الشاعر أحمد دوغان
في إجازة في غرفة ..!
بقلم : محمد الزينو السلوم
------------------------------------
الشاعر أحمد دوغان(1) في مجموعته الشعرية (إجازة في غرفة) (2) يعود من جديد للتألق في فضاءات الإبداع، كيف لا؟! وهو الأديب المتعدد الأجنحة، يطير يوماً بفضاءات الشعر، ويوماً بفضاءات النقد، وآخر بفضاءات القصة، والقصة القصيرة جداً، أما نشاطاته - فحدّث ولا عجب - ونجد ذلك من خلال تعاونه مع منظمات الطلائع والشبيبة واتحاد الطلبة، والاتحاد النسائي، ويساعد زملاءه في طباعة كثير من إبداعاتهم، بالإضافة للإصدارات العديدة والمتنوعة التي أصدرها خلال رحلته الطويلة، كل ذلك متحدياً الأمراض بهمة قعساء، وبإيمان دفّاق، وإرادة لا تقهر، ولا ننسى تواصله مع القطر الجزائري حتى الآن، وهناك العديد من الإصدارات للأديب ( الدوغان ) تتعلق بالجزائر وبالأدب الجزائري، وآخر زيارة للجزائر كانت في تشرين الثاني من عام 2008، وبدعوة كريمة من وزارة الثقافة في الجزائر.
- أعود إلى المجموعة الشعرية بعد هذه الرحلة القصيرة - والتي أجدها من اللوازم - وفي مثل هذا الوقت بالذات، وخاصة وقد سبق لي ونشرت عددا من الدراسات لبعض أعمال الشاعر، وهو يستحق مني الاهتمام لأنه لم يعطَ حقه في النقد، وفي جوانب أخرى عديدة أيضاً .
مجموعته الشعرية هذه تستحق منا جميعاً أكثر من وقفة لأنها تأتي في تشكيل جديد متنوع وملون، ، من حيث الشكل والمضمون معاً، بدءاً من عنوانها
إجازة في غرفة..!)، ونحن نعرف ما دفعه لغزلها في هذا الوقت بالذات، فقد لازم السرير لفترة طويلة، وهو مريض ، وهذه الإجازة ليست كباقي الإجازات، لأنه أمضاها في غرفة، وعلى السرير، والإجازة ليست كذلك، ولكن إيمان هذا الرجل وقوة صبره، جعلته يعتبرها كذلك وكأن الشاعر يريد أن يجعل من هذا العنوان المركّب(انزياح لغوي) يحمل دلالات جديدة ..!
- في قصيدة/إجازة في غرفة/ يقول
ما زالت دهشة ذاتي أكبر من تفكيري/كيف دخلت عوالم صمتي ؟!/ورأيت الأعماق .. زمان الصبر ِأدركت يقيناً أنّ الإنسانَ ../يخاتل فرحاً.. ممزوجاً بالقهر الرابض ..في الأعصاب/والفرح القادم يبقى في حضرة مجهول ٍ/أو لا يأتي.) ونشتم من هذه القصيدة رائحة الصمت وما أحسّ به الشاعر في هذه المرة وهو بإجازة في غرفة ..! وكيف أنّ الإنسان في مثل هذه الحال يخاتل فرحاً، ممزوجاً بالقهر.. القهر الرابض في الأعصاب، وهذا الفرح يبقى مجهولاً، في حضرة الصمت، وقد لا يأتي .. وأسأل: هل هناك صدق وصراحة يمكن أن تقال في مثل هذه الحال، بالتأكيد إنه الإيمان والإرادة ، وأجمل بهما..!(ولن أقف عند كلمة مخاتلة لضيق المجال)..!
- أتجاوز بعض القصائد(الحلم يفترش النعاس – ألق الموج – النص الغائب – اليقين – حاصرتني لغة العصر)وأتوقف عند قصيدة/دمعة دفء/ وفيها يقول
دمعة الدفء صلاةً وشفاء/هي نامت فوق خد ٍ/صافحت حزناً جميلاً/أيقظت هاجس حلم/وتبارى الدمع يهمي/.. إلى أن يقول:/واستدار النور نحو أعماق الدموع/زقزقت في الروح نجوى/كبر الطيف ونام/ذاب في الحين الركام/ضحك الجرح كثيراً/أخذ النزف يزول/وتلاقت في مدى الروح الأماني/وفراشات ترسم الألوان زهواً/في صباحات النخيل/أنت يا دمع مرايا/فيك أحيا/كلّ أيامي الجميلة.) ما هذا أيها الشاعر المتألق حتى في جراحاتك ودمعك ..؟! ا حزن جميل هذا؟أي نور يكمن في الدموع؟وكيف في مثل هذا تزقزق في روحك الدموع؟وكيف يضحك الجرح؟وكيف يكون الدمع مرايا؟تحيا بالحزن، وكيف تكون أيامك جميلة فيه؟! جواب واحد على هذه الأسئلة:الإيمان،والإرادة، والصبر، والتقوى .. هم الأعمدة الأساسية التي تبني عليها صرحك هذا ..!
- في قصيدة/الشمس والناي والصبر الجميل/بقول فيها
ماذا أقول حبيبتي/هذا أوان الشدّ والصبر الجميل/ومواسم الأحزان في الزمن القتيل/والناي قد بُحّت حناجرها وصار الطبلُ../إيقاع المسافات الطويلةْ ..!لخ) يعود مرة ثانية إلى أوان الشدّ والصبر الجميل في محنته(وبعض القصائد في المجموعة غزلت في الأعوام السابقة حتى عام 2008م).
نتجاوز أيضاً بعض القصائد(المسافة بين الحب واللاحب – الوله المستحيل – إمرأة تتدثّر بالثلج –
براءة القبل – حين يكون الحب – رأيتك تمشي بكبر – سؤال الوجع – صلاة في غياهب الجب – عشقت النخيل وأنت تغني ..الخ)
- وأتوقف عند قصيدة/سألت البحر عن صبري/ - وهـي مؤرخـة عام - 2007/وفيها يقـول
.. وأعلم أنني لا حول لي يأتي ولا قوة/تناقلني بغاث الطير من واد ٍ إلى واد/لقد خُدّرت يا وجعي) يتحدّث عن لحظة تخديرة لإجراء عمل جراحي له، ويتابع القول
.. ولا تقطيع أوصالي/يعيد إليّ ما أنسى/فسمعي بات في صمم ٍ/وضجّت في مدار النفس ذاكرتي ..الخ) لقد فقد الإحساس جسدياً بسبب التخدير،وترك أمره إلى الله ..!
- وأتجاوز بعض القصائد الأخرى وأتوقف مرة ثانية عند قصيدة/أيام الأرز في الزمن الصعب/وهي مؤلفة من/17/ مقطعاً، وكل مقطع مؤرّخ بتاريخ بدءاً من تموز 1993 – ضاحية الجنوب 20/7/2006م وهناك بعض التأريخ مضافاً إليه ( الجنوب – ضاحية بيروت الجنوبية – البحر .. البارجة – قرار /59/ والرفض – عيترون من /13 – 9/18/7/2006- النبطية – احد عشر كوكباً – إجازة بالألوان 18/7/2006 – خبز وماء عيترون 19/7/2006- الأشرفية – الشويفات – ضاحية الجنوب)وهي إشارات لتواريخ بعض المعارك التي جرت بين العدو الإسرائيلي وحزب الله في جنوب لبنان.. في المقطع الرابع/شباط – آذار 2005 يقول:في الساحة الأخرى خطر/بيروت أثقلها الضجر/ونوارس الميناء باتت في حذر/. ففي مقطع/عيترون من/13 – 9/18/7/2006م يقول
قمرٌ ينام بلا سفر/طفلٌ توسّد قبره تحت الحجر/وفراشه .. قد صاده التنين/رضخ الجميع لصفعة ٍ/قالت لهم: ناموا ولا تستيقظوا).
وفي قصائد أخرى قصيرة وعددها/31/يعود ليذكر اسم بلدة في الجنوب مع تاريخ محدد، مثل:(1)مرجعيون 21/7/2006 – (2)عيتا الشعب21/7/2006 – (3)مارون الراس22/7/2006 – إلخ ، وهي كما ذكرت أسماء بعض القرى والبلدات التي هوجمت في جنوب لبنان، خلال العدوان الإسرائيلي على الجنوب عام 2006 والتي انتصر فيها حزب الله على العدو الإسرائيلي.
- وهكذا من خلال رحلتنا مع الشاعر نجده يلوّن وينوّع في الشكل والمضمون، ومع ذلك فالقصائد تبدو لي أنها ليست على سوية فنية واحدة، فبعضها بنيت على أسس فنية حديثة، وبعضهما اعتمد على السرد لإيصال فكرة ما، بلغة أخرى..وهو أمر نجده عند الشاعر في أكثر إصداراته الشعرية السابقة .
- وفي الختام: لا بد من القول: إن الشاعر أحمد دوغان استطاع أن يلوّن وينوّع في قصائد المجموعة،من حيث الشكل والمضمون معاً، كما أنه استطاع أن يرصد لنا مشاعره وأحاسيسه وهو يعاني من المرض، وفي غرفة التخدير، لكنه ارتقى فوق جراحه وأحزانه، بالإيمان، والتقوى، والصبر الجميل، وفي أنسنة جراحه، وجعلها تضحك من الحزن(والطير يرقص مذبوحاً من الألم) لكن الشاعر بالفعل يضحك من جراحه، وآلامه، غير يائس ولا خائف من قدره، وكان صبره جميلاً كما ذكر في أكثر من قصيدة، ومع أنّ قصائده ليست بسويّة فنية واحدة، لكنه عبّر عما في قرارة نفسه، وأحاسيسه خير تعبير، فكان شاعراً بكل ما تعني هذه الكلمة شكلاً ومضموناً.. بقي أن أقول: إن الشاعر أحمددوغان بقصائده قد تنقّل بنا ما بين الخاص والعام، في الخاص رسم لنا بالكلمات، واقعه المتعلق بوضعه الصحي، وبانتصاره على الحزن والألم والجراح، بإيمانه وصبره الجميل، وحلّق بنا في العام إلى انتصارات حزب الله في جنوب لبنان عام 2006 وكأننا بقصائده أمام أرشيف موثّق لما كان يجري خلال الحرب، وهو أمرٌ لا بدّ أن اشتغل عليه خلال الحرب ، وليس بعدها..وقليلاً ما يفعل مثل ذلك الشعراء..!
أطال الله في عمره، وأدامه إبداعاً لنا، ليمطر علينا من غيث إصداراته ما يثلج قلوبنا، ويزرع الأمل فينا، على مرّ الأيام .
---------------------------------
- الشاعر أحمد دوغان:عضو اتحاد الكتاب العرب – عرفته الصحافة العربية الأدبية شاعراً وناقداً – عمل مدرساً لمادة اللغة العربية وآدابها في كل من سوريا والجزائر إلى أن أحيل إلى التقاعد الوظيفي عام 1994 – عضو البعثة التدريسية في الجزائر (1977 – 1984) – من إصداراته في الشعر
ساهر يرعى النجوم – الخروج من كهف الرماد – سيمفونية تشرين – الولادة الجديدة والصحو – الوشم وسر الذاكرة – الريح لنا – المرايا في مواجهة الذاكرة – الشمس تصافح وجهي – نخب قصائدي..الخ)، في الدراسة:الحركة الشعرية المعاصرة بحلب – الصوت النسائي في الأدب الجزائري – الكلمة بين الصوت والموت – ربع ساعة مع شهرزاد – الخطاب النسوي في الأدب العربي الحديث ..الخ).
- إجازة في غرفة : تتضمن /40/ قصيدة متنوّعة – جاءت في /120/صفحة من القطع الوسط – إصدار اتحاد الكتاب العرب عام2008م.
------------------------