عبد الله جمعه عضو مجلس الإدارة
الدولة : عدد الرسائل : 2257 نقاط : 2468 تاريخ التسجيل : 10/06/2009 بطاقة الشخصية مرئى للجميع:
| موضوع: روافد الشعر العربي الجمعة نوفمبر 27, 2009 7:15 pm | |
| أخي الشاعر , أختي الشاعرة كما أقول دائماً ليس الشاعر هو ذلك المخلوق الذي يعبر لنا عن أفراحه وأتراحه فقط ولكن الشاعر ( تلك القوة الوجدانية الفكرية التعبيرية القادرة على التأثير في سلوك المجتمع المحيط ) من هنا تتحدد هوية الشاعر فالشاعر هو المحرك لوجدان الأمم والشعوب وليس بغريباً أن يتخير الله من بين الخلق الشاعر ليتحداه بإنزال قرآنه العظيم عليه ليجعل منه حَكَمَا على نصه المُعْجِز. ومن هنا وقف لبيد حين قرأ القرآن وقال ( ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ ... وكلُّ نعيمٍ لا محالة زائلُ ) ومن هذا الباب كان لابد على الشاعر أن يدرك خطورته ومكانته التي احتلها على مر الزمان ... ولكن هل من امتلك موهبة شعرية فقط استحق هذه المكانة ؟ بالقطع لا ؛ فعلى الشاعر الحقيقي إذا أدرك مكانته تلك أن يسلح نفسه بما ينبغي أن يتسلح به الشاعر الحقيقي . من هنا جاءت فكرة هذا الحلقات رغبة في تبصير الشاعر بمكانته السامية التي يجب أن يتبوَّأها متسلحا بعدة وعتاد الشعر ليقود سلوك أمته . والقصيدة التي يكتبها الشاعر اصطلح على تسميتها (التجربة الإبداعية) وهذه التجربة قد نسجت من عدة ضفائر على الشاعر أن يمتلكها حتى يصل إلى حيز الإبهار والإبداع الذي يحقق له الغاية المأمولة وهي التأثير في سلوك المجتمع المحيط
ولكني هنا أنبه على :
أنَّ الشاعر حين يدخل إلى لحظته الإبداعية لا يكون موكولا بهذه المكونات للضفيرة الإبداعية وإلا تشتت إبداعه وتحول إلى منتوج شعري جامد النبض متبلد الوجدان , ولكننا نعلم أن التجربة الإبداعية بنت اللاوعي من الوعي إلى الوعي بمعنى أن لحظة الإبداع هي لحظة لا وعي يستدعى فيها كل ما حصَّله الشاعر في حياته الواعية قبل الدخول إليها ثم يخرج الشاعر إلى الوعي فيعمل على تنقيحها وتشذيبها وتنقيتها مما علق بها من شوائب ... وهنا لابد للشاعر أن يكون مُلِمَّا بمكونات ضفيرته الشعرية عالما بروافد التجربة الإبداعية حتى يدخل إلى لحظته الإبداعية مسلحا بكل ما يؤهله إلى إنتاج شعري متميز
ودون التطويل في التوضيح علينا أن نعلم أن الشاعر كأي إنسان يرى مثيراً يحركه فيتحرك له وجدانه ولكنه يختلف عن الإنسان العادي في مرحلة واحدة هي مرحلة التعبير ..
فلو ضربنا مثلا ( إذا رأى إنسانٌ كوبا من الماء أصبح هذا الكوب مثيرا له فيحرك داخله إحساساً بالعطش فيكون رد الفعل الطبيعي أن يمد يده ويشرب ) ولكن لو كان الشاعر مكان هذا الإنسان لتاثر كما تأثر الإنسان العادي ولكنه اختلف عنه فقط في لحظة التعبير حيث سيقوم بكتابة قصيدة عن حالة العطش التي مر بها ... إذن فالفرق بين الشاعر والإنسان العادي يظهر أمام المتلقي فقط في وسيلة التعبير ..
فلو قمنا بتحليل المثال السابق لوجدنا أن التجربة الإبداعية تمر بثلاث مراحل متتالية حتى تخرج لنا في صورة ذلك المنتج الشعري المبهر حيث يمر الشاعر بـ ( التاثر بالمثير أي الإحساس به والتفاعل معه ثم يبدأ في إعمال عقله فيفكر كيف يصور ذلك المختلق في خياله ومن ثم يبحث في النهاية عن وسائل التعبير المناسبة وهي القوالب التي يصب فيها فكره ووجدانه )
مما سبق نعلم أن الشاعر إذن يمر بثلاث مراحل في تجربته الإبداعية وهي : 1-مرحلة الإحساس بالمثير. 2-مرحلة التفكير في التعبير . 3-مرحلة التعبير وفيها تظهر مقدرة الشاعر ( اللغوية - البلاغية - الموسيقية ) ومحور حلقاتنا سوف يدور عن هذه المراحل التي دونتها في حوالي ثلاث وسبعين محاضرة أتمنى من الله القدير أن يعينني حتى أفي بما قطعت على نفسي وتقديمها في صورة مسلسلة هنا
ولكل مرحلة عند الشاعر عتبات نمو وتغذية مناسبة حتى يصل الشاعر إلى مرحلة النضج التام فيصل إلى تلك المرحلة التي يكون فيها مبهرا تماما مثل الأساتيذ الذين يمثلون له بؤرة الإبهار حين يستمع أو يقرأ لهم .
والآن تعالوا لنتحدث عن أول عناصر التجربة الإبداعية وهو ( الوجدان ) وكيف يستطيع الشاعر أن يربي وجدانه التربية المثلى حتى يصل إلى مكمن الإبهار الشعري ومن ثم تحريك سلوك مجتمعه إلى الأفضل والأرقى .
1-الوجدان الشعري : قلت في عدة محاضرات وفي الكثير من كواليس الجدل الشعري أن الوجدان هو سيد التجربة وما كل عناصر التجربة الأخرى سوى خدم يعمل على حمل ذلك الوجدان إلى المتلقي ... ويمثل هذا الوجدان الفترة من بدء الاهتزاز النفسي لمثير ما - داخليا كان أم خارجيا - وحتى يتسلم الفكر هذا الوجدان فيعمل فيه ثقافته ووعيه وخبرته حتى يعيد ترتيبه وتنسيقه , أو بمعنى أدق " منذ التأثر بالمثير وحتى لحظة التفكير في العتبير عن هذا المثير "
والوجدان الشعري نوعان :
الأول : وجدان خفيف ذو سطح رقيق شفاف سريع التأثر لأقل المثيرات التي تسقط عليه تماما مثل السائل الخفيف الذي يتوتر سطحه لأقل الشياء التي تلامسه ( بنظرية توتر السطوح ) وذلك الوجدان حقيقة هو معيار الموهبة ومقياس درجة قوتها والفطرة الشعرية النقية . وهذا النوع من الوجدان هو القادر على التقاط أدق التفاصيل والتأثر بها فإذا تدرب هذا الوجدان ووصل إلى غاية هرم النضج فزنا بعبقرية شعرية خالدة ...
وهذا ما يدفعني إلى القول بحكم لا يقبل الجدل أننا نحكم على صدق ونقاء الوجدان بقدرته على التقاط أدق التفاصيل والتأثر لها لا بقدرته على التأثر بالمثيرات القوية ... فالوجدان الذي ينفعل لأقل المثيرات التي قد ترى تافهة حين يتعرض لمثير قوي من العيار الثقيل فإنه سوف يحدث لنا أعاصير شعرية ...
وخير مثال على ذلك النوع من الوجدان الشفاف الرقيق ( عنترة بن شداد ) شاعر الفطرة الأول في قاطرة الإبداع الشعري ولننظر كيف تاثر وجدان عنترة لمثير من أتفه المثيرات على الإطلاق وهو (الذباب) ولكن عنترة انفعل له وعبر عنه في صورة عدت من أروع الصور في الخيال العربي إذ يقول : وخلا الذباب بها فليس ببارح ... غردا كفعل الشارب المترنم هزجا يحك جناحه بجناحه ... قدح المُكبِّ على الزناد الأجذم
حيث ربط عنترة بين الذباب وهو يحك جناحيه ببعضهما البعض بمبتور الذراعين الذي يضع قصبة بين ذراعية المبتورين ويحاول أن يمسكها فما أروعها من صورة .... إن الشاعر القادر على الانفعال لتلك الصورة حين يتعرض وجدانه لتجربة ثقيلة كما عبرت فإنه سوف يخرج لنا أعاصير شعرية كذلك فسوف يكون هذا الوجدان منشغلا بنقل أدق تفاصيل المثير مهما تناهت في الصغر لقدرته العالية على الانفعال للصغائر والانشغال بالجزئيات قبل الكليات .
وهذا النوع من الوجدان يمر بمرحلتي نضج متتاليتين هما :
1- مرحلة الفطرة : وهي تلك المرحلة التي يتحرك فيها الشاعر بفطرته الوجدانية على حالتها البكر غير مدعومة بنوع من الوعي أو النضج الفني وفي هذه المرحلة يكون الوجدان الشعري هو الممتلك زمام الأمر أي أن الشاعر لا يستطيع التعبير إلا عن تجارب ذاتية مفرطة في الذاتية كما نرى عند الكثير من شعرائنا الذين يبدأون حياتهم الشعرية . ولكن الشاعر إذا وعى لمراحل النضج الوجداني فإنه سوف يروض هذا الوجدان للانتقال إلى المرحلة الأعلى من النضج الوجداني وهي مرحلة ( النضج الموجه ) وسوف نتحدث عنها بالتفصيل في حينه . ولنا على مرحلتنا هذه - مرحلة الفطرة - مثل لشاعر سكندري رحمه الله مات دون أن يتجاوز تلك المرحلة على الرغم من امتلاكه لتلك الفطرة الشعرية النقية وهو الراحل ( عبد الحميد رمضان ) فلننظر كم كان سطح وجدانه أملس شفاف يتاثر لأقل المثيرات تماما كما فعل عنترة في وصف الذباب مع الفارق في النضج الفني يقول بعنوان ( نِنَّه نام ) :
شايلة الواد بتطبطب فيه تدعي المولى عشان يهديه أصله حفيدها الغالي عليها ابن الغالي الله يخليه نِنَّه نام .. نِنَّه نام يابني وادبح لك حمام
فَزّ الواد من نومه وقام قال لها يامَّه قولي لي بكام دا احنا الفول بنجيبه بعافية واللا وعودك بس كلام
طب ما تقولي نجيب لك لقمة ونغمِّسها بملح طعام أحسن نحلم باللي ناقصني عقلي يشت يا ست حرام سايق ربي عليكي يا شيخة إنّ تشدي في بطني حزام وامَّا نعيط تبقي تقولي رايحة نجيب لك لقمة قوام
راحت في النوم المسكينة أمَّا الواد ما عرفش ينام
لو سألنا : ما المثير الذي حرَّك وجدان الشاعر ليخرج لنا تلك التجربة ؟ لوجدنا مثيراً قليل الأهمية عند الكثيرين منا يمر علينا جميعا مر الكرام دون أن نلتفت إليه ممثلا في أغنية من الموروث الشعبي تغنيها كل أم لوليدها كي ينام ... تنشدها الأم الغنية والأم المعدمة دون النظر إلى معناها ... وعلى ضآلة حجم المثير إلا أن السائل الوجداني للشاعر قد توتر لها وانفعل فأخرج لنا تجربة تعبر عن معاناتنا اليومية ... ولو كان القدر قد أمهل ذلك الشاعر للانتقال إلى مرحلة النضج الوجداني الموجه لأصبح شاعرا ذا شأن كبير في الوسط الشعري
انتظروني الحلقة القادمة لنتحدث عن ( مرحلة النضج الوجداني الموجه ) وكيف يبلغها الشاعر
ملاحظة هامة : تم غلق الموضوع للحفاظ على مسلسل المحاضرات ومن لديه استفسار فليتجه إلى صفحة بين السائل والمجيب ويضع استفساره وسوف أرد عليه بمشيئة الله
عدل سابقا من قبل أبو القوافي في الخميس ديسمبر 10, 2009 2:00 pm عدل 1 مرات | |
|
عبد الله جمعه عضو مجلس الإدارة
الدولة : عدد الرسائل : 2257 نقاط : 2468 تاريخ التسجيل : 10/06/2009 بطاقة الشخصية مرئى للجميع:
| موضوع: رد: روافد الشعر العربي السبت نوفمبر 28, 2009 2:14 pm | |
| 2- مرحلة النضج الوجداني الموجه : ولو سألنا أنفسنا : إذا سقط على سطح ذلك الوجدان مثير قوي عنيف ... فماذا سيخرج لنا ؟ الشاعر السكندري الكبير " عادل عوض سند " يجيب عن هذا التساؤل .. فقد امتلك نفس خاصية السائل الوجداني الخفيف سريع الانفعال والتأثر إلا أنه قد بلغ من النضج بحيث يمس تجارب قومية عنيفة – وتلك هي مرحلة النضج الوجداني الموجه التي سنتحدث عنها في المرحلة التالية – فهاج وجدانه وأحدث هذا النوع من الأعاصير الشعرية التي تحدثت عنها تعالوا لنقرأ سويا إحدى روائع هذا الشاعر في شعر العامية من خلال قصيدة "جرعة وطن " : فوق اللي فاضل من حصيرة فرشتي مددت رجلي المتعبة ورجعت بالضهر لورا وإيديه خلفي مشبِّكة دارت عينيه بدمعها تفحص حيطاني الأربعة في أوضة فاضية مخربقة ومحارة تنفر رملها مع كل خطوة مسربعة لابن الجيران تعمل موسيقى ع الورق جنب الحيطان أوراق جرايد مهملة بابرم ساعات منها الكتير ونسد بيها شقوق في بابي مبينة كل اللي رايح واللي جاي واهو منها بافرد ع الحيطان علشان ما اعلق هدمتي مسمار وشابك بنطلون مش فاكره .. كان .. من أي لون قرَّب يقع رغم الجيوب الأربعة ما شافتش عملة من زمن ورموز لمصر الخالدة صورة قديمة للهرم والنيل كمان فوق منهم صورة ( جمال ) ورف شايل كام كتاب هلكان ومال على كرسي راحت قاعدته ورجل واقعة من سنين خاصمت وسابت ركبته باشحطها في الباب واقفله والراس تدور وأقول خلاص حان الأجل والعين تحس بزغللة وأحس صدري بيتنفض آخد شهيق بتراب وفيه ريحة البلد تزفر عينيه بالدموع تسأل تقول ؛ فين البلد ؟ ويجيني صوت راديو الجيران واسمع بقى ؛ ( مصر التي في خاطري وفي فمي ) ما اعرفش ليه رغم الشقا ؛ ( أحبها من كل روحي ودمي ) وامسح دموعي بجلد كتفي والتقي جرنان قديم .. بنداري بيه كسر القزار مكتوب عليه !! ( عدم المساس ) ووعود ماليها أي صحة من الأساس تاريخه من عشرين سنة أبلع في ريقي اللي ساعات بيمرَّره تصريح سخيف وابعد براسي وابتسم لما لقيت حكمة تقول ؛ ( الصبر مفتاح الفرج ) وكنت صابر ربما ييجي الفرج واسمع لجلد البطن صوت لما افتكر شيء من رغيف فاض من فطار يوم التلات وأمد إيدي ننفضه من نمل فيه عشش وبات يكسر صلابة لقمتي عند الحياة اللي خلاص راح تنتهي ما اعرفش فاضل فيها كام يمكن يكون فاضل لي يوم أو بعض يوم أصل الطبيب حدد وقال ؛ آخره الخميس يعني النهارده .. وقول ساعات وح ينتهي مرضي الطويل اللي انكتب فيه صفحتين تقرير لمدمن مات حقير سطره الأخير فيه كلمتين ؛ ( تعاطى جرعة زائدة .. من شيء خطير .. أنهى حياته البائسة ) وبحبر تاني مختلف كان بين قوسين ؛ ( شامم وطن ) ولسة صوت راديو الجيران بيقول غنا كان الأجل لحظتها حان آخر نفس ردد معاه ( من منكمو يحبها مثلي أنا ... مثـــــ .... لي .... أنــــــ )
إن هذه القصيدة تمثل زلزالا مدويا يهد أركان النفس البشرية المتلقية لها قرأتها وعشتها وعايشتها وتحركت فرائسي لكل حرف من حروفها .. فما مرجع تلك الدقة في تصوير كل شيء .. كل شيء ؟ والانفعال الصادق لكل مفردة من مفردات اللوحة التي يرسمها الشاعر ؟ لقد وصف الحجرة التي تشبه القبو التي يعيش فيها ذلك المواطن وصفا لم يفُتْ فائتة حتى النمل المتكاثر على كسرة الخبز , كل مفردات الزمان والمكان ... إن مرجع هذا كله إلى ذلك النوع من الوجدان الخفيف سريع التوتر الذي يلتقط أدق التفاصيل ووضعها في مكانها الصحيح داخل نسيج اللوحة .. ولو لم يكن وجدان الشاعر يقظا قادرا على التقاط صغائر الأمور والانفعال بها لها أتت هذه اللوحة على ذلك المستوى من الروعة إن " عادل عوض سند " قد وصل بوجدانه إلى المرحلة الثانية من النضج وهي مرحلة ( النضج الوجداني الموجه ) وفي هذه المرحلة يخرج الشاعر من تحت تأثير الوجدان ليصبح وجدانه هو الواقع تحت تأثيره ... ففي المرحلة الأولى ينتظر الشاعر المثير الذي يحرك وجدانه أما في هذه المرحلة فإن الشاعر هو الذي يختلق المثير فيكون قادرا على ( التقمص الشعري ) فلو سألنا مثلا : هل الشاعر "عادل عوض سند " هو ذلك البطل في القصيدة السابقة أو نصوغ السؤال بصورة أخرى ؛ هل " عادل عوض سند " مر بتلك الغرفة المتهالكة وعاش فيها ومر بذلك الفقر المدقع ؟ إن عادل عوض سند أعرفه معرفة شخصية وعايشته وما زلت أعايشه وأعرف أنه إنسان ميسور الحال جدا . ليس ثريا ولكنه ليس ذلك الشخص الذي جعله بطلا لدراما القصيدة السابقة بل أكاد أجزم أن عادل عوض سند لم يعش طوال حياته في غرفة كتلك التي وصفها أو حتى قريبة منها ... من هنا يطرح التساؤل نفسه ؛ وكيف صاغ تلك التجربة القوية وانفعل لها وهو لم ير مفرداتها ولم يعايشها ؟ أقول هنا تكمن قدرة الشاعر على " تقمص الحدث الشعري " والانفعال له وتوجيه الوجدان وتحريكه حتى يتعايش مع الحدث بصدق وهذا هو تقمص الحدث الشعري فعادل عوض سند قد نجح في توجيه وجدانه واختلاق المثير بل أجزم أيضا أنه اختزن تفاصيل تلك الغرفة من حصيلة مجموعة من الغرف كانت مختزنة في منطقة المخزون المعرفي لديه ثم قام بتجميع تلك التفاصيل ورسم مشهد تلك الغرفة التي جاءت في القصيدة ... تلك هي مرحلة النضج الوجداني الموجه الثاني : الوجدان اللزج الثقيل : كنا قد تحدثنا عن النوع الأول من الوجدان الشعري وهو الوجدان الخفيف الذي يمتلكه الشاعر الحقيقي ونوهنا أن ذلك النوع من الوجدان إنما يمر بمرحلتين من مراحل النمو ( مرحلة التعبير الفطري – مرحلة النضج الوجداني الموجه ) وهنا نتحدث عن النوع الثاني من الوجدان وهو " الوجدان اللزج الثقيل " وذلك النوع من الوجدان لا يتوتر إلا للمثيرات العنيفة وعلى عنفها فإن توتره يأتي لزجا ثقيلا يميت التجربة في مهدها فتخرج باردة لا نستطيع الانفعال لها .. وهذا النوع من الوجدان يخرج لنا كليات باهتة التفاصيل ... انظروا معي لقصيدة قرأتها في أحد الدواوين بعنوان " أنشودة مصرية " :
مصر في القرآن ... والإنجيل ذكر يتردد مصر رسم في الفؤاد ... المصري دوما يتجدد سجل التاريخ لنا مجدا ... يروي عن مهد الحضارة وأبو الهول سيبقى ... شارحا أصل العمارة سبعة آلاف عام ... في شموخ لا تبارى قد غدت في الأفق رمزا ... حوله الناس حيارى أرضها رمز العطاء ... والنماء والخصوبة قد حباها الله نيلا ... يجري فيضا وعذوبة شعبها رمز تجلى ... بالنجود وبالأصالة صفحات مشرقات ... بالنضال وبالبسالة
بدراسة مقارنة بين هذه التجربة وبين تجربة " جرعة وطن " لعادل عوض سند وبصورة سطحية بسيطة جدا دون الغوص في تفاصيل نقدية نستشعر للوهلة الأولى الفرق بين التجربتين ... هذا وطني وذاك وطني .. هذا يحب وطنه وذاك يحب وطنه .. هذا يرى في وطنه الخلود والعزة وذاك يرى في وطنه الخلود والعزة ... ولكن الفرق شتيت ؛ منذ بداية التجربة وهو الفرق بين نوعي الوجدان الذين عبرت عنهما في تصنيفي للوجدان فهذا افتعل وذاك انفعل وهذا ثقيل الوجدان لزج سطحه لا يتوتر إلا باردا ضعيفا وذاك خفيف الوجدان سريع التأثر يتوتر لأقل المثيرات كما عبرنا ... هذا عرق فما اخترق وذاك احترق فحرق كلاهما شاعر يمتلك حسا شعريا ... ولكن الفرق شتيت من هنا نخرج بمقياس جودة للوجدان الجيد .. وهنا أطرح سؤالا ؛ هل الوجدان الذي تحدثت عنه في النوع الأول يُتَعَلَّم ؟ أقول : لا بل يروض فعلى الشاعر ترويض وجدانه على التقاط صغائر الأمور والانفعال لها ... سؤال آخر يفرض نفسه ؛ فماذا إذا لم يستطع ؟ أقول له : نحن لا ننكر شاعريتك ... ولكن تبوأ مقعدك في الصفوف الخلفية للشعراء ولا تطمح أن تكون أكثر من مجرد شاعر يندرج اسمه في السجلات الشعرية كشاعر خطابي تفتعل الوجدان في المناسبات ولا تطمح بأن تكون ذا رافد شعري مؤثر بين الأمواج الشعرية المتلاطمة التي صنعت تاريخ الأدب ... إن صناعة الشاعر أهم من صناعة حاملة طائرات أو قنبلة نووية والأمة التي تفرز كل عقد من الزمان شاعرا شاعرا لها الحق أن تفخر بين الأمم
انتظروني في الحلقة القادمة من روافد الشعر والحديث عن الفكر الشعري | |
|
عبد الله جمعه عضو مجلس الإدارة
الدولة : عدد الرسائل : 2257 نقاط : 2468 تاريخ التسجيل : 10/06/2009 بطاقة الشخصية مرئى للجميع:
| موضوع: رد: روافد الشعر العربي السبت نوفمبر 28, 2009 2:16 pm | |
| عزيزي القارئ ؛ سجل ملاحظاتك في صفحة " بين السائل والمجيب " في نفس القسم | |
|
عاطف الجندى المدير العام
الدولة : عدد الرسائل : 14290 الهواية : الشطرنج نقاط : 13287 تاريخ التسجيل : 01/05/2007 بطاقة الشخصية مرئى للجميع:
| موضوع: رد: روافد الشعر العربي السبت فبراير 06, 2010 7:55 am | |
| الكبير عبد الله جمعة جهد كبير و علم غزير وجدته دائما لديك شكرا لموضوعك المفيد أخوك | |
|