كتاب أعمال الشاعر نزار قباني بين قوسي قزح(المقدمة)يتبع ..!

من كتاب بعنوان:أعمال الشاعر نزار قباني الكاملة بين قوسي قزح..!
المقدمة
تأليف:محمد الزينو السلوم
# في كل أسبوع سأشارك في تقديم ما يُشبه السلسلة عن الشاعر نزار قباني.!
*************
ما أجمل أن يكتب الإنسان قصة حياته بيده ، فكيف إذا كتبها المبدع ، سواء أكان فناناً أو أديباً ، ولقد فعلها الشاعر الراحل نـزار قباني ، في " قصتي مع الشعر " عام 1973م قبل وفاته بربع قرن ، وهو كما نعلم من مواليد دمشق 1923م .. أعود لأقول : لقد كتب قصة حياته وقال كلّ ما يريد قوله ، رسم وجهه بريشته ، بألوانه ، قبل أن يقصّه النقاد ، ويفصّلوه على هواهم ، أو يخترعوه من جديد ، كما فعلوا بعديد من الفنانين والأدباء وغيرهم من قبل (من أقواله) .. ومع ذلك فلم يخل الشاعر من مباضع الناقدين الذين أدخلوه غرف العمليات ، واستلموا جسده تشريحـاً ، على الرغم من كل ما قاله عن نفسه ، لأن الـريـاح كثيراً ما تجـري كمـا لا تشتهي السفن ..وأعترف لكم أنني سأكون أحد المشرّحين لجسده بمبضعي الخاص ، وفي غرفة العمليات الخاصة ، وأتمنى من كل قلبي أن أستخدم المبضع برفق في التشريح ، لأقف على تجربة الشاعر نـزار قباني منذ البداية ، إلى النهاية ( بدءاً من أعماله الكاملة ، وحتى آخر مجموعة شعرية أصدرها قبل وفاته عام 1998م ) مستفيداً من محاولات النقاد والدارسين الذين سبقوني ، وبأسلوب جديد ، على أن تكون دراستي تاريخية ، متسلسلة ، ومتنوّعة ، وشاملة ، ثمّ أُعرّج في النهاية على ما وصلت إليه تجربته الشعرية خلال نصف قرن تقريباً ، فيما يتعلق بفضاءاته الشعرية من حيث الشكل والمضمون ، والله أسأل أن يلهمني الصواب فيما أذهب إليه ، والله يشهد أنني سأضع يدي على قلبي وضميري في كل ما أقول بعيداً عن المجاملات ، والتجريح ، ومن خلال أتبيّنه في رحلته الشعرية الطويلة ، وأرجو الله أن يأخذ بيدي ، ويعينني على ما أنا فيه .. ومع ذلك فلا بدّ من الاعتراف أنّ كل ما يقوله النقاد والدارسون ، مجرّد رأي لا أكثر ، يكشف بعض الجوانب في تجربة الأديب ، ويضيء بعض الزوايا في إبداعاته ، وتبقى زوايا أخرى كثيرة بحاجة إلى الكشف ، والتمحيص ، وقد لا تصل إليها مباضع النقاد أبداً .. وتبقى أبواب النقد مفتوحة ، وقابلة للحوار ، والنقاش ، وحتى الدراسة فقد تصيب ، وقد تخطئ ( وكما يقال : من اجتهد فأصاب ، له أجران ، ومن أخطأ فله أجرٌ واحد ) ..
لقد كتب العديد من النقاد عن تجربة الشاعر نـزار فباني ، وسيُكتب فيها مستقبلاً ، ولن يقف النقد عاجزاً أمام أي عمل إبداعي ، لكنه يبقى في النهاية تحصيل حاصل ، أو ردّ فعل على فعل ، فالعمل الإبداعي لا بدّ أن يولد ليأتي بعده النقد ، ويبقى المبدع بمثابة الشمس التي ينظر إليها النقاد من بعيد ، ولا يمكن أن يطالوها أبداً ، أو يدخلوا عوالمها ، وإنما قد يضيئون جوانب منها .. وكما قال الأقدمون : ( المعنى في قلب الشاعر ) ، ويبقى النقد مجرّد رأي لا أكثر ..
وفي دراستي المتواضعة لتجربة الشاعر الكبير نـزار قباني منذ البداية إلى النهاية ، مروراً بكل أعماله الشعرية ( الأعمال الشعرية الكاملة ، بالإضافة إلى ما صدر من مجموعات شعرية بعدها )،وانطلاقاً من اعترافاته بخط يده في " قصتي مع الشعر ) ، وبعض الحوارات التي أُجريتْ معه ، وبعض ما كتبه النقاد عن تجربته الشعرية ، وكم قلت استناداً إلى كل ذلك ، سأحاول إعطاء انطباعاتي أو رأيي النقدي ، ومن هذه المراجع ، ما كُتب عنه في " رحيل قارة شعرية ) عن نـزار قباني (1923- 1998) ، متابعة وتحرير : عامر مبيّض ، ومحمد كرزون ، إصدار 1998م ، والذي يتضمّن أقوال بعض من كتبوا عن الشاعر بعد رحيله مباشرة .. بالإضافة لما يتوفر لي من مراجع أخرى ، أتحدّث عنها في حينه .. وكذلك ما يقدّمه لي بعض الأصدقاء ، والأخوة الأدباء ، الذين أبدوا كل الرغبة في مساعدتي ..وسأحاول جاهداً أن يكون هذا العمل محاولة جادة ، لإضاءة وكشف جوانب هامة في رحلة الشاعر " نـزار " ، بحيث يجد فيها القارئ العادي ، والدارس ، المتعة ، والفائدة ، معاً ، ولهذا تجدني أُكثر من ذكر القصائد التي اخترتها عن قصد باعتبارها مميّزة في مجموعاته الشعرية ، ويحبها القراء ، ويردّدونها كثيراً .. وسأقوم بدوري في شرح وتحليل مبسّط ، ليسهل عليهم فهم بعض ما غاب عنهم ، لعلّي بعملي هذا أصل إلى الغاية المنشودة من وراء هذا العمل ..
أمّا فيما يتعلّق بالمنهجية التي سأتّبعها في عملي هذا ، فهي تقديم العمل بأجزاء ذات حجم صغير ، لا تزيد عدد صفحات كل منها عن /150/ صفحة ، وسأقوم بجمع كل عدة أجزاء في مجلّد خاص ، متسلسل ، حتى نهاية العمل ..وسيتضمّن كل مجلّد أو جزء من الدراسة ، بعض ما قاله الشاعر عن نفسه في " قصتي مع الشعر " ، وأقوال أخرى له ، بالإضافة إلى بعض الحوارات التي أجريت معه ، وما قاله بعض النقاد والدارسين عن شعره ، وكذلك ما قيل في بعض النـدوات التي أقيمت خصّيصاً لتكريمـه ..والله أسأل أن يمدّني بالقوة ، والتجمّل بالصبر ، للوصول إلى الغاية المرجوّة ، في مثل هذا العمل الذي يحتاج إلى جهد دؤوب ، متواصل ، لأتمكن من تقديم الفائدة والمتعة معاً ، والله من وراء القصد ..!

محمد الزينو السلوم