سامي عقل " فلسفة التلذذ بالوجع "

إن المتابع الجيد لحركة الشعر السكندري يدرك أن هذا الشعر قد بلغ شأوا عاليا من النضج الفني على يد مجموعة من الشعراء الذين حملوا لواءه .. وحين أقول أن فلانا شاعر سكندري فهذا ليس معناه أنه سكندري الأصول .. إن من يدعي هذا كمن يبحث عن إبرة في كومة قش .. ولكن المقصود بالشاعر السكندري من توطنها واتخذها مسرحا لإبداعه .. وهنا وجب على الوقوف على نقطة هامة في علم الاجتماع يقال شخصية الإنسان وشخصية المكان .. من منهما يفرض نفسه على الآخر ؟ فإما أن يفرض الإنسان شخصيته على المكان وإما أن يفرض المكان شخصيته على الإنسان .. والإسكندرية كمكان نجحت في فرض شخصيتها على الإنسان فاصبح كل من يبدع على المسرح السكندري مصبوغا بصبغة المكان وأصبح كل المبدعين على الساحة سكندريين بحكم انطباعهم بشخصية المكان السكندري من هنا جاء حكمي أن هذا شاعر سكندري .. و( سامي عقل ) من أولئك الشعراء الذين توطنوا الإسكندرية واصطبغوا بصبغتها , وهو من الشخصيات الشعرية التي نجحت في رسم مكان لها على الساحة الأدبية بما يملكه من مقومات النضج الفكري والطاقة الإبداعية الخلاقة , وسامي عقل يتميز بعدة سمات فنية جعلته مدرسة ذات ملامح مميزة في الشعر العامي السكندري ومن ملامح تلك المدرسة :
1- على مستوى الفكر : بنى سامي عقل دائرته الفلسفية من خلال ( فلسفة التلذذ بالوجع ) ؛ طالما أن الصدام مع الواقع لم يأت بنفع فقد رأى سامي عقل أنه من الجدوى أن يتعايش مع الوجع والألم بل ارتقى أكثر إلى مرحلة استعذاب الألم والتلذذ به فبدلاً من الإحساس بأن هذا الواقع المرير قد فرض عليه الألم فمن الأولى أن يتلذذ به من باب " بيدي لا بيد عمرو " أو قل من باب " ابتسامة المهزوم تفقد المنتصر حلاوة انتصاره " فنجده دائما وأبدا يمارس (رقصة الذبيح) في تجربته الشعرية فهو يعلن الوجع الوجيع في قالب متراقص ناعم الملمس فلا تملك إلا أن تستعذب ألمه وتتلذذ به معه ويتجلى هذا في رائعته ( الصعاليكي ) التي يقول فيها :

تعذَّب فاتستعذب فعذَّب وعذَّب ... هذه دائرة سامي عقل الفلسفية التي بنى عليها زاوية رؤيته التي يواجه بها واقعه الشعري ...
2-على مستوى الصوت : نجح سامي عقل في اختلاق صوت جديد يعبر عن حالته النفسية الراقصة على جمرات الألم المستعذبة له فنجده قد اتخذ من ( التجنيس اللفظي ) صوتا متلاحقا كوسيلة من وسائل الإيحاء وكأنه قد اتخذ من هذا التجنيس " موسيقى تصويرية " والجديد عند سامي عقل أنه قلب القاعدة فالمتعارف عليه أن التجنيس من المحسنات الصوتية الزاعقة ذات الجرس العالي الرنان ولكن سامي عقل جعل من هذا المحسن البديعي اللفظي صوتا يتواكب مع مرونة الحالة ونعموتها فجاءت كلماته المُجنَّسة ذات مخارج صوتية هادئة فحقق المعادلة بأن وظف الصوت للتدليل على حالته ( رقصة الذبيح )
وإلى لقاء آخر مع ( سامي عقل والتجريب الشعري ]