لماذا يفسد القضاة فى مصر؟
الدكتور عادل عامر
نقل مستشار بعد ثبوت أنه يعمل فى ثلاث لجان حكومية وإدانة آخر بالرشوة والتحقيق مع ثالث لأسباب أخلاقية انتداب القضاة وتعيينهم مستشارين فى جهات حكومية يهدم استقلال القضاء فى أقل من ستة أشهر، وحسب وثائق رسمية عزل الرئيس مبارك 26 قاضياً من مناصبهم على المنصة، إلى أعمال مدنية، لا علاقة لها بالحكم بين الناس بالعدل. وفى توقيت متزامن ،جرى التحقيق مع قاضيين بتهمة تلقى رشوة من رجل أعمال كبير. نسأل هنا فقط، ما الذي يحدث؟ ونقدم لائحة وثائق وأسماء لقضاة ،عزلهم الرئيس وآخرين يخضعون للتحقيق، وربما بعد هذه القائمة لا يحق لنا أن نسأل.. هل يفسد القضاة فى مصر؟.. بل لماذا يفسد القضاة فى مصر؟
قالوا لـ «ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا »: لقد انتشرت الرشوة والفساد فى أنحاء البلاد، سأل تشرشل: هل وصلت الرشوة للقضاء؟ ردوا: لا، قال: إذن بريطانيا بخير. لو سألنا أنفسنا عن الحال فى مصر.. هناك اعتراض على أسلوب السلطة التشريعية وتركيبتها وطريقة اختيار النواب، فساد فى الحكومة، لكن: هل وصل الفساد إلى القضاء؟ الإجابة بنعم تظلم قطاعا واسعا من القضاة في مصر، لكن من الصعب القول: إن مصر بخير، هناك الكثير من القضايا والقرارات الجمهورية بإحالة قضاة إلى وظائف غير قضائية، دون تهويل أو تهوين، هناك أحاديث فى الشارع، وشكوك ومخاوف لدى الجمهور، تقترب من أطراف منصة القضاء. دستوريا فإن القاضي غير قابل للعزل، قانونا يعزل عندما «يسيء إلى صورته أو يستغل الحصانة في غير الأغراض الموضوعة لها»، والإساءة أنواع، بعضها أن يرتكب فعلا جنائيا يعاقب عليه القانون، والأخطر هو ارتكاب فعل يتعلق بالمنصة، أن يتدخل لصالح أحد الخصوم، أو يستغل منصبه، أو يتلقى رشوة، فإذا أدين تصدر قرارات جمهورية بالعزل أو النقل إلى وظائف غير قضائية، بناء على توصية من وزير العدل. المستشار محمود مكي نائب رئيس محكمة النقض يرى أن الحصانة القضائية مشروعة، طالما ظلت في إطار عمل القاضي وداخل أسوار المحاكم، حتى يضمن القاضي للناس حقوقهم دون تدخل من أي سلطة. لهذا لا تملك السلطة التنفيذية إمكانية عزل أي قاض من وظيفته بغير طريق التأديب، أما خارج المحكمة فإن القاضي شخص عادى يعيش بين مواطنين، وإذا أخطأ يجب أن يساءل جنائيا أو إداريا. آخر الحالات التي ضبطتها هيئة الرقابة الإدارية منذ أسابيع، المستشار م. ع بمجلس الدولة المتهم بتلقي رشوة من رجل أعمال بارز مقابل إنهاء الدعاوى المرفوعة منه ضد الدولة لتأسيس شركات سياحية. وانتقلت من مجلس الشورى إلى نيابة أمن الدولة. بعدما ألقت الرقابة الإدارية القبض على المستشار وبعض الوسطاء الذين اعترفوا فى التحقيقات, وقضت محكمة جنايات القاهرة فى سبتمبر الماضي، بمعاقبة « ا. م. ح» رئيس محكمة دائرة تعويضات بجنوب القاهرة، بالحبس سبعة أعوام، بعد إدانته بتهمة تلقى رشوة مليوني جنيه من ح. ع (جواهرجي متهم فى قضية تهرب ضريبي). ثبوت الاتهامات على القاضي يعنى محاكمته أو إحالته إلى مجلس صلاحية أو نقله لوظيفة غير قضائية، وأمامنا 26 قرارا جمهوريا بإحالة قضاة ووكلاء نيابة إلى وظائف غير قضائية، من يونيو 2007 إلى يونيو 2008, وهناك قضايا أخرى قيد التحقيق، والقرارات لا تذكر الأسباب، لكنها تتم بناء على قرار المجلس الأعلى للقضاء وتوصية وزير العدل الذي يتلقى ملفات القضايا التي يدان فيها القاضي. وحسب جريدة الوقائع الرسمية هناك قرارات رئيس الجمهورية، فخلال عام 2007 صدرت قرارات رقم 174 بنقل السيد الوليد يوسف عبد العزيز محمد الرئيس من الفئة «أ» بمحكمة كفر الشيخ، والقرار 257 بنقل السيد عاطف لبيب عبد المجيد خطاب الرئيس من الفئة «أ» بمحكمة شمال القاهرة الابتدائية، والقرار 258 بنقل السيد ياسر سعد كامل اللقانى الرئيس من الفئة «أ» بمحكمة الإسكندرية الابتدائية، والقرار رقم 259 بنقل السيد أمجد عبد اللطيف حسن موسى بمحكمة بورسعيد الابتدائية، ورقم 295 بنقل السيد مجدي محمود أحمد قنديل الرئيس من الفئة «أ» بمحكمة شمال القاهرة الابتدائية، إلى أخر قائمة القرارات التي نقل أصحابها لوظائف غير قضائية لأنهم ارتكبوا ما يخالف القانون وخلال عام 2008 صدرت قرارات جمهورية مماثلة بنقل قضاة ووكلاء نيابة لوظائف غير قضائية، منها القرار رقم 135 بعدم صلاحية «م. ع. م. ب»، نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية، لشغل وظيفته القضائية، وإحالته للمعاش، وآخر بنقل «ع. أ. ع. أ» وكيل النيابة الإدارية من الفئة الممتازة.
تأديب القضاة
تقام الدعوى التأديبية من النائب العام بناء على طلب وزير العدل من تلقاء نفسه، أو بناء على اقتراح رئيس المحكمة التى يتبعها القاضى، ويقدم الطلب بناء على تحقيق جنائى أو إدارى يتولاه أحد نواب رئيس محكمة النقض، أو رئيس محكمة استئناف يندبه وزير العدل بالنسبة إلى المستشارين، أو مستشار من إدارة التفتيش القضائى بالنسبة إلى الرؤساء بالمحاكم الابتدائية وقضائها.
ويخطر مجلس التأديب بالطلب، فإذا لم يقم النائب العام برفع الدعوى خلال ثلاثين يومًا من تاريخ الطلب جاز لمجلس التأديب أن يتولى بنفسه الدعوى بقرار تبين فيه الأسباب.
وهذه القرارات التى تنشر فى الوقائع الرسمية لا تذكر الأسباب، ومن حق القاضى أن يطعن فى القرار أمام المحكمة الإدارية، وهناك تظهر بعض الأسباب التى تقود إلى العزل.
المستشار أحمد السبحى نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس الجمعية العمومية للفتوى يرى أن القاضى شخص طبيعى ربما يخطئ ولمجلس القضاء حق مساءلته، مشيرا إلى أنه بعد قضية مكى والبسطويسى أصبح التقاضى فى الصلاحية على درجتين، ومن حق القاضى معارضة الحكم فإذا أيدت الدرجة الثانية الحكم أصبح النقل إلى وظيفة غير قضائية أو العزل واجبا.
مخاوف.. ولكن النسبة الغالبة هى خلو القضاء من الفساد، لكن ظهور الفساد بأى نسبة فى هذه السلطة من شأنه أن يثير الخوف؛ لأن الأمر يتعلق بمصالح المواطنين، وتبدو هناك أسئلة مشروعة منها: كيف ولماذا يفسد القضاة؟ هناك أسباب منها الفساد الذاتى والرغبة فى الثراء، وهو ما يدفع البعض لتلقى وطلب رشوة لإصدار أحكام لصالح طرف. خلال شهر سبتمبر الماضى أحال المجلس الخاص، أعلى سلطة إدارية بمجلس الدولة، «ع. ك» رئيس سابق لإحدى محاكم القضاء الإدارى إلى لجنة الصلاحية، بسبب مسائل تتعلق بالنزاهة والسمعة. وأجرت إدارة التفتيش القضائى تحقيقاتها فى ملفات ثلاثة مستشارين أحيلوا إليها، بسبب اتهامات تتعلق بسمعتهم ونزاهتهم أثناء عملهم. هناك حالة المستشار «ع. ع» الذى كان يعمل رئيسا لدائرة مهمة بالمحكمة الإدارية العليا، وتمت إعادة توزيعه إلى محكمة القضاء الإدارى، بسبب ما أثير حول إصداره أحكاما فيها مجاملة للحكومة، خاصة أنه تم انتدابه فى أكثر من 3 جهات حكومية دون قواعد أو موافقة المجلس الخاص. والانتداب هو أحد أبواب الفساد، والتى طالب تيار الاستقلال بنادى القضاة أن يتم تقنينها حتى لا تتحول إلى مكافأة أو رشوة وتمثل تدخلا فى استقلال القاضى. ومثال آخر حالة «أ. ح» الذى كان رئيسا لدائرة بالقضاء الإدارى، وتم إبعاده عن منصبه بسبب اشتراكه فى لجان تقييم صفقات تجارية وعدد من البنوك. فى واقعة تشير إلى الكيفية التى يفسد بها القاضى، ومنها حالة رئيس سابق بالنيابة الإدارية «ع. أ» قدم طعنا سجلته الدعوى رقم 7704 «أمام مجلس الدولة»، بعد أن تم نقله إلى وظيفة غير قضائية بعد اتهامه بالتلاعب والتزوير لصالح مجموعة من الأشخاص، وطلب تسجيل أقوال لأشخاص لم يحضروا أمام النيابة، وتدخل لدى مسئولين لسحب جزاءات على مخالفين.
علانية المحاكمة
المستشار أشرف البارودى رئيس محكمة الاستئناف ورئيس نادى قضاة طنطا يرى أن القاضى غير قابل للعزل من وظيفته بقرار من سلطة رئاسية أو تنفيذية أو ممثليها، ولا تناقض بين المادة 110 التى تنص على عدم قابلية القضاة للعزل، والمادة 67 التى تنص على محاسبة القضاة تأديبيا؛ لأن الأخيرة تضع الإجراءات التى تتخذ ضد القضاة وتضمن عدم وجود شبهة تعسف فى محاكمة القاضى. المستشار البارودى مع علانية المحاكمة للقضاة بتحفظ، ويرى الاكتفاء بالحكم النهائى، وليس بالإجراءات حتى لا يفقد الناس ثقتهم فى القضاء، مع إحاطة الرأى العام بما يجرى لأن أصل الحماية للقضاء وليس للحصانة فى حد ذاتها.
المستشار محمود مكى يقترح أن يكون دور التفتيش فى حالة المخالفات الإدارية أو التقصير المهنى وأن تكون لمحاكم الجنايات حق مقاضاة القاضى إذا تلبس بارتكاب جريمة.
وفيما يخص سرية جلسات المحاكم يؤكد مكى: أنا مع الإعلان فى كل الأحوال، والسرية التى ينص عليها القانون فى مادته 106 هى سرية جلسات وليس سرية النتائج والأحكام، لأن عدم الإعلان عن تحويل القاضى إلى «عدم الصلاحية» يعد نوعا من التستر على المخالفين،وإذا تناولنا كيفية تعيين القضاة أنفسهم فهناك عناصر ضعف واضحة، لا يوجد نص فى الدستور أو القانون يمنح ابن القاضى الحق فى أن يكون قاضيا، ومع ذلك نرى التوريث فى المناصب القضائية حقيقة تبدو غير قابلة للمناقشة، ورأينا من يطالب بقبول أبناء القضاة الحاصلين على تقدير مقبول، والأمر كله إقرار بفساد الاختيار من المنبع. يقاوم القضاة أنفسهم مبدأ تكافؤ الفرص، لدرجة أن المستشار عزت عجوة، رئيس محكمة الاستئناف قال أمام رئيس مجلس القضاء أثناء زيارته لنادى قضاة دسوق: «كيف لا يتم تعيين ابن القاضى، وكيف يستساغ أن رئيس محكمة استئناف لا يستطيع أن يخلف ابنه، ولماذا لا يتم تعيين ابنى لأنه حصل على تقدير مقبول» وأضاف: «فى بيوتنا عورات بسبب هذا الأمر». وهو تصور يتفق حوله تيار الاستقلال وتيار الحكومة بل إن أحد أعضاء الاستقلال أبدى امتعاضا من تهديده بعدم قبول ابنه فى النيابة بسبب مواقفه، وهو دليل على أنهم تجاوزوا الحق فى وراثة مناصب الآباء، حتى لو كان ذلك تدميرا لمبدأ تكافؤ الفرص، الخطر إذن فى الاختيار فضلا عن الندب والإعارات، وكلها عناصر تبدو أبوابا مفتوحة للشك. كل هذه العوامل تجعل من الصعب تكرار قول تشرشل، أو القول بيقين: إن مصر بخير.
رأى
القضاء إحدى السلطات الثلاث الأساسية للحكم، مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، وفى الدولة المدنية فإن العدالة هى أساس الحكم فى مواجهة الأفراد والمؤسسات.. والقاضى لا يمتلك إلا قلم رصاص يخط به الحكم، الذى يسرى على السلطات الأخرى، يغير مواقع قانونية، يثبت ملكية أو ينفيها، يبرئ أو يحبس أو يقضى بالإعدام، أو يلغى قرارا حكوميا، ولهذا فإن استقلال القضاء ونزاهته هما عنوان الحكم الرشيد، ولهذا يجب أن يبقى بعيدًا عن أى شك أو فساد، فالعدل أساس الحكم والدولة المدنية.
«مادة» 103
عند تقرير السير فى إجراءات المحاكمة يجوز لمجلس التأديب أن يأمر بوقف القاضى عن مباشرة أعمال وظيفته، أو يقرر أنه فى إجازة حتمية حتى تنتهى المحاكمة.
«مادة» 104
تنقضى الدعوى التأديبية باستقالة القاضى أو إحالته إلى المعاش.
ولا تأثير للدعوى التأديبية على الدعوى الجنائية أو المدنية الناشئة عن نفس الواقعة.
«مادة» 107
يجب أن يكون الحكم الصادر فى الدعوى التأديبية مشتملاً على الأسباب التى بنى عليها، وأن تتلى أسبابه عند النطق به فى جلسة سرية، ولا يجوز الطعن فيه بأى طريق.
«مادة» 108
العقوبات التأديبية التى يجوز توقيعها على القضاة هى اللوم والعزل.
«مادة» 109
يقوم وزير العدل بإبلاغ القاضى مضمون الحكم الصادر بعزله خلال ثمان وأربعين ساعة من صدوره، وتزول ولاية القاضى من تاريخ ذلك التبليغ.
«مادة» 110
يتولى وزير العدل تنفيذ الأحكام الصادرة من مجلس التأديب، ويصدر قرار جمهورى بتنفيذ عقوبة العزل. ويعتبر تاريخ العزل من يوم نشر هذا القرار فى الجريدة الرسمية.