكشف المسرحية أيضا عن إلمام صاحبها بتقنيات المسرح الذي تنفذ عليه المسرحية مثل المكان، الحركة، الإضاءه، الديكور وغيرها...
فضلا عن أنه لم يترك القارئ أو المشاهد في التيه لكنه يدخله بؤرة الصراع الدرامي المتمثلة في الصورة العامة للانتخابات وكثرة المرشحين وانقسام الشعب إلى مؤيد ومعارض.
1- البناء الدرامي :
تتكون مسرحية " حان بكاء النيل " من فصلين كبيرين كل فصل يشتمل على عدة مشاهد بدأ الفصل الأول الذي يمثل بداية البناء بتقديمه درامية بمثابة عرض أو مدخل قدمه المؤلف للجمهور لينبئ عن الجو العام للمسرحية وتمثل في صوت المنادي ثم مجموعة أصوات مختلفة.
المنادي :
يا كل أهل مدينتي.. بٍُشري لََكْم
ربُّ الجلالةِ في السماءِ الآنَ
حقق حُلْمكَمْ
فغداً سَيرْحَلُ عن بلادِ الحقِّ
زيفُ المعتدي
ويعودُ من بعد الضلالة حَقَكُمْ
فَتَّخَيروا مَلكاً يُحَكِّمُ بَيْنَكُمْ
ولْتُسرِعوا لا تُبطئوا
فالبُطءُ ليسَ يُفِيدُكُمْ
إنَّ البلادَ الآنَ مِلْكٌُ للجميعْ
فتشاوروا فالأمْر شورى بَيْنَكُمْ
ويخرج المنادي من يمين المسرح وهو يكرر النداء، وتتوالى أصوات وحركات الفرح والبهجة التي تسود الشارع بعد سماع الخبر ويتساءل بعض المارة فيما بينهم
صوت 1 : أهل المدينة هل سمعتم ما مضي
مينو سيرحل عَنْكُمُو
وغداً تعودُ بلادُكُمْ حقاً غدا
صوت 2 : أنا لا أصدق أن تِلْكَ حقيقةُ
صوت 3 : لابد أنك نائم
أو كان سمعك موصدا
ولقد هيأت هذه المقدمة أو هذه الصيغة الحوارية للحظة الدفع بظهور شخصية جديدة هي الشخصية الحافزة التي عملت على ولادة أحداث جديدة وردود أفعالٍ جديدة.
بهلول يقبل من أول الشارع متهللاً لهذا الحشد الكبير حاملاً في يده جراباً وفي يده الأخرى عصاه مزركشة بنفس ألوان ملابسه هكذا يصوره المؤلف ويقول :
ياسادتي... ياسادتي
عندي لكم لعب جميلٌ... جميلُ
فلتعيروني النظر
سَأُريكمو فَنَّ الْحواةِ
وكيف يَنْقَلِبُ المسيخُ إلي قَمر
وأُريكمو كيفَ الثعابينُ الطليقةُ
تستحيلُ إلي هياكل أو صور
وبعد ذلك يتولد الصراع الذي أثار في نفس المشاهد التشويق والترقب وذلك بظهور باقي شخصيات المسرحية، شخصية تلي الأخرى في الظهور حتى تصل المسرحية إلى ذروة التأزم وذلك بظهور المرشحين واحدٌ بعد الآخر شيعار، ثم درويش، ثم شرْقام الذي سيتولى الحكم رغم إرادة الشعب وهي الواقعة المأسوية الحاسمة أو الحدث المؤسف الذي ينهي الصراع المحتوم الذي انتهى بتولية شرقام أميراً للبلاد وقد استحال اسمه إلى خورشيد باشا هي النهاية الدرامية المتأزمة التي مر بها البطل " الشعب " شعب النيل مما جعل النيل يبكي.
ولا يخلو البناء الدرامي للمسرحية من لحظة التنوير التي كانت سبباً في تحول مجرى الأحداث صعوداً وهبوطاً وتمثلت في حوار بهلول وعلي، وبهلول وشيعار، وسعيد وشيعار، ورباب ورغيم وغيرهم
فلحظة التنوير هنا قد كشفت عن طبيعة الشخصيتين وكانت سبباً لتحول مجرى الأحداث فبهلول الحاوي وشيعار الشحاذ كلاهما يطمع في الإمارة.
بهلول لشيعار : إن البلاد وعرشها ليست لِمثلكَ
تستخيرْ
لكنها تحتاجُ من مِثْلِي
يكون لها أميرْ
شيعار : ما خرُّ من مثلي يكون ؟
بهلول : متسولٌ تهوي الجنونْ
فالأمر ليس كما تري
بل انه أمرٌ عظيمٌ لا يهون
كذلك كشفت لحظة التنوير موقف رباب الوطني وموقف رغيم الذي ينساق وراء التيار ويؤيد شرقام ذلك الطاغية وكلاهما يدافع عن موقفه في مشهد درامي.
استمد أحمد صلاح كامل مادة مسرحيته أو قصتها من لحظة تاريخية هي وقت خروج الحملة الفرنسية من مصر ووصلها بالحاضر، فجسد صورة انتخاب من يتولي أمر الخلافة في تلك الفترة وأسقط ذلك علي الحاضر أو وصل الماضي بالحاضر من خلال اختياره شخصيات ممتدة إلى الحاضر كبهلول وشيعار ودرويش كما اختار من بين شخصياته شخصية تحمل أفكاره وتبرز رؤيته الواعية في تجسيد معني الديمقراطية التي لم تتحقق في المسرحية وهي شخصية رباب تلك المرأة المثقفة التي رفضت فصل علاقتها العاطفية الخاصة برغيم عن علاقتها الوطنية الأصلية " حب الوطن " كما رفضت إمارة الحاكم المستبد "شرقام" الذي عين من قبل الخليفة على رغم إرادة الشعب فتصيح رباب قائلة :
أبدا لن تصبح حاكمنا
أبدا لن تصبح حاكمنا
الشخصية هي التي تؤدي الأحداث من خلال أقوالها وأفعالها لتنتج المغزى أو الفكرة الأساسية للمسرحية، وقد قدم أحمد صلاح كامل في مسرحيته حان بكاء النيل مجموعة متنوعة من الشخصيات كما أضفى علي كل شخصية طبيعة تميزها عن غيرها بما يتواءم مع وظيفتها وأفعالها فبهلول وشيعار ودرويش " المرشحون " شخصيات نمطية منتفعة فبهلول حاو له حيل يتكسب منها ويمارسها فتعجب عامة الناس وتجذبهم ليعطوه، وشيعار شحاذ محترف يتكسب ويقتات من مهنة التسول، ودرويش يتاجر باسم الدين إذن فسر المنفعة يجمعهم وهذا ما جعل شيعار يخاطب بهلول قائلا :
إذن فاعلم
بأن الفقر وحدنا علي أن نسأل الناسا
كلانا مرغما يحيا
على أن يحتسي الكاسا
فذل العيش قيدنا
تري للذل إحساسا ؟
ولست أقول أقوالي
لأبعث فيك وسواسا
ولكن الذي يعطي....
يقول منحت شحاذا وشحاذا
فهل بالأمر تفريق ؟
أجبني أيها الهذا
وتلك شخصيات ممتدة عبر التاريخ فهي شخصيات قديمة حديثة وقد جعلها أحمد صلاح كامل شخصيات حافزة تقوم بتحريك الموقف الدرامي.
كما أن لديه مجموعة من الشخصيات التي تمثل رؤيته فيصور من خلالها الواقع الذي يرفضه ويبث من خلالها أيضا طرق الإصلاح، وتلك الشخصيات هي (رباب، سعيد علي)
ولقد وردت في المسرحية شخصيات أخرى وهي شخصيات "الأشياع" مثل عباد المؤيد لدرويش ورغيم الشاعر الذي يؤيد شرقام لأنه يعلم أن شرقام سيأتي حاكما رغم أنف المعارضين له فأراد أن يسير مع التيار
وبهذا يكون الشاعر قد استطاع أن يختار شخصياته اختيارا دقيقا وموفقا حيث أعطى لكل شخصية طبيعة خاصة تميز عن غيرها بما يتواءم مع وظيفتها وأفعالها ومظهرها وكلامها .
جاءت لغة مسرحية "حان بكاء النيل" بعيدة عن التعقيد والغموض فهي لغة شعرية سهله معبرة عن الأحداث كان الحوار فيها وعلى الرغم من أن الشاعر يدرك تمام الإدراك أن شعر المسرح أساسا حوار فإنه لجأ إلى الغنائية في مشاهد كثيرة من المسرحية ومن ذلك قوله على لسان علي أحد شخصيات المسرحية :
من يحمل ذنب الأرض وذنب الناس
إن جاء الطوفان ليغرق أرض النيل
ويقتل كل صباح فيها دون حياء
ويبيد الحريات بسيف مخبول
يسميه الناس السلطة والسلطان
نتعلل بالأعذار ؟ !
نقول منحنا الناس النصح ولم يلتفتوا ؟ !
واجهنا سيوف الظلم
بأفواه لا تنطق غير الحكمة والأشعار
ما ذنب الأرض وذنب الناس
أما اعتماد الشاعر الأساسي فكان علي الحوار الذي قام بكشف المواقف ورسم الشخصية وتحريك الحدث ولننظر إلى هذا الحوار الدرامي الذي دار بين مجموعة من الأشخاص
علــي : مهلا مهلا يا بهلول
أين هوية هذا الشعب
بهلول : لا تشغلوا الأذهان باللغو العقيم
فالشعب أحوج ما يكون إلي الطعام
رباب : الشعب أحوج ما يكون... لأن يكون
وبعد فإنني أستطيع أن أقول أن أحمد صلاح كامل شاعر جيد يحسن صياغة الكلمة والقافية ويعي تماما بدور المسرح الشعري "كمعطي دال في تراثنا الإبداعي" كما أنه استطاع باقتدار في أن يعرض رؤيته ويختار شخصياته ويقدم حوارا دراميا يؤكد على موهبته الفنية.
الأراجوز والسلطان مسرحيات شعرية تأليف الشاعر أبو السعود سلامة أبو السعود وتعني هذه المجموعة بمناقشة الأفكار التي تتصل بالأوضاع السياسية والاجتماعية. حيث تتراءى الفكرة شيئا فشيئا من خلال ما يدور فيها من صراع.
ولقد استطاع أبو السعود سلامة خلال هذه المسرحيات التي تمثل مجموعة مشاهد أن تعبر عن واقع سياسي ويعطي رؤيته متمثلة في استهداف الإنسان والوطن من ناحية وهيمنة السلطة أو القوة من ناحية أخرى فجاءت مشاهده عبارة عن مناضلة بين قوتين متعارضتين (الخير والشر) وهذا هو الخيط الذي يربط بين تلك المشاهد جميعا.
فهو في المشهد الأول يقيم صراعا دراميا بين الطفل وبين المارد حينما خرج المارد من حبسه
الطفل : اعذرني.....
فأنا لا يمكن أن أتصور
أن شخوص حواديت الأجداد
تدب إليها الروح ونحن علي
أبواب القرن الحادي والعشرين
المارد : القرن الحادي والعشرون
ما معنى هذا القول ؟
الطفل : معناه أن سنينا مرت
منذ دخولك هذا الشئ
المارد: سنينا مرت ؟ ؟ !
الطفل : نعم... نعم
المارد : ونبي عليه سليمان
هل عاد من الميدان ؟
كنت بصحبته حين تفقد كل الطير
الطفل : حين تفقد كل الطير
المارد : نعم
الطفل : وتوعد بالذبح الهدهد ؟
المارد : نعم
من أين علمت بهذا الأمر ؟
ألديك كتاب السحر ؟
أم تصعد كي تسترق السمع ؟
الطفل : كلا... كلا
وردت قصته في القرآن
المارد : ماذا تعني بورود القصة في القرآن ؟
الطفل : القرآن كلام الله
أنزله الله علي قلب رسول الله محمد
صلي الله عليه وسلم
المارد : هل جاء به قصة بلقيس
الطفل : نعم
المارد : احكي لي
ماذا فعلت بلقيس ؟
فالشاعر هنا قد أجاد في استلهام التراث الديني وتوظيفه توظيفا يتمشي ورؤيته المتمثلة في انتصار العقل على كل شئ، فعلي الرغم من أن المارد كان في مجلس بلقيس فإن الطفل استطاع بعقله أن يأتي بالقصة كاملة ويذكر المارد بما حدث.
ويتجلى النشيد الختامي للمشهد فيغني الطفل في حركات إيقاعية راقصة قائلا :
الطفل : علمنا الله الأسماء
وتجلى في كل سماء
علمنا كيف نواري النبت
ونصنع آلاف الأشياء
فتعالى الله المنان
أن خلق العقل الفنان
ليكون ملاذ الإنسان
أما المشهد الثاني "الأراجوز والسلطان" والذي يحمل عنوان المجموعة فيتجلي فيه الصراع بين الخير والشر أو الضعف والقوة مستلهما التراث الشعبي المتمثل في الغناء الشعبي ودق الصبيان على الصفيح حينما يظهر القمر في السماء مخنوقا فيقول :
هيا يا بنات الجنة
ازرعن المنى والحنة
هيا يا بنات الحور
ارجعن للقمر النور
وقد جعل الشاعر هذه الأغنية محور ارتكاز له في بناء هذا المشهد، فهو يأتى بها كلما يتأزم الصراع بين الخير والشر أو الضعف والقوة – فالأغنية تنبئ عن غياب الضياء وضياع الحق -
ثم يأتي الأراجوز الذي يرمز إلي الشخصية الساخرة تلقائية الشعب فيخرج بمسرحه على خشبة المسرح من حين لآخر لينبئ عن شئ ومن ذلك أنه يدخل بمسرحه الصغير ومعه لعبتان الأولى برأس ذئب والأخرى برأس خروف. ليؤكد غياب القمر (النور) غياب الحق غياب العدل.
ثم يأتي المشهد الثالث من هذه المجموعة وهو بعنوان في قفص الإرهاب فيعقد محاكمة للإرهاب على خشبة المسرح محاولا انتصار العقل وملازمته للدين. يقول علي الرواة
راو 1 : في قفص الوهم
سنرد الكلمة بالكلمة
حتى يتوارى في الظلمة
سيف الإرهاب
راو 2 : فتعالوا يا حرَّاس الحق
نتحاور في زمن الحيرة
راو 1 : ولأني فنان
راو 2 : ولأني إنسان
1، 2 : لأنا نحترم عقول الناس
نرفض أن تسفك قطرة دم
ونحاول أن يجري شريان
الحق بقلب الناس
سنشخص محكمة كبري
سيكون القاضي فيها الحق
والشاهد أرواح الأبرار
راو 1 : فلنبدأ باسم الله
راو 2 : فلنبدأ باسم الله
1، 2 : باسم الله الغفار
المجموعة : جئنا من صحو الموت
لنُعرِّي فكر الإرهاب الموتور
ولنحكم بالقسطاس
وتظل المحكمة معقودة ويعترف الإرهاب بأن ما صنعه غير خاضع للعقل وإنما لحكم الأمير.
الإرهاب : مهلا... مهلا... كنت أنفذ
حكم أميري
لكن عقلي الآن مشوش
حتى اسمي لا أذكره
ويظل الصراع قائما بين الحق والباطل أو بين الخير والشر حتى نصل إلى المشهد الأخير "الحائط " ويظهر المسرح فيه عبارة عن لوحة حائط حجري ضخم به فتحة صغيرة ضيقة لا تسمح بمرور أحد تسترها شجرة ضخمة. ثم يفتح الستار على تابلوه راقص
وتبدأ المجموعة الغناء ثم ينزلق من فتحة الصخرة طفل نحيل – ينصب باهتمام – ويختفي الطفل، ثم يدخل رجلان أمامهما صندوق يشبه الغسالة ويحتدم الصراع الدرامي ويتطور الحدث، ويحاول الرجلان قتل الطفل إما بخنقه أو علي الأقل بغسل أفكاره حتى يصبح مسلوب الرأي.
ولقد حاول الشاعر أن يحكم البناء الدرامي لهذا المشهد فبدأ بعرض غنائي كمدخل ينم عن وعيه بتقنيات المسرح – المسرح الشعري – يقول على لسان المجموعة الراقصة،
المجموعة : الليل توارت أنجمه
والحائط سد
فتعالوا نحطم صخرته
ونفك القيد
فالساكن مجنون قاس
والحائط صلد
من منا الأبقى والأقوى
من منا العبد
ولقد هيأت هذه المقدمة للحظة الدفع بظهور شخصية الطفل الذي يمثل الأمل أو المستقبل وهي الشخصية الحافزة التي حركت الأحداث
الطفل : " يتأمل يديه ورأسه وسائر جسده "
حمدا حمدا
أن عدت إلي وطني الأخضر
تعبت قدماي
والعقل تقدم... وتأخر
لكن قد عدت
وبلا صورة
أتأمل نفسي مرآتي
فأري عجبا
وبعد ذلك يتولد الصراع بظهور الرجلين ومعهما صندوق يشبه غسالة الملابس ويستمر الصراع وينمو الحدث ليصل المشهد إلى ذروة التأزم وذلك بظهور طفل آخر من خلال الفتحة التي بالجدار، ويسأل :
الطفل الثاني : ماذا في تلك الغسالة ؟
الأول : مزمار الفيران السحري
الثاني : ماذا تقصد
الأول : تلك الغسالة.. غسلتني
فنسيت الأهل ولم أبصر
إلا أني أمشي في طرق ملتوية
أبحث عن نفسي في دأب
لكني لم أبصر إلا
ظلا... ظلا
أراجوزا يرقص في سيرك
...................... الخ
الثاني : وأنا مثلك
نزعوا وتدي
فغدوت أسير بلا رشد
نزعوا عنواني
أربطتي
غسلوا أوراقي... ذاكرتي
ما نفرط اللفظ
فغدوت ألملم أحرفه
حرفا... حرفا
ثم تأتي لحظة توتر ويتحول الحدث بظهور الأم التي تبحث عن طفلها وتقول :
الأم : (في حزن) يا ويلي
من يرجع طفلي ؟
غسلوه فهل يذكر اسمه ؟
يذكر ماضيه أو أهله ؟
يذكر نبعه
ولن تستسلم الأم وتكرر محاولة الدخول فتحفر بيديها الصخر فتنكسر أظافرها فتعاود المحاولة وتخاطب الجمهور :
لن أستسلم
ستعود الأطيار لعشي
والحائط هذا لن يخلد
علمني الولدان كثيرا
أن الأحلام بنا تولد
ولنا تولد
** وينتصر الكاتب للخير فينهي مشاهده بالتصميم علي :
1- انتصار العقل
2- مواكبه الحفاظ علي الوطن المستهدف
وفي النهاية نستطيع أن نقول إن هذه المسرحيات تنتمى إلى الذهنية أو إلى المدرسة الذهنية حيث قدم فيها الشاعر رؤى فكرية،وأن مثل هذا اللون من المسرحيات يقوم علي حركة الأفكار واصطراعها أكثر ما يقوم علي صراع الشخوص، وفضلا عن ذلك فإن الشاعر أبدى مهاراته الفنية في توظيف التراث الديني والشعبي بما يتواءم مع الحوار، وكذا أحسن استخدام الرمز حين جعل الطفل رمزاً للأمل المشرق وغياب القمر والشمس رمزاً للقهر والظلم –والمارد والغسالة والحائط رمزا للخوف والهدم وهكذا...
كما استطاع الشاعر أن يوائم بين الشخصية وبين اللغة من خلال طبيعة الشخصية ومستواها الاجتماعي، فأحيانا نلاحظ أن هناك أجزاءً بالعامية وأخرى بالفصحى وثالثة بين الفصحى والعامية، كذلك لم تقتصر لغته علي الحوار فحسب لكن استخدام المناجاة الفردية أو المنولوج الداخلي، وهو عبارة عن خطبة تلقيها الشخصية لنفسها بصوت مسموع دون مقاطعة، وفي هذه الحالة تعبر الشخصية عن بعض أفكارها الداخلية ودوافعها.
أما عن الإيقاع فواضح أن الشاعر قد اعتمد علي تفعيلة بحر الخبب "فعلن فعلن" وهي تتمشي كثيرا ومشاهد الغناء والرقص التي سيطرت علي كل المشاهد. هذا والمسرحيات في مجملها تنم على وعي كاتبها وإلمامه بعناصر المسرح الشعري من زواياه المختلفة.

قراءات في المسرح الشعري للإقليم
د / رزق بركات
مؤتمر مطروح مايو 2010 لغرب ووسط الدلتا الثقافي
موضوع يستحق التثبت
كل الشكر لك على الجهد المبذول
تحياتي