للشعر حقوق الإشهار
وساوس .. والسبب أشرف وليلى
استهلال خطوات النجاح علي درب الإبداع الشعري بتفاوض نفسي وإيحائي ودرامي للبوح الدال لأشرف دسوقي علي.
ميدل ايست اونلاين
بقلم: د. أبو تمام أحمد عيسوي
"وساوس .. والسبب ليلى" ديوان يتفاوض بسياق نفسي ودرامي متميز في حالات الإبداع الآنية بروح تتلاحم فيها دوال البوح الشعري الدرامي في نظم يتلاحم بمعظم لوحاته, والتي تعكس تجربتها الكبري الشعورية أمواج الشجن وتنقلنا إلى التفاعل مع لحظات الانتظار والأمل والحلم في رحلة ملاء منتظم ومتسق بأسلوب الشاعر الذي يبدأ من مرحلة العطاء داخل سياق ملاء "أشرف دسوقي علي".
يذكرنا الديوان بدراما المواقف الإبداعية الشعرية الدرامية لصلاح عبدالصبور على وجه التحديد, وإن دعوناه في نتاج قرائحه التالية, أن يعمق تفصيلات محاور تجربته الكبرى في التجارب الشعرية الصغرى التي تمثل دوال مترابطة في النسق العام, كما ندعوه من البداية بعد أن وضع بذرتين متنوعتين في هذا الديوان, إحداهما للقصيدة الذاتية التي تعكس روح النحن, وليس الأنا المحصورة, كما وضع بذرة الخط الدرامي في سياق بوحه المونولوجي الدال.
ندعوه إلى التفكير في لونين متنوعين, هما الذاتية المخاطبة لذات الآخر, والدراما التي تحتوي الآخر في تصنيف بين اللونين، بترقب لنجاح قادم, ليس في ديوان واحد, إنما ديوان وعمل مسرحي بعينه, ولتكن ليلاه ملهمته لأدق التفاصيل التي لا غنى عنها لأحد, وقد صاغ إشارات منها في ديوانه الأول الذي بين أيدينا بدلالات رامزة وبليغة وقادرة على الإيحاء بالإيقاع الحسي الذي يحول المحسوس من المعاني الفرادية إلى الملموس في قدرات الاختمار للطاقات النفسية التي دفعت إلى البوح الشاعري لخيوط الأسى والأمل بنسج من خامات الحرير, بلطف التعبيرات وعمق المشاعر.
حظيت ليلى الموطن بشاعر شاب متألق جسور من الخطوة الإبداعية الأولى، بملحمة فنية منذ استهلال تيار البوح الذي يستدعي تاريخ الحكمة عند فرسان العربية من المتنبي والحلاج وأترابهم، باستهلال يدعم بناء التيار الشعري المموسق المتماسك الوحدات الصوفية, في تقاطع لوحاته تحمل تيار التدرج والتصاعد, لا يعوقها إلا المزج مع بعض قصائد ذاتية, لكنما تفاوض الشاعر بإيحاء دلالي وقدرات علي التفكيك والتركيب للصورة, وأدوات التجسيد تعكس "نفض السراب" في الحلم لتكون دائرة الدلالة التعبيرية رحبة تحتوي على مثابرة الفارس يقدم معزوفات بتيار متدفق للبوح يناجي عبر الألم, أملا في عالم المثال رمزه "الفل والمسك والعنبر" في حضرة ليلى الوطن.
وليلى الموطن, التي تثير الشجون والوله والطرب, لا تدعنا إلا للأمل, فقد خالج الهوى والعشق شاعرنا الشاب المناضل في هواه مؤكدا أنه قد: عاش الهوى فيها, أحلى أيامه, فيقول في موشحته "طرب":
اللمح يدنيه .. واللمس يكفيه
عشت الهوى فيه .. أحلي سني عمري
والذي نرى في خصب الوله بها في قوله:
ياليت يا ربي .. لو يستجب حبي
للود من قلبي .. في ليلة القدر
ليكون دائرة التمني والغزل, والتفاوض مع الحلم بالصحوة الرافضة للخنوع والانكسار, بسياقات متنوعة على مستوى التفاوض النفسي والذهني رافضة أن "تموت الكلمات", محتوية الاهة شجنا جنينا في الصدر لا يغادره أملا في أن يتصوف القلب والعقل ليصبح "العقل نبيا"، كما في نصه "تساؤل" في ترنيمته:
الخيمة نور وزجاجة
والعرش كلام بللوري
والأرض صلاة رجراجة
والاسم بهار رباني
هل كان الوجد سماجة
أم كان العقل نبي؟
ولا يصبح الشاعر, وهو الواحد من النحن الجماعية "ورقة صيف تتقاذفها الريح" كما في قصيدته السابقة يطرح تساؤله متفاوضا هكذا:
هل يصبح مثلي ورقة صيف تتقاذفها الريح؟
نايا, يصفر فيه لعاب الدهماء؟
بارتباط مع الفضاء الدلالي لفكرة الجهاد من أجل ليلى في مناورة يختتم بها ديوانه عبر رحلة من دوال شعرية في المنولوج والديالوج مع الآخر يلتحم فيها وجدان الشاعر مع الإنسان العربي يعشق الإنسانية, بمبدأ، يكون:
للسيف حقوق الصقل
للشعر حقوق الإشهار
وليس الإهمال في الغمد, حين يكون من حق الفارس أن يتمنطق فوق فرسه بسيفه ورمحه وبحقوق السلام في الإخصاب والإثمار, حين يراود الشاعر فضاءً دلاليا للوله وللحب لأرض السلام.
إن القراءات المتعايشة لديوان "وساوس والسبب ليلى" تصل بنا إلى رؤية نقدية جامعة مانعة محاورها الرئيسة بإيجاز كاتالي:
ـ تيار اللغة وأسلوب الخطاب يعكس صحوة الأدب الحداثي الأصيل والأنيق.
ـ بوح نفسي للشاعر في نسق درامي يؤثر الوجدان معبرا عن الآخر ومثيرا للآخر تذوب فيه ذات الشاعر مع متلقيه.
ـ التفاوض الذهني مع بطلة التجربة "ليلى الوطن" استنهاض للوجد بدلالات رامزة موصية معاصرة ومفردات تشكل أسلوب الشاعر بعينه بدوال عاطفية ووطنية غير مباشرة.
ـ الطبع يسبق الصنعة, وإنماء الصنعة في التجارب القادمة مع تنويع المجالات والاهتمام بالتفصيلات الدقيقة, سيمثل نقلة في حياة الشاعر المبدع أشرف دسوقي علي, حياته القادمة.
ـ تيار الوعي لفلسفة الواقع لا انفصال عنها, وإنما نلمس روح التجاوب فيها بإيجابية والتحام.
ـ الديوان "وساوس والسبب ليلى", كما عكس الهم الخاص والعام هو بذرتان, نواتان لرحلتي إبداع قادم للقصيدة المثيرة الذاتية وللمعالجة الدرامية التي سيمكنها التفاعل مع الآخر إلى حدود أعمق باذن الله.
ـ المحسوس يتحول إلى الملموس في أسلوب خطاب شاعرنا.
ـ التجارب الشعرية الكبرى تحتوي على التجارب الشعرية الصغرى.
ـ هذا يبشر بمولد شاعر حداثي, مبدع للقصيدة الذاتية في احتواء الآخر، وترقب إبداع مسرحي شعري متميز.
ـ الشاعر يصدر بتيار الواعي الذي لا ينفصم عن قضايا الوطن برمزية في فضاء دلالي رائع.
أ. د. أبو تمام أحمد عيسوي
رئيس شعبة الإبداع بجامعات دولية
والمحاضر والإعلامي بجامعة الإمام محمد بن سعود سابقا