جدران الحرية

جدران الحرية

" حكمت المحكمة حضوريا على المتهم برفض الاستئناف المقدم وتأييد الحكم المستأنف "

القاعة القذرة باتت اكثر وحشة منذ سماعه لهذه العبارة الأخيرة! ولم يعد يتردد في أرجائها سوى أنفاسه، أنفاس جاره في الحارة والجلباب الحاج حسن ، وحشرجة الحاجب الذي لم يجد شيئا يفعله بهذه الورقة الملعونة سوى ترديد الأسماء بلذة سادية واضحة ( لا ينتعل من القضاة سوى منصتهم ومن الزمن اصفرار بذلته الحكومية الرديئة) وما عدا ذلك لم يكن أحدا بالقاعة!

عالمحكمة ! هكذا قالوا له أننا ذاهبون .. هيأ نفسك !

لم يكن الأمل في البراءة معدوما! فالجريمة ليست جناية عقوبتها الإعدام! بل مجرد بيعه لبسكويت مغشوش، وليس منه، بل من الشركة الموردة ! فقط هذه هي جريمته ليس إلا!

وحانت التفاته لمحاميه! .. هزة الكتف المشهورة! .." قاضي حمار " ؟

ليست المشكلة في البسكوت أو الحبس أو الحمار؟ ولكنها في قذارة المحكمة، دوائر المياه العفنة اعلي من دائرة الاتهام .. القضاة اغلبهم يورد التهلكة، الكم الرهيب من القضايا والأحكام .. ومع ذلك فليس أحدا من المتهمين حاضرا غيره .. والحاج حسن !؟

هل الجميع هاربون؟ مظلومون؟ مُغيبون؟ وفيما الأحكام إذن .. مادام أصحابها لا ينعمون بها؟

نظرة للحاج حسن ثم الذوبان بين القضبان! سنة حبس ليست بشيء ! أين السنون .. المؤبد ؟!

الحارس المشهور اقتحم عليه الخلوة السوداء وسحبه من انفه إلى موقع التنفيذ. وبجانب الطاولة الخشبية خلع ملابسه المنتعلة، سلم حافظته وحذائه وساعة يده وصورة زوجته .. وهو يعلم بأنه لن يراهم ثانية .. وعلى الأخص الأولى والأخيرة! بدا له الشارع أمام أذنه غاصا بالأصوات المتنافرة .. سمفونية الحياة الخالدة.

" نموت .. نموت ويحيا البسكوت" هكذا استقبله رفاق الطريق ! ألوان جديدة من البشر على تاجر أغذية. وبنمو الوقت على لحيته ..ألف الوجوه وراح يردد معهم " نموت .. نموت ويحيا البسكوت "!

قبل نهاية المدة بأيام كان اعتاد البذلة وطراوة الصخر ومداعبة الزملاء ! فالطعام مكفول والنوم مأمون .. وزوجته لم تعد كذلك! حتى فترات الراحة .. كان يتراجع للخلف، انس الوحشة والشعور بالذنب! قاضي حمار .. هكذا قال له .. وابتسم، فلم يعد هناك فرق!

وبحكم المهنة باع غطاء رأس زميله لجار العنبر! .... سرقة سجن؟! وابتسم .. فالأمر لم يعد مهما .. فالطعام مكفول والنوم مأمون وزوجته لم تعد كذلك! فماذا يضير رفيقه فقد غطاء الرأس؟

اصبح له في ذمة الزمن 4 سنوات أخرى اخذ ينميها ويداعبها . وبمرور الوقت عاد لصفته القديمة .. تاجر! في أي شئ وكل شيء .. إلا العرض! فاللعبة غير كاملة الأطراف!

أسرار، أغطية راس، قباقيب الوضوء في ميضة السجن، حتى الجنزير الأسود سجان مفاتيح العنبر كان مطلوب، وباعه والقي بالمفاتيح على عتبة المأمور ... منتهى الحرية !

لم يعد أمره خافيا على أحد .. حتى محابيس التراحيل أنفسهم، اصبح من يرحل على سجنه في مأمن من غائلة الطعام واللباس .. فهو لا يهتم بالنقود .. قليل منها يكفيه والباقي لغروره!

" مرض السرقة " هكذا قال طبيب السجن! خطأ ! فهو لا يسرق أبدا ؟ ولكنه يبيع ما يورد له! كونه يوصى بشيء ما فليس معناه انه سارق! مجرد تاجر يطلب بضاعة وكل له زبونه!!

الحاج حسن لم يعد يزوره .. قيل انه خاف بعد ضياع سبحته في الزيارة الأخيرة! خسارة راجل طيب وسبحة اشد طيبة، لا شك أن المأمور سعد بها في العيد الماضي !

لا يهم فهذه تجارة !

وهكذا كان يبرر دائما لنفسه. بانتهاء السنوات الأربع .. اصبح للزمن في ذمته عمره كله! وهو راضي .. فالنوم مأمون والطعام مكفول وزوجته لم تعد كذلك !

حتى عندما أراد شراء الأمانات وبها صورة زوجته، كان تلميذه باعها لباشكاتب القسم بسجارة وقبضة ملح!

هو مازال كما هو .. يدور في السجن طليق من أي قيود ، يبيع في القضبان ، قبعة المأمور .. حتى مفاتيح سجن الحرية .. ولكن يردها خشية معاقبة المسئول!
وعندما تفقد في دورة المرور .. يقولون : لا باس! اذهب وأتى بها من الشيخ حسن .. فهو مازال موجود!

فقط قل له : نموت .. نموت ويحيا البسكوت ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

محمد بكرى

الاستاذ محمد بكرى
قصة جميلة
لقاص جيد
شرفنا فى المنتدى
أهلا بيك و مليون مرحب

الاستاذ الفاضل مصطفى عبد العزيز - اشكر تعليقك وتشرفت اكثر بكم - تحياتي

القاص محمد بكرى
قصيده جميله
ودائم افكارك جديده وممتعه
مزيد من التقدم
تقبل مرورى وتقديرى

الأستاذ محمد بكري المبدع


أراك قاصاَ محترفاَ وأغبطك على قصتك بدون حسد !!!!!

السرد ارتقى إلى درجة عالية من الحرفنة والتمكن كان دقيقاَ بجمل قصيرة مقتضبة وهذا هو سر التشويق الذي غلف أجواء القصة
الحكة أو الرسالة الإنسانية وصلت بمهارة
كانت اللغة جزلة وفي حالات استعمال المسطلح البسيط او العامي كان الموضع مناسبا ومقربا القصة من الواقعية المحضة
أعتقد ان الآخطاء الكتابية كانت بسبب التسرع بالنشر وسبق ان وقعت بمثل هذا الموقف
أستاذ محمد لقد أظهرت لنا عضلاتك في القص مما أثار فضولنا للمتابعة أبدعت ........... جداَ يا صديقي لكن تذكر بأني أغبطك وبدون حسد ..............

صديقتي الجولانية الاستاذة عفاف الرشيد - الانسان مرآة اخيه وكم اسعد بملاحظاتكم واساتذتي عاطف الجندي وممدوح عزت - بالفعل عندي مشكلة نحوية واحاول تداركها من وقت لاخر لان طلقة الفكرة عندي تجعلنى اهفو لعرضها ومشاركة الاخرين صداها - اشكر حنوكم على عثراتي الادبية ودام توجيهكم لي - فانا مجتهد ولست اديبا.. ولكم الفضل في ارشادي للصحيح

استاذتنا المميزة ام القوافي
اشكر متابعتك الرائعة وتحليلك الواقعي لان هذه القصة فعلا من الواقع ونسجت اركانها من خلال عدة مشاهدات وللاسف النتيجة واحدة -- كم من مهازل تدور في اروقة المحاكم وكم من مظاليم في السجون وكم من محاولات تضيع للنجاة - اشكر مرورك الكريم ودعمك الرائع واتمنى تحوز رؤية (الايمان حافيا) اهتمامك وكذلك موسى الانصاري موظف عادي .. واخيرا قصة خلق شهرزاد ... فجميعها لقطات لجوانب من حياتنا مصورة (بكاميرات) مختلفة!
تحياتي واحترامي
محمد بكرى

استاذ : محمد بكرى
فانت قاص رائع لك اسلوبك المميز فى سرد القصه وارى فيك مستقبل جميلا
تحياتى لقصتك الرائعه
تقبل مرورى

اشكر مرورك استاذة صدفة واتطلع دوما الى تشجيعي وادعو حضرتك مشكورة لمراجعة باقي اعمالي وابداء رايك القيم
تحياتى لذوقك
محمد بكرى