عاطف الجندي
أخيرًا هل البدر و أضاءت الدنيا بوجودك فى منتداك
يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب
لنسبح معا فى سماء الإبداع
ننتظر دخولك الآن
عاطف الجندي
أخيرًا هل البدر و أضاءت الدنيا بوجودك فى منتداك
يسعدنا تواجدك معنا يدا بيد و قلبا بقلب
لنسبح معا فى سماء الإبداع
ننتظر دخولك الآن
عاطف الجندي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى عاطف الجندي الأدبى يهتم بالأصالة و المعاصرة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
صدر عن دار الجندي بالقاهرة ديوان مكابدات فتى الجوزاء للشاعر عاطف الجندي .. ألف مبروك
أحبائي بكل الحب تعود ندوة المنتدى السبت الأول من كل شهر باتحاد كتاب مصر ويسعدنا دعوتكم السادسة مساء السبت الأول من كل شهر باتحاد الكتاب 11 شارع حسن صبري الزمالك فى ندوة شعرية مفتوحة
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» متفتكرش
د/ فوزى عيسى فى قراءات نقدية Icon_minitimeالأحد نوفمبر 17, 2024 9:53 pm من طرف محمود جمعة

» في يوم الاسير الفلسطيني/ د. لطفي الياسيني
د/ فوزى عيسى فى قراءات نقدية Icon_minitimeالسبت أبريل 15, 2023 1:27 am من طرف لطفي الياسيني

»  مطولة شعرية الجزء الاول مهداة للاستاذة الشاعرة حنان شاعرة م
د/ فوزى عيسى فى قراءات نقدية Icon_minitimeالأحد مارس 12, 2023 4:27 pm من طرف لطفي الياسيني

»  عيد الاحزان والاسرى في عتمة الزنزان/ د. لطفي الياسيني
د/ فوزى عيسى فى قراءات نقدية Icon_minitimeالجمعة مارس 10, 2023 8:49 pm من طرف لطفي الياسيني

» تحية الى المرأة في 8 آذار / د. لطفي الياسيني
د/ فوزى عيسى فى قراءات نقدية Icon_minitimeالثلاثاء مارس 07, 2023 7:54 am من طرف لطفي الياسيني

»  ردا على قصيدة الاستاذ الشاعر الفلسطيني الكبير شحده البهبهان
د/ فوزى عيسى فى قراءات نقدية Icon_minitimeالخميس مارس 02, 2023 9:19 pm من طرف لطفي الياسيني

» الى روح رفيق دربي عمر القاسم/ د. لطفي الياسيني
د/ فوزى عيسى فى قراءات نقدية Icon_minitimeالإثنين فبراير 20, 2023 12:07 pm من طرف لطفي الياسيني

»  انا المجاهد في العصور / لشاعر دير ياسين*لطفي الياسيني
د/ فوزى عيسى فى قراءات نقدية Icon_minitimeالسبت فبراير 18, 2023 11:51 am من طرف لطفي الياسيني

»  في ذكرى الاسراء والمعراج/ د. لطفي الياسيني
د/ فوزى عيسى فى قراءات نقدية Icon_minitimeالخميس فبراير 16, 2023 1:12 pm من طرف لطفي الياسيني

Navigation
 البوابة
 فهرس
 قائمة الاعضاء
 الملف الشخصي
 س و ج
 ابحـث
منتدى عاطف الجندى الأدبى
Navigation
 البوابة
 فهرس
 قائمة الاعضاء
 الملف الشخصي
 س و ج
 ابحـث

 

 د/ فوزى عيسى فى قراءات نقدية

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
عاطف الجندى
المدير العام
المدير العام
عاطف الجندى


الدولة : مصر
الجوزاء عدد الرسائل : 14290 الهواية : الشطرنج
نقاط : 13287 تاريخ التسجيل : 01/05/2007
بطاقة الشخصية
مرئى للجميع:

د/ فوزى عيسى فى قراءات نقدية Empty
مُساهمةموضوع: د/ فوزى عيسى فى قراءات نقدية   د/ فوزى عيسى فى قراءات نقدية Icon_minitimeالسبت مايو 22, 2010 2:37 am

قراءات نقدية فى شعر الإقليم
أ د / فوزى عيسى
مؤتمر مطروح مايو 2010


1- فؤاد طمان فى ديواني
"مدى للورد والرصاص" و "بكائية إلى البحر"
يخلص فؤاد طمان لفنه الشعري ويحرص على أن يكون متجدداً وإبداعه وهو ما يجعله يتبوأ مكانة خاصة فى المشهد الشعري المعاصر، لا فى الإسكندرية وحدها بل على امتداد المشهد الشعري العربى..... وعلى امتداد أربعة عشرة قصيدة يتضمنها ديوان مدى للورد والرصاص تتجسد الرؤية الشعرية لتقدم لنا عاملين متضادين : عالم الجمال أو الحياة الجميلة التى يرمز إليها الشاعر بالورد الذى يضوع فى المدى وباقات " الأكسيا " الفاتنات والجكرندة الزرقاء والرياحين وشجر السرو والنخيل والبلبل الشادي وقوس قزح ولكن هذا العالم الجميل الأمن مهدد بالوجوه القبيحة ورصاصات التتار والقراصنة وهو ما يعكس الثنائية التى يرمز إليها عنوان الديوان وتوزع بينها التجربة الشعرية فتطل الذات التى تعشق الجمال وقد روعتها جهامة الواقع، فامتلأت جوارحها بالندوب وهى ترى الأشلاء تتطاير تحت صهيل الخيول ويحاصر الرعب كل الأحياء، فتفر "ليلى" رمز العشق النبيل وتفر معها الطيور التى يتحول غناؤها إلى عويل ويطفو البعد الأخر الذى يرمز إلى واقع سياسي هش، ويأس الشاعر على تلك الممالك الهشة أو الورقية التى يحكمها الوارثون، والعسس وهما رمزان يشفان عن هذا الواقع المتردي، وتجسد الذات مأساة اللحظة الراهنة حين يقول :

وطني يغلق الآن أبوابه،
وأنا نازف فى التخوم القريبة.. والعمر يمضى
وزيتونتي فى أوان الذبول
إنها ليست مأساة الوطن الذى يحكمه الوارثون فحسب ولكنها أيضاً فجيعة الذات التى أدركت أن العمر يمضى دون أن يتحقق لها حلم الحرية واحترام الإنسان واستعادة الأمجاد والبطولات ولكن الشاعر العاشق للوطن والأرض لا يفقد الأمل، ومن خلال هذه الرؤية الضبابية الكثيفة للواقع المفعم بالانكسار نرى بريق الأمل فى أطفال النار والحجارة الذين ولدوا من رحم الغضب وخرجوا من بين ألسنة اللهب وينسج فؤاد طمان تفاصيل عالمه الشعري من خلا ل بناء فني محكم وتنحاز التجربة للشكل التفعيلى فى أطره الموسيقية الصارمة إن جاز هذا التعليق فيلتزم الشاعر التزاماً دقيقاً بهندسة الأسطر والتفعيلات والقوافي وإحكام البنية الإيقاعية ويحافظ على ما يعرف فى النوتة الموسيقية بـ"القرار" ويهيئ لإيقاعاته ألواناً ودروباً من البزخ الموسيقى، وتنضاف عناصر أخرى إلى الإيقاع الخارجي كالتلوين الصوتي والاحتفاء بموسيقى الألفاظ وجرسها. وقد أفاد الشاعر من انجازات الحداثة، فرفد قصائده بالعديد من سماتها وعناصرها، كتعدد الأصوات والمشاهد والأبنية الحوارية والمزاوجة بين السرد والدراما، والتلويح بالإشارات والرموز التراثية، ويعمد الشاعر إلى بنية "المقابلة"، فكثيراً ما تتقابل المشاهد التى تجسد ثنائية الورد والرصاص وتستحضر العالمين المتضادين: عالم الجمال والبراءة فى مقابل عالم الوحشية والدمار الذى يتسيده القراصنة والتتار، ومن أجمل المشاهد التى تمثل هذا العالم المتناقض مشهد الصغيرات وهن يرفلن فى أرج الفل آمنات ويقفزن آمنات خلف اليمام بينما تختلط رائحة البرتقال الذى يملأ بستان يافا برائحة البارود ورصاص الغدر. إن انشغال الشاعر بالهموم الوطنية والقومية لا يجرفه إلى "الخطابية" ولكنه يعبر عن هذه الأحداث من خلال لغة إيحائية متوهجة وصور عنقودية متنامية وإيقاعات شديدة الثراء. أما ديوان (بكائية على البحر) فيمثل الروح السكندرية أصدق تمثيل، ويطل البحر بحضوره الطاغي إطلالات تؤكد الأثر العميق الذى حفره البحر فى وجدان الشاعر وذاكرته كما تؤكد عشقه للإسكندرية المدينة الشاعرة التى تلهمه الشعر وتخلع عليه أثواب السحر والجمال. أما عنوان الديوان فيشير إلى قصيدة تحمل العنوان نفسه وهى أشبه ببكائية أو مرثية للحلم الضائع والزمن المنسرب وفيها استحضار لصحاب الشاعر ورفاقه من الأدباء والمبدعين وهم الروائي السكندري الراحل د. يوسف عز الدين عيسى وعبد المنعم الأنصاري الشاعر السكندري المتفرد وأمل دنقل الذى عاش عدة سنوات بالإسكندرية فى الستينات وانعقدت بينه وبين الشاعر صداقة وطيدة. وينحو الشاعر فى قصيدته منحى قصصياً ويعتمد على بنية "الحكى" وتنفتح القصيدة على عوالم ثرية، فتحضر الأماكن كالمقهى اليوناني "إيليت" الذى كان الفنانون والشعراء يلتقون فيه، وتحضر المدينة والبحر والفنار القديم والأصدقاء والسفن وظل كفافيس ولكن هذا الحضور يأتي فى سياق الشعور بالنقد والغربة وتلاشى البهجة :
كان " إيليت " يغلق أبوابه..
والمدينة من أول الليل نائمة ..
والمقاهي التى يلتقي بها الشعراء خاوية..
وأنا للمساءات منتسب...
فإلى أين أذهب فى هذه الغربة الواسعة ؟ !
بهذا المشهد السردى الذى يوحى بأجواء القصة يستهل الشاعر قصيدته "بكائية على البحر" ولكنه يخلع أحاسيسه الداخلية على الأماكن والأجواء المحيطة فتظل فى صورة سوداوية حزينة، فالبحر يجلله السواد والمدينة تبدو موحشة على غير عادتها والبحر لم ينجز ما وعد به والشاعر وأصحابه يبكون أحلامهم الضائعة :
أمس كان طلولاً..
وقلب المدينة كان على – غير عادته – موحشاً
موحشاً سيظل فقد رحل العاشقون..
ومن لم يسافر، مشى وحده " للفنار " القديم..
هنالك يذرع أرصفة البحر..
منتظراً طيف من لن يعود
على السفن الراجعة !
إن قصيدة "بكائية على البحر" تعد واحدة من ثلاث قصائد متتابعة فى الديوان سماها الشاعر "ثلاثية الإسكندرية"، أولها بعنوان "ما أبقت الريح" تلفتنا ببنائها وعالمها الفريد، وصورها الطازجة ومفردات البحر كالشطوط والصواري والموج والسفن والزبد الأبيض المتقافز والنوارس والدلافين ومواني الوصول، وتطل الإسكندرية بعبقها وتاريخها، ويستحضر الشاعر صورة كفافيس شاعر الإسكندرية اليوناني الأصل، وتتعانق الأماكن والصور والمرئيات، ويمتزج التاريخ بالحاضر، ويسترجع الشاعر شريط حياته فى ومضات خاطفة ويومي إلى الأحداث الملتهبة والواقع المحاصر بفوهات البنادق ويعيد تشكيل هذا الواقع بما يتسق ورؤيته الخاصة، وتختفي الصورة المتشائمة التى لمسناها فى "بكائية إلى البحر" لتحل رؤية أكثر تفاؤلاً.
ولى الموج.. والزبد الأبيض المتقافز
والطائر الأبيض المتنقل ما بين شرفة " وانلى "
وأرجوحة الزرقة الساطعة
إن حضور البحر هنا وكذلك حضور المدينة يقترن بالبهجة والأمل المتجدد والنفاذ إلى فضاء الحلم، فالنسائم قادمة من شطوط المحال، والبحر خلع رداء الحزن أو السواد الذى اتشح به وتوحد الشاعر والبحر فى صورة المغنى الذى يتغنى بأناشيد الحب للمرأة الرائعة أو المليكة المختبئة فى خدرها. أما ثالثة الثلاثة فعنوانها " أبواب البحر السبعة " وفيها نرى الشاعر العاشق للبحر الذى يستمد منه الإلهام والجمال ويعرف أبوابه وأعماقه ويبحث فيه عن جنته الضائعة :
وأنا عاشق البحر.. أودعته السر.. من يسلب البحر أسراره ؟
ورمتني العذارى اللواتي يقمن به بالهام
صباً القلب.. وانفرد الزهر منه
قصائد مسحورة
تستحيل تمائم.. أو تستحيل بنادق أو تستحيل مناديل للأعين الدامعة
هبة البحر هذى القصائد.. بعض شجون الفؤاد. وكل غزالاته الساطعة
وأنا عاشق البحر.. أعرف أبوابه
ألج الماء كل صباح..
وأمشى على موجه كالمسيح..
ولكنني سأموت على ظهره،
ذات يوم مطير
أنا والسنونو،
ولما نجد بعد جنتنا الضائعة !
إن فؤاد طمان هو عاشق البحر والمدينة ولذلك كان حضورهما طاغياً فى هذا الديوان، وما أشبهه فى هذا العشق بكفافيس عاشق الإسكندرية الذى عبر عن هذا العشق فى قصيدته الشهيرة (المدينة) التى يقول فيها : قلت سأذهب إلى أرض أخرى.. سأذهب إلى بحر آخر.. مدينة أخرى ستوجد أفضل من هذه.. لكن محاولاتي مقضي عليها بالفشل.. فقلبي مدفون هنا فى المدينة " الإسكندرية ".. لن تجد بلداً ولا بحاراً أخرى.. ستلاحقك المدينة.. وستهيم فى الشوارع ذاتها..وستدركك الشيخوخة فى هذه الأحياء بعينها.. سيصل على الدوام إلى هذه المدينة.. لا تأمل فى بقاع أخرى.. ما من سفن من أجلك.. وما من سبيل.. ومادمت قد قربت حياتك هنا فى هذا الركن الصغير، فقد خربتها فى كل مكان فى الوجود ! ألست معي فى أنك تكاد تسمع صوت فؤاد طمان ممتزجاً بصوت كفافيس فى موقفهما من المدينة وتشبثهما بها برغم أنهما لم يظفرا بجنتهما الضائعة !
2- فوزي أمين
من "الفارس والكهف" إلى "كرمة بن هانئ"
الذين يعرفون الدكتور فوزي أمين ويتابعون شعره يدركون أنه صوت شعري متفرد فهو أحد الشعراء القلائل المميزين فى كتابة القصيدة العمودية، ولو كنا نتنفس فى مناخ نقدي صحي لتهافت النقاد على شعره واحتفوا بتجربته وإخلاصه للشعر، واضعين إبداعه فى مكانه اللائق به، وقد أدرك د / فوزي أمين ما يعتور حياتنا الثقافية من خلل فآثر أن يبتعد فى صمت تاركاً الحلبة لمن هم أكثر صخباً وجلبة ممن لا يطاولون قامته الشعرية. ومن هنا نعرف لماذا اختار شاعرنا أن يكون عنوان ديوانه الأول (الفارس والكهف) قناعة منه بأن قيم الفروسية لم تعد تصلح فى زماننا فآثر الفارس أن يترك الحلبة ويفر بقيمه إلى الكهف كما فر أصحاب الكهف وانسحبوا من نير الوثنية فراراً بدينهم ومثلهم.
الديوان – إذا – إدانة لزمن طغى فيه الفساد وتراجعت فيه القيم النبيلة وارتفعت فيه الشعارات الجوفاء والأصوات الزائفة وساد فيه الجهلة والمنافقون والأدعياء وخبا فيه بريق الحب والنبل والشهامة، وأفل نجم العلم والفكر وهو ما جعل الشاعر الفارس ينسحب بقيمه ويلوذ بكهف الصمت والعزلة مثله فى ذلك مثل الكثيرين من أصحاب القيم النبيلة.
تقدم قصائد ديوان (الفارس والكهف) للدكتور فوزي أمين تجربة شاعر معاصر محاصر بالإحباط والمرارة ولا يستطيع التكيف مع الواقع فيغمره الإحساس بالفقد والاغتراب مما يتمثل بشكل واضح فى معظم قصائد الديوان ومنها (زمن الغربة – لم تزل أشياء- أغنية على الطريق – بعدك يا شعر)، فالشاعر فى هذه القصائد ينعى ما يسميه بـ "زمن الغربة" الذى انطفأت فيه مصابيح الحب، وتعرت فيه الأشياء ، وعاث فيه الأدعياء فسادا :
هذا زمان تعرى عن خسيسته
ألقى بالواحة يأسا مطهرة
وسار بالوهم بين الناس تاجره
فيم نرجى زمانا ساد مجحفة
واعشبت فى رحاب الجهل غفلته
الصدق فيه شريد الخطر تخذله
وفاض فى النهم المخزي تعففه
وعاث فى ليله إفكا مزيفه
فغالهم صبحهم فيما يطففه
وغاب فى ظلم النكران منصفه
وعن لباب النهى أغناه زخرفه
فرسانه وتخون العهد آسفه

ولا يخالج القارئ وهو يقرأ هذا الشعر أنه أمام شاعر كبير يحتفي بصنعته ويسيطر على لغته ويقدم النموذج العمودي فى أنضر أشكاله وأكثرها توهجا.
إن أزمة الذات لا تتجسد من خلال إحساس فردى أو تجربة ذاتية كالبكاء على حبيب راحل أو حب ضائع على نحو ما نجد عند الرومانسيين بل تتجسد – وهو الأهم – من خلال وجدان جماعي يعكس شعورا حاداً؛ فالإخفاق فى تحقيق الأحلام والطموحات لا لعجز فى القدرات والمواهب – بل نتيجة لاختلال الموازين والمعايير وكأنه يعكس بذلك أزمة جيل كامل ينتمي إليه هو جيل الستينات الذى أصابته الفجيعة فى طموحاته وواجه الهزائم والانكسارات، وأحبطته التحولات الاجتماعية السلبية التى أفرزت نماذج وقيماً غريبة قادت المجتمع إلى حالة أقرب ما تكون إلى الفوضى والعبثية على النحو الذى يصوره الشاعر فى قصيدة (صندوق الدنيا) الذى يوظف فيها الموروث الشعبي، ومن خلال هذا الصندوق السحري الذى كنا نلتف حوله ونحن صغار لنطوف الدنيا بعدسته الساحرة يعرض الشاعر صوراً عبثية مقلوبة للمجتمع، ومنها صورة الفارس الذى يركب الحصان والمعبد الذى يقوم فيه الشيطان بدور الكاهن، والمعذب الذى يصفق لجلاده والفلاح الذى يعطى رحيق عمره لكرمة لا ينال من ثمرها شيئاً. والمدن الشوهاء وغير ذلك من عجائب الزمان :
عجائب الزمان يا زمان
انظر ولا تسل فليس عندي
العقل والمنطق فى حمانا
ففارس يركبه حصان
ومعبد كاهنه الشيطان
مدينة ناس ولا بنيان
بحر ولا تحده شطآن
إجابة تشفى ولا بيان
مسميات ما لها مكان
وقاتل يمضى ولا يدان
ومئذنات ما لها آذان
عجائب الزمان يا زمان

ويعمد الشاعر إلى الموروث الفرعوني فيمتاح منه فى قصيدة (أحزان ايزيس) وفيها إدانة للواقع الذى جفت فيه ينابيع الخير وضاعت الأحلام الجميلة وانسحب فيها الفرسان إلى الكهوف :
إيزيس صفحاً.. لم يعد عندنا
على سفوح الوهم قد اعشبت
نقول : يأتينا الغد بالمنى
الفارس الموعود فى كهفه
إلا حكاية صبحها مرجاً
وفى دثار اليأس تستدفئ
فساءنا الأردأ والأسوأ
على أثافي عجزه مكفاً

لم يكن أمام الفارس وهو يعاين هذا الواقع المتردي الذى يهوى من سيئ إلى أسوأ إلا أن ينسحب ويتوقع ويوغل فى الزوايا المعتمة بعد أن صدأ السيف وخمدت الجزوة ومات الصهيل، وتتجسد هذه الرؤية المشبعة بروح الإحباط والانكسار فى أغلب القصائد لا سيما قصيدة (الفارس الكهف) التى اختارها الشاعر عنواناً للديوان :
اتركوني فى الزوايا المعتمة
لست فى الفرسان إن عدوا ولا
نام فى الغمض حسامى صدئاً
وجوادى منذ دهر خمدت
وخذوا شاراتكم والأوسمة
لي دور فى فصول الملحمة
بعدما ثلمه ما ثلمه
جذوة منه.. وماتت حمحمة

وتتقاطع هذه الصورة التى ترمز إلى واقع العجز والانكسار مع صورة الماضي الجميل التى طالما صال فيها الفارس وجال مفعماً بالآمال العريضة، ممتلئاً بالأحلام الكبرى :
كان يوماً معلم الوجه إذا
وأنا والسيف كم صلنا معاً
كم تناصرنا لتحيا كلمة
كر فرت كل خير معلمه
نختلي رأساً ونفرى جمجمة
وتآزرنا لتفنى كلمة


لقد آثر الفارس النبيل أن يترك الميدان حين أحس أنه عاش وجيله ضحية أكذوبة كبرى وشعارات جوفاء، واكتشف أن الزيف والفساد طال كل شيئ، وأن الحراس تحولوا إلى ذئاب ولصوص :
خدعة عشنا عليها زمناً
فإذا الأوجه لا نعرفها
وإذا الكهان فى معبدهم
وصاح المخدوع يحس ندماً
والمرايا كلها متهمة
سرقوا الرب وداسوا حرمه



وفى هذه الأجواء الفاسدة المتشحة بالزيف تصبح العزلة فى الملاذ والمأوى وتكون مبررة لأنها تحمل لكل إنسان شريف قيمة ومثل :
صدقوني إن فجراً صنته
تصبح العزلة حلماً غالياً
دونه يأنف حر مغنمه
حين تحمى لشريف قيمة

وكانت هذه العزلة إرهاصا لتجربة الشاعر الروحية وبروز الاتجاه الصوفى الذى يعد من أبرز محاور الديوان، ومن أمثلته قصائد " عالق بالذرة – الدر والصدف – الشادي والغريب – لا تذع سرنا – شجر الأسحار – أسرار المحار – خارج الزمن – قيد الخلاص.."
وفى هذه القصائد الصوفية يتجاوز الشاعر الواقع المادي إلى الزمن المطلق الخالد سعياً إلى الانعتاق والخلاص من قيود المادة، ويقيم الشاعر عالماً مثالياً نقياً تنعم فيه الذات بالبهجة والسعادة التى افتقدتها فى عالم المادة والشقاء، وترسو فيه الروح المعذبة على شاطئ الأمان والطمأنينة، وتذوق فيه النفس الظامئة لذة الوصال. إنه عالم مخملي شفاف مفارق للعالم المادي الكئيب الذى عافته النفس ولفظته لدمامته وقبحه.
وتتباين هذه القصائد الصوفية فى مضامينها ، فبعضها غنائيات عذبة أو ترانيم شجية تعكس فرحة الشاعر بلذة الوصال وما ظفر به من نعيم بعد المجاهدة والمكابدة، وبعضها يعكس حالات القرب والتجلي والصفاء كقوله فى قصيدة (ترانيم).
قل فى الهوى ما تقول
اذا صفا لي حبيبى
ولاحني يا عذول
فكل قول فضول

وفى مجموعة أخرى من القصائد الصوفية يعمد الشاعر إلى الرمز كطريقة شعراء التصوف، فيستخدم فى حالات العشق رموز ليلى وقيس وغيرهما من العشاق العذريين، كما يستخدم رموز الخمر وأدواتها فى حالات النشوة واللذة وقد يستخدم رموزاً خاصة كالشادي والغريب أو شجر الأسحار أو المحار والطير، وتتجاوز التجربة الصوفية مرحلة "الغنائية" إلى مرحلة أخرى أكثر عمقاً تمتزج فيها الفلسفة أو الحكمة بالتصوف، وتنحل فيها بعض النظريات الصوفية كوحدة الوجود مما نجده فى قصائد (شجر الأسحار – خارج الزمن – أسرار المحار – قيد الخلاص).
ومع تقلب النفس فى حالاتها المختلفة وتصوير مجاهداتها صعوداً أو هبوطاً، فإن قضية الزمن والموقف فى الحياة والموت والوجود تؤرق الشاعر وتلح عليه بشكل حاد على نحو ما يتمثل فى قصيدة " كان "، فهي من أكثر القصائد نضجاً من حيث عمقها الفلسفي وتصوير إحساس الشاعر الحاد بالزمن الذى هو قرين الفناء، فالإنسان محاصر بالموت منذ مولده، ويظل مشدوداً إليه حتى يحين أجله أو يلتف الحبل حول رقبته كما قال طرفة الشاعر الجاهلي :
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى
لكالطول المرخى وثنياه باليد

وتظل هذه الصورة تلح على خيال شاعرنا المعاصر، فالشاعران يشتركان فى إدراك هذه الحقيقة المؤلمة ولكنهما يختلفان فى طريقة مواجهتها، فقد اختار طرفة أن يواجه الموت باللذة والعب من كئوس الحياة.. أما شاعرنا المعاصر فالحقيقة تتجسد عنده بشكل أكثر حدة ومرارة من خلال رؤيته العميقة ونفاذ بصيرته ومخزونه الثقافي، مع هذا فإنه يظل عاجزاً عن المواجهة، فأحياناً يلوذ بالتصوف، وأحياناً أخرى يلازمه قلق وجودي أو ميتا فيزيقي، وينعكس ذلك على لغة القصيدة فتتسم بالتوتر الحاد من خلال اللعب بلفظ (كان) ومن خلال كثافة حروف الاستفهام المقترنة بالتعجب والحيرة الدالة على أحاسيس الشاعر المتضاربة، كقوله :









فهل أنا إلا منك يا "كان" بضعة
فأي خفايا الموت أنت؟ تسومنا
فمن أي ألواح الأساطير يستقى وإن "كان" بعض لا يزال يغامر
هلاكاً، ونهوى عندها ما نحاذر

بساحك فن الطي والنشر ساحر؟
ورغم هذا الإحساس الحاد بقضية الزمن والموت والفناء، فالتجربة تنتهي بالتسليم بحتمية الموت والقناعة بأنه لولا الموت ما كانت الحياة.
وتؤدى البنية الرمزية دوراً بارزاً فى إثراء التجربة، ومن القصائد ذات الكثافة الرمزية قصيدة (الشجرة والمصير) فهي فى أحد أبعادها تصف شجرة جف رواؤها وهجرتها الطيور وغدت – وهى جرداء – غريبة بين الرياض وكأنها منبوذة. ثم تسوح الشجرة فى الزمن الذى مضى – وهى القضية التى تؤرق الشاعر – فتتذكر نضارته حين كانت عروس الروضة التى تخطب ودها الطيور ويستجير بفيئها من لفحتهم الشمس بلظاها. وتتقابل الصورتان الماضي والحاضر – وتتجلى المفارقة بين الماضي السعيد والحاضر الكئيب بما ينطوي عليه من ذبول وجدب وأفول، وهنا تتحول الشجرة إلى رمز خصب ثرى متعدد الدلالة، فهي قد ترمز إلى الإنسان فى صراعه مع الزمن حين يتمثله فى زمنين متضادين: زمن الشباب الذى رحل بنضارته وحيويته وعطائه، وزمن الأفول أو الغروب عندما تغرب شمس الشباب وتضيع النضارة ويجف الرواء ويصير وحيداً منبوذاً مقروراً كتلك الشجرة العارية بين الرياض فلا يبقى لها إلا انتظار المصير أو مجئ صاحب البستان ليهوى عليها بفأسه كما يحصد الموت الرؤوس بمنجله، وربما انسحب الرمز تحديداً على امرأة طالما أعجبت بجمالها وشبابها حتى أذهب الزمن نضارتها وصارت كتلك الشجرة العجوز. ولا تقف القصيدة عند هذا البعد وحده بل تتجاوزه إلى أبعاد أخرى، فتصبح الشجرة كذلك رمزاً للأمة التى كانت تزهوا بماضيها وأصبحت عاجزة تواجه الذبول والأفول. ويؤدى التضاد التعبيري دوره فى إبراز التناقض بين صورة الشجرة فى حالتها.
وتؤدى البنية الحوارية دورا ً فاعلاً فى تعدد الأصوات وتجاوز الغنائية أو الصوت الواحد، وكثيراً ما يتردد صوت المجموع معبراً عن وجود أزمة أو هوة أو فجوة فى الرؤية بين الشاعر والجماعة كما يتمثل فى هذه الحوارية فى قصيدة "من مواجد قيس"
قالوا: لقد جن..قلت : ما تعبي
قالوا: تعرى.. فقلت : ما أربى
قالوا: لقد جاع..قلت:قد طعمت
قالوا: لقد ضاع..قلت: ضيعني بالعقل.. والحق تاه مقطعه ؟!
فى الثوب؟ حسبي منه مرقعه
روحي.. وخير الطعام أنفعه !!
من فى الهوى عشت لا أضيعه

ويلفتنا البناء التصويري بحداثته وثرائه وتنوع مصادره وأنماطه، فمن الصور ذات الظلال الدينية :
وأنادى.. يا نار كوني سلاماً
زمر الشر أحدقت بى وأنى
لفؤادي ورحمة يا سماء
لي عصا المعجزات أو لي "حراء"

ويستوحي هذه الصورة الدامية من التاريخ الإسلامى :
ساحة للقتال.. كـر..وفر
وأنا السهم والقتيل.. " يزيد "
ولواء يعلو.. ويهوى لواء
" وحسين " ومهجتي "كربلاء"

ومن الصور التى تأسرنا بحداثتها وغرابتها وإيقاعاتها الصوتية هذه الصورة من قصيدة " بعدك يا شعر " :
نبذتني بالعراء.. ما نبتت
والريح صر شيطانها نزق
والزاد نبت الجحيم آكله
شجيرة تنفى بها هتنه
والليل قر.. زنديقه دجنه
جوعان..أقصى هزاله سمنه !!

ويستمد هذه الصورة من أسطورة " سيزيف " فى تجسيد عميق لصراع الإنسان مع الزمن وشقائه الوجودي :
آه يا صخرة ينوء بها ظهري
أما آن للطريق انتهاء ؟!

ويتحقق "التناص" على نحو فعَّال يمنح التجربة، وتتنوع أنماط التناص وطرائقه، ففي قصيدة " أينا آهة الأوجاع " يتوحد الشاعر المتنبي فى ميميته الرائعة "حتام نحن نسارى النجم فى الظلم" فتمتزج أنفاسه بأنفاسه اللاهبة وتوحد اللغة والمشاعر بصورة رائعة، وكذلك الحال فى قصيدة " من مواجد قيس " كما توحد مع أبى الفتح السكندري بطل مقامات بديع الزمان الهمذانى مجسداً أزمة الأديب ومحنته فى كل عصر.
3- عبدالحميد محمود
التناص فى ديوان "شجرة اليقطين"
يطل الشاعر الدكتور عبد الحميد محمود فى ديوانه (شجرة اليقطين) فى ثوب جديد، ويعد الديوان إضافة جديدة قياسا بتجاربه السابقة سواء على مستوى الرؤية أوالمضمون، فهو ينحاز فى هذا الديوان إلى الإطار التفعيلى، فلا يتضمن الديوان سوى قصيدة عمودية واحدة هى (أمطري الآن) من مجموع الخمس عشرة خلافا لدواوينه السابقة التى طغى فيها الإطارالعمودى على التفعيلى.
وفى هذا الديوان يؤكد الشاعر وعيه الحداثى، ويتكئ بصفة خاصة على الأبنية الرمزية وأبنية التناص، وهو ما يتضح منذ الوهلة الأولى من دلالات العنوان (شجرة اليقطين) حيث يحيل على قصة يونس عليه السلام حين خرج من بطن الحوت فى إحالة إلى الآيه الكريمة من سورة الصافات: فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ.

وتنفتح تجربة الشاعر على فضاءات رحبة ، فهي تمتاح من التراث الديني لاسيما قصة يونس تجربة الامتحان والابتلاء ثم النجاة، وهو ما تؤكده الصور الشعرية وبنية التناص التى تعكس جهامة الواقع وانزعاج الشاعر من التحولات السلبية فى تضاريس السياسة العربية، ويعكس خطابه الشعري تلك الرؤية المتشائمة للواقع الذى خيم عليه الهم وغاضت لحظة الفرح الشجية (فالعناقيد تدلت ثم ذلت).
ولا تقف معاناة الذات عند الهموم العامة بل تعانى هى الأخرى من هذه التحولات السلبية :
ها هو البحر والصخرة النائية
والنوارس فى صرخة عالية
تفزع العاشقين
لم تعد صخرتي...صخرتي
وبرغم جهامة الواقع وقسوته، وبرغم معاناة الذات، فإن خطاب الشاعر لا يركن إلى اليأس أو الاستسلام، بل يتسم بالتحدي والمواجهة :
ولدت للمواجهة
ورغم رقة البداية المبشرة
وخسة الذباب والبعوض والهوام
وجدت حضنك الأمين
يا شجرة اليقطين
يظلني.. ويطرد اللئام
إن شجرة اليقطين هى طرق النجاة الذى ينتشل الشاعر من هوة الواقع الكئيب فيظلله ويوفر له الأمن والأمان .
وتتنوع أنماط التناص لتؤكد هذه الرؤية التى يؤرقها التحول السلبي للواقع، ويشع التناص من دلالات المفتتح :
كان البغاث بأرضنا يستنسر
من يا ترى جعل النثور بغاثا ؟
فالتناص هنا يرصد حالة التحول من القوة إلى الضعف، وكثيرا ما يعمد الشاعر إلى الإحالات القرآنية كما يتمثل فى قصيدة (مريمية)؛ يقول:
التمر آيات الحقيقة فوق أشجار النخيل
من يحمل القول الثقيل ؟
من يجمع الثمرات حتى يقرأ المعنى الجميل ؟
وفى خطابة التحذيري ينفتح التناص على الأحداث والإشارات التاريخية كالإحالة إلى مقولة السيد محمد كريم أحد أبطال المقاومة :
فى نحرة يأس
فى قلبه وجع
اليوم بى وغدا بكم
وتفجر الشيخ
وتؤدى الصور اللونية دورا بارزا فى تجسيد الرؤية، ويلفتنا شيوع اللون الأحمر بكثافة حتى أن قصيدة كاملة هى (لقاء الدماء) تتكئ كلها على دلالات اللون الأحمر وتنحو منحى رمزيا فى تصوير الواقع العربى. وكثيرا ما يتشابك اللونان الأحمر والأسود فى ثنائية تؤكد معادلة (الدماء/الظلام) كما نجد فى هذه الصورة :
نهم يلهث من خلف نهم
ودم أسود فى حضن دم أحمر
إنه الآن سواء
وقد تتشكل الصورة اللونية من خلال تصارع هذين اللونين (الأحمر والأسود) فى سياق التضاد، كقوله :

ولم تزل هياكل الأشجار ترتدي السواد
ولم تزل غمامة حمراء تصبغ الوهاد
وإذا كان تغلغل اللون الأحمر بهذه الدرجة من الكثافة يبدو أثرا من آثار اشتغال الشاعر بالطب، فإن ثمة تأثيرا آخر يتمثل فى الطابع التاملى أو الحكمي الذى ينبث فى قصائد الديوان انعكاسا للمهنة ذاتها.
4- حميدة عبدالله
إن تجربة حميدة عبدالله تستحق التأمل والمتابعة لأنه أحد الأصوات النادرة فى الشعر السكندري التى تنحاز للحداثة وتميل إلى التجريب.، فالمفهوم الشعري عند حميدة عبدالله يصدر عن رؤية حداثية مغايرة للمفاهيم الشائعة والأطر الموروثة وهذا المفهوم لا ينعكس على المضمون وحده بل يتجاوزه إلى بناء القصيدة لغة وصورة وإيقاعا، فهو يحطم البناء الأحادي ويعمد إلى التعددية فيمتزج النثري بالتفعيلى وأحياناً العمودي، وتتداخل هذه القوالب بحيث تمتزج فى مزيج واحد ساعيةً إلى إثراء البناء الشعري معمارياً وداخلياً. وتكتسب اللغة الشعرية فى شعر حميدة طابعاً خاصاً، فتعتمد اعتماداً كلياً على المزاج والانزياح وتكثيف الدلالة وتوسعها مستهدفة الوصول إلى صيغة شعرية خاصة وصياغة معرفية تتجاوز المألوف.
إن الرؤية الشعرية تقترب إلى حد كبير من مقولة أرسطو: إن عمل الشاعر ليس رواية ما وقع، بل يتجاوز وقوعه. فى شعر حميدة يتحقق ما يسميه كمال أبو ديب جماليات المجاورة؛ فالنص الشعري عنده لا يتأسس على ركيزة الوحدة بالمفهوم التقليدي. إن حضور الجسد الفاعل بشكل مكثف، هو حضور لحالة الخلق والتفاعل والصيرورة التى تنتظم الكون كله وكأن الجسد هو محور الوجود والخلق.
ونشهد حضوراً قوياً للذات الفاعلة التى تحمل بذور الخصوبة وتطمح إلى نفض الغبار عن الأشياء وتمارس فاعليتها كالسحابة الممطرة التى تحيل الموات إلى حياة، والجدب إلى خصوبة :
سوف أنفض عنك الغبار،
وأمطر فيك، سحاب النهار
وأجلو عيونك بالدمع..
دمع انصهارك فى صلب جوعي
وأرسم وشماً
على الزند شمساً، وسنبلة وقيامه
وهناك حضور كبير للناس وأصدقاء وأطفال الشاعر وزوجه ووالده الذى يرى فيه نموذج البطولة :
ليتكم تعرفون أباه الذى
ضمرت فرحتاه على قلبه..
يدخل الحقل "هذا هو الملكوت"
فالأب الكادح فى حقله هو البطل الحقيقي لأنه يمارس دوره الفاعل فى الإخصاب والإنبات وكثيراً ما يضفى الشاعر على موضوعاته أبعاداً وظلالا فلسفية، فهو يرى أن كل شيئ له قيمة فى الوجود حتى الحجر لأنه يضيف إلى الطبيعة وهذا فى حد ذاته ضرب من البطولة وهو ما يعبّر عنه فى قصيدة " غواية " حين يقول :
رأى كل شيئ له فى الوجود بطولته.. فغوى ..


وهو حينما يعمد إلى هذه الرؤية الفلسفية فهو يعبر عن فلسفته فى الحياة، وهو يراها فلسفة واقعية، فالإنسان فى نظره هو الذى يصنع تاريخه فى الأرض بالكدح وليس بالتهويمات وإذا كان للأشخاص حضور فاعل فى شعر حميدة، فإن للمكان كذلك حضوره وكثيراً ما تتقابل صورة المدينة والريف، وبرغم كون الشاعر ريفياً فإنه لم يصطدم بالمدينة ولم يرفضها كما رفضها شعراء آخرون فالمدينة فى نظره هى الحضارة، ومفجر المعرفة والنور، ومع ذلك فهو لا ينحاز كلياً إلى المدينة بل نراه يشكك فى مقولة "سقراط" عنها ويحاول أن يمارس دوره السلطوي الفاعل معها :
لم يكن مؤمناً بالذي قال سقراط فيها..
فلما مشى أدركته النساء وأوسعنه جدلاً :
كيف من جسد تطلع الشمس..
يبدأ من مقطع لغوى هبوط الفضاء المغيب
ينهض من كبوة أرق الشعراء
وطير يطير ؟
حين مشى فى شوارعها
خربته وخربها كي تلائمه
والغريب حقاً أن علاقة الشاعر بالمدينة تقوم على التخريب المتبادل " خربتها وخربتني " وذلك حتى يتحقق التكافؤ والمثالية من وجهة نظر الشاعر الذى يبحث عن الندية والتكافؤ فى علاقاته بالكائنات والأشياء، ومن هنا تبرز صورة المرأة بوصفها ندا ومفجراً للمعرفة والوعي كما أن الجسد هو مفجر المعرفة الأولى فى شعر حميدة عبدالله أنه ينفتح على الثقافة العالمية بالقدر نفسه الذى ينفتح فيه على الحياة اليومية، فهو في "وداعاً لمسافة ما "يستحضر شخصية كازانتاكس" بينما نجده فى، فضاء ثقيل" يتحاور مع زوجته وأولاده، وهو حين يصدر عن رؤية فلسفية فى بعض مواقفه، نجده يسخر من الميتافيزيقا ويعايش حياة البسطاء والكادحين ويمارس ضرباً من الصعلقة فى علاقاته وهو ما يعكس ثنائية فى الرؤية ربما لإيمانه بأن الحياة مليئة بالتناقضات والنتوءات والتضاريس ولا تنم عن وحدة وهو ما يفسر سعى الشاعر لنسف مفهوم الوحدة فى قصائده والانحياز إلى الشظى والتعدي، فنجد تضفيراً لقصيدة النثر مع التفعيلى أو نجد قصيدة النثر الخالصة، فالقصيدة معادل للحياة وما إن يفرغ القارئ منها حتى يدخل فى فضاءات رحبة من التأويل والمتعة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://elgendy.ahladalil.com
عادل عوض سند
نائب المديرالعام

نائب المديرالعام
عادل عوض سند


الدولة : مصر
عدد الرسائل : 19900 نقاط : 20417 تاريخ التسجيل : 07/01/2009
بطاقة الشخصية
مرئى للجميع:

د/ فوزى عيسى فى قراءات نقدية Empty
مُساهمةموضوع: رد: د/ فوزى عيسى فى قراءات نقدية   د/ فوزى عيسى فى قراءات نقدية Icon_minitimeالأحد مايو 23, 2010 5:11 am

استاذ / عاطف

شكراّ على نشر تلك القراءة النقديه

من قبل ناقد فذ لشاعر كبير ...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بنت النيل
عضو مجلس الإدارة
عضو مجلس الإدارة
بنت النيل


الدولة : مصر
السمك الفأر
عدد الرسائل : 3733 52
نقاط : 2683 تاريخ التسجيل : 03/05/2007

د/ فوزى عيسى فى قراءات نقدية Empty
مُساهمةموضوع: رد: د/ فوزى عيسى فى قراءات نقدية   د/ فوزى عيسى فى قراءات نقدية Icon_minitimeالسبت يوليو 03, 2010 6:12 am

شكرا لمنقولك الجميل و المهم أستاذ عاطف الجندى
بارك الله فيك
لقد استفدت كثرا و هذا دورك الجميل فى الاتيان لنا بكل مفيد و رائع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
د/ فوزى عيسى فى قراءات نقدية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قراءات
» قراءات في المحظور
» قراءات فى المسرح / د رزق بركات
» قراءات متعددة في ذاكرة الخسران
» المرتد_محمد فوزى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
عاطف الجندي :: منتدى الإبداع الأدبى :: نقد ومقالات-
انتقل الى: