الايمان حافيا !!!

الإيمان حافيا !


استغرقته النشوة وهو يستلهم روح الإيمان تضوي بخفوت في سقف حجرته الشاحب! فلسنوات عديدة كانت الأسقف هي حده الذي تقف عنده أمنياته وستائره.

وقتها اكتفي بصلاته في قلبه، لتكون الأرض كلها مسجده! حيثما حل قبلة ووقتما أسبل أذان! كانت زرقة السماء لديه خلفية ملونة لأيامه العتيدة التي أسعفه فيها دوما تدابير محكمة، كانت ترتد له مرة أخرى لائذة!
كانت الأرض مسجده ..قائما، منزويا، مستقلا أو حتى طائرا! لم يفقد الثقة يوما في إحساسه أو ثقته بان العناية تكلله. كان إيمانه بسيطا، متعافيا على العادية ويجاوزها للتواصل المباشر (هكذا كان مؤمنا) حتى مآذن المكان وترانيم الزمان ..كانت لديه أصابعه ونبراته القائمة.. فالعناية لا تحتاج ركوعه أو صلاته، فالأحب هو قلبه عابدا!

مرت على سنه السنين وعرف درب الحكماء والصمت صاغرا! فر من سقفه إلى المآذن قاطبة، كان الحذاء وإبطه أصدقاء دربا واحدا. ولدهر خاله لحظة، لم يصادق نعله إلا بمنزله..يزل به البساط ويعتلي صفحة الأرض صارخا .. بأنها مازالت لي مسجدا!

يكاد ينام بالحذاء! وكثيرا ما يفاجئه اللحاف بالنعل متخفيا ! أصبحت قدمه لا تعترف برقيها إلا في طرقات مرقده، على البساط، وأي فرصة لدهس الوسائد المفترشة الأرض عامدة! ولعديد من المرات كان كتفه يخذله عندما يتذكر صديقه فيفسح الفراغ لاستضافته، إلا انه سرعان ما يفيق على لسعة البلاط في عينيه..فالجامع مكانه خارجا!

كان إيمانه مغلفا بأكوام من لحم وضعف ونوايا خفية كان موقن من استحالتها إلا مع المتصلين بالأحذية!
وبقدر حفائه، بقدر زياراته للرؤى! وكم عجب من ثبوت متن الرؤى سياقا واحدا..يستكمله بالصفاء نوما مكملا وكم من رؤى كانت في نهاية سنواته وردا متصلا.. ومع ذلك لم ترويه أو تكمل في ضميره حلا شاملا!

كانت رؤاه دوما محذذة ..يفيق منها مستجيرا بنعله والسطوع على الأرض بقدر كعبه (وهذا لسنوات في يقينه كان كافيا) كان إيمانه مسجديا حافيا، يحفل بالعطر والسير وخرق الولاية والثقة في العناية الكاملة..فطالما استقر في المقام ودروب السماع حافيا..كان الحذاء حليفه في توكيد رقيه بمنزله!

كان حفاءه في الرياض ديموقراطيا رغم انفه ! ويسترد قربه بالحذاء وهو يسيطر على البساط صامتا! هكذا آمن دوما بان ليتم حفاء الإيمان، عليه حمايته بالنعل في منزله!
إلى أن مرضت، شاخت، وهن منها العظم واشتعل الألم ضياء في متنها يستكثر العادية على لحظاتها الباقية! كان إيمانه الحافي دوما عائقا ..واصبح تواصله المحذذ عبئا مريرا لا يفيق منه ..إلا بالحفاء المسجدي، مع رعب من رد الدعاء أو أكذوبة التواصل بالأحذية! ومع عمق الألم وترصيعه للأيام ..عادت المآذن شاحبة، ولم يمنحه الحفاء – علي مدده – ما يعصمه! كان السقف يغور بعدا والشحوب يمتص من البريق عينيه ..فتنتعل كل أطرافه أحذية!

حتى الأرض تمردت علي خطواته فتسقيها مرة عثرة وأخرى خلخلة ..والعديد صدمات قاسية إلى أن كانت الطامة و شج كاحله بمسمار رافضا، اجبره على التنازل عن ملك الحذاء، النعال والبساط ..فقبل صاغرا! لأيام بطول المها، عانقت بطنيه طرقات منزله معتصمة بالجوارب مرة والأغلب حافية!


تنسمت بطنيه حنو الأرض ..أعطاف الألم ، تتسلقها برفق وبين كتفيها كانت القبلة ساكنة! شهق من الألفة واكمل التحليق ليعلن طفولته ، وعلى كتفيها نام كشال وثير ..منبرا دامعا! لم يعد يستوعبه حذائه، جواربه وحتى المساجد كلها! وللحظة خالها سنوات، ابتسم السقف ، تورد الشحوب واهدى رؤاه مددا متصلا، يزهر في واقعه إجابة حلول كامنة . كان الألم تعود شال طفولته، فباح المنبر للقبلة بقرب الوصول، إيمانا مؤكدا، بان الحفاء قدرا لمن يتخذ منها مسجدا، فتكون قبلته الأرض إن بقي عليها حانيا، يقطف من سابغ نعمها قطوفا من رضاء، يطوع الحجب لطفا ممكنا، يستحيل خطوات وصدى واستضافة كاملة.

وابتسم، وقد شاخت في الحزن مدامعه وهو يعانق الأرض ببطونه جائعة، فلا يلهمها الاكتفاء ..إلا بنعمة الإيمان حافيا!
محمد بكري

الصديق الغالي الاستاذ/ ممدوح عزت
يسعدني اكثر مرورك وتصفح كلماتي المتواضعة واعتذر عن تركيب الجمل وصعوبة بعض الكلمات ولعل الموضوع هو ما فرض ذلك - واذكر لك ان المنبر في القصة كان المقصود به امى رحمها الله..والتى بفضلها توغلت في المعنى الى ان فاض علي بهذه الصور .. فلها اهديها
تحياتي واحترامي
محمد بكرى

صديقي محمد بكري :

بعد شوق شديد أعود لقرائة قصصك ، ما زلت متألقاَ كعادتك ، يسرني تمكنك القصصي في السرد ,
لاحظت بعض الأخطاء ربما الطباعية ، لكن خبرتك في ازدياد وزيادة وهذا يثير اعجابي ,
أفكارك غائصة في أعماق الإنسانية ، والوصف الذي تجسد به شخصيات قصصك يدل على براعة في الفن التشكيلي التصويري 0لديك
أشكرك 0000اتمنى لك المزيد من الألق

عفاف

صديقتي الكريمة الاستاذة عفاف
اشكر ردك الكريم ودعمك الراقي - لى مدة من الزمن لم ادخل فيها المنتدى او اشارك فيه - واليوم ردتني رسالتك - ويسعدني ان اضيف اخر عمل كتبته (فتوح مكية) اتمنى تنال شرف قرائتك لها والتعقيب عليها
محمد

استاذتي الاميرة. أميرة
اشكر قطوف متابعتك لمشاهداتي الادبية وثقى ان الفنان ايا كان فنه ..يتنفس بالتشجيع والايمان بتواصل حسه وفكره مع الاخرين - اشكرك واتمنى اكون عند حسن ظنك

الأديب المبدع محمد بكرى
تعرفت الليلة على قاص قدير
فتقبلنى صديقا

اشكر ذوق حضرتك محمد بك واعتذر لو بعض العبارات او الصور مرهقة ولكنى لا اوقف تدفق المعني في سبيل الشكل - وتقديرك لي اعتزاز احافظ عليه دوما - واقبلني سيدي صديقا مقربا أرنو لتعليقاتك على قصة فتوح مكية
محمد

الاستاذ الكبير محمد بكري
تعجزكل مكنوناتي وابجدياتي عن تقديري لرائعتك الايمان حافيا
ففي هذه الرائعه يكمن تمكنك اللغوي الممتزج بروعة الايمان كما قالت الاميره
"متصوف كبير "
كانت زرقة السماء لديه خلفية ملونة لأيامه العتيدة اما زرقة سماء ورقتك
خلفيه لقاص بارع وفنان......
وهذا هو الفرق برايي بين الكاتب الذي يكتب الحرف ونقراه
والمبدع الذي يرسم الحرف فنراه بكل زواياه واطياف الوانه
وانا الان في شوق لاستمتع برؤيةرائعة جديده ترسمها اناملك


مع احترامي
شرين مصاروه

كريمة الدارين الاستاذة/ شيرين مصاروه
اشكر تعليقك الفائق اللطف والروعة وادعوكي لمطالعة (فتوح مكية) لعلها تنال رضاكي ايضا ، فكلاهما عن امى رحمها الله، وكانت عمودي الفقرى العاطفي الذي استلهم منه روحانيات المعنى في باطن الحروف .. اشكرك مرة اخرى وفي انتظار تعليقك
تحياتي واحترامي
محمد بكري

الأستاذ محمد
لا حرمنا الله من وجودك
و قصصك الراقية
تقبل مرورى المتواضع

المبدع الاستاذ محمد بكري , أحيك علي هذه القصة الرائعة , جمال الأسلوب , الصياغة , السرد , التشويق في معرفة باقي الأحداث , دمت استاذي بكل خير ودام قلمك مبدعا لنا دائما و تقبل تحياتي
ملاحظاتي :
كما تفضل أستاذي ممدوح عزت بأنك تتناول الموضوع بلغة صعبة علي العامة , صحيح بأن الكاتب حر في أن يصيغ إبداعه كيف شاء و لكن يجب أن نحافظ ع تذوق العامة لاسيما بعد أن أصبحنا في عصر التك أوي قلما أحد يقرأ كتابا أو موضوعا هاما

المبدع الاستاذ محمد بكري , أحيك علي هذه القصة الرائعة , جمال الأسلوب , الصياغة , السرد , التشويق في معرفة باقي الأحداث , دمت استاذي بكل خير ودام قلمك مبدعا لنا دائما و تقبل تحياتي
ملاحظاتي :
كما تفضل أستاذي ممدوح عزت بأنك تتناول الموضوع بلغة صعبة علي العامة , صحيح بأن الكاتب حر في أن يصيغ إبداعه كيف شاء و لكن يجب أن نحافظ ع تذوق العامة لاسيما بعد أن أصبحنا في عصر التك أوي قلما أحد يقرأ كتابا أو موضوعا هاما

الأستاذ القاص : محمد البكرى
الأيمان حافيا جعلتنى أؤمن جيدا أننى أمام قاص قدير وله لغه مميزه فى قصصه أستمتع بها دائما
تقبل تحياتى

مساء الخيرات
انا في منتهى السعادة والدهشة للاعجاب بالايمان حافيا، بقدر صعوبتها وتركيبها - انا فخور بجدارة النص لاستقطاب تعليقات واهتمام سيادتكم والعديد من الزملاء بالمنتدى - وكم اتمنى لمن يقرأها ان يدعو لامي بالرحمة لانها وحي النص ومحوره
اشكر مرورك وتقريظك
محمد