العرب والمسرح
د/ محمد أبوعلي*
مؤتمر مطروح مايو 2010
المسرح بمعناه الاصطلاحي الدقيق، فن جديد، ولج باب حضارتنا في النهضة الحديثة، التي أعقبت الحملة الفرنسية على مصر, فإذا أردنا الحديث عنه، فنّا له أصوله وأدبه؛ فعلينا أن نسقط من حديثنا، ألوان الملاهي الشعبية، التي قد تحوي أشكالا مشابهة من هذا الفن ولكنها مختلفة عنه اختلافاً كبيراً. إذ لا بد من التحديد الدقيق، الذي يهيئ لنا تميز هذا الفن عن غيره من ألوان التسلية الشعبية، كخيال الظل والقرقوز وأعمال المقلدين والشعراء الشعبيين؛ فمثل هذه الألوان، لا تندرج في سجل هذا الفن، وإن حوت بعض عناصره الشكلية .
لم تتأثر المسرحيات في أدبنا العربي لا في نشأتها ولا في نموها، بشيء من المسرحيات الفرعونية( ) على فرض وجود تلك المسرحيات تاريخيا فيما يدعيه بعض الباحثين، استنتاجاً من نصوص أساطير دينية متفرقة في صورة حوار، فعلى فرض تمثيل الأساطير الدينية الفرعونية في القديم، ليس لدينا دليل على أن المسرح عند قدماء المصريين قد تجاوز النطاق الديني المحض إلى مسائل الإنسان ومشاكله، على نحو ما كان عند الإغريق الذي انفصل المسرح – عندهم – عن دائرة الدين، وخرجت الدراما من المعابد .
ومن الثابت بعد ذلك أننا لم نرث شيئاً من ذلك التمثيل لنتأثر به في مسرحياتنا العربية، إذ كانت قد انقطعت صلاتنا بمصر القديمة بانتشار المسيحية أولا، ثم بالفتح العربي وانتشار الإسلام الذي به أصبحت مصر عربية في ثقافتها وحضارتها ( ).
ولم يعرف الأدب العربي القديم المسرحيات ولا فن التمثيل كما هو في العصر الحديث أو قريب منه، إذ ظل محصوراً في نطاق الشعر الغنائي وأدب الرسائل والخطب، على الرغم من معرفة العرب آثار اليونان الفكرية، وعلى الرغم من ترجمتهم أرسطو، فإنهم لم يحاولوا احتذاء اليونانيين في التمثيل ولا ترجمة شيء من مسرحياتهم .
ولذا فقد ذهب كثير من النقاد والدارسين فى تعليل عدم وجود الظاهرة المسرحية عند العرب القدماء إلى مذاهب مختلفة:
فقد تطرق طه حسين في كتابه في الأدب الجاهلي إلى الشعر التمثيلي، وأخضع هذا لمنهج برونتير في النشوء والارتقاء، المنقول عن نظرية داروين وأكد أهمية العوامل السياسية والاجتماعية والدينية في تطوير الشعر اليوناني وفي ملاءمته لعصره وبيئته( ). ولكنه عندما تحدث عن الشعر العربي جعل التقليد عاملاً وحيداً في نشوء فن ما عند شعب من الشعوب، وقد لام شيوخ المدرسة القديمة لأنهم حاولوا أن يثبتوا وجود القصص والتمثيل في الشعر، على اعتبار أن العامل النفسي ممثلاً بالنزعة الفردية، هو السبب الذي حال بين العربي والشعر التمثيلي إذ يقول : "فأنت ترى أن شيوخ المدرسة القديمة يخلطون ويفسدون الأمر، حين يرون أن في الشعر العربي قصصاً أو تمثيلاً، والحق أن الشعر العربي غناء كله، فيه مميزات لشعر الغنائي، فهو شخصي يمثل قبل كل شيء نفسية الفرد وما يتصل بها من عاطفة وهوى وميل، ... وهو في أول أمره معتمد على الموسيقى، ليس من شك في أنه كان يغني غناء، ثم استقل عن الموسيقى شيئاً فشيئاً وقل فيه تأثير الغناء، حتى أصبح ينشد إنشاداً، والإنشاد شيء بين القراءة والغناء ، وهو في الشعر كالترتيل في القرآن "( ).
وعندما ناقش توفيق الحكيم هذه القضية قال "إن المجتمع البشري يدرج ويشب متغنياً بأحلامه ثم يأخذ بعدئذ في سرد أعماله، ثم يعمد آخر الأمر إلى تصوير أفكاره "( ).
لقد قسم هيغو تاريخ البشرية إلى ثلاثة عهود العهد الفطري والعهد القديم والعهد الحديث، فالعهد الأول هو عهد الشعر الغنائي وهو عهد الفتوة, والثاني هو عهد الملحمة أما العهد الأخير فهو عهد العملية التمثيلية، وفيه يتجلى الشعر الكامل لأنه يحوي في داخله شيئاً من الغناء وشيئاً من الملاحم، باختصار يرى هيغو أن الشعر يبدأ في أمة من الأمم غنائياً ثم يصبح ملحياً ثم يغدو تمثيليا.
وقد استعان الحكيم بهذا الرأي ليثبت أن العرب مروا في شعرهم بهذه الأطوار الثلاثة، ولكن على صعيد المضمون لا الشكل ، "فالشعر العربي قد تغني بالأحلام، ووصف الحروب؛ وصور الأفكار؛ دون أن يغير في طريقته، أو يخرج عن قالبه أو ينحرف عن أوضاعه" ( ). إذن فقد تم التطور من ناحية المضمون لا من ناحية الشكل.
وعندما تحدث محمد مندور عن هذه الظاهرة، وجد أن الشعر العربي القديم قد تميز بسمتين أساسيتين هما: النغمة الخطابية والوصف الحسي، وهاتان السمتان لا تنتجان شعر الدراما، لأن شعر الدراما يقوم – كما يقول – على الحوار المختلف النغمات، لا على الخطابة الرنَّانة، كما يقوم على خلق الحياة والشخصيات وتصور المواقف والأحداث، لا مجرد الوصف الحسي الذي يستقي مادته من معطيات الحواس المباشرة، ولا يلعب فيها الخيال إلا في التماس الأشباه والنظائر، ومدّ العلاقات بين عوالم مختلفة عن طريق اللغة بفضل التشبيهات، والاستعارات، والمجازات المختلفة"( ).
وقد قارن مندور بين الأساطير العربية وأساطير اليونان؛ فوجد أن نموها ليس مطردا، ولم يتوفر عنصر الدراما في الأساطير العربية، كما توفر في أساطير اليونان، ويحيل السبب مرة أخرى إلى الشعر العربي لأنه ظل غنائياً لم ينفصل عن قائله، لذا فقد نفي مندور أية معرفة لعرب ما قبل الإسلام بالفن المسرحي أو الفن الملحمي على الرغم مما وصفوا من أيام وحروب.
وإذا كان مندور قد وجه اتهاما إلى الخيال العربي حين عده قاصرا؛ فقد وجدنا أحمد أمين منصفا في رده على أوليرى عندما قال: " إن العربي ضعيف الخيال جامد العواطف " إذ وجد أن هذه الفكرة منشؤها انعدام الشعر القصصي والتمثيلي في الشعر العربي، فهو يقول: "أما ضعف الخيال فلعل منشأه أن الناظر في شعر العربي لا يرى فيه أثر للشعر القصصي ولا التمثيلي ولا يرى الملاحم الطويلة التي تشيد بذكر مفاخر الأمة، كإلياذة هوميروس وشاهنامة الفردوسي"( ).
ومن العوامل التي تصور بعض الدارسين أنها شكلت حائلاً بين العرب والمسرح العامل الجغرافي الذي عدّه توفيق الحكيم من أهم العوامل، إذ يرى أن العربي القديم قد تعرف على هذا الفن، وشاهد المسارح الرومانية، إلا أن عدم الاستقرار كان عاملاً قوياً حال بينه وبين نقل هذا الفن لأن المسرح يتطلب أول ما يتطلب: الاستقرار !.. افتقار العرب إلى عاطفة الاستقرار، هو في رأيي السبب الحقيقي لإغفالهم الشعر التمثيلي، الذي يحتاج إلى المسرح"( ).
لكن ألم يعرف العرب الاستقرار في الدولة الأموية والدولة العباسية؟ ألم يعرفوا حياة المدية المستقرة ؟ والجواب عند الحكيم بسيط، وهو أن العرب في الدولة الأموية وما بعدها ظلوا يعتبرون شعر البداوة، والصحراء مثلهم الأعلى، الذي يحتذي، وينظرون إلى الشعر الجاهلي نظرتهم إلى النموذج الأكمل، الذي يتبع!"( ).
فاعتزاز العربي بشعره أغناه عن ترجمة أشعار غيره وهذا بالفعل ما أكده النقاد القدماء أمثال ابن قتيبة وغيره، وقد أشار إلى ذلك أحمد أمين معتمد على رأى لابن قتيبة في كتابه الشعر والشعراء إذ يرى "أنه من الصعب العثور على معان يونانية وردت في شعر العرب في العصر الإسلامي وبعده، وعلى ذلك أن العرب وهم العنصر الحاكم كانوا متعصبين حد التعصب لشعرهم، لا يسمحون فيه بابتكار أو تحوير في الأساس فنظم البيت، وبحر الشعر، وقافية القصيدة، ونحو ذلك أشياء مقدسة لا يصح أن تمس بسوء..."( ).
وهناك من يردّ عدم معرفة العرب للمسرح إلى طبيعة تركيب المجتمع الجاهلي، فقد أشار العقاد إلى أهمية العوامل الاجتماعية في تشكيل حضارة شعب من الشعوب – عنده – أن التمثيل هو بعض الفنون التي ترتبط بالحياة الاجتماعية فإنما يقوم التمثيل من الناحية الاجتماعية على التجاوب بين الأفراد والأسر.. ولم يكن في مجتمع البداوة مجال كبير لهذا التجاوب الكثير بين أسرة وأسرة وبين إنسان وإنسان "( ).
ونستطيع القول إن المسرح العربي كان وليد ( الحاجة ) ولم يكن وليد (الموروث الثقافي )؛ فقبل قرن ونصف لم يكن له وجود عند العرب, وعلى الرغم من تطاول الحضارة العربية على مدى أربعة عشر قرناً وعلى مدى قارات العالم القديم الثلاث، وعلى الرغم من استيعاب العرب لثقافات الشعوب جميعاً وهضمها وتمثلها وإعادة صياغتها فكراً وعلماً وأدباً واقتصاداً، فإنهم لم يعرفوا المسرح لا لأنهم لم يشاهدوه بل لأنهم لم يحبوه. فلا شك أن التجار الذين كانت لهم علاقات بأوروبا شاهدوا أطرافاً من هذا الفن الذي كان يعود إلى الحياة في أوروبا حين كان العرب في ذروة قوتهم السياسية والحضارية لكنهم لم يألفوه. وإذا أخطأ مترجمو أرسطو في فهم المسرح فلأنه لم يكن من عدة ثقافتهم ولا ملبياً لحاجاتهم. ومن هنا ندرك عقم المحاولات الحديثة التي أرادت أن تثبت أن العرب في ماضيهم القديم عرفوا أشكالاً من المسرح. وليس هنا مجال الحديث عن هذه المحاولات وعن أسبابها. لكننا ننتهي منها إلى أن العرب لم يعرفوا المسرح بشكله المعروف كتابة وتمثيلاً إلا في أواسط القرن التاسع عشر، وأنهم نقلوه عن أوروبا نقلاً حرفياً. ثم أخذوا يعملون فيه تعريباً وتقريباً لذوقهم. وقد اندفعوا نحوه لشعورهم بالحاجة إليه . فحين أخذوا يفيقون من ظلمات التخلف التي أوغلوا فيها منذ بداية الفتح العثماني، أخذوا يتعلقون بكل المظاهر الحضارية التي كانت سائدة في الغرب. وكانوا يلهثون لاستدراك ما فاتهم من تطور العلوم والآداب خلال أربعة قرون سبقهم فيها الغرب وآن لهم - وقد فتحت عيونهم - أن يعودوا إلى مواكبة الحضارة وتقليدها حتى يتمكنوا بعد النقل عنها إلى التأثير عليها والإضافة إليها.
وهكذا مما تقدم نلحظ أن أسباباً متعددة تصورها الدارسون فسروا بها غياب المسرح عن الحضارة العربية، بيد أنه ليس من الواجب أن ينشأ الفن المسرحي عن عرب الجاهلية لأن الفن المسرحي ليس ظاهرة طبيعية مطردة، واجبة الوجود في كل أمة من الأمم وإنما هو وليد الحاجة الاجتماعية والثقافية وليس إرثا حيا في النفوس( ).
وعلى الرغم من إشارة بعض الدراسات إلى عدم معرفة العرب للفن المسرحي، قبل الإسلام وبعده، وأنه لا علاقة للوثنية به؛ ذلك لأننا عدمنا وجود نص ديني يحض على تحريم هذا الفن أو فتوى تمنع مزاولته، ولكن اتفقت معظم آراء الدارسين على أن الإسلام قد حال دون اقتباس هذا الفن، لأنه يتعارض مع روح الدين الإسلامي ولأنه يتعارض مع الطبيعة العربية.
فقد رأى بعض الدارسين أن الثقافة اليونانية أثرت تأثيراً فعالاً في المسلمين، ذلك أن اتصالهم بها صاحب عصر التدوين، فكان التأثير على صعيدي الشكل والمضمون، ومقابل العديد من الترجمات من الكتب العلمية، فإننا لا نعثر على كتاب أدبي يوناني, وعلة ذلك أن الفلسفة والعلوم عالمية، والأدب قومي، ذلك أن الفلسفة والعلم نتاج العقل، والعقل قدر مشترك بين الأفراد والأمم.. أما الأدب فلغة العواطف، وليس للعواطف منطق يضبطها، والأدب ظل الحياة الاجتماعية، ولكل أمة حياة اجتماعية خاصة بها تمتاز عن حياة الأمم الأخرى في أشكالها ومراميها؛ من أجل ذلك تذوق العرب، منطق أرسطو وطب جالينوس ولم يتذوقوا إلياذة هوميروس"( ).
أضف إلى ذلك أن العرب لم يستعينوا بالثقافة اليونانية بشكل عشوائي، بل بشكل مخطط ومنظم، راعوا فيه التعاليم الإسلامية والثقافة العربية؛ فهناك من كان ينظر بإحدى عينيه إلى الثقافة اليونانية، وبالعين الأخرى إلى التعاليم الإسلامية والثقافة العربية، فيختار من الأولى ما يتفق مع الثانية"( ).
لذا فقد تعامل العرب مع النصوص اليونانية بحذر شديد، ومن هنا فقد اتفقت الآراء على أن الوثنية هي العامل الأول في عدم تعرف العرب على هذا اللون من ألوان الفنون؛ فالأدب اليوناني هو أدب( ) وثني، تعددت فيه الآلهة وعُبدت الأبطال لهذا فقد امتنع المترجمون عن ترجمة هذا النوع من أنواع الأدب، ذلك أن الدين الإسلامي دين توحيد وتنزيه لله تعالى .
وهناك من يرجع غياب المسرح عن التفكير الإسلامي إلى أن الإسلام قد اتسم بالواقعية والعقلانية، لذا لم يتكون النمو الشعري والنمو الأسطوري، وما دامت الأساطير لم تظهر فإن الملاحم لم تظهر أيضاً السبب في ذلك – كما يرون – أن الإسلام هو ملحمة بحد ذاته، ملحمة مرتبطة بالواقع ( ).
ويرى العقاد أن نشوء المسرح في أمة ما مرهون بتوفر عوامل متعددة، وقد ربط في ذلك بين نشأة المسرح في اليونان القديم، والعوامل التي مهدت له فقال: أما انفراد اليونان بتجديد الفن المسرحي في الزمن القديم فله أكثر من سبب واحد، وقد نلخص جميعها في هذه الأسباب الثلاثة الآتية وهي :
1- الشعائر الدينية
2- نشأة المجتمع الديمقراطي في المدينة
3- موافقة عصره الذهبي الذي ازدهرت فيه ملكات الأمة اليونانية( ).
إذن لا بد من توفر جو ملائم يتسم بشرط محددة لنشأة فن المسرحية في بلد ما، ولما لم تتوفر هذه الشروط في الأمة العربية فقد عدمنا نشأة هذا الفن .
ولادة المسرح العربي
ولعل أول إشارة إلى وجود مسرح فني، في تاريخنا الحديث، هي التي نقع عليها في كتاب حملة مصر، الذي وضعه لاجونكيير، إذ جاء فيه: "كان يؤثر عن بونابرت تشجيعه إقامة الحفلات الموسيقية، وقاعات التمثيل. وكان أعضاء لجنة الفنون، يتولون تنظيمها . ولقد ارتجلت البداهة الحاضرة، في بادي الأمر، ألوانا كثيرة من المقاهي، ومنها النادي الصغير المعروف باسم تيفولي، وهو مكان فسيح، يخصص للضباط دون غيرهم، ليسمروا فيه. وهو يبني عادة في المستعمرة الفرنسية الصغيرة، مستقلاً عما حوله. وكان يصحب افتتاح هذا النادي، استعراض للجيش، تطلق خلاله المناظير في الهواء" ( ).
وأشار زيدان في "تاريخ آداب اللغة العربية" إلى مثل هذه المسارح، فقال:
" أما التمثيل كما هو عند الإفرنج لهذا العهد، قد جاءنا مع حملة بونابرت عند قدومه إلى مصر في جملة ما حمله كالطباعة والصحافة وكان بين رجال حملته العلمية رجلان من أصحاب الفنون الجميلة وكبار الموسيقيين، وقد مثلا بعض الروايات الفرنسية بمصر لتسلية الضباط، واشتغل الجنرال مينو بتشييد مسرح التمثيل سماه مسرح "الجمهورية والفنون" لكن ذلك كله ذهب بذهابهم، وليس هو في كل حال تمثيلاً عربياً، وكانت مصر أسبق بلاد الشرق إلى هذا الفن، لكنها تخلت من ذلك إلى أختها سورية ( ).
يحدد النص التاريخ الذي تعرفت فيه البلاد العربية إلى المسرح، لا إلى تأسيس المسرح العربي، فالمسرح الذي عرض في مصر عن طريق الحملة الفرنسية لم يكن مسرحا عربياً، لا من ناحية اللغة ولا من ناحية التأليف، ولا من ناحية الإخراج، والرابط الوحيد الذي ربطه بالعرب أنه مُثّل على أرض عربية، لذلك ذهب بذهابهم – كما يقول النص – وهذا ما كان قد أكده الجبرتي (1754 – 1822) من قبل في معرض حديثه عن الحملة الفرنسية في مصر إذ وصف المسرح بأنه عبارة عن محل يجتمعون به كل عشر ليال، ليلة واحدة يتفرجون به على ملاعيب يلعبها كل منهم بقصد التسلي والملاهي مقدار أربع ساعات من الليل، وذلك بلغتهم ولا يدخل أحد إليه إلا بورقة معلومة وهيئة مخصوصة"( ).
ومما لا شك فيه أن جورجى زيدان يقصد إلى القول بأن: مصر أسبق بلاد الشرق إلى هذا الفن من ناحية المعرفة لا الممارسة فهو يقول في موضع آخر:"لم يدخل التمثيل الحديث إلى اللغة، إلا في أواسط القرن الماضي والسوريون أسبق المشارقة إلى اقتباس لما توفر لديهم من أسباب الاختلاط بالإفرنج وإتقان لغاتهم والرحلة إلى بلادهم، ومشاهدة مسارحهم ومطالعة مؤلفاتهم"( ).
ونستطيع أن نقول إنه قد تمت ولادة المسرح العربي - وهو فن جديـد طارئ لا جـذور له في الحياة الثقافية والاجتماعية العربية القديمة - بين منتصف القرن التاسع عشر ونهايته. وكانت هذه الولادة تعاني في جميع الأقطار العربية من مشاكل واحدة؛ فالمسرح الناشئ كان يقابَل بالتثبيط لأنه فسق وفجور – من وجهة نظر المحافظين والمتشددين - أكثرَ مما يُتَلقّى بالترحيب لأنه وجه حضاري. وفي الوقت نفسه كان المسرحيون العرب يتعلـمون أصول هذا الفن من أوروبـا ويـتأثرون بتيارات ومذاهب المسرح الأجنبي .
وسوف يظل المسرحيون حتى اليوم يدافعون عن ضرورة وجود المسرح. وذلك بقيامهم بعبء تقديم الدراسات عنه.
ويكتب الشيخ رفاعة الطهطاوي عن المسرح في فرنسا مرغِّباً بوجوده في مصر، والشيخ علي مبارك يقول عن المسرح ( له تأثير عظيم في عقول الشبان من الرجال والنساء؛ فيكشف لهم عن حقائق الأمور فيتحرزون من الوقوع في شباك الغي ومهاوي الغرور. وأقل فضائله الكشف عن العيوب والمساوئ وتمييزها من الفضائل والمحاسن. وهو بتحقيره للأولى وتزيينها وتعظيمه للثانية وتشريفها يحملنا، لا محالة، على توجيه أنظارنا وازدياد ميلنا للحسن الممدوح وإعراضنا وازدياد نفرتنا عن السيء المذموم.( ) ( ومحمد كرد علي يدافع عن المسرح مع أنه ليس له سابقة في تاريخ الإسلام فيقول عنه ( للتمثيل يدٌ في تربية الملكات وترقيق الشعور والإحساس. يعده الغربيون من العوامل في إنهاض الأمم، ويعده العامة من المسليات وما هو إلا أمثولات. ويعده فريقٌ هزلاً وما هو إلا عين الجد)( ) ".
وقدّم مارون النقاش عام 1849 مسرحية "الشيخ الجاهل"، وهي من تأليف أخيه نقولا النقاش، وقدّم في أواخر سنة 1849 في منزله أيضاً مسرحيته الكوميدية الشهيرة "أبو الحسن المغفّل أو هارون الرشيد"، وهي هزلية مضحكة ملحنة في ثلاثة فصول، وقد مثّلت كثيراً فيما بعد، ومن الذين مثّلوها أبو خليل القباني، ثم قدّم النقاش مسرحية "ربيعة بن زيد المُكدَّم" من تأليف أخيه نقولا النقاش، أما أخرمسرحياته فهي "الحسود السليط" أو "السليط الحسود" عام 1853، وهي من تأليفه، وتتمتّع ببناء راق بالقياس إلى ما قبلها، وهي كوميديا أخلاقية اجتماعية معاصرة، أجاد فيها المؤلف صياغة الحوار، والتزم الموقف الاجتماعي لكلّ شخصية من الشخصيات، فأبدع في تصوير شخصية سمعان بطله وتطوير مواقفه وتنامي الحدث، وكان أسلوبه فيها بسيطاً سهلاً قريباً من الواقعية( )
نجح مارون النقاش في نقل الظاهرة المسرحية من المجتمع الأوروبي إلى المجتمع العربي، وقد يعود ذلك إلى عوامل أهمها( )
1- أن الرجل كان موهوباً، وكانت موهبته تهيّئه لمثل هذا الدور، وهي موهبة متعددة الجوانب والأبعاد مركّبة وظّفها في المسرح، فهو شاعر وموسيقي ومؤلف ومخرج وممثل وناقد، وهذا ما أهله ليقوم بكثير من الأعمال في المسرحية الواحدة، فهو يؤلّفها ويخرجها ويدرّب الممثلين ويقوم بالتمثيل إضافة إلى وضع الألحان وسواها، وهذا ما جعله يجرّب، ويتنبّه على كثير من الأخطاء التي كان يرتكبها هو أو أحد أفراد فرقته التي ألّفها، وقد سلك في التأليف الطريق التي ينبغي للمسرحي أن يسلكها، وهو في أن يكون مسرحياً أولاً ومؤلفاً أو شاعراً ثانياً.
2- وأن الرجل كان يمتلك العدّة الثقافية اللازمة التي ترفد أيّ إبداع، وأهمّها معرفة اللغة والإطلاع والسياحة والتجول في البلدان المختلفة .
3- وأن المسرح يحتاج إلى المال، وكان الرجل تاجراً ناجحاً، فلم يكن بحاجة إلى المال ليعيش من مسرحه، وإنما أنفق بسخاء على مسرحه من ماله الخاص، ولم يكن يهمّه سوى النجاح وتأسيس مسرح عربي .
4- وأنّ البداية التي بدأ بها النقاش مسرحه سليمة وصحيحة، فهو استهدى بأعمال موليير في مسرحياته الثلاث وأعجب بها، ولكنه لم يقم بترجمتها، وكأنه كان يدرك أهمية أن ينشأ المسرح عربياً، ولذلك ذهب إلى التراث الشعبي في مسرحيته " أبو الحسن المغّفل"، ولذلك أيضاً ذهب إلى الكوميديا مع أنه في خطبته عارف بالأنواع المسرحية الأخرى، فهل ذهب إلى هذا النوع لأنه لاقى استحساناً في نفسه، أو لأنه يتلاءم مع الغناء، وهو النوع المسرحي الأصعب، وخاصة أنه لا يرتكز على الحدث بقدرما يرتكز على الموقف وكشف العيوب الاجتماعية، فبدأ بداية سليمة في مجتمع تجسّمت عيوبه وتعدّدت.
لم تنتهِ الحركة المسرحية بوفاة النقاش، فهو الذي مهّد لها وسوّاها، وألّف فرقته التي أثمرت جهودها المسرحية في بلاد الشام أولاً ثم في مصر، وانتشر تلاميذه يؤسّسون الفرق ويؤلفون لها المسرحيات، ومن هؤلاء أخوه نقولا النقاش الذي ألّف في حياة أخيه مسرحيتين، ثم ألفّ بعد ذلك مسرحيته "الموصي"، وابن أخيه سليم النقاش (ت 1884م) الذي ألّف وترجم عدداً من المسرحيات، منها (المقامر)، و(الكذوب)، و(غرائب الصدف)، و(الظلوم) التي أغضبت الخديوي إسماعيل إذ ظن أنها نقد لأساليب الحكم في ذلك الوقت؛ فطرد الجوقة من مصر، وأديب إسحق (1856- 1885) الذي ألّف وترجم بعض المسرحيات، ومنها (غرائب الاتفاق في أحوال العشاق) و"شارلمان" لفكتور هوغو، وإبراهيم علي الأحدب (1824- 1891)، وله مسرحيات كثيرة، منها "ابن زيدون مع ولادة" و"أبو نواس مع جنان" و "الإسكندر المقدوني -ترجمة" و"جميل بثينة وكثيّر عزّة" و"عروة بن حزام مع محبوبته عفراء" و"قيس ولبنى" و"مجنون ليلى" و"المعتمد بن عبّاد" و"المنخّل اليشكري مع المتجردة" وسواها، وخليل اليازجي (1856- 1889)، وله مسرحيتا (المروءة والوفاء) و(الخنساء وكيد النساء)، وسليم بطرس البستاني(1848-1884)، وله "الإسكندر"، و"قيس ولبنى" ونجيب الحداد (1867- 1899) الذي ترجم للمسرح ما يزيد على عشر مسرحيات، منها "أوديب الملك" لسوفوكليس، "والبخيل" لموليير، و"شهداء الغرام" لشكسبير، وهي مسرحيته "روميو وجولييت"، وألّف عدداً من المسرحيات، منها "الرشيد والأمير غانم" و"المهدي وفتح السودان"، وفرح أنطون (1874- 1922) الذي ترجم للمسرح عدداً من المسرحيات، منها "أبو الهول يتحرّك" و"بنات الشوارع وبنات الخدور" و"السلطان صلاح الدين الأيوبي ومملكة أورشليم" و"مصر الجديدة ومصر القديمة" 1913 التي تعدّ بداية لتاريخ نهضة التمثيل الشرقي، مثلتها فرقة جورج أبيض بتاريخ 5-7- 1914.( )
وكان لأبى خليل القباني دوره التأسيسى غير المنكور فهو أبو المسرح الغنائي ومؤسس المسرح في سورية، ولكنّ المراجع تختلف بين زمني ولادته (1832-1841) ووفاته (1902- 1904)، ولد في دمشق، ودرس اللغة والعلوم الدينية والموسيقا والموشحات، وأحبّ رقص السماح، ونظم الشعر والزجل مبكراً، ثمّ أولع بالمسرح وانصرف إليه مؤلفاً ومخرجاً، فهو موسيقي ، وله في الغناء باع طويل، وأديب وشاعر وممثّل وكاتب مسرحي، ويروى أنه كان يحضر عروضاً لمسرحيين لبنانيين سبقوه، وخاصة لمارون النقاش وأتباعه، وقد عرضت الفرقة اللبنانية في دمشق عام 1868 مسرحية "الإسكندر المقدوني" لإبراهيم الأحدب، إضافة إلى عروض مسرحية في مدارس العازاريين في منطقة باب توما بدمشق تذكر الروايات أنه كان يتردّد عليها ويحضر عروضها( ).
كان القباني يمثّل مع فرقته في منزل ذويه في دمشق، ثم أنشأ مسرحاً عرض فيه بضع روايات غنائية من وضعه وتلحينه اقتبس حوادثها من "ألف ليلة وليلة"، لكنه صادف عنتاً من القوى المتزمتة بدمشق، فاستصدرت أمراً من السلطان بإغلاق مسرحه، ولم تكتف بذلك، بل أحرقت مسرحه، وحاولت أن تكيد له، فكانت تحاصره في منزله، وترسل وراءه بعض الصبية إذا خرج.
أما يعقوب صنوُّع المعروف بأبي نظارة: (1839-1912 (فقد ولد في القاهرة وتوفي في باريس، وكان يتقن عدّة لغات، أهمها الإيطالية والفرنسية، وقد هيّئت له ظروف جيّدة في مصر، فقد كان والده مستشاراً للأمير أحمد يكن حفيد محمد علي، وهذا ما ساعده أن ينشئ مسرحاً للتمثيل في القاهرة سنة 1870، فعُدّ بذلك مؤسّس المسرح المصري، وكان يكتب مسرحياته بنفسه ويجمع الممثلين ويدرّبهم، ولما مرّ بضعة أشهر على تأسيس مسرحه استدعاه الخديوي إسماعيل ليمثّل مع فرقته على مسرحه الخاص في قصر النيل، ثم قال له أمام الوزراء وكبار رجال القصر: "نحن ندين لك بإنشاء مسرحنا القومي، فإن كوميدياتك وغنائياتك ومآسيك، قد عرّفت الشعب على الفنّ المسرحي. فاذهب، فإنك موليير مصر، وسيبقى اسمك كذلك أبداً"( )
كان صنوع قريباً ومقرّباً من القصر، ولكنه في الوقت ذاته كان ينزع إلى الحرية والتحرّر، وهو الذي درس في أوروبا، ثم غدا مقرّباً أيضاً وقويّ الصلة بالأفغاني ومحمد عبده، وهما على طرفي نقيض من الخديوي، ولذلك فإنّ يعقوب صنّوع كان أكثر جرأة من سلفيه النقاش والقباني في طرح القضايا الاجتماعية والسياسية على خشبة المسرح، وهذا يعود إلى أمرين: الظروف الجيّدة التي هيئت له واختلاف النظام والمجتمع حينذاك في مصر عن بلاد الشام.
ألّف وترجم واقتبس صنّوع ما يزيد على ثلاثين مسرحية، لم يصل منها سوى سبع مسرحيات كتبت باللهجة المصرية، وقطعة حوارية قصيرة، نشرها الدكتور محمد يوسف نجم.( )
يذكر الدارسون من مسرحيات صنّوع "آنسة على الموضة" (عامية- ملهاة)،"الأميرة الإسكندرانية"، و"البربري"، و"البنت العصرية"، و"البورصة"، و"الحشّاش"، و"راس ثور وشيخ البلد والقواص"، و"الضرتان"، و"الغندور"، و"الوطن والحرية"، و"موليير مصر ومايقاسيه"، و"زبيدة"، و"زوجة الأب"، و"الأخوات اللاتينية" و"الزوج الخائن- بالإيطالية" و"السلاسل المحطمة- بالفرنسية" و"طرطوف - لموليير ترجمة" و"فاطمة - بالإيطالية والفرنسية والعربية"( ) وقد خلّف صنوع أثراً كبيراً في المسرح والمسرحية في مصر، وخاصة في المسرحين الاجتماعي والسياسي من جهة وفي المسرحية المكتوبة باللهجة المصرية من جهة( ).
ونستطيع – هنا - أن نتوقف عند النتائج أو القواسم المشتركة التي يمكننا استنتاجها من مرحلة الريادة والبدايات التى تتمثل مع مارون النقاش وخليل القبانى ويعقوب صناع وأهمها :
1- أنّ هؤلاء الرواد قدّموا مسرحا لا طقسا احتفالياً، وقدموا نصّاً مسرحياً، وأن اللبنانيين كانوا السباقين إلى هذا الجنس بحكم اتصالهم المبكّر بأوروبا ولغاتها، وقد نقلوه إلى مصر وبلاد الشام الأخرى، فلاقى تجاوباً حسناً في مصر، وشجّعه الشعب والدولة معاً، ولكنّ المجتمع في بلاد الشام آنذاك كان غير مهيأ لولادة هذا الجنس الأدبي، وخاصة في ظلّ الاستبداد العثماني.
2- وأن المسرحية كانت تُؤلف أو تُترجم أو تقتبس لتمثّل على الخشبة، فالنص كُتب لهذه الغاية، وكان الكتّاب مخرجين وممثلين ومشتغلين بالمسرح، وهذه سمة عامّة وضرورية.
3- وأن الموسيقا والغناء والرقص كانت تقحم في العمل المسرحي والمسرحية إرضاء للذوق العام واستجلاباً للمتفرجين، ولذلك فإن المسرح قد لبى رغبات الجماهير على حساب وحدة المسرحية وبناء حبكتها بناء متماسكاً في كثير من الأحيان، أو رغبة في الغناء، فاقترن الغناء بالتمثيل، فلا نكاد نجد مسرحية واحدة في هذه المرحلة لا يغنى فيها أو لا يصاحبها الغناء والرقص، وقد أدرك مارون النقاش هذه الصفة في مجتمعه، فذهب إلى أن المسرح الغنائي هو الذي يوافق الأسماع، فعدل عن المسرح النثري إلى المسرح الشعري الموسيقي، وقد بيّن في خطبته أن المسارح تقسم إلى مرتبتين، كلتاهما تقرّ فيهما العين، إحداهما بغير أشعار وغير ملحّنة، والأخرى تسمى أوبرا، وكان يظنّ أن الأولى أسهل وأوجب في البداية، ولكنّه فضّل أن يبدأ بالثانية لسببين: الأول لأنها ألذّّ وأشهى، وثانياً لأنها أحبّ عند قومه وعشيرته "( )
إلا أن هذا المسرح الذي تمت ولادته في منتصف القرن الماضي على يد المبدعين العرب كان أسير المسرح الغربي، وعلى الرغم من جهود مارون التأسيسية، إلا أنه كان سلبي التلقي؛ ذلك لأنه لم يحاول أن يستنبت المسرح من البيئة العربية، وإنما جلبه جلبا من خارج بيئته( ).وقد أتت إلى مصر، في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، جماعة تمثيل سورية على رأسها "سليم النقاش" ابن أخ مارون النقاش، ومن هذه الجماعة أديب اسحق يوسف الخياط فمثلوا مسرحيات أكثرها مترجم مع إضفاء الطابع الغنائي عليها.
ولم يستطيع الفن المسرحي، بالرغم من ظهوره في العالم العربي منذ النصف الأخير من القرن التاسع عشر، أن يخلق لنا أدبا تمثيلياً على غرار الأدب الأوروبي إلا عام 1927 حين أصدر أمير الشعراء أحمد شوقي أول مسرحية شعرية وهي "مصرع كليوباترا" ومنذ ذلك الحين أخذ أدباؤنا يكتبون المسرحيات نثرا وشعرا وباللغة العربية وباللغة العامية .
وكان فضل أحمد شوقي على المسرح عظيما حيث يرجع إليه الفضل فى أنه أحدث أنماطا أدبية جديدة ومنها المسرح ," أراد بها أن ينقض دعاوي المستشرقين فكانت في ذاتها فتحا أدبياً وجهدا متبعا شرع به طريقة جديدة للأدباء. وذلك وجه من وجوه التوجيه يسلكه في عداد النقاد على نحو تجد الإشارة إليه، يقول الغنيمي هلال نقلا عن تيبوديه وبولان: "فكل كاتب كبير هو ناقد بالفعل أو بالقوة، ولكن نقده قاصر على مهمة التوجيه والشرح، وإن استمر هذا النوع من النقد مصباحا للخلق الأدبي في كل عصوره"( ).
وخلاصة القول في دعوى المستشرقين أنهم درجوا على آثار هوجو في تقسيم الشعر إلى مراحل ثلاث:
مرحلة الشعر الغنائي ويصاحب الأمم في طفولتها، والشعر الخماسي ويصاحبها في شبابها ومرحلة الشعر المسرحي أو التمثيلي في عهود النضج والاكتهال( ).
ويعتقد المستشرقون أن الشعر العربي وقف عند المرحة الأولى لا يعدوها إلى غيرها في تاريخه الطويل، مما يقطع بطفولته العرب وسبحهم الطويل في بحور الوهم والتخيل شأن العقلية السامية على وجه العموم، فلما كان مؤتمر المستشرقين العاشر عام 1894 في جنيف أسهم شوقي في أعماله بـ " همت الفلك" على أنها من قبيل الملاحم، وبـ "علي بك الكبير" أو في "ما هي دولة المماليك" أنموذجا للشعر المسرحي، وقد استهدف شوقي بذلك أن يدفع هذه السبة( ) " فأكمل بذلك نقصاً في الأدب، وعمل وحده ما لم يعمله جميع العرب" كما يقول الزيات ( ).
وتطور المسرح وظهرت أنماط عديدة تتمثل فى المسرح الشعري والشعر المسرحي والمسرحية التاريخية والاجتماعية وغير ذلك مما سنذكره فى الفصل القادم مقتصرين فيه على مجرد النقل والترتيب لنبين من خلال هذا المعجم المسرحي الموجز كيف تطورت المسرحية وتعددت.